مشروع قانون للمساواة في الإرث بين الجنسين
أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط في تقريره الأخير بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. ودعا إلى تعديل مدونة الأسرة بشكل يمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل، خاصة في مجال الإرث، وذلك حتى تتناغم فصولها مع المادة 19 من الدستور والمادة 16 من الاتفاقية الدولية المصادق عليها من طرف المغرب الداعية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
إن مثل هذه التوصية لهامة جدا نظرا لأنها عند البعض من المتزمتين تمس بنص قرآني، بل وتنهكه. فموضوع المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة يعتبر عند هؤلاء من قطعيات الدين التي لا تقبل المراجعة، فيرفضرن ما يعتبرونه مجرد مطلب من علمانيين لا يدعون إلا تحت تأثير الغرب إلى إعادة النظر في القانون المغربي بما يتلائم والاتفاقيات الدولية.
وليس في هذا بتاتا أي شيء من الصحة، إذ المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة هي حقيقة مطابقة لمقتضيات الإسلام ومقاصد الشريعة كما نبينه في هذه المقالة.
مقصد الشريعة في الميراث :
ليس احترام الإسلام اليوم إلا في إقرار المساواة التامة في الإرث بين الجنسين؛ ذلك لأن الحالة الراهنة لهي التشويه الفظيع لما جاء به ديننا من رفع لقيمة المرأة إلى حد أنه فرض لها ما لم تكن تطمع فيه في زمن لم يكن لها فيه أي قيمة.
إلا أن من يعتقد من الفقهاء أن النص الذي ورد في القرآن مما لا يجوز تجاوزة ليفحش في الغلط في حق الإسلام لأنه عندها لا يحترم بتاتا روح هذا النص ومقاصد الشريعة التي نوت العدل والإنصاف في حق المرأة معترفة بقيمتها ومساواتها الكاملة للرجل في مناسبات عدة وفي زمن ومجتمع ذكوري محض.
فمن يقول أنه لا يمكن إلا القبول بالنص الذي يفرص نصف حظ الرجل للمرأة كما هو لا يأخد بالدين الإسلامي الحق إنما بقراءة لا تمت لروحه لأنها من الإسرائيليات التي داخلت الإسلام والتي فيها قداسة النص مادية، تجعله هيكلا بلا روح ولا مقاصد.
ولا مرية أن هذه هي المسحة الطاغية إلى اليوم على فقهنا الذي تجاهل في ميدان الميراث مقاصد الشريعة في المساواة التامة بدون تمييز بين الذكر والأنثىى في كل شيء.
إن النص القرآني الحالي، بدون أدنى شك، كان خطوة أولى وثورية بالنسبة لعصره جاءت بفتح عظيم للمرأة أراده الله أن يتم على مراحل كما هي القاعدة في الوحي والتشريع الإسلاميين؛ ففي هذا الغرض، ترك الله للمؤمنين مسؤولية إتمام هذا التوجه بعد أن بين المبدأ، وهو العدل والإنصاف والمسار، وهو تمام المساواة في الأنصبة.
فإن كان العدل في ذلك الزمن إعطاء المرأة نصف نصيب الرجل، ولم يكن لها أي قيمة، فمن باب أولى أن يكون اليوم نفس النصيب نظرا للقيمة التي أصبحت لها. وقد ترك الله مسؤولية تحقيق مقصد الشريعة هذا للمؤمنين، لأن الإرث من أمور الدنيا وللبشر السعي للاجتهاد فيها كما علّمهم الله وعلى هدي تعاليمه؛ وهي هنا في الرفع الأسنى لقيمة المرأة والمساواة التامة مع الرجل في كل شيء بما في ذلك الميراث.
مشروع نص قانون في المساواة :
إن الحال هي نفسها بكل البلاد العربية الإسلامية في هذا الميدان؛ وقد كنت عرضت سابقا مشروعا في المساواة بتونس لم يلق بعد صدى؛ وها أنا أعرضه أيضا على بلدي الثاتي المغرب لعله يلقى أكثر حظا في القبول بها.
ذلك لأن ميزته حرصه على انتهاج التدرج على هدي ديننا دون أي تشدد ولا انتقاص من هيبة تعاليمه ولا من حرية المسلمين في القبول أو رفض تحيين النص الديني حسب روحه ومقاصد الدين السنية.
فهذا المشروع لا يقتضي إقرار المساواة في الإرث إلا لمدة زمنية وحسب رغبة الممعنيات حتى يكون القبول به فرض نفسه في نهايتها ووقع التدليل عليه؛ وبانعدام ذلك تقع العودة للعمل بالنص الحالي.
وهذا لعمري مما يتناسب مع منهجية القرآن في التدرج في أحكامة والتعويل على حرية العبد في تصريف أموره مع ترك تمام الحق للمؤمن في فهم دينه في جانب المعاملات به حسب ما يصلح به دنياه.
مشروع القانون
في إقرار المساواة في الإرث بين الجنسين
اعتمادا على التأكيد الدستوري للمساواة التامة بين المواطنين،
واعتبارا للدور السني للمرأة في المجتمع المغربي وحقها في المساواة مع الرجل،
ونظرا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي شرّفت المرأة فأعلت من شأنها في نطاق توجه مرحلي تقدمي جاء متناغما مع وجهة التاريخ والمنظومة العالمية للقيم الإنسانية؛
فإن مجلس النواب يقرر :
لمدة سنوات عشر ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ يقع رفع تطبيق القاعدة الحالية التي تمنح للوارث الذكر مثل حظ الأنثيين، وذلك كما ورد بمدونة الأسرة.
خلال هذه العشرية، عدا حالة الرفض الثابت من المرأة الوارثة، فإنه يقع تمكين المرأة مثل حظ الرجل في الإرث ليعادل نصيب الأنثى نصيب الذكر الوارث.
وفي نهاية فترة العشر سنوات من تطبيق هذا القانون يقع إقراره نهائيا أو إبطاله بعد تقييم مستفيض لتطبيقه خلال المدة المعنية.
تتم دراسة التقييم من طرف مجلس النواب قبل نهاية عشرية التطبيق لهذا القانون حتى يقع إثباته نهائيا أو إبطاله.