ليس الإسلام معتدلا ولا سلفيا، فهو ثورة مستدامة !
طالعنا الأخ فيصل القاسم بمقالة على صفحات أخبركم الغراء بعنوان هل تتدعشن التيارات الإسلامية المعتدلة؟
إن الدعدشة، أي الدعشنة التي يتحدث عنها الصديق العزيز، هي في ما يسمى بالإسلام المعتدل، لأنه في الحقيقة إسلام هجين؛ إذ الإسلام الحقيقي الأصيل هو ثورة فكرية ذهنية أو لا يكون.
وليس الإسلام الداعشي إلا الغلو في نمط من الإسلام المتزمت الذي تمثل الوهابية نوعه المبستر، بينما الإسلام الموسوم بالمعتدل أو الوسطي هو الإسلام الهجين الذي ليس فيه من الإسلام إلا الظاهر بما أنه كله إسرائيليات مستبطنة.
في الإسلام الهجين، الجبل الجليدي العائم
من الغريب في مقالته أن الأخ القاسم، رغم نباهته، لا يرى إلا ما يطفو على سطح الماء من الجبل الجليدي العائم، أي هذا الإسلام الهجين، أي ما يسمى بالإسلام المعتدل.
فهذا الذي يطفو على السطح ليس من الإسلام في شيء، إذ هو كله ما يبدو لنا مخادعا من الإسرائيليات وقد غزت ديننا فشوهت تعاليمه. أما ما يبقى تحت الماء، فهو في معظمة الإسلام المتزمت، سواء كان وهابيا أو حنبليا أو داعشيا؛ وهي كلها مسميات لنمط واحد هو الإسلام اليهودي المسيحي، إسلام الإسرائيليات.
أما الإسلام الحق، فهو ما طغا عليه هذا الجبل الجليدي بكلكله فهده تحته وكان يقضي عليه؛ إلا أنه يبقى ويدوم محافظا على تأصله وتجذره بقاع البحر.
طبعا، يندد الأخ القاسم بما يسميه إسلاموفوبيا، أي رُهاب الإسلام والذعر منه، ويندد أكثر بالمسلمين الذين يلوكون ما اجتره قبلهم الغرب مسيئين للإسلام في خدمتهم هذه الشعورية واللاشعورية لأسيادهم الغربيين ومصالحهم.
ولكن هل كانت للغرب مصالح دون أن تكون في نفس الوقت مصالح هؤلاء المسلمين. وهل المسلمون بحق يعملون بدينهم؟ فأي دين هذا الذي ليس فيه إلا الرهبوت والنقموت والحفد والكراهة للجنس البشري وقد جاء الرسول الأكرم رحمة للعالمين؟ فذلك في الكتاب المقدس وليس في القرآن حيث لا وجود لحرب مقدسة؛ ثم لا جهاد اليوم إلا الأكبر، أي جهاد النفس ولا غير ذلك !
إن الدين الإسلامي لا يهودي ولا مسيحي، بينما السلفية السنية، وهابية كانت أوحنبلية أو غيرها من طوائف التزمت والترهب. هي أساسا من رواسب الإسرائيليات. فالإسلام الصحيح، دين التسامح، خاتم الأديان في علميته وعالميته، هو كما عرفه وعاشه أهل التصوف. فلا إسلام غير الإسلام الصوفي!
المنافحة عن إسلاميين غير مسلمين
إن الأخ الفاسم فيصل ليعتقد غلطا أن ما يسمى بالربيع العربي جاء مكرسا لقوة الإسلاميين على المشهد السياسي بينما لم يكن ذلك عن خيار، لانعدام حرية الختيار بالشارع العربي، إنما عن حسابات وطبخات للغرب طبعا مسؤولية استنباطها، ولكن بمساعدة وتواطؤ المسؤولين العرب ونخبهم.
فالموضوع ليس في شيطنة الإسلاميين بقدر ما هو الكشف عن عوراتهم المتمثلة في استعمال ورقة التين الإسلامية للتغطية على قناعاتهم الدينية المناقضة لنص الإسلام الصحيح وروحه ومقاصده. وهذا ما يثلج صدر الغرب اليهودي المسيحي، إذ يبقى المسلم هكذا متزمتا ظلاميا بينما يبدو الغرب بيهوديته ومسيحيته حامي الأخلاق وراعي الحقوق والحريات. ونحن نعلم أن الرسلام كان حداثيا قبل حداثة الغرب.
فكيف يدافع الأخر القاسم عن إسلاميين لم يأخذوا بشيء من الإسلام ولم يصعدوا سدة الحكم إلا بمساعدة الغرب لأجل برامجهم الإقتصادية الآخذة برأسمالية أكل عليها الدهر وشرب؟
إن الخوف كل الخوف اليوم لم يكن في أسلمة الحياة اليومية للشعوب العربية ولا في شيطنة الإسلاميين بقدر ما كان في تشويه الإسلام من طرف هؤلاء المدعين الأخد به بينما هم لا يدينون إلا بالإسرائيليات التي شيطنته فقلبت سماحته إلى فظاعة. فهذا هو الذي نرى داعش تفعله بسند لا من الغرب فقط بل وأيضا من النظم المدعية التعلق بالسلفية الإسلامية وهي ليست إلا في خدمة اليهودية والمسيحية.
إن الخوف كل الخوف اليوم ليس من الغرب الذي لم يغرب عن قدر الإسلام ولا لحظة؛ إنما هو من المتواطىئين معه ضد مصاله شعوبهم، علنا وسرا، لأن الغرب لا حول ولا قوة له بدونهم.
والخوف كل الخوف ليس من الإسلام، وهو في قلوب المجتمعات في صفته الصحيحة، أي الشعبية الصوفية، بل من الإسرئيليات التي تدعي الأسلمة وهي تعدم صرح دين القيمة من الأساس.
فهذا ما لا نقله لا من هؤلاء الساسة المخربين لصرح الإسلام ولا ممن ينافح من نخبنا الفكرية، عنهم لأننا في عصر الجماهير التي لم تعد تقبل أي مغالطة.
ليس الإسلام وسطيا
إن من يطنب في الحديث عن وسطية مزعومة للإسلام لا يفعل ذلك إلا تدجيلا أو تسويقا للإسرائيليات فيه. فمن الضروري اليوم النفاذ إلى ما تخفيه الأقوال، لا الوقوف عند ما تجاهر به، إذ لم يعد يخفى على أحد أن مثل هذه التصريحات التي تشدد على وسطية الإسلام للتمويه والمغالطة.
ولعل أكبر دليل على ذلك اتفاق العدد الكبير من المسلمين، رغم اختلاف مشاربهم الإيديولوجية، بما فيهم السلفيين، على مثل هذا التعريف الذي هو في مفهومه أفرغ من فؤاد أم موسى.
فإما هذا التعريف المزعوم صحيح ، وعندها ما الذي يفرّق حقا بين هذه التيارات المتنازعة ولماذا تواصل تناحرها على حساب الشعب؟ وإما هو هذا التعريف الخاطيء كما ندد به هنا، أي الذي لا معنى له إلا المغالطة، وعندها إلام المغالطة خاصة من طرف مفكرينا؟
لقد اعتدنا مثل هذه المغالطة في أفواه من اختلف سياسيا إلى حد التقاتل؛ فنحن نعلم أن الساسة يؤمنون بضرورة المخادعة للعمل السياسي، وقد أخذوا بالسياسة في مفهومها التقليدي المتقادم؛ وقبحا لسياستهم هذه التي أكل عليه الدهر وشرب! لكن هل يسير الإعلاميون في ركبهم بينما دورهم يبقى إنارة العموم وخدمة الإعلام الهادف؟
إن كل مسلم حق يعلم أن الإسلام ليس وسطيا البتة، وإلا فهو ليس بذلك الإنقلاب الكبار الذي جاء به دين محمد على عقلية مجتمعه وعالمه أجمع. فلولا أن ديننا كان ثورة عقلية حقة لما انتشر وتوسع في أنحاء المعمورة في فترة وجيزة، ولما نما ودام إلى يوم الناس هذا!
إن الوسطية لا معنى لها ولا قدرة على قلب المفاهيم الخاطئة رأسا على عقب؛ ولا شيء جاء به الإسلام غير الثورة، وهو الذي ميّزه عن سائر الأديان الأخرى، إذ كان بحق الدين والدنيا في نفس الآن.
وهو كذلك إلى اليوم، شامخا في علوه رغم الداء الذي ينخر عقول البعض من أتباعه من جراء تلم الإسراذيليات التي تغلغلت فيه، ورغم الأعداء الذين يتربصون له الدوائر من الخارج ومن الداخل خاصة في طوابير خامسة لا تحصى ولا تعد.
ماذا نرى اليوم؟ تعلقٌ باجتهاد سلف صالح كان من الروعة بمكان لعهده ومجتمعه، ولم يدّعي في شيء الأزلية التي نرى الفقهاء اليوم ومن ادعى الفقه يضفونها عليه وكأنه من قداسة القرآن؛ وليس ذلك إلا لقعوسهم عن العمل بما أمرهم به دينهم من الإجتهاد المتواصل اللامنتهي، لأن البشرية في نمو وتطور لا ينتهي؛ إذ تلك هي نواميس الله في خلقه.
إنه من التجني على السلف الصالح أن نرميه بما ليس فيه، فنجعل من رأي واجتهاد رآهما فصلحا لعصره هذا النصب الذي نعبده اليوم فنتقيّد بما يفرضه علينا تقديسا له - مع أنه لا تقديس إلا الله - في تصريف أعمالنا ودنيانا؛ فما هذا الذي جاء به ديننا الثوري!
إن ديننا يحتّم علينا الأخذ بقوة بكتاب الله وسنة رسوله الأكرم وإحكام العقل في تأويلهما حسب مقتضيات العصر الحاضر، لا حسب ما جاء به السلف لعصره وظروفه؛ فبذلك نقدس الله حق قداسته ونكرم سلفنا الصالح حق قدره!
إن الإسلام اليوم عند من يدّعي نصرته لهو كتجارة نفقت عند أهلها الأوائل ثم نام ورثتهم عن ضرورة العمل على تنميتها فإذا بها تكسد وتبور! فليست التجارة النافقة في تمجيد طرق السلف ونجاحه في الوصول إلى الوسائل الرابحة لغزو سوق زمنه، إذ كم هي الطرق والوسائل التجارية التي تنجح اليوم وتفشل في الغد إذا لم تتطور فتتأقلم مع مقتضيات التجارة وأحكامها مع السهر المستدام على الجودة الأصيلة للبضاعة وتناسب الثمن معها بدون أي شطط!
إن الإسلام الوسطي لهو كالتجارة المتوسطة في سوق ارتفعت فيه المزاحمة إلى أقصى قدر من منافسة ليست دائما شريفة، فهي لا تنجح إلا إذا اعتمدت، بالإضافة لجودتها وثمنها المعقول وإن علا، على وسائل عبقرية تمكنها من كسب السبق دوما في مثل هذا التزاحم الحيوي المستمر.
فلا نجاح لتجارة إذا اعتمدت فقط على النوعية والثمن المناسب أمام المنافسة الشرسة المتواصلة لها من طرف البضاعة الرخيصة، العديمة الجودة؛ ناهيك عن تلك المزورة المصطنعة. فلكسب السبق دوما، لا بد لبضاعنتا أن تكون جديدة متجددة مع حفاظها على رونقها الأصيل وجودتها المعهودة! ولا شك أن كل ذلك يكمن في التزامنا بالثورية في التأقلم مع مقتضيات السوق، لا السوق الداخلية فحسب، بل والعالمية أيضا في هذا الكون الذي أصبح كالحي، إن لم يكن بعد حارة وعمارة واحدة!
إن الإسلام ثورة مستدامة أو لا يكون !
إن الإسلام ثورة أو لا يكون، وهو ثورة مستدامة عند كل مسلم حق، صدق في إيمانه، فأخذ بحق بكلام الله في معانيه ومقاصده لا في حرفه كما يفعل من جهل دينه، جاعلا من النص قيدا يلتزم به حتى وإن خالف روحه، فإذا هو كالصنم يعبده دون الله الذي يتمثل نوره وتتجلى قداسته في روح تعاليمه قبل نصها، وفي مقاصد شريعته قبل حرفها.
الإسلام الحق هو هذه الثورة التي تجعل منه دين البشرية جمعاء في صلوحيته لكل زمان ومكان، وذلك بما يزخر به من تعاليم تحترم الذات البشرية وتقدس حرية الإنسان، ملتزمة بحقوقه، كل حقوقه، في كونيتها ودعوتها الجادة للاجتهاد والأخذ بما يصل إليه العقل البشري العالمي من فتوحات ذهنية.
الإسلام الصحيح هو ثورة مستدامة في هذا الاجتهاد الأكبر، الذي يطلبه من المؤمن، على نوازع نفسه حتى تتزكى كل يوم أكثر، فتُعمل العقل دوما وتشحذ الهمة لزاما، آخذة بكل ما يصل إليه العلم البشري دون تفرقة بين عربي أو أعجمي إلا بتقواه. والتقوى هي التزام تعاليم الله في روحها التي تمجّد الذات البشرية وتعلي من كعب العقل أي علو!
فأين نحن من هذا الإسلام الحق في التزامنا بفقه صلح يوما ولكنه في حاجة لمن يرتفع به أكثر عما استنبطه من أحكام على ضوء أنوار الفرقان المشرقه وتعاليم السنة السمحة؟ إننا نتجاهل بعنجهية حكمة ديننا في السهر على مصلحة الإنسان بالعودة دوما إلى مقاصد الشريعة التي تتلاءم، بدون أدنى شك، مع التطور الإجتماعي وتفتق الذهن البشري لما لا يفقهه إلا من يعمل بالفرض الإسلامي على دوام إعمال العقل في الشؤون البشرية.
لقد أمدتنا أحكام ديننا بالوسيلة الفضلى والفهم الأمثل حتى يبقى هذه الثوة المستدامة الذي جاء بها، وهي الثورة التي يمثلها كدين أزلي التعاليم، خاتم للأديان كلها. وأولها أنه لا واسطة بين الله وعبده، فليس للفقيه ولا للشيخ أي سلطة على المؤمن لأن الإسلام الأوحد هو في الإيمان الحر والاجتهاد في فهم تعاليم الدين حتى وإن غلطنا، ذلك لأن الله يثيب الخطأ عن حسن النيه تشجيعا منه على الاجتهاد الذي هو من الجهاد.
و في مثل هذا الاجتهاد للمسلم أن يعتمد لا على النص فحسب، أي الرسم، بل وأيضا على الباطن، أي روح النص، أو ما يسميه الشاطبي مقاصد الشريعة. ولا غرو أن هذه المقاصد تلزمنا اليوم اعتماد كونية حقوق الإنسان في احترام مباديء هي في عالمنا من أسس كل ديمقراطية حقة، مثل التساوي التام بين الرجل والمرأة في كل الحقوق بما فيها الميراث، وعدم التفرقة بين عباد الله أيا كانت مشاربهم ومذاهبهم، بما فيهم اليهودي أو المثلي التوجه في حياته الخاصة، وعدم تقييد حرية الفكر والتعبير حتى وإن بدت مخالفة لما نقدّسه.
فأين الأنظمة التي تقتل المثلي وترفض المساوة بين الرجل والمرأة من هذا الإسلام؟ إنها تأخذ بما ورد في غير كتاب الله، لا تأتم بهديه ومقاصد شريعته وقد سوى بين كل خلقه، لا يفرق بينهم إلا تقواه.
إن المقدّس الإسلامي الحق لا يدنّسه أي شيء؛ بل نحن ندنّسه برد فعلنا المهلوس في التقليص من الحرية الفردية، لأننا عندها نناقض حتما وننسف المبدأ المقدس الذي جاء مكرسا له الإسلام، مدافعا عنه، ألا وهو الحرية البشرية في ملة الإسلام وضمان حرية الرأي والمعتقد!
فلينتبه المسلم الحق وليأخذ حذره من دعاة الباطل ممن يتكلم باسم الإسلام وقد غاب عنهم كنه ديننا الحنيف، أي ثورته المستدامة على كل ما تحجّر فينا من فكر وتصرف، فجعل قلوبنا كلها غل لبعضنا بعضا، وقد دعانا رسولنا، الذي جاء متمما مكارم الأخلاق، للمحبة والتسامح والتزام المثل الصالح في كل الحالات.
هذا هو الإسلام الحق ولا شيء آخر، الدين الثوري، خاتم الأديان كلها في أزليته وسماحته وحبه للبشرية قاطبة! فالإسلام دعوة حب وسلام، وهذه هي الثورية الدينية التي يمثلها في عالمنا الذي طغت عليه الأنانية والكراهية إلى حد سفك الدماء.
إن عالمنا لهو جاهلية اليوم، ولكل جاهلية إسلام للخروج من الظلمات إلى النور! فهلا يذكر بهذا أصحاب أقلامنا وأهل الفكر ممن يدعى المنافحة عن الإسلام فلا يجعل من الحق مطية للباطل خدمة لمصالج سياسية أو مذهبية لا خدمة لضميره وما يحتم على دينه من كلمة السواء ولو على النفس؟
نشرت على موقع أخبر.كم