Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 5 septembre 2025

 من وحي واقع النشر البئيس بتونس  


واقع النشر، ما واقع النشر؟ هو واقع مرير، وليس فقط بتونس؛ إلا أن تجلياته بها أمرّ. اليوم، في العالم أجمع، أصبح همّ الناشر أولا البيع لا نشر الأفكار. وقد رأينا بعضهم، في فرنسا مثلا، وهي دوما متاره عند التونسيين، يوقف نشر أحد كتبه رغم تزايد الطلب عليه لأنه من الفكر الحرّ الذي أتى برؤية وآراء من غير المستحب اليوم التعريف بها (وهي بخصوص حقيقة المأساة الفلسطينية). وما يلي قلته سابقا في مناسبات مختلفة من باب كلمة السواء وهي واجب أخلاقي لا لكل مفكر حرّ فحسب، بل أيضا لكل مواطن يحترم صفة المواطنة فلا يفرّط في حقوقه لأن في ذلك الخير العميم للجميع في نطاق مجتمع فيه العيش المشترك الآمن الأمين. ولئن أكرره هنا، ففي نطاق الذكرى التي تنفع الناس، مؤمنين كانوا أم لا، وذا من حرياتهم الأساسية التي دأب على انتهاكها أهل الدمغجة باسم الدين وهو منها براء! فبما أني أنشر منذ سنوات عدة خارج تونس وداخلها ولي ما ناهز الأربعين مؤلفا منشورا علاوة على العديد من المقالات بالصحافة المكتوبة والإلكترونية، فتجربة النشر والكتابة حاصلة وقد انضافت إلى تكويني الحقوقي والديبلوماسي مع بحوثي في العلم السياسي والسيكولوجي والاجتماعي. هذا ما يؤهلني لأن أدلي بدلوي في موضوع النشر وأهله بتونس وسائر بلاد العالم في زمننا التعيس الحالي؛ على أني أركزه على واقع بلادنا. لهذا أنطلق بمثال من المعيش الراهن، هو تجربتي مع دار «نحن» التي شارفت على نهاية مؤسفة دون أي رغبة مني، بل وبالتوقف عن نشر سلسلة بمسؤولية محضة من صاحبتي الدار ولأسباب مادية بحتة لا غير على الأرجح. علما وأن الدار نشرت لي ثلاث دراسات ورواية، منها دراستين في نطاق السلسلة المجهضة، وهي سداسية، بقي فيها دراسات ثلاث من رباعية ورواية.       

بخصوص هذه الدار، التي كان الاتفاق، بداية، بأن تتعهد بمصاريف النشر بعد العقد الأول الذي تكون فيه المصاريف على حساب الكاتب، كنت نصحت صاحبتها الأولي، بما أنّ لها اليوم شريكة، وبعد التأكيد لها على تعلّقي بالنشر حسب أصوله، أي باعتماد عقد الناشر لا الكاتب العمول به في تونس (والذي أذكره أسفله)، نصحتها بالحرص على أن تكون لها مكتبة بمثابة الواجهة لما تنشر؛ كما أني بيّنت لها أن بعض ما حرصت على تنفيذه أخيرا، مثل تحديد عدد ما تنش لكل كاتب سنويا أو الحرص على المشاركة في معارض بكل ولايات البلاد، ليس من شأنه الإفادة حقا، إذ الأهم العناية أكثر بالتوزيع والسهر على حسن تواجد كتبها  بالمكتبات، على الأقل الأهم منها، وأيضا العمل على عرضها على المؤسسات التعليمية والجمعيات، وبالأخص العناوين التي من شأنها أن تهمها، وتلك حال ما أنشر إذ هو من المسكوت عنه ومما له حظوة عند الأكاديميين  وأهل النضال الجمعياتي لأجل فكر متحرر! كما بينت لها أن كتبي المنشورة لديها غير متوفرة في عديد المكتبات، ومنها المهمة، كما أنها غير متواجدة، كلها أو بعضها، على موقع أهم موزع بتونس، ألا وهو مكتبة الكتاب. كل هذا مهم حتى يلاقي الكتاب القارئ خارج المعارض، وحتى فيها، حيث هي عادة غير معروضة بالشكل الذي يلفت الانتباه، بينما الموضوع الحساس أو المسكوت عنه يقتضي ذلك. وتلك حال الجزء الأول من رباعية «الفتوحات التونسية»، ضمن السداسية التي توقفت عن نشرها رغم أن الكتاب الكامل لاقى عند صدوره سنة 2016 بالغ الاهتمام من أهل الذكر والجامعيين، منهم كلية الآداب بجامعة صفاقس التي احتفت به. ولا شك أن تحيينه وتقديمه في حلة أفضل منقحة ومزيدة كان من شأنه أن تلتقي الرباعية حسن القبول لما فيها من كلام عن الوضع بالبلاد بصدق دون رياء مع تجنب الإثارة التي لا فائدة مرجوّة منها! وقد احتفت المندوبية للثقافة بصفاقس بصدور الجزء الأول من الرباعية المتوقفة. 

كان ذلك ضمن البادرة السنوية لمندوبية مدينة صفاقس وهي ميزة تذكر فتشكر إذ دأبت منذ سنين على الاحتفاء بكتابها، فتكرمهم وتقتني منهم عددا من مؤلفات كل سنة في احتفاء لطيف لا تشوبه أي رقابة على ما يُحتفى به. إلا أنه منذ سنتين تغير الاحتفاء بالإبداع الحرّ ليصبح أقل حرية بما أنه، باسم الحوكمة، أصبح قبول الكتب المنشورة رهين تحكيم من طرف لجنة تقوم المندوبية بتحديد أعضائها دون التأكيد على المحافـظة على حرية الإبداع التي كانت ديدن التظاهرة سابقا. ذلك أن أعضاء اللجنة المكونة لقبول الكتب المترشحة، بدون هذا التنبيه، من شأنهم تغليب قراءة نمطية للأدب وأخذ دغمائي للفكر، وبذلك يكون التجاهل للدور الهام الذي تلعبه المندوبية في دعم ما نشز عن المألوف والمعتاد مما ينشر، خاصة ما يحلّق خارج السرب. من ذلك ما حصل لكتابين من كتب ثلاثة لي عرضتها منذ سنتين على اللجنة فتم رفض اثنين منها لأساب واهية وتعلات غير منطقية وأخطاء وهمية سببها قراءة غير متمعنة لما أكتب من تجديد. وقد قمت بنقد لنقد لجنة القراءة لتلك السنة (أنشره لاحقا) ما أفحم كل من نال منها باسم العلم، إذ سهى عما ذكّر به النواسي أنه علم شيئا وغابت عنه أشياء. وهذه حال كل من يدّعي في العلم معرفة، فيألّه نفسه في العلم بكل شيء وليس هو إلا مجرد صنم عالم دعيّ لأنّ العالم الحقيقي يبقي من له جرأة الاعتراف بجهله مع الحرص على العلم أبدا. هذا هو العلم الذي ضاع؛ ولا يخص ذا سوى مجتمعنا بل يميّز الطبع البشري حين لا تزكيه مكارم الأخلاق رغم أن رسول الدين عندنا أتى لإتمامها. فأين نحن من الدين الحق، هذا الإيمان الإنسي الثقافي؟  

بعد نبذي لدبلوماسية بهيمة، ما أمتهنه اليوم كمفكر حرّر ومتحرّر من كل قيد دغمائي لهو، حسب تعبيري، بمثابة الدبلوماسية غير الرسمية والحرة فكريا باسم الأخلق السياسي poléthique المنعدم في العالم طرا ؛ ذلك ما أعتقده صالحا عموما، وأيضا للمساعدة على خروج النشر من وضعه المتأزم الحالي بكلام متزن يهتم بالواقع المعيش وبجرؤ على الحديث في المسكوت عنه وما لم يُعتد سماعه ولا قراءته، لا ما دأب الناشرون عليه مما يسمّى أدب محطات السفر littérature de gare . وما من شك أن هذا يقتضي أيضا السعي الدؤوب على ترسيخ عادة عقد النشر الأصيل المسمّى عقد ناشر contrat d’éditeur لا عقد كاتب contrat d'auteur المعمول به من طرف معظم الناشرين بتونس وخارج تونس حسب صور متعددة، خاصة مع غير المعروفين من الكتّاب، أولهم الشباب. هذا ما كانت واعية به المديرة الأولى لدار «نحن» والتي حرصت منذ البداية على تشجيع الأقلام الشابة، مع إرادة التعلق بما تسمّيه معرفة جديدة في دار تريدها كبيرة، متسعة للفكر الناشئ ولأدب من لهم تجربة وأقدمية في الميدان. وهذا مع احترام أصول النشر بالاعتماد فقط أو خاصة، باستثناء الكتاب الأول، على عقد الناشر. إلا أنها، على ما عاينته، تنكرت لهذا التمشي السليم، كما أنها لم تحترم حقا طموحها في رعاية فكر حر بحق متمركز ضمن معرفتها الجديدة، وذلك بإجهاض رباعية وسداسية، علما وأن هذا أتى بعد أن سبق لها التردّد ثم رفض مواصلة نشر سلسلتي للناشئة باللغتين العربية والفرنسية بعد توقفها لوفاة ناشرها رغم أنها تجدد بيداغوجيا وفكريا الأدب الموجه للشبيبة مع حصولها على دعم  من صندوق التشجيع على الإبداع لوزارة الثقافة.  

طبعا، هذا يقتضي العديد من الظروف المناسبة، منها مبيعات محترمة ومقتنيات كافية من وزارة الثقافة حتى يمكن للناشر، وعلى الأقل، تعويض مصاريف الطباعة ومواصلة المسيرة في خدمة الفكر المتحرر من عوائقه عندنا. ليس هذا بالسهل البتّة، فالمقتنيات الوزارية قليلة أو منعدمة، وإن وجدت فتأتي متأخرة، كما أن التعويض على الورق أصبح صوريا تقريبا. فما العمل لنشر كتاب خاصة إذا وافق أو طالب صاحبه بالتكفل بمصاريفه؟ في بداية نشري لكتبي بفرنسا والمغرب ثم بروكسل وتونس، تعاملت بنوعي عقد النشر، فكان عقد الناشر بالمغرب وفرنسا وبروكسل، كما كان أيضا عقد المؤلف بفرنسا أيضا حسب قاعدة اقتناء عدد معيّن من النسخ من الناشر حال صدور الكتاب، أو دفع قيمة معينة من المال مع اقتناء عدد من الكتب كما كان ذلك بتونس مع دار «نقوش عربية»، أو حتى التكفل بكل المصاريف، كما كانت الحال مع دار «تبر الزمان» التي توقفت اليوم عن النشر. هذا طبعا يمكّن الكاتب من تشر ما يؤلف ويساعد الناشر علي مواصلة مهمته في النشر، خاصة إذا سهر على نشر ما لعله يُرفض عند بقية الدور لجرأته أو الكلام في الممنوع أو المسكوت عنه. إلا أن مثل هذا التمشي ليس في صالح الكتاب آجلا إذ مكّن عديد الناشرين من التمعش من النشر على حساب أهل الإبداع، فإذا عددهم في تكاثر وعدد المبدعين غير المعروفين يكاد ينعدم. ولا شك أن الحل ليس بيد لا الناشر ولا الكتاب، بل من مهمة ومسؤولية السلط الرسمية إذا اعتقدت في دور الثقافية كعنصر هام من عناصر تطور البلاد وإشراقه الثقافي. على أن مواصلة الكتّاب غض النظر عن خطورة تشجيع دور النشر التي لا هم لها إلا التجارة والربح يشجعها على مواصلة اعتماد صيغة عقد الكاتب ما يدفع بعض الناشرين إلى الغلو في ذلك بالسهو عمدا على ذكر حقوق المؤلف عدا الكمية المبيعة له كحقوق تأليف ثم التصرف في الكتاب كما يحلو لهم دون مراقبة لا لكمية النسخ المنشورة ولا بالتصرف في النسخ الرقمية المستخرجة منها بتعلة عدم ذكر كل ذلك بالعقد رغم أن انعدام التنصيص على ما يفرضه بداهة القانون وحق المؤلف لا يعني إهداره. هذا من مشمولات المؤسسة المسؤولة على حقوق المؤلف بتونس OTDAV التي من حق المؤلف، بل من مصلحته، الانضمام إليها للمطالبة بحقوقه المهضومة.