ذيل لرسالتي في الطقوس البغيضة، الأصنام التي مصيرها الهدم
هذا ذيل لرسالتي في المقاربة السوسيولوجية التي قمت بها لطقوس البيعة ببلدك، يا جلالة الملك، وهو من الزاوية السيكولوجية وذلك حتى تكمل الصورة فلا تخفى عليكم شناعتها ومدى خطورتها في زمن مابعد الحداثة الذي تغيرت فيه المفاهيم، فصار مضيعة للملك ما عهدناه حفاظا لها، حفظكم الله لشعبكم على الدوام.
إن دوام الملك اليوم أساسه جذور قائمة في قلوب الناس، آخذة بأحاسيسها، إذ السلطان الحقيقي هو سلطة الشعب في اتحادها بشخصكم الكريم، بما أنتم في الزمن ما بعد الحداثي التشخيص البشري لحال الجماهير المتحدة في ملككم وبه، خاصة في متخيله ولاوعيه الجماعي.
فأنتم الجماهير، يا جلالة الملك، هذه المجموعة المنصهرة في شخصكم، إذ لا يعدو الشعب أن يكون شخصكم السامي في تجذره بأرض المغرب؛ إلا أن هذا التجذر لم يعد ما اعتدناه في زمن الحداثة من تمسك بعادات وتقاليد بالية، كما نراه كل سنة في احتفالات تجديد البيعة، بل هو في الأحاسيس التي يكنها لكم شعبكم ومحبته لشخصكم ولسلالتكم، وتناغمكم التام معها.
أما التقاليد والعادات كما عرفناها واعتدناها فلم تعد تصلح اليوم إذ تنقلب آجلا وبالا على من يلجأ إليها رغم أنه لا يدري مغزى ذلك حيث كانت فاعلة في زمن ليس بالبعيد. ذلك لأن هذا الزمن ولى وانقضى، وهو زمن الحداثة كما عشنا على وقعها طويلا؛ أما اليوم، فزمن ما بعد الحداثة يقتضي، كما ألمعت إليه في الرسالة، نبذ كل ما من شأنه الفصل بين السيد ورعيته لأنه لا يسود إلا بخدمتهم، تلك الخدمة المادية طبعا وأيضا وخاصة المعنوية. ويتجلى هذا في مشاعرهم نحوه كما يعبر عنها نبض الشارع بكل طلاقة.
إن فائدة الطقوس التي تسهر حاشيتكم على أن تتمسكوا بها هي فقط في صالح هذه الحاشية أو من يأتي بالأفعال النابية التي نراها كل سنة تحاكي سجود العبد لربه. فعلم النفس الحالي يبين أن من يخضع ذليلا متذللا لسيده يحاكيه في ما بعد ولا محالة في السيادة والتسلط مع من هو تحت إمرته. إن كل من يركع لكم في عيد العرش يتخذ من تصرفه المشين هذا الذريعة لتركيع من هم في سلطته داخل المملكة، إذ عليهم أن يركعوا له كما ركع هو لسيده.
هكذا نرى كيف تتغلغل نزعة التسلط على الشعب في أنفس المسؤولين في مملكتكم، فإذا هم سلاطين على الشعب في نطاق عملم باسم تلك الطقوس رغم أنها خاصة بالعرش وبالملك وحده. هذه هي الفائدة الكبرى التي تجعل عمالكم وحاشيتكم تتعلق بمثل هذه الطقوس رغم نزعتكم الشديدة للتواضع التي دللتم عنها ببلدي تونس فأخذتم بمجامع القلوب.
جذور طبائع الاستبداد فينا إذا هي في مثل هذه الطقوس، فهي بمثابة الكوابل التي تحجر كل ما في عاداتنا من محاسن وما من شأنه السمو بأخلاقنا. ولعل الأدهى أنها تنمو في متخيلنا لا عن قناعة شخصية بل بتعلات تحمل تارة اسم الهوية وطورا الأصالة، لأن وعينا يبيّن لنا عدم حجيتها، فنخادعه بالعمل بها على أنها محاكاة للمثل الأعلى، أي السلطان، بينما هو في الحقيقة في حل من هذه الترهات لا يقبلها إلا لتمسك حاشيته بها. تلك هي الحلقة المفرغة التي يعيشها المغرب، قصة البيضة والدجاجة التي لا يجهلها أحد. فهل طقوس البيعة مهانة أو مهابة؟ إنها مهانة لمن يركع للسلطان لأن فيها مهابة له إزاء الشعب، رغم أن المهابة الوحيدة هي للسلطان. هذا وتبقى المهانة كلها للشعب بينما لا مهابة للسلطان إلا بمهابة الشعب.
إن طرحكم جانبا لطقوس يقدمونها لكم على أنها من الهوية المغربية في حين أنها تطمسها طمسا لنتيجته الحتمية تقريب الشعب من مرؤوسيه، وهذا ما لا يحبذه العديد من عمالكم بما أن نظرتهم للحكم هي نظرة استعلاء وتكبر، وهي طريقة حكم زالت وانقضت، فليس فيه اليوم أي خير.
فالمتخيل المغربي، تماما كغيره في البلاد العربية، هو في سلطة لا تتسلط عليه بالقوة والبأس والجبروت، بل بالأخذ بمجامع القلوب. ولا شك أن النتيجة في كلتا الحالتين واحدة؛ إلا أنها متناسبة مع مقتضيات زمننا، متناغمة مع تطلعات الجماهير وهم في عصرهم في الحالة الثانية، فلا عنف ولا هرج ولا مرج مع عدم الإخلال مع ذلك بالنظام وشرعيته وسلطته.
أما في الحالة الأولى، لا شيء يضمن اليوم دوام نجاح الحاكم المتعالي على شعبه بالقوة وبكل ما اعتدناه في بلداننا من تسلط وتجبر. إن الموازين انقلبت، ولا دوام في هذا الزمن إلا لسلطة متجذرة في محيطها، وهو ليس فقط بما تكونه المؤسسات الرسمية للدولة ولا في الشعب كما عهدناه، بل هي في كل هذه الآليات التي غدت تحكم البشر من متخيل ومشاعر وأحساسيس. فلا مجال للحاكم المحنك الحصيف إلا العمل على رعايتها وتنميتها في صفوف شعبه بكل ما يقربها منه ومن عماله، فلا تنفرها منها.
دمتم لشعبكم أقرب إليه من حبل الوريد بدون هذه الطقوس التي لا تفيد إلا من يستغلها لاستعباد شعبكم باسمكم وأنتم من هذا براء.
نشرت على موقع أخبر.كم