أو انتصار الحب في الإسلام
من المؤسف أن وسائل الإعلام المغربية، التي لا تتردد في الحديث بإسهاب عن كل ما يمس المغرب والمغاربة من قريب أو بعيد، حتى وان كان مبتذلا، لم تعر الاهتمام الذي تستحقه للجريمة الفظيعة التي ذهب ضحيتها إحسان الجرفي وما تبعها من عمل بطولي من طرف والده حسن.
هذا إذن تذكير بأحداث أليمة وملحمة بطولية، إذ الذكرى تنفع المؤمنين، ليعتبر أهل الإسلام بما في الحياة من دروس لأجل تزكية النفس.
فالتزكية للنفس الأمارة بالسوء حيث لا تنتهي في الإسلام، إذ هي من الجهاد الأكبر، وهو قضاء الله وقدره في المؤمن حتى يستحق محبته كاملة وغفرانه له. ولا شك أن ذلك لا يكون إلا بمحبة المسلم لأخيه المسلم وأخته المسلمة أينا كان تصرفهما وكيفما تجلت أفعالهما، ما دام ليس فيها أي مساس بحرية الغير.
فالإسلام الحق هو أولا وقبل كل شيء في انتصار الغيرية altérité ومحبة الآخر، كل آخر، وتغليبها على الأنانية والذاتية، ومن تجلياتها محبة الأنا وكراهة الآخر المختلف.
جريمة فظيعة في حق البراءة
كانت الجريمة فظيعة ولم بكن ذلك فقط لحيثياتها التي لا فائدة للعودة إليها هنا، إذ اعتدناها اليوم في عالم فقد أخلاقه إلى حد استعمالها للنزول إلى الحضيض. لقد كانت حقيقة فظيعة أكثر وأعظم لأنها كانت في حق البراءة.
كان إحسان مثال الكمال في كل شيء، فهو عند كل من عرفه ملاك في صورة إنسان. وما كان شذوذه الجنسي إلا الدلالة الدامغة على شذوذه وتميزه عما هو اليوم عادة متغلغلة في البشر، خاصة من يدعي الإسلام منهم، أي سوء الأخلاق وتمكن الإساءة فيهم؛ إذ هم مردة وشياطين في هيأة آدميين.
لقد ترعرع هذا الملاك مع أفضل أبوين، أم مسيحية تقدس الغيرية وحب الأخر كما فعل ذلك المسيح يسوع، وأب صوفي، أصيل الدار البيضاء، لا يأخذ إلا بما في الإسلام من روحانيات؛ فليس الإسلام أساسا إلا ذاك.
ولم يمنع تصرف الابن الجنسي من محبة أبويه له، لا الأم المسيحية، رغم أن الكتاب المقدس يجرم صراحة الشذوذ الجنسي، ولا الأب المسلم، الحسن الإيمان، واسمه فيه، خاصة وأنه لا تجريم في القرآن للشذوذ الجنسي لا صراحة ولا صمننيا. بل لم يكن في نظرهما صفة الجنس عند ولدهما إلا علامة على تفرده بخصال ما كانت عند أنداده من الشبيبة، سواء المغربية كأصوله أو البلجيكية كجنسيته.
وكان من المحتم، نظرا لما أصاب عالمنا من كسوف أخلاقي وقيمي، أن يبعث الله في البشر من يسير على هدي خير رسله، ومنهم إضافة إلى سيد الآنام، نبينا الأكرم، يسوع الرسول الذي ضحى بجسمه المادي ليرفعه الله إليه وقد شبه على الناس قتله.
كان من المفروض أن يُقتل إحسان، حتى تعمل روحه، وهي حية ترزق عند الله بين خاصة الأبرار، على أن يقوم والده حسن بالرد على الإساءة بالإحسان، مبيّنا لمن غوى من المسلمين أنه ليس من الحرام في شيء أن يكون المسلم شاذا جنسيا، بما أن ذلك ليس من اختياره، إذ هو في الطبيعة التي جعلها الله فيه. ففي ذلك من الله عز وجل تفضل واجتباء. فإحسان وغيره ممن المثليين، إن شذوا عن غيرهم، فلأنهم امتازوا بشيء ليس فيهم، وهو حبهم للبشرية بدون أي تمييز !
الإحسان هو حسن الرد على الإساءة
هكذا إذن، كان من قضاء الله وقدره أن يضحّي إحسان بنفسه في أفظع الظرورف ليمكّن والداه، وخاصة أباه حسن، من حسن القيام للدعوة بين الآياء والأمهات لمحبة أبنائهم كما هم، حتى بما لربما يعتقدونه من سيئات فيهم، لأن السيء والسوء والسوءة ليس ما في الطبيعة البشرية من تليد، إنما هم في التصرف البشري وفي مد اليد واللسان إلى الغير وفيه بالإساءة. وقد ندد الإسلام بالهمزة اللمزة !
لقد قام حسن بدوره المقدر خير قيام، فكتب كتابا تحية وإجلالا لروح إحسان، وهو بمثابة الرسالة العالمية لكل الآباء والأمهات في الدعري إلى ترك الإساءة في حق أبنائهم والأخذ بالإحسان.
فلا نبذ بعد اليوم لابن أو بنت شاذين جنسيا، بل المحبة، كل المحبة، والتقدير كل التقدير لهما لأنهما المثال الحي لعلو الأخلاق وسمو النفس فيهما.
وهذا ليس بالغريب المستغرب بمغربنا العزيز الذي تزخر أرضه بالعديد من أهل التصوف ممن شذ في الحنس؛ ولا شك أن الصوفي الكبير، سيدي علي بن حمدوش أعلاهم قدرا وأجلهم مثالا.
إن تضحية إحسان بنفسه لهي من باب العمل اليسوعي؛ ذلك لأن الوقت حان، كما يقول به التصوف، إلى ظهور أبدال في الأرض يعملون على إخراج العالم من الهاوية التي هوى إليها، خاصة ببلاد الإسلام للأخذ بفهم مغلوط لدين التسامح والإحسان، وقد قلبه أهله رأسا على عقب جاعلين منه دين التزمت والإساءة.
فليعتبر كل أهل الإسلام بمثل هذه التضحية العظيمة من لدن روح سامية، روح إحسان، وليطالعوا ما كتب حسن وليتمعنوا في ما يفعل بالمؤسسة الخيرية التي أسسها باسم ابنه تمجيدا لروحه الزكبة ببلجيكا !
هكذا ينتصر الحب في الإسلام بمقابلة الإساءة بالإحسان وحب الاخر المختلف أيا كانت طبيعته، لأن الإسلام دين الفطرة، والمثلية من الفطرة في البشر.
نشرت على موقع أخبر.كم