حزب العدالة والتنمية براقش الإسلام المغربي؟
يقول المثل العربي : «جنت على أهلها براقش»، وذلك لأن الكلبة براقش التي كان دورها حماية الحمى نبحت صباحا لمّا أحست بمرور قطّاع للطرق جهلوا تواجد الحي بالمكان نظرا للظلمة. بذلك، تفطّنوا له، فكان أن أوقع نباح براقش القوم في قبضة المجرمين مما أدّى إلى هلاكهم. هل هذا ما يفعله حزب العدالة والتنمية بالإسلام المغربي؟
الكل يعلم اليوم أن العملية الفجة التي تمثلت في التحالف بين رأس المال المتوحش والإسلام المتزمت فشلت بصمود سوريا وصعود الرئيس الأمريكي الجديد إلى الحكم. وهذا يؤشر إلى انتهاء صفقة التوحش بين رأس المال والإسلام الدعي، لأن الأول همّه الربح، ولا ربح في عالم كثرت فيه الحروب فانفلت زمام السلام فيه من بين يدي من يحتاج للمزيد من الأرباح.
انتهاء المساندة الأمريكية للعدالة والتنمية:
إن الإدارة الأمريكية الجديدة ستسعى حتما لاستعمال ورقة رابحة إسلامية جديدة، ألا وهي ورقة التصوف لما فيه من تواجد كبير في الشعوب العربية ولنزعته المسالمة دون عداوة لأحد، خاصة لرأس المال إذا عرف كيف يلجم هوسه المتوحش للمزيد من المال على حساب الأخلاق.
هذا هو الإسلام المغربي، بل المغاربي عموما. لذا، سنرى حتما الإدارة الأمريكية الجديدة تكف عما رأينا منها من مساندة لا حد لها للحزب الإسلامي بالمملكة. ولقد بدأ ذلك بعد بتونس الشقيقة.
إننا رغم ما عرفنا عن حزب العدالة والتنمية من محاولات للتدليل، بل والتضليل، على فهمٍ وسطي للإسلام، فقد دأب على المغالطة، إذ أنه كان في فعله وتصرفاته دوما دغمائيا ومتزمتا، ماسخا أفضل ما في الإسلام، همّه التحكّم في البلاد بخدمة مصالح رأس المال أي خدمة.
هذا، وقد شجّع فهمه المتزمت للدين ورفضه قول الحقيقة بخصوص الجهاد الأصغر الذي انتهى في الإسلام مع قيام دولته، شجّع العديد من الشبيبة الأبرياء على الانخراط الفاحش في الإرهاب بدعوى جهادٍ باطلة. وتلك كانت الحال تماما بتونس حيث أغلب أهل الجهاد من مواطنيها.
ضرورة تغيّر العدالة والتنمية :
إنه لا مناص اليوم لحزب العدالة والتنمية من طرح القناع الذي يضعه على وجهه والاصداع بالحقائق لإثبات المسؤولية السياسية والأخلاقية لما حدث ويحدث بالمملكة من تصدّعٍ للحس الوطني عند الشباب المغربي جرّاء المسخ لسماحة دينهم الذي هو أولا وآخرا العدل والسلام وكلمة السواء.
إن مهمة الحزب الإسلامي الأول بالمغرب هي اليوم في تقمّص الدور الذي كان عليه أن يلعبه منذ صعوده لسدة الحكم، ألا وهو أن يكون الدرع الحامي لحقوق الشعب وحرياته كاملة لا منقوصة بفهم دغمائي للإسلام لا مكان له بمغرب سمح متسامح.
إن الإسلام حقوق وحريات في تعاليمه، وخاصة في مقاصده؛ فلا إسلام بلا حريات ولا تقوى بلا حقوق، خاصة في الميدان الشخصي، إذ المؤمن هو العبد الحر، التام الحرية، المسلّم بكل حرية أمره لخالقه العادل الرحمان الرحيم ولا لأحد غيره. ولا مراءاة في الدين الصحيح ولا تظاهر بالتقوى ولا واسطة بين المؤمن وخالقه، يصوم ويصلّي له وحده، لا للعباد؛ وهو الذي يجزي أو يعاقب كسبه صالحا كان أم طالحا. لذلك لا يتبجّح المؤمن أبدا بتقواه، بل يخفي معالمها ولا يسعى لإظهارها للناس، لأن الله يراه ولا يخفى عليه أي شيء.
إن الأيام التي ستأتي من هذه السنة ستكون حتما حاسمة لمستقبل المملكة وكل البلاد بالمغرب الأمازيغي العربي، وخاصة لمستقبل الإسلام السياسي فيها؛ فإما ينتهج العدالة والتنمية سبيل العقل والمنطق والحكمة والسلامة، وهي سبيل الإسلام المتسامح الإناسي التعاليم، يحب فيه المسلم أخاه وأخته كما هما، بما في ذلك اختلافهما، أيا كانت طباعهما وتصرفاتهما ومشاربهما، لأن الإيمان يتلخص في إمساك اليد واللسان عن الإفساد في الأرض. وإما يتحمّل الحزب مسؤولية انهيار ما بقي من حسٍّ ديني عند المغاربة، فنرى بها، لا قدّر الله، ما يجرى بالعالم من مآسي الفهم الظلامي للإسلام بينما هو الملة التنويرية بلا منازع.
دور العدالة والتنمية في حماية الحقوق والحريات :
إن دور العدالة والتنمية لهام لحماية دولة القانون بالمغرب، مع العمل على القطع مع كل ما سبق إقرار الدستور الجديد وما أتى به من حقوقٍ وحرياتٍ، وذلك لا بالكلام فقط، بل بالفعل الذي يتمثل في إبطال جميع القوانين المخزية التي بقيت بالترسانة القانونية للبلاد، وفيها العديد من القوانين التي هي بقايا الاحتلال، علاوة على أخرى قوانين أصبحت فاحشة، كمنع الإفطار العلني في رمضان، إذا أردنا ذكر أتعسها.
يكون هذا بدايةً بإبطال تجريم المخدرات كما وقعت بعد الدعوة إليه بالمملكة، مع العلم أن أحد الوجوه بالحزب الإسلامي بتونس صرّح بضرورة هذا التوجه بها في مقالة أخيرة لعلها مجرد مناورة.
ويكون ذلك أيضا بإطلاق الحريات في تعاطي الكحول، إذ الإسلام لا يمنع إلا السكر. ولعل تونس تسبق المغرب في هذا الأمر كما يؤشّر إلى ذلك تصرّف وجها آخر من الوجوه الهامة بحزب النهضة، قام مؤخرا بزيارة معصرة خمور؛ فهل هي مجرد مناورة أخرى؟
ويكون آخرا بإبطال تجريم المثلية كما تتوجه إليه تونس أيضا بخطى ثابتة إذ صرّح رئيس الحزب الإسلامي نفسه أنه لا يرى مانعا في ذلك، إلا إذا تعمّد تكذيب نفسه، فبيّن أنه في ذلك يناور لا غير كما يناور كل أهل الإسلام المدّعي الوسطية ليخفي تزمته.
وطبعا، تنضاف إلى كل هذا حتمية إرساء المساواة في الإرث بين الجنسين، كما وقعت الدعوة إليه بالمغرب، والتحقيق الشامل للحرية الجنسية بين البالغين، بما في ذلك خارج حدود الزواج، إذ هذا ما يقتضيه العصر ومقاصد شريعتنا السمحة الصالحة لكل زمان ومكان .
إن كل هذا بصدد الحصول بتونس، المغرب الصغير؛ فهل يسبق الصغير الكبير في مثل هذا السباق لأجل إسلامٍ حقيقيٍ، فيه التسامح والإناسة أعلى درجات الإيمان، بما أن دين القيّمة هو العدل، وكل ما ذكرت يدخل في خانة تحقيقه بين العباد؟
هذا على المستوى الداخلي في باب الحقوق والحريات الخاصة، وهي من أهم ما يمكن فعله حالا لتغيير العقليات مما من شأنه رفع العراقيل في الأذهان المغذّية لإرهابٍ فكري حان الوقت لاقتلاع جذوره من الرؤوس قبل سقوط المزيد من الضحايا الأبرياء.
أما على المستوى الخارجي، فيكون ذلك بالدعوة لإرساء حرية التنقل للمغاربة باستبدال التأشيرة الحالية بتأشيرة مرور يقع تعميمها على كل من يطلب التأشيرة من المواطنين المغاربة ولمدة سنة على الأٍقل وذلك مجانا؛ وأيضا بالعمل الجدي على بسط السلام بفلسطين بالاعتراف بإسرائيل في نطاق القانون الدولي لسنة 1947.
بهذا، من شأن حزب العدالة والتنمية ألا يكون براقش الإسلام المغربي، فلا يجنى عليه ولا على أهله، بل يجعل منه مثال الإسلام السمح المتسامح كما هي المملكة الجميلة، مغرب الإمتاع والمؤانسة.
نشرت على موقع أخبر.كم