العيد الإسلامي
من شعائر الملة إلى المهرجان الشعبي
نحتفل اليوم بعيد الفطر أعاده الله بالخير واليمن والبركة على أمة الإسلام وهي بحاجة لكل ذلك وزيادة في هذه الأيام الكالحة في تاريخ الدين الحنيف. وسوف نعرض لهذه المناسبة الهامة في دين الإسلام من زاوية غير معتادة، ألا هي زاوية علم الإجتماع.
فلا يخفى على العارفين في دين الحنيفية المسلمة أن العديد من العادات والاحتفالات لم تعد لها بالمرة الصبغة التي كانت لها في الأصل ولا لها أسباب الاحتفال في مقاصد الشريعة، إذ داخلتها عادات غريبة عن روح ونص الإسلام، منها الكثير يتأتى مما سمّي بالإسرائيليات (مثال ذلك عيد الإضحى أو الاحتفال بالمولد النبوي الشريف)، ومنها ما هو من الموروث الشعبي الدنيوي الذي لا علاقة له مباشرة بالدين.
ولا شك أن ما يميّز الإسلام عن غيره من الأديان تعلّق أتباعه بطقوسه وشعائره، حتى وإن كان ذلك بصفة غير تامة أو مخالفة لصريح النص في بعض تجلياتها. فمن المسلمين مثلا من يحرص على الصيام، وهو ركن هام من أركان الدين، دون الصلاة التي هي ركن أهم؛ بل نرى البعض يفرض الصوم فرضا مستعملا النص القانوني، كما هو الحال بالمغرب، دون أن تكون الحال نفسها بالنسبة لما هو أعلى مرتبة، كالصلاة والزكاة؛ ولعل في هذه الملاحظة البسيطة الدليل الكافي على تهافت مثل هذا القانون الجائر الذي يفرض الصوم قهرا والذي يتعين إبطاله باسم الإسلام بما أنه لا عقيدة حقة ولا شعائر صحيحة بدون إيمان صادق ونية صافية ليس فيهما أي مجال للفرض والجبر والقهر.
إن هذا النشاز الذي نراه في مجتمعاتنا الإسلامية بين ما هو نظري في الإسلام وما هو من العادات والتقاليد هو بلا أدنى شك ما مكّن هذا الدين ويمكّنه من الدوام في النفوس رغم الهزات العنيفة التي حاولت تقويض صرحه وتداوم على ذلك بتصرفات رعناء ومواقف غبية من الساهرين على الإسلام الرسمي.
فالإسلام بصفته صلة وثيقة ومباشرة بين الله وعبده، مع انعدام كل واسطة من نوع الكنيسة أو حتى المرجعية الفقهية، يؤسس لحرية العبد في التصرف في تفاصيل دينه ما دام يأخذ بأسّه ولبّه. لذا رأينا الإسلام الشعبي يختلف أحيانا، بل وكثيرا، عن ذلك الإسلام الرسمي، ورأينا هذا الأخير مضطرا لأن يغض النظر عن كل ذلك ما دام الأصل لا إخلال فيه. فالفاصل هنا تبقى المظاهر بما لها من الخداع والنفاق، وبالرغم من أن الدين الحق لا نفاق فيه ولا خداع.
إن المتمعن في العادات والتقاليد الإسلامية ليس له إلا ملاحظة مدى تعلق المسلم بدينه وحريته بطلاقة فهم لهذا الدين في نفس الآن، فهو لا يشك في الأخد بدينه كما يجب نظرا لتشبثه بالتقاليد التي ورثها عن آبائه وعهدها منذ صغره. فلا مجال بالنسبة له للشك في حسن هذه العادات، ولا مجال للنقاش فيها أو حتى التمعن في ما اختزنته من رواسب من الماضي السحيق؛ فهي من الدين وإن لم يكن الدين منها.
والشعائر عند المسلم مواسم؛ والموسم، كل موسم، هو العيد أي الفرصة السانحة لإقامة الأفراح والاحتفال والمهرجان. لذا، فلا عيد بدون احتفاء واحتفال، ولا إقامة شعائر بدون مهرجان في الإسلام الشعبي الذي يبقي من أهم تجليات الإسلام.
تلك حال عيد الفطر التي تقتضي وجوبا عند أغلب المسلمين لا طقوس دينية ضرورة - بما أن الإسلام في سماحته لا يفرض ما لا طاقة للمسلم به وما لا يرتضيه بدون عنف -، بل ما من شأنه تحقيق ملتزمات المهرجان من احتفاء وبهجة حتى وإن كان في ذلك تعنّت على النفس وتعب نفسي ومادي. فرب العائلة يحرص، أيا كانت ظروفه ، على أن يمكّن صغاره من نفس الجو الاحتفالي الذي عرفه في صغره، وكأنّ ذلك من أركان الدين فلا يصح إلا بها.
الحقيقة أن مثل هذه النظرة للدين سليمة في توجهها النفساني، إذ هي تضمن من الزواية الإجتماعية تأصل هذا الدين في نفسية المؤمن ورسوخه بها لما في ذلك من جوانب بهيجة وعوامل إيجابية ترّغب ولا تنفّر وتجلب فلا تُبعد وتُقصي.
إن هذه الخاصية لإسلامنا الشعبي لهي الميزة الكبيرة التي جعلته هذا الصرح المنيع في الأنفس، يتناسب ويتناغم مع مقتضيات الزمان الحاضر، أي زمن مابعد الحداثة، أي هذه الحقبة الزمنية المتميزة بنزعة روحانية طاغية مع شدة تعلق بكل ما هو من باب الُمتعية ووجوب الاستمتاع بالوقت الحاضر والتلذذ بمباهجه. ولا شك أنه لا أكبر ولا أعلى من مباهج ليس لها فقط صبغة الحلال، بل وأيضا فيها تمام الدين.
بذلك قُلت وأقول أن هذه الخاصيات مما يؤهل الإسلام بأن يكون بحق دين ما بعد الحداثة بلا منازع إذا عرف أهله اليوم الارتقاء به عاليا في مستوى سموّ تعاليمه بعد نزع كل ما شانها ويشينها مما صلح لأزمن ولم يعد يصلح اليوم. فليست أزلية الإسلام في المظاهر الخادعة بل في روحه ومقاصده. والروح من الله لا قدرة للعقل على التأكد من فهمها كل الفهم، إذ عقله كعقل الصبي الذي ينمو بنموه؛ فالمقاصد يتطور فهمها حسب الظرورف وتغيّر المفاهيم في المجتمعات. هذه سنة الله قي خلقه، ولا راد لأمره، إلا من لم يكن بحق قد فهم سر دين الإسلام ومعجزته.
نشرت على موقع أخبر.كم