من فيض الخاطر حول عيد الأضحى
الفيض الأول
رد على قراءات في عيد الأضحى لآمنة الرميلي
مع كامل احترامي للأخت آمنة، أجد قراءتها من هذا الفكر الذي أكل عليه الدهر وشرب، لأنه من فكر الحداثة وقد قبضت وهي بصدد التورية تحت التراب.
إن الأضحى كخلاص هو فعلا ما مارسه إبراهيم مع ابنه إسحاق، وهذا من طقوس اليهودية. وفيه المعنى القديم المتقادم للرحمة الإلاهية التي تقتضي انعدام الرحمة البشرية بعضها في بعض. وفي ذلك التوزيع الجائر للأدوار في العائلة الذي ورثناه في ديننا كراسب من رواسب الإسرائيليات، والذي فيه العائلة محافظة، ربها له كل الحقوق على أعضائها.
أما طقس الإسلام، فهو ربط سنة إبراهيم بالحج، فلا ذبح دونه، وبذلك لا ذبح خارج شعائر الحج. وبالتالي، لا علاقة البتة بين هذا الطقس الديني البحت والحياة العائلية التي ليس فيها رب ومربوب في الفكر الإسلامي الأصيل، بل حرية تامة في نطاق القبيلة، وهي اليوم متعددة الأوصاف والتجليات، فهذا زمن القبائل والعروش.
لذلك، يغلط من يجعل من الإسلام مجرد تواصل للفكر اليهودي المسيحي كما هو اليوم في الفقه الذي ورثناه. فقد جاء الإسلام بالقطع مع مثل ذلك الفكر، لأنه فترة جديدة في الذهن الديني البشري، ومعلوم أن الفترة في العربية هي القطع والانقطاع، تماما كما هي بالفرنسية في أصل الكلمة époque
إنه من المؤسف حقا أن يواصل أساتذتنا المبدعون الترويج للإسرائيليات في ديننا مما يشين الإسلام. فليس فيه أي طقس للتخلّص من الإحساس بالذّنب عن طريق الاغتسال بالدّم، لأن لا ذنب في الإسلام، فكبير الفرق في الإسلام بين الذنب والإثم، إذ لا إثم إلا في عدم التوحيد، أما الذنب فهو ما يميز الطبيعة البشرية ويقبله الإسلام ما دام المسلم يعمل على تزكية تفسه بل ويحثه على ذلك بآليات عدة منها الكفارة.
لقد حان الوقت لتزكية فكرنا وعقلنا مما شابه من رواسب الدينين اليهودي والمسيحي. فالإسلام ثورة أو لا يكون، إذ كان حداثة قبل الأوان rétromoderne وهو اليوم مابعد حداثي postmoderne، وهذا ما أسميه بالإ-سلام i-slam
الفيض الثاني
ليس عيد المغرب الأقصى هو الباطل، بل عيد الأضحي طرا في بلاد الإسلام !
تواترت الأنباء عن موقف الجامع الأزهر ببطلان العيد بالمغرب الأقصى نظرا لاحتفاله بهذه المناسبة الدينية حسب الرؤية، مخالفين ما أقرته السعودية.
والحق يقال أن رأى أمين عام الفتوى بهذا الجامع لا يلزم إلا من يأخذ به ويرى رأيه، لأن الفتوى في الإسلام مجرد رأي، وإعمال الرأي من الواجب المتأكد في ديننا، الذي يحرّض على إعمال العقل والاجتهاد الذهني، حتى أن الخطأ مع حسن النية في الإسلام مما يثاب عليه.
فمن هذه الناحية، من الغلط أن يعتبر الأزهر عيد المغرب باطلا وغير جائز شرعا.
هذا، والباطل حقيقة، لو عدنا للشرع الأصيل، هو الاحتفاء بالعيد خارج الحج، إذ ليس عيد الأضحى إلا «الحج الأكبر»، وذلك يجعل منه شعيرة من شعائر الحج؛ فلا أضحية خارج الحج، لأنها أساسا من الهدي.
أما ما صار عليه الحال في بلاد الإسلام وقد طغت فيه الإسرائيليات، فهو إحياء لسنة إبراهيم الخليل في ذبح ابنه إسحاق؛ وهنا أيضا من الخطأ اعتبار الذبيح إسماعيل خلافا لما كان يعتقده السلف الصالح كما ذكر بذلك الإمام الجليل الطبري وغيره.
إن للإسلام،كخاتم الأديان، أن يحي سنة إبراهيم، وقد داوم الرسول الأكرم علي ذلك؛ إلا أنه من حق المسلم أيضا أن يعلم ذلك فيمجد الإسلام كدين فيه الإيمان أعلى من مجرد الإسلام - أي أن الثقافية العلمية العالمية فيه أعى من الشعائرية الضيقة - لأنه أولا وآخرا هذا التوحيد الخالص بالله الذي جاء به الدين الإسلامي في ثورته الذهنية العارمة.
إذن، فما هو غير جائر شرعا ويخالف الشريعة الإسلامية الصحيحة هو ما اعتاده المسلمون وما فرضه إجماعهم بخلاف صريح النص.
ومما غلط فيه الدكتور عيد يوسف، أمين عام الفتوى بالجامع الأزهر في تصريحه لـ«صدى البلد» معتبرا إياه مما يخالف الدين الإسلامي قوله أن على أهل المغرب أن يخضعوا في وقفة عرفة وأول أيام عيد الأضحى للسعودية. ذلك أن المسلم الحق لا يخضع إلا لربه وما يحتمه لذلك عليه اجتهاده الصادق الخالص النية.
وليس هذا فقط، إذ رأي الدكتور في اعتبار بطلان صلاة العيد وصيام المغاربة ليوم عرفة هو الباطل بعينه لأن الصلاة ليست مجرد حركات آلية والصوم ليس مجرد امتناع عن الأكل في ديننا الحنيف. فمثل هذه الشعائر تكمن باديء ذي بدئ في النية وحسنها، إذ صلاة القلب وصوم اللسان عن الهراء واللغو أهم مما اعتدناه من طقوس ليس فيها من الإسلام إلا المراءاة، فنحترم الرسم والظاهر، أما الباطن فحدث ولا حرج !