رسالة إلى جلالة الملك محمد السادس :
في سن قانون باسم إحسان الجرفي يُبطل تجريم المثلية
جلالة الملك،
لقد سبق أن رفعت لكم في مناسبات عدة رسائل في مواضيع مختلفة، لأني أعزكم شديد المعزة وأقدركم وافر التقدير وأحب المغرب، بلدي الثاني الحبيب، وشعبه الأبي الكريم.
وها أني أعود لمكاتبتكم في أمر سبق أن رفعت فيه إلى عنايتكم بعض الدعوات. فقد ناشدتكم بعد إبطال القانون المجرم للمثلية لما فيه من التجنى على روح الإسلام الحقة ونصه الذي لا التباس فيه إلا لمن خلط القصص مع الأحكام وأخذ بالإسرائيليات لا بمقاصد شريعتنا السمحة. وذلك ما بينته في كتاب لي صدر بالمغرب الشقيق بالحرف العربي والفرنسي.
نعم، إن الإسلام يندد بعمل قوم لوط، إلا أنه لا يفعل ذلك إلا من باب القصص، إذ أن الله لم يأت لا بأمر في اللواط ولا بحد. كل ما في الأمر أن الفقهاء، وأغلبهم كما ذكّر بذلك ابن خلدون، كانوا من الموالي، أي ممن لم تكن مرجعيتهم بداية عربية وإسلامية، اعتبروا المثلية فاحشة بالنظر لما كانت الحالة عليه في عصرهم واعتمادا على تجريمها صراحة بالكتاب المقدس. ولم يعد الأمر كذلك اليوم.
لذا أود، يا جلالة الملك، إثارة نفس الموضوع مجددا ولكن من زاوية أخرى تهمّكم ولا شك مثل الأخر، بل ولعل ذلك أكثر لشدة حرصكم على حقوق المغاربة.
أنا أعود للموضوع بعد فاجعة إحسان الجرفي، المغربي الذي قتل ظلما ببلجيكا لا لشيء إلا لأنه مثلي ! إنى أهيب بجلالة الملك أن يأذن السلط المغربية بإطلاق اسم هذا الفتى المغربي المظلوم على القانون الذي ننتظره منكم كإحياء لروح صريع الإساءة وقد كان إحسانا كله كاسمه لكل من عرفه فقدّر فيه مثال المغربي الشهم والمسلم التقي.
تجريم المثلية من الإسرائيليات :
إن الغرب يريدنا على شاكلته، وهذا ليس بالممكن لأن أنواره أصبحت اصطناعية لمادية الحياة فيه بينما هي طبيعية عندنا لما في بلادنا العربية البربرية الإسلامية من روحانيات فياضة.
ومما يزيد فرقة الغرب معنا نظرته للحياة في كل شيء، فيعمل على إبقاء بلداننا تحت ربقة قوانين جزرية لم يأت بها الإسلام وإنما فرضتها عقلية غريبة عنه، فأتت في قوانين غربية وعادات يهودية نبذها أهلها اليوم بعد أن أخذوا بالديمقراطية؛ إلا أنها بقيت عندنا كالعدديد من الإسرائيليات في الإسلام. ومنها النص المخزي الذي يجرّم المثلية باسم الدين الحنيف، وهو منه براء.
فهل نواصل العمل بمثل هذه الإسرائيليات اليوم وقد ثبت علميا أن المثلية فطرة في البشر، حتى وإن كانت شاذة؟
إن المغرب بذلك ليظلم إحسان الجرفي مرة ثانية فيمنع روحه بعد موته الفظيع مما حرمها منه في حياته، أي من حق دخول بلده بكل اعتزاز وفخر لأنه مغربي، وإن كان مثليا، بعد إبطال تجريم المثلية فيه، هذه الشناعة الحقيقية.
مغزى فاجعة إحسان الجرفي :
إني إذ أعيد الكرة وأكاتبكم من جديد في هذا الأمر، فذلك لأني أعلم تمام العلم شديد تعلقكم بحقوق مواطنيكم وحرصكم الكبير على الذود عنها ورعايتها. لقد ذهب إحسان الجرفي ببلجيكا ضحية بريئة لتصرفات شباب متوحش لم ير فيه إلا المثلي فقتله لذلك شر قتلة.
ولقد برهن القضاء البلجيكي على عدالته وأعطى إحسان الجرفي حقه بأن بين حسن أخلاقه ونقاوة تصرفاته، إذ كان المغربي الذي تتشرف به المملكة ويعتز به كل أب وأم.
نعم، لقد حيّت العدالة البلجيكية خير تحية روح ضحية التوحش البشري فقضت بالمؤبد على ثلالة من المعتدين عليه وبثلاثين سنة على رابعهم.
فبعد هذا، هل لروح إحسان أن تنتظر طويلا عدالة وطنها وأرض أجدادها في الاعتراف به بكل حقوقه كمواطن مغربي؟
إن القانون الذي يجرّم المثلية في المغرب والذي يخالف الدين الإسلامي في سماحته كان يمنع إحسان من دخول بلده خوفا على نفسه منه. وبقاء هذا الراسب الجائر من رواسب الإسرائيليات في الدين الإسلامي، إضافة لأنه وصمة عار للمغرب، لهو اليوم قتل جديد لإحسان الجرفي !
قانون إحسان في إبطال تجريم المثلية :
فليأذن إذن، جلالة الملك، أن يُسن بمملكته قانون يحمل اسم إحسان الجرفي يقرر الاعتراف بحق المثلي بالمغرب في العيش الكريم لأنه نوع من الجنس أراده الله في عباده ولا دافع لمراد الله.
فأنتم، يا جلالة الملك، بمثل هذا القانون تنصرون هذا المواطن الذي كان يحبكم شديد المحبة ويردد أنكم مثال الملك الذي يحب الخير لشعبه ويسهر على إنصافهم؛ وكان إحسان لا يشك أن المثلية في المغرب مآلها مزبلة التاريخ بفضل عنايتكم.
كان إحسان يأمل دخول المغرب قريبا بعد أن يُعترف فيه بحقه في المثلية، هذه الفطرة التي لم يخترها لأن الله هو الذي جعلها فيه وفرضها عليه. إلا أن يد المنون قصفت شبابه قبل أن يحقق حلمه؛ فهلا تحققوا له هذا الحلم بعد مصرعه، يا جلالة الملك؟
إن إحسان الجرفي شهيد الإساءة للمثليين مثله، وهو بهذا حي عند الله؛ وروحه لا زالت تنتظر حقها في دخول أرض المغرب عزيزة مكرمة. فليكن هذا على يد جلالتكم بقانون يهديه المغرب لشهيده فيعطيه إسمه !
لقد سقط إحسان الجرفي ضحية العداء للمثلية في ليلة مريعة من العشر الأواخر من أبريل، فلتكن هاته التي ستأتي قريبا العشر التي ينتصر الحق فيها ويزهق باطل تجريم المثلية بالمغرب !
إن القانون الحالي يظلمه ميتا كما ظلمه البشر حيا، بل ويظلمه أكثر بأن يكون دمه أُهدر للاشي؛ ولا شك أن ظلم قوانين البلاد لمواطنيها له كظلم ذوي القربى، بل وأنكى.
إنكم بإبطال هذا القانون غير الإسلامي، يا جلالة الملك، تعيدون الاعتبار لإحسان الجرفي ببلده فتنصفوه بأن تعدلوا في حق كل من هو مثلي مثله؛ وبهذا تكون العدالة لإحسان ولكل المثليين بالمغرب، فلا تذهب تضحيته بروحه سدى من أجل حق لا غبار عليه، حقه في العيش كما أراد الله له أن يكون.
وكنتم، يا جلالة الملك، دوما في نصرة القضاية العادلة مثل هذه؛ وفقكم الله ورعاكم إلى الأفضل !
نشرت على موقع أخبر.كم