الإسلام من تاريخية النص إلى أزلية الروح ومقاصد الشريعة
ليست هذه المقالة إلا امتدادا لما سبق من حديث في أزلية الإسلام وعلميته وكونيته، مما يجعله خاتم الأديان. فنحن لا نفتأ نذكّر بذلك من باب واجب المسلم بقول الحق ولو على نفسه في زمن أصبح فيه الدين تجارة تُشترى بها الذمم ويُهدر فيه دم الأبرياء؛ وديننا الحنيف براء من كل ذلك.
إننا نسعى للتذكير بما في الإسلام من سمو وعلو لا تطاله النوايا المغرضة لمن في نفوسهم مرض، هاجسنا الأوحد أن تكون مآذن جوامعنا منارات التسامح الذي أتى به ديننا والأنسية التي كان سبّاقا للتأسيس لها في حداثية غير مسبوقة هي حداثيته التراجعية.
وسنعرض في ما يلي للإسلام الرسمي، سواء كان ذلك الذي ينعت نفسه بالمتوسط أو ما تزمت منه في بعض البلاد، مدللين أن الإسلام لا يكون إلا ثوريا على كل ما تحنط ولا يفتأ يتحنط في البشر، بداية بذهنه عندما يهرم قبل أوانه. وسنبين أن هذا الإسلام ليس إلا مطية لأغراض ساسة وذبان بلاطات يسعون لمصالحهم الذاتية فلا يمثلون الإسلام الحق الذي لا يتجلى إلا في ما تعيشه شعوب الإسلام وتحياه في حياتها اليومية وفي متخيلها الشعي.
إن الإسلام الرسمي يأخذ بالحرف في الدين وينسى الروح الإلاهية التي فيه، فهو يمر بأزلية الدين من روحه السنية كما نراها في مقاصد الشريعة إلى نص تاريخي بالضرورة لما في ملتنا من تناسب مع زمنها وما فيها من تدرج في أحكامها.
أما الإسلام الشعبي، وقدقدّمت له صوفية الحقائق أفضل تقديم، فهو يأخذ بالإسلام في أزلية تعاليمه وسمو مقاصده لا بما في رسمه، فيتر ك جانبا ما ظهر فخالف ما يتغير ضرورة في طباع البشر ويعود إلى الباطن منه مما تتجلى فيه روح الشريعة الحقة في تأقلمها مع التطور المستدام لحياة البشر.
لقد كانت الصوفية، وهي من أفضل ما استنبط الفكر الإسلامي الأصيل، أصدق من فهم الإسلام على حقيقته بعيدا عن كل تأويلات هؤلاء الذين يعتقدون الكلام في الإسلام بينما هو لا يرددون إلا مقولات دخيلة عنه رسبت إليه مع الإسرائيليات.
فالعادات اليهودية والمسيحية سرعان ما تغلغلت في أذهان العديد من المسلمين لما هناك من وثيق الاتصاال بين الإسلام وما سبقه من رسائل سماوية؛ أفليس الإسلام خاتم الأديان؟ إلا أنه جاء ليصحح ما سبقه مما لحقه من تحريف، فإذا بنا نرى من يدّعي الأخذ بما سبق من السلف من حسنى يسيء إلى دينه فيشينه. وكان بالأحرى لهم الأخذ عن السلفية الحقة، ألا وهي صوفية الحقائق كمتا سماها المنظر الأول لدعاة السلفية.
1 - الإسلام الرسمي أو أزلية الحرف وتاريخية النص
إن تجليات الإسلام لعديدة متنوعة اليوم، ولا شك أن الإسلام في نسخته الرسمية مختلف تماما عن الإسلام الشعبي، وذلك بالسواء بين ما هو من هذه التجليات الغالبة، أي الإسلام السني، و ما اصطلح على تسميته بالإسلام المخالف وحتى بالهرطقة، وعلى رأسه الإسلام الشيعي.
رغم كل هذا، يبقى الإسلام واحدا أحدا، وهو التوحيد بالله وحرية الإنسان في عقيدته، لا يتوسط بينه وبين خالقه أحد، لأن تسليمه هو لله وحده كبشر حر، مجّد الإسلام حريته ورفع منها إلى حد قبوله بأن يتحمل أمانة إعمار الأرض وخلافة الله فيها.
ولكن، ماذا نرى في أنحاء المعمورة؟ إن البلاد التي تدّعي الإسلام تنتهك أخلاقيته والمباديء السامية التي فيه، حتى أننا لنراها أكثر احتراما في البلاد غير المسلمة والتي لا تأخذ بتعاليم الإسلام؛ فلكأنها هي المسلمة حقا وحقيقة، دون البلاد التي هي إسلامية بالرسم دون االفعل والنية.
فالإسلام يدعو للديمقراطية وقد بيّن ذلك في العديد من أحكامه ومنها حكم الشورى والمشورة؛ والإسلام جاء بالتسامح وبضرورة احترام الآخر المختلف، سواء كان ذلك في الملة أو المشارب أو الهوى؛ والإسلام جاء بالعفو والعدل والانصاف؛ فماذا نرى؟ كل هذه الأخلاقيات لا تعرفها أنظمتنا السياسية المقامة على مبدأ الرأي الواحد وحكم الواحد ونبذ الرأي المخالف مع التسلط والقهر على كل مخالف، بل والتشفي منه. وبما أن كل هذا لا ينتمي بأي صفة للإسلام، فحكام البلاد الإسلامية لا يقومون إلا بتوظيف الدين لأغراضهم، فيصرفون آياته وأحكامه كما بدا لهم لما للدين من مكانة عتيدة في النفوس.
بذلك هم يستحوذون على عقول البعض ويدعمون تسلطهم على الشعب باسم دين هو منهم براء. وفي تصرفهم ذلك، يأخذون بحرف الدين ونصه كما ثبت في فترة من فترات نزوله ويجهلون أو يتجاهلون روحه كما تبينها مقاصده، وهي كل الشريعة ولب لبابها.
وهم في تصرفهم ذلك كمن يتجاهم أسباب النزول أو يأخذ بحكم دون التثبت هل وقع نسخه أم لا. إنهم في تشبثهم بأحكام جاءت لفترة زمنية وحسب مقصد من مقاصد الشرعية ليصرفون هذا على عصرنا وما نعيشه، كمن يأخذ بحكم وقع نسخه.خذ لك في ذلك ما جاء في أمر قطع اليد أو تعدد الزوجات أو العبودية، فكلها من الأحكام التي تنبني على حكمة إلاهية بليغة ومقصد من مقاصد الشريعة لا يمكن تجاهله إلا ورمينا عرض الحائط بعدل الإسلام وسماحة تعاليمه.
إن الإسلام في حكمته جاء منجّما فكانت أحكامه متدرجة نظرا لما في الطبيعة البشرية من نقص. فمن نقصنا ننتقص من حكمة ديننا بأن نأخذ بحرف لنجعله أزليا بينما تاريخيته تفرض نفسها، كما هو الحال في مثالي قطع اليد و الرق.
إن أزلية نص القرآن في مقاصده وفي روحه لا في نصه. فكما الحرف من كلام الله، روحه هي أيضا من هذا الكلام، بل هي فيه أعلى وأبلغ! وهذا ما سمّته الصوفية بالباطن، داعية بتغليبه على الرسم وعدم الحكم بمجرد ما ظهر من نص القرآن إذا خالف روحه ومقاصد الشريعة.
2 - الإسلام الشعبي أو أزلية الروح ومقاصد الشريعة
ولكن كيف نصل إلى هذه الروح؟ أليست هي ما استنبطه الفقهاء على مر الأزمنة؟
لا شك أن فقهاء الإسلام اجتهدوا فأصابوا في عصرهم بأن تأولوا نصوص القرآن حسب مقتضيات زمانهم. إلا أنهم - وعملا بتناغم الدين مع عصره، لأنه ليس بالدين فقط، إذ هو دنيا أيضا - صرفوا حكم بعض الآيات حسب ما تعارفوا عليه وأخذت به أمم البشرية. ولذلك أيضا، حكّموا السنة في ما لم يكن فيه أي حكم أو قاسوا على بعض الأحكام حتى يكون الدين بحق دستور البلاد في ما يخص علاقة البشر ببعضهم.
فكان الأمر كذلك في عدة مواضيع منها أمر الردة وموضوع اللواط، وقد أفردنا لكل منهما دراسة مستفيضة. ففي هذين الأمرين، ذهب الفقهاء إلى أبعد ما جاء به الدين في تأويلهم له حسب ما اعتقدوا أنه يمثل روحه ومقاصده. فالمرء نتاج عصره، يفكّر حسب متخيل هو من إفرازات كل ما يحيط به من عوامل وتيارات. ومن هنا جاء القول الخاطيء بأن الإسلام يجرّم الردة ويحرّم اللواط، وليس ذلك بالصحيح كما بيناه بوافر الأدلة الشرعية (راجع كتابينا : حقيقة الردة في الإسلام وحقيقة اللواط في الإسلام، وقد صدرا أخيرا عن دار النشر أفريقا الشرق).
هذا، و إن أخطأ الإسلام الرسمي بتجاهله روح الدين وأخذه بإيديولوجية الحاكم ونظرته للأشياء، فقد تنكّر أيضا لمعتقدات الشعب وموقفه الحقيقي من تلك المواضيع، حيث ما اعتقد العربي المسلم أبدا في انعدام حرية العقيدة في ملته والحرية الملازمة لذلك، أي حرية الارتداد؛ كما أنه ما اعتقد البتة في كون العلاقات الجنسية الشاذة مما يحرمه الدين، إذ كان يتعاطاها كصنف من أصناف الجنس هو من الفطرة البشرية ومما في الطبيعة، حتى وإن شذ.
بذلك كان الإسلام الشعبي دوما أصح إسلاما مما عرفناه ونعرفه عند الحكّام، إذ نجد فيه عفوية الدين وبساطته وطلاقته دون تزييف ولا تحريف لأسباب عقدية أو مصالح نخبوية أو أغراض شخصية. فرغم ما شاب هذا الإسلام من التحريفات في بعض التصرفات الغريبة، فقد بقي في جوهره وأصوله سليما، مكينا في النفوس.
وهو بتلك الصفة مكّن الدين من الدوام في الأفئدة شامخا في السرائر على مر الأزمن؛ حتى أصبح بذلك من ركائز الشخصية وعلامات التحرر للمسلم. من ذلك أن المؤمن لا يعترف إلا بوحدانية الله في علوه وقداسته، فلا يتوسط بينه وبين خالقه. فالمسلم الشعبي لا يسمح لأحد بأن يتصدى لبيبن له مراسم دينه، لأنه أولى بذلك وأقدر لفهمها بما أنه العبد الحر، لا حكم عليه في أمور الدين إلا من خالقه وهو الرحمان الرحيم، لا يعاقب إلا من يشاء ويرحم لمن شاء وأراد.
وقد ظهرت في التاريخ الإسلامي فرقة مثلت خير تمثيل هذا الفكر الشعبي، هي فرقة المرجئة. ورغم أنها اندثرت كمكوّن من أهم التيارات الفكرية في المجتمع لتمكّن الكنيسة الإسلامية المستحدثة من فرض نفسها في شخص الأئمة والفقهاء والشيوخ، فقد بقيت معالم الفرقة في المتخيل الشعبي إلى اليوم، حيث لا نزال نقرأ فيه حقا أزلية الإسلام كما هي في روحه ومقاصده.
3 - الإسلام الشعبي هو خاتم الأديان في كونيته وعلميته
فالإسلام هو بلا منازع خاتم الأديان، وهو لا يكون كذلك إلا لأزلية أحكامه. ولكن لا أزلية لنص الأحكام التي جاءت تنظم الحياة البشرية. ذلك لأن الإسلام في جانبه الخاص بالمعاملات جاء متناغما مع الطبيعة البشرية، يتطور معها كما من المفروض أن تتطور هي حسب طبيعتها على ما أرادها لها الله. فالأزلية ليست في الحرف والنص في أمور الدنيا، بل هي في روح هذه النصوص الخاصة بالمعاملات وحياة العباد الدنياوية.
أما أمور الدين، فهي كما حددها الإسلام، لا رأي للمسلم فيها، يأخذ بها ويعمل بها كما هي وكما جاء بها النص الديني الذي هو في ذلك بدون أدنى شك متفقا تمام الاتفاق مع روحه. أما إن شاء المسلم أن لا يأخذ بتلك النصوص، فله الحرية في ذلك، إذ الإسلام يضمن حرية العبد في الإيمان وعدم الإيمان ، فلا إكراه في الدين القيّم. وقس على ذلك حرية العبد التامة في أن يكون مؤمنا دون أن يكون مسلما؛ فلعل الله يهديه إلى الإسلام بعد ما آمن؛ ولكن لا يكون ذلك إلا بحرية تامة وعن قناعة وسلامة اعتقاد.
هذا هو الإسلام الحنيف أو الثقافي الذي يعلو على الإسلام الشعائري، لأن الإسلام كخاتم للأديان صالح لكل البشرية، متفتح لكل الطباع لعلمية تعاليمه؛ وهذا االذي يُعلي من قيمة الإيمان في الحنيفية المسلمة.
ومن المعلوم أن فترة ما بعد الحداثة تمتاز بالعودة إلى الروحانيات والنهل من الأديان مجددا. فلا شك أن البعد الروحاني الكبير في الإسلام مما يرفع من شأنه لا محالة ليجعل منه بحق دين هذا الزمن. ولا شك أن من أوكد طموحات الزمن الحالي السلامُ، والإسلام سلام قبل كل شيء؛ فهو سلام روحي أولا وآخرا، وهو سلامة العبد من يد المسلم ولسانه؛ كما هو سلامة النفس من كل ما يشوبها في نطاق الجهاد الأكبر.
وهذا الجهاد هو الوحيد الذي بقى في الإسلام، لأن الجهاد الأصغر ولّى وانقضى؛ فكما منع الرسول وصحابته الهجرة بعد استقرار الدين في دولته، انقرض عهد الجهاء الأصغر لتمام قيام الإسلام في أفضل دار له، ألا هي قلوب العباد. فلا اعتناق اليوم للإسلام قهرا، ولا دخول في رحاب ديننا السمح عنوة أو البقاء به قسرا؛ ذلك لأنه دين الحرية التامة للإنسان، ودين مجاهدة النفس، وهي مما يشترك فيه العباد قاطبة. فلا رهبوت ولا نقموت في دين السلام، بل الجهاد النفسي على الدوام لتمام تزكية السريرة !
كل ذلك يميّز الإسلام عند المؤمن البسيط. فنجده في المتخيل الشعبي حتى وإن بدا لنا يتقلص بعض الشيء لما للمؤسسات الرسمية لساسة البلاد الإسلامية من عمل دؤوب لاحتلال العقول وتوجيه الألباب لأجل نظرة معينة للدين. فهي متزمتة تارة، مدّعية التوسط طورا، بينما هي تضرب دوما عرض الحائط بأخلافية التسامح في الإسلام، وهو ذلك التسامح الكبار، دون أي قيد أو شرط.
فالتسامح في الإسلام تسامح دين بحق أزلي في تعاليمه العلمية وأحكامه الكونية التي تُختزل فيها كل الثوابت التي وصل ويصل إليها الذهن البشري في تطورة المستديم كما تأخذ بها كل المجتمعات المتقدمة حضاريا.
4 - الإسلام الرسمي هو من رواسب الإسرائيليات
لا شك أن في العديد من مظاهر الإسلام الرسمي ما يمكن تسميته بالمسكوت عنه أو بالمضنون به على غير أهله، وهي تلك الأمور التي لا يجب الكلام فيها من باب عقلية نخبوية أو تخصيص لصفوة، وحتى لصفوة صفوة.
إلا أن مثل هذا التوجه ولى وانقضى، لأن الإسلام اليوم في عصر ما بعد الحداثة، بل هو الدين المابعد حداثي أصلا في تعاليمه ومبادئه وقد جاءت بثورة عقلية قبل أوانها، هي تلك الحداثة الترجعية التي تكلمت عنها في عديد المناسبات.
إن الإسلام الرسمي اليوم، ومنه أيضا ما عُرف بالإسلام السلفي أو المتزمت، لهو حقا نتاج ما رسب في عاداتنا وتقاليدنا من إسرائيليات، وقد أثّرت كثيرا على الاخذين بالعلم من المسلمين. ونحن نعلم، كما بيّن ذلك لنا ابن خلدون، أن حملة العلم في حضارة الإسلام كانوا من غير العرب. ودون التقليل البتة من حماسة هؤلاء الموالي لدينهم، فقد جاؤوا بعقلية غريبة عن الإسلام، وهو الدين العربي أساسا؛ وكانت تلك العقلية متأثرة بالعادات اليهودية والمسيحية الشائعة آنذاك، الفاعلة في المتخيل الشعبي. من ذلك كل ما رسب في الإسلام من نظرة متزمته للجنس وللعري؛ أو من تقليص لحرية الاعتقاد وتوسيع لمعنى المقدس حتى فقد صبغته التي هي بالأساس معنوية عند العرب.
لهذا، نحن لا نستغرب هذه الردة الفعلية الشعبية المتمثلة في تنامي ظاهرة ما اختزله التزمت عند بعض الشباب، والذي مردّه أساسا إنكار هؤلاء للمؤسسات الرسمية أية صفة في تمثيل الإسلام الحقيقي. إلا أن ذلك لا يتم باسم هذا الإسلام كما عاشه ويعيشه المسلم البسيط، بل نراه ينحو منحى أهل الإسلام الرسمي، فيحاكيهم في تشويه صورة الدين ومسخها. ذلك لأن التشوية يأتي بتشويه معاكس.
ولنأخذ على ذلك مثال العلاقات الجنسية بين الشباب المسلم وقد حرّمها الدين الرسمي بينما قبلها في سماحته دين الإسلام الأصلي مع تقنينها بما كان يتلاءهم مع مقتضيات العصر، فكان زواج المتعة. ولا شك أن عصرنا الحالي يقتضي ألا نتجاهل مقصد الشريعة بما جاءت به في الموضوع، فنجتهد مجددا لنلائم بينه ومقتضيات العصر حتي لا نخالف طبيعة البشر وقد عمل ديننا على تبيين المنهج الأفضل.
ولنا أيضا أن نأخذ مثال المولد النبوي الشريف الذي يرى أهل السلفية أنه من الدخيل على الإسلام، وهم في هذا على حق، بينما يرى أهل السنة والجماعة غير ذلك وذلك من الغلط إذ ما كان الاحتفال بمولد الرسول من العادات الشعبية في الإسلام الأول، ولم تصبح كما هي اليوم إلا في نطاق الرسلام الرسمي.
أفما حان الأوان لأن تترك السلط السياسية الرسمية الدين لأهله، أي للشعب، فلا تتحامل عليه بأن تعطيه صبغة رسمية هي بعيدة كل البعد عن كنهه وروحه مما يحمل العديد على محاربتها بأن يتجنى أكثر على ديننا فيذهب أكثر بعدا في الغلو والتزمت؟
إن الإسلام في القلوب أولا وقبل كل شيء، وليس هو بما يُوظف للأغراض السياسية والمصالح الدنيوية؛ لذا وجب إعادته إلى مقامه السامي في أنفس الشعب وترك هذا الشعب يحيا دينه كما دأب عليه قرونا وقرونا، أي بكل حرية ومباشرة في علاقته بربه بدون وساطة أئمة ولا وعاظ ولا دعاة ولا فقهاء. فتلك هي الروح الديمقراطية، وذاك هو بحق الإسلام !
إننا نسعى للتذكير بما في الإسلام من سمو وعلو لا تطاله النوايا المغرضة لمن في نفوسهم مرض، هاجسنا الأوحد أن تكون مآذن جوامعنا منارات التسامح الذي أتى به ديننا والأنسية التي كان سبّاقا للتأسيس لها في حداثية غير مسبوقة هي حداثيته التراجعية.
وسنعرض في ما يلي للإسلام الرسمي، سواء كان ذلك الذي ينعت نفسه بالمتوسط أو ما تزمت منه في بعض البلاد، مدللين أن الإسلام لا يكون إلا ثوريا على كل ما تحنط ولا يفتأ يتحنط في البشر، بداية بذهنه عندما يهرم قبل أوانه. وسنبين أن هذا الإسلام ليس إلا مطية لأغراض ساسة وذبان بلاطات يسعون لمصالحهم الذاتية فلا يمثلون الإسلام الحق الذي لا يتجلى إلا في ما تعيشه شعوب الإسلام وتحياه في حياتها اليومية وفي متخيلها الشعي.
إن الإسلام الرسمي يأخذ بالحرف في الدين وينسى الروح الإلاهية التي فيه، فهو يمر بأزلية الدين من روحه السنية كما نراها في مقاصد الشريعة إلى نص تاريخي بالضرورة لما في ملتنا من تناسب مع زمنها وما فيها من تدرج في أحكامها.
أما الإسلام الشعبي، وقدقدّمت له صوفية الحقائق أفضل تقديم، فهو يأخذ بالإسلام في أزلية تعاليمه وسمو مقاصده لا بما في رسمه، فيتر ك جانبا ما ظهر فخالف ما يتغير ضرورة في طباع البشر ويعود إلى الباطن منه مما تتجلى فيه روح الشريعة الحقة في تأقلمها مع التطور المستدام لحياة البشر.
لقد كانت الصوفية، وهي من أفضل ما استنبط الفكر الإسلامي الأصيل، أصدق من فهم الإسلام على حقيقته بعيدا عن كل تأويلات هؤلاء الذين يعتقدون الكلام في الإسلام بينما هو لا يرددون إلا مقولات دخيلة عنه رسبت إليه مع الإسرائيليات.
فالعادات اليهودية والمسيحية سرعان ما تغلغلت في أذهان العديد من المسلمين لما هناك من وثيق الاتصاال بين الإسلام وما سبقه من رسائل سماوية؛ أفليس الإسلام خاتم الأديان؟ إلا أنه جاء ليصحح ما سبقه مما لحقه من تحريف، فإذا بنا نرى من يدّعي الأخذ بما سبق من السلف من حسنى يسيء إلى دينه فيشينه. وكان بالأحرى لهم الأخذ عن السلفية الحقة، ألا وهي صوفية الحقائق كمتا سماها المنظر الأول لدعاة السلفية.
1 - الإسلام الرسمي أو أزلية الحرف وتاريخية النص
إن تجليات الإسلام لعديدة متنوعة اليوم، ولا شك أن الإسلام في نسخته الرسمية مختلف تماما عن الإسلام الشعبي، وذلك بالسواء بين ما هو من هذه التجليات الغالبة، أي الإسلام السني، و ما اصطلح على تسميته بالإسلام المخالف وحتى بالهرطقة، وعلى رأسه الإسلام الشيعي.
رغم كل هذا، يبقى الإسلام واحدا أحدا، وهو التوحيد بالله وحرية الإنسان في عقيدته، لا يتوسط بينه وبين خالقه أحد، لأن تسليمه هو لله وحده كبشر حر، مجّد الإسلام حريته ورفع منها إلى حد قبوله بأن يتحمل أمانة إعمار الأرض وخلافة الله فيها.
ولكن، ماذا نرى في أنحاء المعمورة؟ إن البلاد التي تدّعي الإسلام تنتهك أخلاقيته والمباديء السامية التي فيه، حتى أننا لنراها أكثر احتراما في البلاد غير المسلمة والتي لا تأخذ بتعاليم الإسلام؛ فلكأنها هي المسلمة حقا وحقيقة، دون البلاد التي هي إسلامية بالرسم دون االفعل والنية.
فالإسلام يدعو للديمقراطية وقد بيّن ذلك في العديد من أحكامه ومنها حكم الشورى والمشورة؛ والإسلام جاء بالتسامح وبضرورة احترام الآخر المختلف، سواء كان ذلك في الملة أو المشارب أو الهوى؛ والإسلام جاء بالعفو والعدل والانصاف؛ فماذا نرى؟ كل هذه الأخلاقيات لا تعرفها أنظمتنا السياسية المقامة على مبدأ الرأي الواحد وحكم الواحد ونبذ الرأي المخالف مع التسلط والقهر على كل مخالف، بل والتشفي منه. وبما أن كل هذا لا ينتمي بأي صفة للإسلام، فحكام البلاد الإسلامية لا يقومون إلا بتوظيف الدين لأغراضهم، فيصرفون آياته وأحكامه كما بدا لهم لما للدين من مكانة عتيدة في النفوس.
بذلك هم يستحوذون على عقول البعض ويدعمون تسلطهم على الشعب باسم دين هو منهم براء. وفي تصرفهم ذلك، يأخذون بحرف الدين ونصه كما ثبت في فترة من فترات نزوله ويجهلون أو يتجاهلون روحه كما تبينها مقاصده، وهي كل الشريعة ولب لبابها.
وهم في تصرفهم ذلك كمن يتجاهم أسباب النزول أو يأخذ بحكم دون التثبت هل وقع نسخه أم لا. إنهم في تشبثهم بأحكام جاءت لفترة زمنية وحسب مقصد من مقاصد الشرعية ليصرفون هذا على عصرنا وما نعيشه، كمن يأخذ بحكم وقع نسخه.خذ لك في ذلك ما جاء في أمر قطع اليد أو تعدد الزوجات أو العبودية، فكلها من الأحكام التي تنبني على حكمة إلاهية بليغة ومقصد من مقاصد الشريعة لا يمكن تجاهله إلا ورمينا عرض الحائط بعدل الإسلام وسماحة تعاليمه.
إن الإسلام في حكمته جاء منجّما فكانت أحكامه متدرجة نظرا لما في الطبيعة البشرية من نقص. فمن نقصنا ننتقص من حكمة ديننا بأن نأخذ بحرف لنجعله أزليا بينما تاريخيته تفرض نفسها، كما هو الحال في مثالي قطع اليد و الرق.
إن أزلية نص القرآن في مقاصده وفي روحه لا في نصه. فكما الحرف من كلام الله، روحه هي أيضا من هذا الكلام، بل هي فيه أعلى وأبلغ! وهذا ما سمّته الصوفية بالباطن، داعية بتغليبه على الرسم وعدم الحكم بمجرد ما ظهر من نص القرآن إذا خالف روحه ومقاصد الشريعة.
2 - الإسلام الشعبي أو أزلية الروح ومقاصد الشريعة
ولكن كيف نصل إلى هذه الروح؟ أليست هي ما استنبطه الفقهاء على مر الأزمنة؟
لا شك أن فقهاء الإسلام اجتهدوا فأصابوا في عصرهم بأن تأولوا نصوص القرآن حسب مقتضيات زمانهم. إلا أنهم - وعملا بتناغم الدين مع عصره، لأنه ليس بالدين فقط، إذ هو دنيا أيضا - صرفوا حكم بعض الآيات حسب ما تعارفوا عليه وأخذت به أمم البشرية. ولذلك أيضا، حكّموا السنة في ما لم يكن فيه أي حكم أو قاسوا على بعض الأحكام حتى يكون الدين بحق دستور البلاد في ما يخص علاقة البشر ببعضهم.
فكان الأمر كذلك في عدة مواضيع منها أمر الردة وموضوع اللواط، وقد أفردنا لكل منهما دراسة مستفيضة. ففي هذين الأمرين، ذهب الفقهاء إلى أبعد ما جاء به الدين في تأويلهم له حسب ما اعتقدوا أنه يمثل روحه ومقاصده. فالمرء نتاج عصره، يفكّر حسب متخيل هو من إفرازات كل ما يحيط به من عوامل وتيارات. ومن هنا جاء القول الخاطيء بأن الإسلام يجرّم الردة ويحرّم اللواط، وليس ذلك بالصحيح كما بيناه بوافر الأدلة الشرعية (راجع كتابينا : حقيقة الردة في الإسلام وحقيقة اللواط في الإسلام، وقد صدرا أخيرا عن دار النشر أفريقا الشرق).
هذا، و إن أخطأ الإسلام الرسمي بتجاهله روح الدين وأخذه بإيديولوجية الحاكم ونظرته للأشياء، فقد تنكّر أيضا لمعتقدات الشعب وموقفه الحقيقي من تلك المواضيع، حيث ما اعتقد العربي المسلم أبدا في انعدام حرية العقيدة في ملته والحرية الملازمة لذلك، أي حرية الارتداد؛ كما أنه ما اعتقد البتة في كون العلاقات الجنسية الشاذة مما يحرمه الدين، إذ كان يتعاطاها كصنف من أصناف الجنس هو من الفطرة البشرية ومما في الطبيعة، حتى وإن شذ.
بذلك كان الإسلام الشعبي دوما أصح إسلاما مما عرفناه ونعرفه عند الحكّام، إذ نجد فيه عفوية الدين وبساطته وطلاقته دون تزييف ولا تحريف لأسباب عقدية أو مصالح نخبوية أو أغراض شخصية. فرغم ما شاب هذا الإسلام من التحريفات في بعض التصرفات الغريبة، فقد بقي في جوهره وأصوله سليما، مكينا في النفوس.
وهو بتلك الصفة مكّن الدين من الدوام في الأفئدة شامخا في السرائر على مر الأزمن؛ حتى أصبح بذلك من ركائز الشخصية وعلامات التحرر للمسلم. من ذلك أن المؤمن لا يعترف إلا بوحدانية الله في علوه وقداسته، فلا يتوسط بينه وبين خالقه. فالمسلم الشعبي لا يسمح لأحد بأن يتصدى لبيبن له مراسم دينه، لأنه أولى بذلك وأقدر لفهمها بما أنه العبد الحر، لا حكم عليه في أمور الدين إلا من خالقه وهو الرحمان الرحيم، لا يعاقب إلا من يشاء ويرحم لمن شاء وأراد.
وقد ظهرت في التاريخ الإسلامي فرقة مثلت خير تمثيل هذا الفكر الشعبي، هي فرقة المرجئة. ورغم أنها اندثرت كمكوّن من أهم التيارات الفكرية في المجتمع لتمكّن الكنيسة الإسلامية المستحدثة من فرض نفسها في شخص الأئمة والفقهاء والشيوخ، فقد بقيت معالم الفرقة في المتخيل الشعبي إلى اليوم، حيث لا نزال نقرأ فيه حقا أزلية الإسلام كما هي في روحه ومقاصده.
3 - الإسلام الشعبي هو خاتم الأديان في كونيته وعلميته
فالإسلام هو بلا منازع خاتم الأديان، وهو لا يكون كذلك إلا لأزلية أحكامه. ولكن لا أزلية لنص الأحكام التي جاءت تنظم الحياة البشرية. ذلك لأن الإسلام في جانبه الخاص بالمعاملات جاء متناغما مع الطبيعة البشرية، يتطور معها كما من المفروض أن تتطور هي حسب طبيعتها على ما أرادها لها الله. فالأزلية ليست في الحرف والنص في أمور الدنيا، بل هي في روح هذه النصوص الخاصة بالمعاملات وحياة العباد الدنياوية.
أما أمور الدين، فهي كما حددها الإسلام، لا رأي للمسلم فيها، يأخذ بها ويعمل بها كما هي وكما جاء بها النص الديني الذي هو في ذلك بدون أدنى شك متفقا تمام الاتفاق مع روحه. أما إن شاء المسلم أن لا يأخذ بتلك النصوص، فله الحرية في ذلك، إذ الإسلام يضمن حرية العبد في الإيمان وعدم الإيمان ، فلا إكراه في الدين القيّم. وقس على ذلك حرية العبد التامة في أن يكون مؤمنا دون أن يكون مسلما؛ فلعل الله يهديه إلى الإسلام بعد ما آمن؛ ولكن لا يكون ذلك إلا بحرية تامة وعن قناعة وسلامة اعتقاد.
هذا هو الإسلام الحنيف أو الثقافي الذي يعلو على الإسلام الشعائري، لأن الإسلام كخاتم للأديان صالح لكل البشرية، متفتح لكل الطباع لعلمية تعاليمه؛ وهذا االذي يُعلي من قيمة الإيمان في الحنيفية المسلمة.
ومن المعلوم أن فترة ما بعد الحداثة تمتاز بالعودة إلى الروحانيات والنهل من الأديان مجددا. فلا شك أن البعد الروحاني الكبير في الإسلام مما يرفع من شأنه لا محالة ليجعل منه بحق دين هذا الزمن. ولا شك أن من أوكد طموحات الزمن الحالي السلامُ، والإسلام سلام قبل كل شيء؛ فهو سلام روحي أولا وآخرا، وهو سلامة العبد من يد المسلم ولسانه؛ كما هو سلامة النفس من كل ما يشوبها في نطاق الجهاد الأكبر.
وهذا الجهاد هو الوحيد الذي بقى في الإسلام، لأن الجهاد الأصغر ولّى وانقضى؛ فكما منع الرسول وصحابته الهجرة بعد استقرار الدين في دولته، انقرض عهد الجهاء الأصغر لتمام قيام الإسلام في أفضل دار له، ألا هي قلوب العباد. فلا اعتناق اليوم للإسلام قهرا، ولا دخول في رحاب ديننا السمح عنوة أو البقاء به قسرا؛ ذلك لأنه دين الحرية التامة للإنسان، ودين مجاهدة النفس، وهي مما يشترك فيه العباد قاطبة. فلا رهبوت ولا نقموت في دين السلام، بل الجهاد النفسي على الدوام لتمام تزكية السريرة !
كل ذلك يميّز الإسلام عند المؤمن البسيط. فنجده في المتخيل الشعبي حتى وإن بدا لنا يتقلص بعض الشيء لما للمؤسسات الرسمية لساسة البلاد الإسلامية من عمل دؤوب لاحتلال العقول وتوجيه الألباب لأجل نظرة معينة للدين. فهي متزمتة تارة، مدّعية التوسط طورا، بينما هي تضرب دوما عرض الحائط بأخلافية التسامح في الإسلام، وهو ذلك التسامح الكبار، دون أي قيد أو شرط.
فالتسامح في الإسلام تسامح دين بحق أزلي في تعاليمه العلمية وأحكامه الكونية التي تُختزل فيها كل الثوابت التي وصل ويصل إليها الذهن البشري في تطورة المستديم كما تأخذ بها كل المجتمعات المتقدمة حضاريا.
4 - الإسلام الرسمي هو من رواسب الإسرائيليات
لا شك أن في العديد من مظاهر الإسلام الرسمي ما يمكن تسميته بالمسكوت عنه أو بالمضنون به على غير أهله، وهي تلك الأمور التي لا يجب الكلام فيها من باب عقلية نخبوية أو تخصيص لصفوة، وحتى لصفوة صفوة.
إلا أن مثل هذا التوجه ولى وانقضى، لأن الإسلام اليوم في عصر ما بعد الحداثة، بل هو الدين المابعد حداثي أصلا في تعاليمه ومبادئه وقد جاءت بثورة عقلية قبل أوانها، هي تلك الحداثة الترجعية التي تكلمت عنها في عديد المناسبات.
إن الإسلام الرسمي اليوم، ومنه أيضا ما عُرف بالإسلام السلفي أو المتزمت، لهو حقا نتاج ما رسب في عاداتنا وتقاليدنا من إسرائيليات، وقد أثّرت كثيرا على الاخذين بالعلم من المسلمين. ونحن نعلم، كما بيّن ذلك لنا ابن خلدون، أن حملة العلم في حضارة الإسلام كانوا من غير العرب. ودون التقليل البتة من حماسة هؤلاء الموالي لدينهم، فقد جاؤوا بعقلية غريبة عن الإسلام، وهو الدين العربي أساسا؛ وكانت تلك العقلية متأثرة بالعادات اليهودية والمسيحية الشائعة آنذاك، الفاعلة في المتخيل الشعبي. من ذلك كل ما رسب في الإسلام من نظرة متزمته للجنس وللعري؛ أو من تقليص لحرية الاعتقاد وتوسيع لمعنى المقدس حتى فقد صبغته التي هي بالأساس معنوية عند العرب.
لهذا، نحن لا نستغرب هذه الردة الفعلية الشعبية المتمثلة في تنامي ظاهرة ما اختزله التزمت عند بعض الشباب، والذي مردّه أساسا إنكار هؤلاء للمؤسسات الرسمية أية صفة في تمثيل الإسلام الحقيقي. إلا أن ذلك لا يتم باسم هذا الإسلام كما عاشه ويعيشه المسلم البسيط، بل نراه ينحو منحى أهل الإسلام الرسمي، فيحاكيهم في تشويه صورة الدين ومسخها. ذلك لأن التشوية يأتي بتشويه معاكس.
ولنأخذ على ذلك مثال العلاقات الجنسية بين الشباب المسلم وقد حرّمها الدين الرسمي بينما قبلها في سماحته دين الإسلام الأصلي مع تقنينها بما كان يتلاءهم مع مقتضيات العصر، فكان زواج المتعة. ولا شك أن عصرنا الحالي يقتضي ألا نتجاهل مقصد الشريعة بما جاءت به في الموضوع، فنجتهد مجددا لنلائم بينه ومقتضيات العصر حتي لا نخالف طبيعة البشر وقد عمل ديننا على تبيين المنهج الأفضل.
ولنا أيضا أن نأخذ مثال المولد النبوي الشريف الذي يرى أهل السلفية أنه من الدخيل على الإسلام، وهم في هذا على حق، بينما يرى أهل السنة والجماعة غير ذلك وذلك من الغلط إذ ما كان الاحتفال بمولد الرسول من العادات الشعبية في الإسلام الأول، ولم تصبح كما هي اليوم إلا في نطاق الرسلام الرسمي.
أفما حان الأوان لأن تترك السلط السياسية الرسمية الدين لأهله، أي للشعب، فلا تتحامل عليه بأن تعطيه صبغة رسمية هي بعيدة كل البعد عن كنهه وروحه مما يحمل العديد على محاربتها بأن يتجنى أكثر على ديننا فيذهب أكثر بعدا في الغلو والتزمت؟
إن الإسلام في القلوب أولا وقبل كل شيء، وليس هو بما يُوظف للأغراض السياسية والمصالح الدنيوية؛ لذا وجب إعادته إلى مقامه السامي في أنفس الشعب وترك هذا الشعب يحيا دينه كما دأب عليه قرونا وقرونا، أي بكل حرية ومباشرة في علاقته بربه بدون وساطة أئمة ولا وعاظ ولا دعاة ولا فقهاء. فتلك هي الروح الديمقراطية، وذاك هو بحق الإسلام !
نشرت على موقع أخبركم