دردشة في داعشية أدمغتنا وتدعدشها
هذا ناقوس الخطر أدقه لأولي الأمر. إنها في قالب دردشة لأن مظاهر الداعشية أصبحت عادية، لا ننتبه إليها، إذ هي متغلغلة في أدمغتنا، لا تسلم منها تصرفاتنا اليومية. بل هي بصدد التدعدش المطرد، ويا لهول الحال!
تذكير تاريخي
لنذكر أولا أن الداعشية هي دعوى باطلة للعودة للإسلام السني، إذ هي مجرد تصريف لما ثبت من إسرائيليات في الدين الإسلامي. فلينتبه المسلم الحق إلى هذه الحقيقة ولا يغتر بهؤلاء المارقين عن الدين الحق، دين القيمة، الذين يشوهون تعاليمه السمحاء!
ولنتذكر أن الداعشية لم يكن لها وجود قبل حرب الخليج ودخول القوات الغربية، وعلى رأسها الترسانة الأمريكية، أرض العراق. ولا شك أن الترسانة في زمننا الحاضر، ليست فقط عسكرية بالمعنى المعهود، إذ هي أولا وقبل كل شي احتلال للعقول، وذلك قبل الأراضي؛ فهذا ولا شك أسهل، يفتح البلدان على مصراعيها للعسكر دون عناء وبأيدي أهلها. حتى دون إعطائهم بأيديهم.
لا يجب أن ننسى أيضا أن أغلب الدواعش الأوائل كانوا بقبضة الجيش الأمريكي الذي عرف كيف يغسل أدمغتهم كما يحلو له. فقد تزامن ظهور داعش مع خروج هؤلاء من السجون الأمريكية وسيرهم للفساد في الأرض .
كما لا يجب أن نسهى عن العلاقات الوثيقة بين الإسلام الوهابي، وهو داعشية مبسترة سياسيا، بما أنه لا أحد يجرؤ على فضح تجاوزاتها في فهم الدين حيث أن فهمها له إسرائيلي خالص.
هنا، من الضروري التنبيه إلى أن أساس العقلية الغربية والمخيال الغربي هما العادات اليهودية المسيحية؛ وهذا مما يبين ويفسر توطد العلاقة بين الغرب والعربية السعودية الوهابية.
كما لا يخفى على كل عارف بالتاريخ أن الوهابية كادت تموت في المهد بعد الضربات الموجعة التي وجهتها لها الخلافة التركية بقيادة ممثلها بمصر محمد علي الألباني. وقد أمكن لها العودة إلى الحياة بالاعتماد على السند العظيم الذي وجدته من طرف الغرب بقيادة بريطانيا العظمى في نطاق ما سّمّي بالثورة العربية التي لم تكن إلا ثورة وهابية على الإسلام التركي.
داعشية أدمغتنا
إن داعشية أدمغتا اليوم ثابته، بل هي في تدعدش متواصل لا ينفك لما للحضور الأمريكي بالمغرب من فاعلية وعمل متواصل باسم الأخلاق بينما هو ينسفها من الأساس.
هذه الداعشية هي مثلا في قوانينيا الجائرة التي تدّعي احترام الإسلام بينما هي لا تحترم فيه إلا الفهم الإسرائيلي المغلوط لتعاليم الإسلام، هذا الفهم الذي كان سائدا بالغرب المسيحي وعند اليهود إلى أن أزاحه بها الأخذ بالديمقراطية.
وبما أن بلاد العرب والإسلام لم تعرف الديمقراطية، بل الإحتلال الغربي، فقد وقع استيراد تلك العقلية المستندة على العادات اليهودية المسيحية من طرف قوات الاحتلال. ففي نطاق توطيد حكمها، عملت سلطات الإحتلال، بتواطيء من رجال دين لم يكونوا يؤمنون بقيم الديمقراطية بل بمصالحهم الآنية، على غرس العادات الغريبة عن المجتمع العربي الؤسلامي في المتخيل الشعبي وفرضها عبر قوانين مخزية رغم أنها لم تعد مقبولة بمجتمعات الغرب المصدّر لها.
ولنذكر هنا من هذه القوانين ما ثبت خلافه للدين الإسلامي حسب فهمه الصحيح، أي الفهم الصوفي، كعقوبة من يجاهر بالإفطار، أو من يشرب الخمرة، أو من يرتد عن الإسلام، أو من يشذ في علاقاته الجنسية، كالمثليين.
لقد برهنت دراسات موضوعية لا شك في توافقها مع الشرع الإسلامي الحق أن أن الإسلام في كل هذه المواضيع براء من الفهم الذي فرضه الفقه إلى اليوم وذلك بتأثير الإسرائيليات. فالإسلام يحترم حرية المؤمن كاملة لأن في ذلك التقديس الحقيقي لله. ثم إنه لا كفر في الإسلام لا مغفرة له ما عدا الكفر بتوحيد الله عز وجل، إذ لله في كل ما عدا ذلك أن يغفر لعبده إن شاء وأراد؛ ولا شك أنه الرحمان الرحيم !
هذا ما يميز الإسلام والفرقان عن اليهودية والمسيحية والكتاب المقدس الذي يشتمل على كل المحظورات المذكورة آنفا والتي داخلت ديننا عبر فقهاء كان معظمهم من الموالي، أي ممن لم يكونوا من العرب، وبالتالي لم يكن لهم الحس العربي المرهف ولا الكياسة التي نجد الكثير منها في روح الإسلام ولا لغته بما أنه تنزل بلغة عربية قحة؛ ولا غرو أن أعظم ما في اللغة روحها وما أدراك.
ومما يميز ديننا أيضا مفهومه للإثم وهو مختلف عن الفهم الذي استورده الفقهاء من الديانتين السابقتين، إذ الإثم في الإسلام غير الإثم كما نعرفه في اليهودية والمسيحية وما رسب منها في دينا. ومما يميزه أن كل إثم فيه إمكانية الصفح بالتكفير وصدق الإنابة لله.
وبعد، هل من الضروري التذكير بما قاله العلامة ابن خلدون منذ زمن بعيد، معنونا به أحد فصول أبواب مقدمته، أي في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم؟
نعم، لم يكن للإسلام أن ينتشر ويتوسع إلا بما رفد إليه من ثراء تأتّى له من الحضارات الأخرى، ومن دخول العجم الإسلام أفواجا. فنحن نعلم الدور الكبير الذي لعبه الأمازيغ مثلا في تاريخ العرب بالمغرب.
إلا أنه الفرق شاسع كبير بين من دخل الإسلام آخذا بروحه السنية وسماحة تعاليمه ومن دخله عاملا على أن يداخله ما ليس منه ولا فيه وذاك عن قصد أو عن غير قصد.
كان ذلك متفشيا منذ بداية الإسلام؛ فما سمّي بالفتنة الكبرى وظهور الشيعة كان من أسبابهما عمل جماعة لم تكن تريد الخير للإسلام، ومنهم ابن سبأ الذي أدخل مقولة المهدي في الإسلام وقال بأزلية الخليفة الرابع علي بن أبي طالب مفتيا بعدم قتله وعودته كالمسيح.
لا شك أن المطالع لهذه الأحداث الأولى يفهم من خلالها ما يحدث اليوم بالبلاد الإسلامية؛ لذا ذكّرت بها في قصة بالفرنسية صدرت عن أفريقيا الشرق خلال المعرض الدولي للنشر والكتاب المنعقد حاليا بالدار البيضاء :
Aux origines de l'islam. Succession du prophète, ombres et lumières
فالقصة تبين كيف أن البعض ممن ادعى التشيع لعلي رضي الله عنه قال بألوهيته مما اضطر الخليفة الراشد الرابع إلى حرقه؛ غير أن ذلك لم يمنع من بقاء هذه البدعة ونموها وهي اليوم في الإسلام الشيعي.
تدعدش أدمغتنا
ومثل هذه الداعشية في أدمغتنا تتواصل اليوم، بل هي تجعل عقولنا تتدعدش بقبول الأغلبية من المسلمين المدّعين الأخذ بالإسلام الوسطي، إسلام السنة والجماعة، بمثل تلك القوانين الجائرة، كالتي ذكرت أعلاه وغيرها كثير، وذلك باسم بالإسلام التشريعي، بينما الإسلام بريء من ذلك إذ هم لا يأخذون إلا بما خالط ديننا من إسرائيليات.
إن هؤلاء المسلمين ينسون أو يتناسون أن الفقه لم يعد له أن يقوم على قدم واحدة منذ الثورة التي أحدثها الإمام الشاطبي في القرن الثامن هجري، داعيا للأخذ بمقاصد الشريعة؛ وهو ما سهى عنه مؤسس الفقه الإسلامي، الإمام الشافعي.
وهم يتساهون على أن من أسس الدين الإسلامي دوام الاجتهاد الذي أُغلق بابه في أوج الحضارة الإسلامية عندما بدأت الامبراطورية العباسة في الانحلال والانهيار. فكان ذلك مما رسّخ ما داخل الإسلام من عادات يهودية مسيحية، عُدّت من الإسلام وهي ليست منه.
ونحن نعلم كيف بدأت هذه الطامة الكبرى بموضوع خلق القرآن الذي كان من أهم المحاور الفكرية لعقليي الإسلام، أي المعتزلة؛ إلا أن خطأهم كان في الاعتماد على العقل المجرد أو غير الحسي، كما عرفناه بعد في الحضارة الغربية، بل لعلهم أصدروه للغرب كما تم ذلك من بعد للفكر العربي مع ابن خلدون وابن رشد.
خطأ المعتزلة أنهم أرادوا فرض اجتهادهم بالقوة، مما عجّل بسقوطهم ورفض مقولتهم لعدم أخذها بالعقل الحسي، raison sensible ، أو الحساس كما يقول الأستاذ عبد الله زارو في ترجمته لهذا المصطلح لعالم الإجتماع الفرنسي ميشال مافيزولي Michel Maffesoli.
بذلك قضى خلفاء بني العباس على أهم ما في الإسلام، أي ضرورة الاجتهاد فيه باللجوء لعقل حسي يتناغم مع الواقع ومقتضياته، لأن الإسلام أزلي التعاليم، لا يجب أن تتحجر أبدا بانعدام الاجتهاد؛ لهذا نفهم لماذا أثاب الله حتى الاجتهاد الخاطيء ما دامت النية حسنة.
إن النية الحسنة هي أساس دين القيمة؛ فهي التي جعلت المسلمين مثلا يقبلون بالأحاديث الموضوعة نظرا لما فيها من خدمة للمصلحة العامة، وذلك لأنهم كانوا يرون هذه المصلحة بنظرة عقلية حساسة، أي أنها آنية؛ فلا ضير من استباط أحكام لها ثم تركها لغيرها تتوافق مع روح العصر. فالإسلام يحث على الاجتهاد، وهو من الجهاد؛ والجهاد الحق هو الأكبر أي جهاد النفس.
لذا، من أخص خاصيات دين الإسلام الأخذ بمقاصد الشريعة في نطاق هذا الإجتهاد. ولأهميته، أكّد الله على ضرورته، ورُوي عن الرسول الأكرم وجوبه على رأس كل قرن لأجل دوام ثورية الإسلام وأزليته كخاتم للأديان.
هذا طبعا ما لايريده أعداء الإسلام الذين يعملون في الخفاء؛ وهل أفضل من تقويض لدين الإسلام يكون مم لدن أهله أو من ادعى نفسه منهم دون شبهة ظاهرة؟
كل هذا من تدعشدش أدمغة أهل الإسلام اليوم؛ وهو ما لا مجال لتواصله. فليسأل كل مسلم نفسه وليتثبت من حقيقة أخذه بتعاليم الإسلام الصحيحة، وأولها ولا شك نبذ كل داعشية فيه، بما فيها الداعشية المبسترة، أي الوهابية.
ولينتبه إلى ما يقوم به الغرب، شعوريا أو حسب لاوعيه المسيجي اليهودي، من مضرة لدين التسامح والمحبة، وليلفت انتباه أصدقاءه النزهاء من الغرب إلى ذلك إذا أرادوا حقا القضاء على كل داعشية في الإسلام.
هذا ولا شك يبدأ بإبطال كل القوانين غير الإسلامية، ومنها التي ذكرت أعلاه التي تقوّي الداعشية في العقل العربي الستقيل وتنميها فيه فتدعش الأدمغة العربية وقد استقال بها العقل.
لقد حان الأوان ليعود لنا وعينا فنتذكر أن ممن يدعى صداقتنا، ولعله في ذلك جدي صريح، لا يشعر في نفس الوقت برفضه اللاواعي لهذه الحقيقة التي لا مراء فيها، والتي لا تخامر لحظة ذهن المسلم الحقيقي، أي أن الإسلام هو دين البشرية جمعاء.
فهم، في نظرتهم للإسلام، يقيسون على ما يعرفونه من دينهم، ولا مجال لهذا نظرا لتميّز الدين الـإسلامي لصفته كدين ودنيا ولانعدام كنيسة أو مرجعية كهنوتية به. إذ الإسلام دين حرية العبد وعلاقته المباشرة مع الله، فلا يسلم نفسه إلا له.
وهذا طبعا من غير المعروف حتى في الديانة اليهودية التي تجعل من دنياها آخرة بينما يبتغي الإسلام على أن يعمل المسلم على جعل دنياه جنة بالكسب الطيب ليصبح مثل أهل الجنة في أخلاقه رتصرفاته بما أن الرسول الأكرم بُعث لإتمام مكارم الأخلاق.
ولا يكون هذا إلا بإسلام علمي، سمح متسامح في قراءة هي متوفرة منذ بداية الإسلام، أي القراءة الصوفية؛ إذ لا إسلام بعد اليوم، مع الداعشية والدعدشة المستشريان، إلا الإسلام الصوفي. فبه نقضي على الداعشية الصريحة والمبسترة، ونضمن دوام رسلام الحنيفية، وهو الإيمان بالله وتوحيده في دين ليس لهوه بالشعائر بقدر ما هو ثقافة علمية عالمية صالحة لكل زمان ومكان بواسطة الاجتهاد واستدامته.
ولعله من المفيد الإشارة إلى أصدقاء العرب من الغرب لا يتصرفون في نظرته المغلوطة للإسلام بالضرورة عن سوء نية، إنما لأن ابن آدم لا يفكّر بمقدو ما هو مفكَر، بفتح الكاف، بفعل كل ما فيه من تكييف للوعي بعمل اللاوعي والمتخيل فيه.
وهم لا يبعدون أيضا عن التأقلم في نهاية المطاف مع تصرف المسلمين أنفسهم؛ فإن كان أخرقا، لا حيلة لهم في ذلك، فلا ناقة ولا جمل.
لنكف إذن عن عمل ما ندد الله به في سورة النحل، إذ نحن اليوم : «كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا»! وما ننقضه بتدعدش أمخاخنا يوميا لهو ديننا، خاتم الأديان كلها. فيا هول المصيبة، وواإسلاماه ! هل له بين ساسة المسلمين من ينقذه ؟
نشرت على موقع أخبر.كم