رسالة مفتوحة إلى السيد محمد فاضل محفوظ، عميد المحامين : إلى متى هذا السكوت المخجل على ظلامة الفصل 230 جنائي؟
كنت ناشدت الهيئة الوطنية للمحامين الإفصاح عن موقفها في قضية التحاليل الشرجية وإبطال تجريم المثلية بتونس، عقب الضجة التي أحدثتها بالبلاد قضية الطالب البريء مروان.*
وقد كان ذلك لما بدا منها من سكوت مخجل في موضوع حساس يتعلق بحقوق الناس التي هي أمانة عند أهل المحاماة.
إلا أنه رغم التعاطف الكبير لأهم المنظمات الوطنية والعالمية مع هذه القضية ومع الشاب البريء القابع إلى اليوم بالسجون التونسية، لا زالت العمادة في غفوتها القيمية لا تنبس ببنت شفة، شأنها في ذلك شأن أهل القضاء.**
فهل وصلت اللخبطة القيمية بنا إلى الحد الذي يسكت فيه من واجبه الدفاع عن البريء ونصرة الحق، منتصرا للباطل والظلم بسكوته المخجل هذا ؟
عندما يُسجن البريء !
إن الطالب مروان حُرم ظلما من دروسه، وهو إلى اليوم ينتظر رحمة من أهل العدل والانصاف، لأنه لم يأت أي شيء منكر من شأنه أن يُسجن لأجله فيضيع مستقبله هدرا.
فالظالم في قضية الحال هو فصل جائر من قانون الخزي، هذه التركة الباقية من عهد الاستعمار ونظام الديكتاتورية، ألا وهو الفصل 230 المجرّم للمثلية.
لقد حوكم مروان ظلما بعد أن أهين بتحليل قروسطي لا يشرّف بلاد ثورة الكرامة،كما وقع الاعتداء على حياته الخاصة باسم قانون العار هذا.
ومن الغريب أن أهل الذمم الحرة كسيادتكم لم يطالبوا بعد بإبطال الفصل المخزي بما أنه يخالف لا فقط أبسط حقوق الإنسان والأعراف الدولية، بل وأيضا الدستور والأخلاق الإسلامية التي تشدد على ضرورة العدل وحرمة الحياة الخصوصية واحترام الذات البشرية في فطرتها التي جعلها الله لها.
المثلية فطرة من الله
لقد ثبت علميا اليوم أن العلاقات بين جنس واحد فطرة بشرية وهي أيضا مما هو شائع في الطبيعة؛ فليس في مثل هذا الجنس الشاذ أي فاحشة كما روّجت له الإسرائيليات المتفشية في دين الإسلام.
فديننا ما حرم بتاتا مثل هذا الجنس؛ إنما ذكّر القرآن، في سياق قصصي، بما كان موجودا قبله من منع صريح في التوراة والإنجيل، ولم يقرّه لا صراحة ولا ضمنيا.
إنه لا حكم في الموضوع في الفرقان، بينما القاعدة الثابتة في الفقه الإسلامي أنه لا تحريم إلا بنص صريح؛ ولا نص يحرم اللواط في القرآن، بل جاء التحريم باجتهاد من حملة العلم الذين كانوا من الموالي، أي ممن طغت على متخيلهم الإسرائيليات.
هذا، ولا نجد أي حديث صحيح في الموضوع في أصح الصحاح، البخاري ومسلم؛ فكل ما يُروى عن الرسول الأكرم في اللواط غير صحيح، إذ لم يثبت عنه أي شيء، كما ذكّر بذلك الإمامان أبو حنيفة والشافعي.
ذنب قوم لوط هو الحرابة
مع العلم أنه ثبت أيضا اليوم أن الذنب الذي عاقب الله عليه قوم لوط هو الحرابة لا اللواط. وهذا من البديهي إذ لوكانوا يتعاطون كلهم اللواطة لما كوّنوا قوما.
أما نعت القوم بهذه الصفة، فمن بلاغة العربية التي أُنزل القرآن في أبهى حللها، إذ من بديعها سحب صفة البعض على الكل، زيادة في المدح أو الذم.
ولا شك أن اللواط كان في تلك الفترة من الزمن مذموما عالميا؛ لذا كلّم الله الناس بما يفهمون وذمهم بما كان مذموما عند عموم البشر.
أما الآن، فقد تغيرت الأحوال وأصبحت الفاحشة في قمع المثلي لا في القبول به، كما كان دين القيمة سباقا له بعدم تثبيت مناهضة المثلية التي أتت بها اليهودية والمسيحية.
لتطالبوا بإنصاف مروان البريء !
إلى متى إذن تسكت الهيأة الوطنية للمحامين على الظلم وتترك من لم تجن يده أي شيء يستحق عليه ضياع مستقبله وحقه مع امتهان كرامته؟
نعم، في الهيأة لا محالة العديد من الأطراف والمشارب؛ وفيها للأسف من نراهم يساند البعض ممن يروج للكراهة بين الناس. إلا أنه بأمكانهم، سيدي العميد أخذ الموقف الذي يشرفكم باسمكم الشخصي انتصارا للحق ودفاعا عن البريء !
لقد استأنف المظلوم مروان الحكم الجائر المسلط عليه، فهلا ساندتم حقه في رد الاعتبار له لدى الاستئناف؟
هلا قلتم كلمة الحق الواجبة في تحاليل العار وقانون الخزي الدعي على الإسلام الذي يشينه جاعلا منه دين الكراهة والبغض رغم أن حضارته، وقد كانت حداثة قبل الحداثة الغربية، أثبتت إناسته وعلميته وعالميته؟
ألا هل نأمل من الهيأة، أو منكم على الأقل، صحوة هذا الضمير النائم حتى لا ييأس البريء ممن واجبه نصرة حقه في هذه البلاد التي أصبح الظلم فيها متفشيا والبراءة إجراما؟
*
**