Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

samedi 11 avril 2015

Terrorisme mental 3

لا تجريم ولا تحريم للمثلية في الإسلام


في تجديد العروة الوثقى الإسلامية
لا تحريم للواط في الإسلام ! *

* نظرا لطول المقالة وأهميتها، يمكن تنزيلها برابط في آخرها. 

الفهرس :

1 - توطئة   
     أ - في ماهية المسألة 
     ب - في موضوعية المرجعية الدينية 
     ج - في محورية الأخلاق 
2 - في المسألة الجنسية 
     أ - من الزاوية اليهودية والمسيحية 
          ١ - العهد القديم 
          ٢ - العهد الجديد 
     ب - من زاوية المفهوم الإنساني والإجتماعي 
     ج - من زاوية العادات العربية والتونسية 
3 - في اختزال الرأي الإسلامي السائد 
     أ - اللواط في القرآن 
     ب - اللواط في الحديث 
     ج -   اللواط   في بقية المراجع 
     د -   حكم اللواط   حسب المعتقد السائد 
          ١ - حد اللواط 
          ٢ - إثبات اللواط     
     ه -   مسألة غلمان وولدان الجنة 
4 - في التنظير لموقف موضوعي 
     أ - موقف العلم اليوم من اللواط 
     ب - موقف الأخلاق اليوم من اللواط 
     ج - ما يكون موقف الإسلام من اللواط 
5 - في تصحيح المفردة : من اللواط إلى المماثلة
     أ - المفهوم الديني واللغوي 
     ب - المفهوم القيمي 
     ج - المفهوم الموضوعي 
6 - خاتمة في موقف إسلامي أصيل
          أ - في المفهوم الصحيح نصًا    
          ب - في المفهوم الصحيح روحًا 
          ج - في المفهوم الصحيح حضارةً 

1 - توطئة   
     أ - في ماهية المسألة :
     سألني سائل ممن يقرّ بما عليه أوضاعنا من التردّي البغيض والتدنّي المقيت مع ضرورة العمل على الإصلاح من أجل الأفضل : ما معنى التركيز على مسألة كهذه، وبخاصة كفاتحة للسلسلة وهي، في رأيه، من المواضيع المبتذلة إذ لا يعدّها من مشاغل الساعة.
     أقول : أنا أبدأ بهذا الموضوع لما فيه من حساسية ونظرا لصبغته الرمزية؛ فهو يختزل كل ما من شأنه الإنباء عن تعلّقنا أو رفضنا للآخر، كل آخر، أيا كان مشربه وهواه، لاحترامنا التام للذات البشرية التي قدّسها الله. 
     ذلك أن الله جعل من بني آدم الخليقة الوحيدة الذي كانت لها الجرأة على حمل الأمانة مما حتّم على كل المخلوقات الأخرى أن تركع له، ومنها الملائكة رغم علوّ قدرها. 
     ونحن نعلم أن لا جنس للملائكة، مما يمكننا القول أن تقديسها للإنسان هو ذلك التقديس الكلي لكل إنسان، أي كان جنسه، ذكرا كان أو أنثى، أو حتى خنثى، ما دامت همّته عالية وتقواه في مستوى ثقة الله به وبرجاحة عقله. 
     والجنس من ضروريات الحياة ومن مقوّمات النفسية البشرية في توازنها وانعدامها من المركّبات؛ فإذا كانت علاقتنا بالجنس علاقة رهبة وخوف أو هلوسة وشطط في تعاطينا معه، كانت شخصيتنا مشوّشة وإرادتنا مذبذبة وحياتنا العاطفية جحيما.
     لذا، فمن أوكد الضروريات أن نضع أوزار الحرب التي نشنّها على أنفسنا وعلى غيرنا من أجل الجنس أو باسمه وذلك بتصحيح رؤيانا للموضوع، وفيه من الفائدة ما لاتحصى وتعد في ما يخص نظرتنا لسائر المسائل الأخري من المشاغل التي تعدّ كبرى وهي في الحقيقة لأصغر بكثير من المسألة التي تشغلنا اليوم.         
     ب - في موضوعية المرجعية الدينية :
     إن عملنا هذا يرتكز على روح الدين الإسلامي الحقّة، وهذه الروح التي يمكن لنا تبيّنها من خلال مقاصد الشريعة لهي من المعضلات الجمّة حيث يقصرالعقل البشري مهما تعالى عن بلوغ كنه الدين الصحيح. فليست هذه إلا محاولة، وهي ككل المحاولات البشرية من باب الاجتهاد، سواء أصاب أو أخطأ، لأن الإجتهاد من أوكد ما نادت به الشريعة وضمنت له الأجر.*1* 
     وبالطيع، ليس هذا الاجتهاد من باب النشاط الفكري الاعتباطي إذ هو يرتكز على ما يميّز أساسا ديننا الحنيف، ألا وهو علميته وكونيته. فلا إسلام إن لم تكن تعاليمه علميّة، ولا إسلام إذا أحكامه تقوقعت فلم تكن عالمية تهم كل إنسان في كل مكان أيا كانت مشاربه وطبيعته.
     نحن نعمل من خلال هذه المقالات على الرجوع إلى الروح الحقّة للدين الإسلامي الحنيف، ونحن في ذلك نرفع مباديء السلفية الحقة كما نظّر لها وعاشها أفضل فقهاء الإسلام من أهل التصوف الأوائل. 
     إلا أننا في عملنا هذا لا نتوجه لصفوة قوم أو دوائر علمية أو مجالس مرجعية هي أدرى بما نقول وأقدر من غيرها على تأييدها، بل همّنا إيصال المعلومة إلى عموم المؤمنين ممن سهم عن معرفة دينه في أسمى ما فيه من علوّ، يرتقب الحقيقة ممن يتوسم فيه المعرفة والفقه ولا يدري أن البعض من هؤلاء في حقيقة دينهم ومقاصده السنيّة يعمهون.
     فهم ينسون أو يتناسون أن الدين الإسلامي الحق لهو في حرية العلاقة المباشرة بين الله وعبده؛ فلا واسطة بينهما. أما ما جرت به العادة من وضع القيود في معرفة الدين للحديث عنه، وبالتالي من إقامة النفوذ للفقهاء مما ماثل وشاكل ما عرفناه في اليهودية والمسيحية،   فهو من باب الاجتهاد البشري وإسلام الفقهاء الأوائل، لا إسلام القرآن. 
     ولا غرابة في ذلك؛ فحتى العلم اليوم أصبحت مفاهيمه توظف لأغراض هي عن العلم الحقيقي غريبة، فما أدراك بعلوم الدين وقد توطدت العلاقة بينها وبين منحى أخلاقي معيّن أصبح يقنن مفاهيمها ويحدد معايرها دون أخذ بعين الاعتبار بروح الإسلام وحقيقة الدين التاريخية والقيمية.
     لذا، فنحن لن نطنب في المراجع والاستشهادات،*2* إذ قد يدأب البعض على مثل هذا التصرف العلمي شكلا وهمّه المغالطة؛ بل سنكتفي بالقليل الكافي والشافي للتدليل على ما نراه من صحّة في المقال وفصل لحجيّته مع إفساح المجال لكل مشكك أو متشكك للعودة إلى النصوص والوثائق إنطلاقا مما نقطع به هنا.     
     ونحن في عملنا هذا لا نعدو ما تمسّك به خيرة سلفنا في هذه الأرض كما ذكّر به الإمام ابن عاشر إذ نستنير في عملنا هذا بروح وفكر الجنيد السالك ومن سار على نهجه في الأخذ بإسلام متسامح دائم التجديد والتجدد.
     فكما لا مكان في تونسنا الجميلة لمن يتجاهل الإسلام ويترفّع عن عبقريته، لا مجال البتة لمن يدنّس صفاءه وسناه بتصرّفات أعتى وأنكى من تصرفّات أعدائه حتى وإن تظاهرت بالدفاع عنه. ولا غرو أنه بالإمكان دوما أن يكون ألد الأعداء لنا أقرب الناس إلينا! فليتعرف المسلم الحق على أحبّائه وليميز منهم أعداءه وقد تمثّلوا له على أحسن هيئة وصورة؛ فللشيطان تبليس وتلبيس للحق حتى على أهل الحقيقة !
     إن الإسلام دين الحق، والحق إذا أردناه علميّا يبقى متفتّحا على كل العلوم، طبيعيّة كانت أو إنسانيّة، وهو في ذلك مع ما عرفناه كقاعدة أساسية في عاداتنا، ألا وهي قاعدة الإجماع. 
     إلا أن هذا الإجماع اليوم ليس من شأنه أن يكون مقتصرا على إجماع الأمة فقط، إذ لا مناص له أن يُعنى أيضا بإجماع عامة الأمم المتحضّرة في حالة تعرّضه لمسائل هي بشريّة قبل كل شيء؛ فلا امتياز للمسائل البشرية لأمة على أمة إلا بتقواها أو تقوى صفوتها من رواد الفكر. 
     والتقوى هي مخافة الله والتزام حدوده؛ وأهم وأسمى هذه الحدود ما يمتاز به الإسلام من كونه في الآن نفسه دين ودنيا، وما يختص به الدين من حرية الإنسان. فهو لا يسلّم أمره إلا لله ويبقى تام الحرية في سائر شؤونه، وذلك ما تختص به دنياه، إذ لا كنيسة في الإسلام ولا رهبنة ولا مرجعية لطائفة تدّعي تمثيل الإسلام وهي لا تمثّل إلا نفسها ومصالحها والإسلام منها بريء.
     إن الإسلام حرية تامة، والمسلم لا يدين في شيء من أمور دينه ودنياه إلا لربّه. فليتعظ من ادعّى خلاف ذلك، وليدرس ويتدارس دينه على حقيقته! وله الهداية في ذلك، والله يهدي من يشاء.*3*
     ج - في محورية الأخلاق :
     إن الأخلاق رهينة بحالة المجتمع، فهي متضعضعة وهزيلة إذا كانت حاله يُرثى لها، وهي قوية مترفة إذا ازدهرت تلك الحال وأترف المجتمع. وقد عرفنا هذا من خلال تاريخنا العربي الإسلامي، إذ جاء الإسلام بمكارم الأخلاق في مجتمع تنوّعت أخلاقه حسب تنوّعه، فأخذ الإسلام بالسنيّ الحسن وأزال القبيح الفاحش.          
ولكنه في ذلك لم يقم إلا بترتيب المجتمع حسب عادات وتقاليد العصر، إذ الإسلام دنيا كما هو دين، ومن مباديء حسن تصريف أمور الدنيا التدرّج؛ وقد تدرّج الإسلام في أحكامه الدينية، فما أدراك بأحكامه الدنيوية!   
     ولا شك أن في مثل هذه التدريجية تقدمية بمكان. فهل نعيب على الإسلام عدم تحريمه العبودية والاكتفاء بالتدرج في أمرها وقد كانت متغلغلة في عادات وأنفس الناس؟ وهل   نحييها اليوم لعدم تحريمها بنص صريح من القرآن؟*4* 
     علينا أن نقيس عل هذا المثال، ولا لزوم لتعداد الأمثلة؛ فسائر المواضيع الأخر، من الأمور التي لا تخص علاقة الإنسان بخالقه، تندرج في الإسلام تحت راية مراعاة حالة المجتمع ونفسيته وعاداته. فللمؤمن مثلا، في مواضيع كتعدد الزوجات والزنا وما شابه ذلك، كل الحرية لترتيبها وتصريفها أخذا بأهم مباديء الإسلام كما أشرنا إليها آنفا.
     ولا غرو أن المسألة التي نحن بصددها من هذه المواضيع؛ بل هي من أسهلها إذ لا نص فيها خلافا لما يعتقد البعض ممن جهل دينه أو تجاهله، فلم يعلم منه إلا الأماني. 
     فهل نواصل التبجح بعلمية ديننا وإنسانيته وقد دلل العلم وبرهن بما فيه الكفاية أن النزوع الجنسي للبعض لمن هو من جنسه مثل سائر من في الطبيعة سواء أكانت بشرية أو غير بشرية؟ فتلك سنة الله في خلفه، ولا مرد لسنة الله! وهل نواصل التنديد بما هو من طبيعة البشر فنرمي بالقبح والفحش من لا يعدو أن يحيا ويعيش كما أراد الله له؟ فأي فحش في هذا منا ونحن ندّعي التمسك بعروة الإسلام الوثقى وهي أساسا في حب المسلم لأخيه والتسليم لأمر الله في كل ما أراده فينا؟ 
     إن العلم يبرهن اليوم بما لا يترك مجالا لأي شك أن الغريزة الإنسانية في الإنسان تقتضي أن يمارس الجنس سواء مع المختلف من الجنس أو المتشابه أو معا، فالطبيعة لا تميز تعاطي الجنس بين الذكر والأنثى وبين الأنثي والأنثى أو الذكر والذكر، إنما الطقوس والعادات البشرية هي التي اقتضت وتقتضي ذلك، ثم جاءت الأديان للتماهي مع هذه النواميس الإجتماعية.
     فلا أحد في عصرنا هذا ممن يأخذ بالعلم الصحيح*5* ويحترم الذات البشرية يرمي بالفحش ومخالفة الأخلاق من تعاطى الجنس مع من شاكله فيه، وإلا فهو يخالف العلم في ما وصل إليه اليوم*6* وينتهك في نفس الآن أبسط حقوق الإنسان، وهي في أن يحيا حياة طبيعية ومطمئنة كما تقتضيها ذاته. 
     وبما أن الإسلام الحق، وهو دين الفطرة، يحترم الذات البشرية ولا يناقض ما جعله الله فيها من غرائز طبيعية، وبما أنه يحترم كل ما يصل إليه العلم من حقائق وثوابت، فلا مجال بعد اليوم للكلام عن اللواط إلا من الزاوية التاريخية، ولا مناص من الاعتراف بحقوق المماثلة الجنسية*7* كحق من حقوق الإنسان لا يكرسه العلم والبلاد المتقدمة فقط، بل وأيضا بلاد الإسلام الحق، الإسلام التنويري لا الجاهلي الذي نريد إحياءه ببلدنا تونس حتى يبقى دوما خير قدوة للمثل العليا في العالم أجمع.          
2 - في المسألة الجنسية 
    
لا يخفى عى أحد ما لمسألة الجنس من حساسية في المجتمعات البشرية دون تمييز، إلا أن هذه الطبيعة الخاصة تختلف حسب المجتمعات، فهي في بعضها، رغم حساسيتها أو لأجلها، لا تصطبغ بأي طابع أخلاقي أو خصوصية دينية، بينما نراها في المجتمعات التي ظهرت فيها الأديان، وخاصة التوحيدية منها تتلون بأشكال خاصة تقننها وتحد من طريقة تعاطيها إذ تجعل من الجنس قضية أخلاقية بحتة.      
      وفي هذا الصدد، لا بد من الملاحظة أن نظرة الإسلام الأصلية للجنس تختلف أساسا عن نظرة اليهودية والمسيحية له على أنه ثمرة الخطيئة فيتعين التستر فيه والتعيّب منه، فإظهار اللذة مسموح به في الإسلام، إذ لا قيد فيه للمتعة وبالمتعة الحلال.   
     أ - من الزاوية اليهودية والمسيحية :
     إننا في تنظيرنا لانعدام تحريم اللواط*8* في الإسلام ننطلق من الحقيقة المقررة الآتية، وهي أن تحريم اللواط في الإسلام من الإسرائيليات التي أثرت بشكل ملحوظ في تعاطي المسلمين مع دينهم فخصصت من بعض مبادئه وحرّمت ما لم يحرمه الشرع الإسلامي. ومن ذلك المسألة التي نحن بصددها.
     فلا يخفى على أحد أن اللواط محرم بصريح العبارة في الكتاب المقدس بعهديه، ولقد انبنت الأخلاق طويلا ببلاد الغرب اليهودي والمسيحي على مثل هذا التحريم، فكان اللواط من أنكر الرذائل وأبغض الفواحش،   تماما كما يراه اليوم هؤلاء الذين يفتخرون بصفتهم السلفية، وما سلفهم في ذلك إلا عادات وتقاليد هي غريبة عن الإسلام.     
     فلنقرأ ما جاء من بعض الأحكام الصريحة في الموضوع في الديانتين اليهودية والمسيحية :
          ١ - العهد القديم :
               _ «وَلاَ تُضَاجِعْ ذَكَراً مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ. * وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ بَهِيمَةٍ مَضْجَعَكَ فَتَتَنَجَّسَ بِهَا. وَلاَ تَقِفِ امْرَأَةٌ أَمَامَ بَهِيمَةٍ لِنِزَائِهَا. إِنَّهُ فَاحِشَةٌ. * بِكُلِّ هَذِهِ لاَ تَتَنَجَّسُوا لأَنَّهُ بِكُلِّ هَذِهِ قَدْ تَنَجَّسَ الشُّعُوبُ الَّذِينَ أَنَا طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ * فَتَنَجَّسَتِ الأَرْضُ. فَأَجْتَزِي ذَنْبَهَا مِنْهَا فَتَقْذِفُ الأَرْضُ سُكَّانَهَا. * لَكِنْ تَحْفَظُونَ أَنْتُمْ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي وَلاَ تَعْمَلُونَ شَيْئاً مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الرَّجَاسَاتِ لاَ الْوَطَنِيُّ وَلاَ الْغَرِيبُ النَّازِلُ فِي وَسَطِكُمْ *(لأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الرَّجَاسَاتِ قَدْ عَمِلَهَا أَهْلُ الأَرْضِ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ فَتَنَجَّسَتِ الأَرْضُ). * فَلاَ تَقْذِفُكُمُ الأَرْضُ بِتَنْجِيسِكُمْ إِيَّاهَا كَمَا قَذَفَتِ الشُّعُوبَ الَّتِي قَبْلَكُمْ.»*9*
               _ « وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ذَكَرٍ اضْطِجَاعَ امْرَأَةٍ، فَقَدْ فَعَلاَ كِلاَهُمَا رِجْسًا. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا.»*10*
          ٢ - العهد الجديد :
               _ « أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا! لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ * وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ ».*11* 
               _ «الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. * لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاِسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ * وَكَذَلِكَ الذُّكُورُ أَيْضاً تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُوراً بِذُكُورٍ وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ. * وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ. * مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِناً وَشَرٍّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ مَشْحُونِينَ حَسَداً وَقَتْلاً وَخِصَاماً وَمَكْراً وَسُوءاً   * نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ مُبْغِضِينَ لِلَّهِ ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ مُبْتَدِعِينَ شُرُوراً غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ * بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ. * الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ!».*12*
               _ «وَلَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ صَالِحٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ نَامُوسِيّاً. * عَالِماً هَذَا : أَنَّ النَّامُوسَ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَارِّ، بَلْ لِلأَثَمَةِ وَالْمُتَمَرِّدِينَ، لِلْفُجَّارِ وَالْخُطَاةِ، لِلدَّنِسِينَ وَالْمُسْتَبِيحِينَ، لِقَاتِلِي الآبَاءِ وَقَاتِلِي الأُمَّهَاتِ، لِقَاتِلِي النَّاسِ، * لِلزُّنَاةِ، لِمُضَاجِعِي الذُّكُورِ، لِسَارِقِي النَّاسِ، لِلْكَذَّابِينَ، لِلْحَانِثِينَ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ يُقَاوِمُ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ».*13*
     ب - من زاوية المفهوم الإنساني والإجتماعي :
     هكذا إذن يعتبر الدين اليهودي والدين المسيحي الشذوذ الجنسي من الكبائر فيحرّمه بصريح العبارة. وطبعا، يعتقد البعض اليوم عندم يرى ما آل الأمر إليه من تفسّخ أخلاقي أحيانا في الغرب أن ذلك مأتاه انعدام التحريم الديني له، وهذا من أكبر الأخطاء، إذ الموضوع الذي نحن بصدده كان يُعتبر في الغرب، ولا يزال عند متزمّتي اليهود والنصارى (أي ما يُمكن أن يعد بسلفيّيهم)، من أفضع الفواحش من الزاوية الدينية البحتة.*14*     
     فهذه البلدان الغربية التي تعترف الآن بحقوق الممثالين*15* وتسنّ التشريعات المتحررة التي تصل في ذلك إلى الزواج المماثل أو المثليّ (كما يقول البعض) هي نفسها التي كانت حتى الأمس القريب تضطهد هؤلاء الشاذين عن القاعدة وتعتبر الشذوذ الجنسي مرضاً نفسياً وظاهرة اجتماعية خطيرة يجب محاربتها والقضاء عليها.*16*
     ولا يجب أن نسنى هنا أنه، بينما كان الغرب في ذلك الزمان الحالك تحت وطأة الأخلاق اليهودية والمسيحية يضطهد الأبرياء من الشاذين لرميهم بالفاحشة (كما يريد إحياء ذلك سلفية اليوم ببلادنا)، كان الإسلام أرحم بهم فدونت الآداب لنا أفضل ما قيل في هذا الباب.
     والشذوذ هو الخروج عن القاعدة. وليست القاعدة بالضرورة هي الحق. فهي تختلف حسب تطور العقل البشري واتساع آفاق علمه. فكم من قاعدة كانت أساسا للفكر أو عمادا للأخلاق ثم انهارت واندثرت وحلت محلها قاعدة أخرى أصح وأقرب للنمو البشري، وهو ولا شك في اطراد دائم.
     أما الشذوذ الجنسي، بما فيه من لواط أو مساحقة، فهو مخالفة القاعدة، أي الخروج عما هو شائع ومتعارف عليه، وليس معنى ذلك أن الشائع والمتعارف عليه هو التصرف الجنسي الطبيعي. فنحن نرى في الطبيعة تصرفات مختلفة، ليس فيها ما درج البشر على اعتباره قاعدة جنسية أو فطرة إنسانية.*17*
     وهذا هو الخطأ السائد عند المتزمّتين من المسلمين وغيرهم من الآخذين بفكرة أن اللواط غير طبيعي ويخالف الفطرة البشرية. فالأصح هنا القول بأنه فطرة البعض من الناس تخالف فطرة جل الناس. فهما إذا فطرتان ولا داعي لإعلان الحرب بينهما، لأن الإسلام يحترم الإنسان في فطرته، فكما خلقه الله، له الحق في أن يعيش ويُحترم بقطرته.       
     وما يجب معرفته أيضا هو أن ما يسمّى بحدود الله في موضوع اللواط هي تلك الحدود العامة كما فهمها المفسرون فخصصت. فلا حكم ولا حد في القرآن ولا في السنة بصريح العبارة في موضوع اللواط.*18* وليتمعّن من يدّعي خلاف ذلك في آيات القرآن وأحاديث السنة الثابتة ثبوتا لا شك فيه، فسيرى أن لا حكم في ذلك ولا منع ولا تجريم. وحتى نتبين ذلك، فلنعد إلى الصحيحين الذين اتفق المسلمون على صحة ما فيهما من أحاديث، أي صحيح البخاري وصحيح مسلم، وليأتوننا بحديث واحد في اللواط!
     نعم، هناك من يفتري على الرسول ما لم يقل أو يفعل، وكانت تلك عادة معروفة ومحبّذة طالما كانت من أجل العمل الحسن والأخلاق الحميدة. وبما أن اللواط، بتأثير الإسرائيليات في ديننا، أصبح من الخبائث وأكبر الفواحش كما هو في الدين اليهودي والمسيحي، لم يتردد المحدّثون في اختراع الأحاديث ونسبتها للرسول الأكرم؛ وكان ذلك من زاوية النصرة لدين الإسلام.*19* 
     إلا أن هؤلاء المجتهدين، أو بالأحرى من جاء بعدهم فأخذ عنهم، فاتهم أن الإسلام دين ودنيا وأن نظرته للأمور البشرية نظرة متفهمة وقابلة للتطور لكونها تتنزل من باب الحقيقة الأزلية. لذا، فالإسلام لم يصدر الحكم النهائي في جانب من الجنس كان يعدّ من الأمور العادية عند العرب، شأنهم في ذلك شأن من سبقهم من الإغريق مثلا. وما كان له أن يتجاوز وصف اللواط بما عُرف عنه في الدينين الذين سبقاه دون تصنيفه في خانة ما حد فيه الحدود وأصدر فيه الأحكام.
     وفي ذلك، كانت نظرة الإسلام للواط نظرة عصرية قبل أوانها، إذ جاءت ملائمة لروح العصر في تجلّيها بوصفها كما كان الرأي الديني السائد يراها، وجاءت أيضا ذات نزعة علمية في انعدام إصدار حكم نافذ مقرّر لها.   
     وواضح هنا أن نظرتي إلى العلم، وكما ألمحت إليه سالفا، ليست تلك النظرة التي عهدناها والتي فرضتها فترة الحداثة الغربية التي ولت وانقضت. إن العلم في هذا الزمن الذي نعيشه، زمن ما بعد الحداثة، لم بعد تلك الحقيقة الإلاهية في قالب بشري، أي هي ليست كما كانت تبدو للبعض وأصبحت عند البعض الآخر عقَدية وقطعية؛ فالحقيقة العلمية دوما مؤقتة وهي أساسا نسبية، صالحة ومجدية طالما لم يأت ما يخالفها في جدّيتها.*20*
     المهم اليوم هو التنصيص أن علم الإنسانيات والمجتمعات في موضوع الجنس بات لا يجزّ بالغريزة المثلية أو جنس المماثلة (أي اللواط والسحاق) في خانة المرض أو الشذوذ الأخلاقي، بل يراه _ ويدلل على ذلك بما فيه الكفاية _ من الأمور الطبيعية، لا في الجنس البشري فحسب، بل وفي المخلوقات عامة.
     لذا، فمن العقل والحكمة الأخذ بما يقوله العلم اليوم حتى وإن كانت قناعتنا لا ترتضيه، والعمل من باب النزاهة والأخلاق الحميدة على عدم ظلم من نزعت بهم أمزجتهم وطبائعهم إلى هذا النوع من الجنس حتى لا يكون حكمنا القاسي من الظلم والبغي لهم؛ وذلك لعمري من أشد الفواحش في الإسلام الحق، الذي هو أساسا سلام! 
     أما إن ظهر علم ما يخالف ذلك، فبالإمكان عندها العودة إلى ما كنا نرى ونعتقد باسم العلم وباسم الدين معا دون أن نكون ظلمنا وحكمنا بالظن، وهو من أوكد الممنوعات في الدين، وذلك حتى في ما هو أعظم من الجنس، أي القتل المتعمد، إذ لا قصاص إلا إذا تبيّنت الأدلة على ذنب لا لبس فيه؛ أما إذا التبست الأمور، فالدين يقتضي غض النظر.
     فأين المسلم الحق العارف بدينه لتبيين ما التبس من الأمور على أهل الإسلام فقلبوا أخلاقه رأسا على عقب وجعلو إسلامنا العلمي إسلام الجهل والكراهية؟
     لذا أنا أقول : إذا ثبتت الغريزة في الإسلام، ثبت وجوب احترام تداعياتها وملتزماتها، لأن الله خلقها في الإنسان، وعدم ترك المجال لعملها وعرقلة تجلّيها في حياته اليومية هي بمثابة محاولة مسخ السجية البشرية، وذلك ولا شك من المحرمات. 
     فكما يحرّم الشرع الانتحار مثلا، هو يحرّم كل ما هو بمثابة إزهاق لمقومات الطبيعة البشرية. وخذ لك في ذلك مثل ختان البنات، فهو محرم شرعا رغم وجوده في بعض المجتمعات بتعلة الدين، وتلك من الترهات التي فرضتها في الحقيقة طبيعة تلك المجتمعات ذات العصبية للذكور ضد الإناث.
     إن الدين لا يقر بتاتا قمع الغرائز إلا بطريقة وحيدة هي الطريقة السلمية الحضارية التي تعتمد على الرغبة ومجاهدة النفس، وذلك هو الجهاد الأكبر قي الإسلام، أي جهاد النفس للتغلب على نوازعها. ولا بد من التنبيه هنا إلى أن هذه الصفة الجهادية للنفس تفرض قابلية النجاح والفشل في مثل هذا الصراع الكبار.   وليس النجاح أو الفشل هو المهم في الإسلام، بل الاجتهاد؛ فإذا كان الفشل هو نتيجة الإجتهاد فتغلبت الغرائز على صاحبها، فلا لوم عليه لأنه قاومها وفشل، وما دام يقاوم ويجتهد. بل الأجر له مضمون على ذلك، وهذا ما يؤكده الشرع، وهو من العلمية بمكان، إذ أنه ثابت علميا أن النجاح الأعظم إنما يتأتي من تكرر المحاولات الفاشلة؛ وهذا ما تبيّنه أيضا التجارب في جميع الميادين. 
     العبرة إذا في ديننا ليست بالصفة التي نعيش بها غرائزنا، بل في النية التي تحدونا في التصرف فيها. ولا شك أن النية الحسنى تتأتى أحيانا مع طول الزمن، فلا يخدعنك انغماس البعض في الملذات وإطلاق العنان لشهواتهم، إذ لا تمانع البتة في أن يثوبوا يوما إلى رشدهم. فبعد أن يستنفذ الإنسان كل ما تعطيه غرائزه من ملذات زائفة يكتشف حقيقة الأمور ويعود إلى ربّه صافي السريرة نقي التصرفات؛ فيجده مرحبا، عطوفا، حنونا، غافرا للذنوب، كل الذنوب، إن شاء وأراد.
     ولا شك أن من مثل هذا المتعبّد، في الإسلام الحق، لهو أفضل من ذلك المتحنّث الذي لا يعرف من دينه إلا حركات وسكنات تعلّمها فرددها دون إحكام عقل أو مجاهدة نفس؛ فالله يحب من خلقه المجاهدين التوابين المخلصين في إيمانهم. فهل أفضل صدقا وإخلاصا في إيمانه من كافر هداه الله إلى محجة الطريق؟ والله يهدي من يشاء.        
     ج - من زاوية العادات العربية والتونسية :
     إن المتفرّس في عاداتنا العربية وتقاليدنا التونسية ليراهما من التميّز بمكان في سماحتهما وتسامحهما في أمور الدنيا والدين، حتى إذا اقتضى الحال بهما إلى مخالفة ما بدا من الأمور الشرعية التي لا مجال للتفرد فيها برأي أو طرافة.
     إن العربي، في تعلقه الشديد بحرية الأخذ من كل شيء بطرف، لا يستحي من الجنس، كل أنواع الجنس، أو حتى من العري، وقد كان الحج مثلا يتم و بعض الناس، بما فيهم النساء عراة. وقد تواصل الأمر على حاله سنة في عهد الرسول بعد فتح مكة.*21* 
     ولا حياء في الدين، فقد فصّل الإسلام من المسائل التي لا تتعرض لها عادة الأديان، لأن الإسلام دين ودنيا. والجنس من الدنيا بما فيها من مواصفاته المختلفة؛ أما أن نرفض نحن ذلك اليوم، فنجعل عندها ديننا مجرد دين، تماما كاليهودية والمسيحية.*22* 
     إن المُمَاثَلة   (أو ما يدعى باللواط) كانت موجودة عند الإغريق، وهذا هو الذي يسمّى بالحب الإغريقي. ولقد كان هناك من التواصل بين العادات العربية والإغريقية ما جعل العرب المسلمين، خاصة بعد اكتشافهم الفكر الإغريقي عند فترة التدوين، يتعلقون به لما له من شديد المشابهة لفكرهم وفلسفة عيشهم. 
     فقد كان اللواط منتشرا عند العرب ولم تكن صورته كما هي في ذهننا اليوم، وذلك كما حددتها الأخلاق اليهودية والمسيحية، إذ جعلت إطارا لتنميط الإنسان من خلال رغبته الجنسية وتصنيف الرجال حسب ميولاتهم الجنسية، فما كانت اللذة الجنسية عند العربي تقتضي التقيّد بجنس أو حد. 
     ورغم المحاولات الجريئة لصد مثل هذا التزمت من طرف العديد من أصحاب الرأي والأدب،*23* لا من الشعراء فقط،*24* بل وحتى   العديد من كبار رجال الدين،*25* وقد رأينا بعضهم ينشد حبه المماثل،*26* تغلغلت تلك العقلية الغريبة عن العادات العربية في المجتمعات الإسلامية وتغلّبت على التسامح المبدئي للإسلام في الموضوع. ولعل ذلك هو الذي فتح الباب أمام قاعدة أصبحت من أهم القواعد المتعارف عليها في المجتمعات العربية الإسلامية، وهي إلى اليوم سارية المفعول، ألا وهي قاعدة   التورية: تستّر وافعل ما شئت!
     ولم يكن هذا خاصا بفترة معينة، فلانعدام النص القرآني الصريح، لم تكن هناك مسائل في اللواط ولا قضايا، خاصة وأن الأمر كان يتم عموما مع التستر إلا ما سيكون في بعض العصور المترفة من تاريخنا العربي كزمن الفقيه الجليل ابن حزم الأندلسي*27* أو العصر العباسي خاصة*28* الذي يمثل ذروة الحضارة الإسلامية؛ فكان الحال كما نراه اليوم في الغرب، إذ أصبح فيه اللواط مما يُفتخر به وغدا الغلمان جزءا هاما وأساسيا من تمام اللذة .*29*
     على أن التستر يبقى ولا شك من أهم قواعد الأخلاق في الإسلام الذي يقتضي أساسا حسن النية وطهارة الضمير قبل أي شيء آخر مما يتنزل في خانة المراءات.*30*
     وقد رأينا الخليفة عمر، رغم ما عُرف عنه من تشدد في مسائل الدين، لا يطبّق حد شرب الخمرة على مرتكبيها عندما جابهوه بما أقنعه، وهو أن الأمر من باب الوشاية وأن هناك من اطلع عليهم في عقر دارهم يعاقرونها؛ فأقرّ الفاروق أن فعل هؤلاء الوشاة كان أعظم ذنبا من تعاطي الخمرة !*31* فهذا إذا عمر يقر مثل هذا التصرف الجريء أخذا بروح الدين الإسلامي، فهل نتصرف خلافه فنتدخل في أمور الناس الشخصية ونعاقب من يتعاطى المماثلة، وهو لا يتعاطاها إلا في داره وغائبا عن أعين الناس؟ فمتى كان الاطلاع على عورات البشر وفضحها من الأخلاق الإسلامية؟        
     ولا بد من الإشارة هنا إلى ما سبق أن ألمعنا إليه، وكما يبينه الحال اليوم ببلدان الغرب، أن اللواط والتغني به لم يكن بالضرورة لأسباب جنسية بحتة، بل لعله يكون من البعض الذي لا يمارسه ولكنه لا يأنف من التعرض له كتعبير عن جزء مكوّن للجنس البشري ونوعية من الحب الإنساني. ولا شك أن أفضل مثال يُعطى على ذلك هو الجنس عند الصوفي الذي رفعه إلى مرتبة الحب والعشق العليا.*32*   
     و بتونس، كانت الحال نفسها من الحرية الشخصية في جميع الميادين. خذ على ذلك مثال الزواج بتونس؛ فقد عرف التاريخ ما يسمى بالزواج القيرواني،*33* وهو هذا الزواج الذي لا زلنا نعمل به إلى اليوم ببلدنا، أي زواج الرجل بامرأة واحدة لورود ذلك الشرط من طرف الزوجة في عقد الزواج. 
     أما في ما يخص العلاقات الجنسية بين الجنس الواحد، فلا داعي للتذكير بشهادات العديد من الدارسين الغرباء عن البلاد، وبخاصة الغربيين منهم، الذين أكدوا على وجودها، مستغربين ذلك في عهد لم تكن الحرية الجنسية على ما نعرفه اليوم في بلاد الغرب، فكان منهم نفس الإشمئزاز الذي نراه من متزمتينا أمام الوضع ببلاد الغرب.
     ولا يستحق التونسي العودة إلى شهادات هؤلاء الغرباء إذ هو يعرف خير المعرفة   أن المبدأ في بلده ومجتمعه هو حرية التصرف في الأمور الشخصية طالما كان ذلك مع التستر، وليس ذلك بالضرورة من باب التقية أو الخوف، بل كنمط من حصافة في السلوك والسيرة فيهما ذوق وفطانة. فهو يتحرج من إقلاق الغير أو إثارته بما يمكن أن يقلق راحته من حرية تصرف ربما فيها بعض الإيغال والغلو باسم تلك الحرية التي لا يجب أن تكون لها حدود عند البعض. وطبعا، لا يكون ذلك إلا على المستوى الشخصي، إذ تبقى الحرية فيه مطلقة مادامت لا تعدو محطيه وعلاقته بربه.
     والأمر في ما يخص السحاق جد مشهور، ولا شك أن كتاب القاضي التونسي شهاب الدين أحمد التفاشي «نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب» أهم ما قيل في الموضوع، حيث خصص جزءا هاما منه للسحاق استوفي في الموضوع من جميع جوانبه دون التوانى عن ذكر مزايا المساحقة عند أصحابها.*34*
     وليس هذا بما لا يخص إلا البلاد التونسية، إذ يفيض الرحالة الأندلسي ليون الإفريقي، واسمه الأصلي الحسن بن محمد الوزان الفاسي الغرناطي، في وصف إفريقية والأمور الهامة بها، عن العادات الجنسية المنتشرة بفاس من مساحقة ولواطة. 
     أما بالنسبة للقطر الجزائري، فيمكننا الإشارة إلى نموج آخر يبيّن مدى الارتباط الموجود في ذهنية غربيي الزمن الغابر بين العربدة والمجون والحرية الجنسية المستهترة من ناحية   والعربي أو التركي أو الفارسي المسلم من ناحية أخرى. فنحن نجد الكثير من ذلك إذا قرأنا بعض الوثائق التي تتحدث عن العادات الإجتماعيات لتلك البلدان، ومنها الجزائر خاصة في زمن القراصنة، كمذكرات الإنجليزي يوسف بيتس عن وقوعه في الأسر بالجزائر وذلك في القرن السابع عشر.    
      وللعودة إلى ما يعنينا، أي الربوع التونسية، فالأمر ليس بالجديد فيها، إذ عرفت هذا الأرض مثل هذا النمط من التحرر والتفنن في أمور الدنيا منذ القدم. ولا يصعب على من شغف بالتاريخ القديم الاستشهاد في هذا الصدد بما كان يُقال عن حرية قيم أبناء هذه البلد وتحرر طبائعهم من أقدم الأزمن، وفي أيام قرطاج بالأخص.     
     إنما المسألة اليوم هي في هذا الالتباس الخاص بالتماهي بين النظرة الدينية الخاطئة للجنس، وبالضبط بنوع من الجنس، وبمقومات الشخصية وخاصة منها الذكورية في مجتمع أصبح على نوعية ذكورية جد متعصبة. 
     إن الالتباس حاليا يكمن في ضرورة إعادة النظر في تعريفاتنا الأوليّة لمعنى الرجولة وشكلها، ومعنى الأنوثة ونوعيتها، وذلك خارج حدود الوظيفة الجنسية للإثنين ودون زج الدين تعسفا في أمور كان هو السبّاق في تحريريها من قيود العادات البالية.
      فنحن إن نجحنا في الاعتراف بإنسانية الآخر كأهمّ صفات الوجود البشريّ والإيمان الفعلي   بذلك، سننجح حتما في تجاوز خوفنا ممّا تصوّره لنا المثلية أو المماثلة الجنسية فنتوصل إلى القيام بقفزة نوعية في ميدان احترام الآخر أيّا كانت أهواؤه الجنسية وذلك باحترامنا الكامل لذاته وأفكاره، ولعمله وتصرّفاته. 
     ولا شك أن المثير حقا هنا هو أن تكون مثل هذه القفزة ممكنة بمجرد العودة للدين، وذلك بالاعتماد لا فقط على روحه بل وأيضا على نصه لانعدام التحريم الصريح للواط.

3 - في اختزال الرأي الإسلامي السائد 
     أ - اللواط في القرآن :
     إن الآيات التي جاءت في القرآن لم تأت بأي حكم صريح في الموضوع، فهي كلها قصصية، والفرق كبير بين ما هو قصصي وما هو حكمي.     
     وطبعا،   لن نشكك في أن القصص في القرآن هي للموعظة، إلا أننا نقول أنه لا شك أيضا أن مجال الموعظة يختلف باختلاف المجتمعات وتطورها الدائم. فلنأخذ على ذلك مثال الرق أو ملك اليمين، ففي القرآن مواعظ في الموضوع، وهي صالحة لزمان كان الرق فيه من عبيد وملك يمين لا محيد عنه؛ وهاهو الزمن يتغير، فهل نترك جانبا ما جاء في الموضوع من موعظة وقد أدت ما جاءت لأجله في زمن ولى وانقضى أم نتسمك بها لمجرد ورودها بالقرآن؟
     كذلك يكون الشأن بالنسبة لما ورد بخصوص حكاية قوم لوط.
     أما ما كان حسب البعض من حكم وحيد خاص باللواط، فلا صحة له البتة وهو قول يُرد على أصحابه لجهلهم بقواعد اللغة العربية، وقد استفاض في ذلك العلامة الطبري بما فيه الكفاية كما يبيّنه المرجع المذكور لاحقا. هذا، وحتى وحتى إن سلمنا لهؤلاء بصحة ما ذهبوا إليه، فما يستشهدون به يضعف موقفهم ولا يقويه. رسنعرض لذلك في الإبان في ما يلي.
     ولقائل أن يقول : لو أن اللواط كما تخيله فقهاء الإسلام بهذه الدرجة الفضيعة من الفحش، فهل يعقل أن لا يفرده الله حكما خاصا وصريحا وقد تعددت الأحكام في مواضيع أقل أهمية منه؟ فكيف يكون من الكبائر دون ورود حكم صريح وخاص به؟*35*
     إن حكمة الإسلام وعلمية أحكامه وصلوحيتها لكل زمان ومكان وراء انعدام حكم خاص باللواط. فالقرآن لا يتعرض لهذا الموضوع ويُبقي الباب مفتوحا للتطورات العلمية التى قُدّر لها أن تأتي من بعد فترة الوحي والنبوة لتأكد أن اللواط هو من الفطرة لبعض البشر، إذ هو من طبيعتهم كما أرادها الله لهم، ولا مرد لما أراد الله في بشره أو البعض منهم.
     ولنستعرض الآن المراجع القرآنية في الموضوع لنتبين مدى صحة ما قلناه :
          -   الأعراف (7) 80 ـ 84 :   ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾
          - هود (11) 77 ـ 83 :   ﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ * قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾
          - الحجر (15) 57 ـ 77 : ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ * فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ   * وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ * قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ   * فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ   * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ   * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
          _ الأنبياء (21) 74 :   ﴿ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾.
          _ الفرقان (25) 40 :   ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً﴾.
           - الشعراء (26) 160 ـ 175 : ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾
          _ النمل (27) 54 – 58 : ﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ * أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ﴾.
          _ العنكبوت (29) 28 - 35 : ﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ * وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ * إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ * وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾
          _ الصافات (37) 133 - 138 : ﴿وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.
          _ القمر ( 54 ) 33 - 34   : ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ﴾. 
     تلك هي المراجع التي يعتمدها أصحاب التحريم. هذا، وقد وقد يضيف البعض إلى ما ذكرنا من الآي آيات آخرى لا علاقة بها بلوط وقومه وإنما هي خاصة لحفظ الفرج عامة. فيذكرون مثلا ما يلي : 
          - المؤمنون (23) 5 ـ7 : ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ 
          - المعارج (70)   29 ــ 31 : ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ   * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ ﴾
     ورغم ما يقوله أهل التفسير من أن معتى قوله تعالى ﴿فَمَنِ ابْتَغَى ورَاء ذَلِكَ﴾ يشمل كل أنواع الممارسات و الإستمتاعات الجنسية الخارجة عن إطار العلاقات الزوجية المشروعة التي أباحها الله لعباده، فهم لا يشعرون أنهم يضعفون بمثل هذه الآية من قوة أدلتهم من حيث لا يدرون، إذ يمكن موضوعيا أن نجد فيها إجازة ضمنية للواط أو المساحقة وذلك بتعاطي اللواط مع ما ملك اليمين؛*36* فلسائل أن يسأل : هل هذا مما منع الله؟*37* 
     أما الآية الوحيدة التي يرى بعضهم أن فيها صراحة ذكر اللواط، فهي الآتية : 
          - النساء (4) 16 : ﴿ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾.
     و من المفيد هنا أن نذكر الخلاف السائد عند المفسرين في هذا الموضوع وذلك بقراءة ما جاء في أحد المراجع الهامة. يقول ابن كثير :*38*
      «وقوله تعالى ﴿ واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ﴾ أي : واللذان يأتيان الفاحشة فآذوهما، قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغيرهما : أي : بالشتم والتعيير والضرب بالنعال، وكان الحكم كذلك حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم؛ وقال عكرمة وعطاء والحسن وعبد الله بن كثير : نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا، وقال السدي : نزلت في الفتيان من قبل أن يتزوجوا، وقال مجاهد : نزلت في الرجلين إذا فعلا - لا يكني، وكأنه يريد اللواط - والله أعلم.»
     أما الطبري وهو من أجل المفسرين وأعظمهم قدرا، فرأيه لا تردد فيه ولا إشكال، يقول العالم الجليل : «قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل قوله: ﴿ وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ ﴾ قول من قال: عنـي به البكران غير الـمـحصنـين إذا زنـيا وكان أحدهما رجلاً والآخر امرأة، لأنه لو كان مقصود بذلك قصد البـيان عن حكم الزناة من الرجال كما كان مقصوداً بقوله: ﴿ وَٱللَـٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ ﴾ قصد البـيان عن حكم الزوانـي، لقـيـل: والذين يأتونها منكم فآذوهم، أو قـيـل: والذي يأتـيها منكم، كما قـيـل فـي التـي قبلها: ﴿وَٱللَـٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ ﴾ فأخرج ذكرهنّ علـى الـجمع، ولـم يقل: واللتان يأتـيان الفـاحشة. وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البـيان علـى الوعيد علـى فعل أو الوعد علـيه، أخرجت أسماء أهله بذكر الـجمع أو الواحد، وذلك أن الواحد يدلّ علـى جنسه، ولا تـخرجها بذكر اثنـين، فتقول: الذين يفعلون كذا فلهم كذا، والذي يفعل كذا فله كذا، ولا تقول: اللذان يفعلان كذا فلهما كذا، إلا أن يكون فعلاً لا يكون إلا من شخصين مختلفـين كالزنا لا يكون إلا من زان وزانـية. فإذا كان ذلك كذلك، قـيـل بذكر الاثنـين، يراد بذلك الفـاعل والـمفعول به، فإما أن يذكر بذكر الاثنـين والـمراد بذلك شخصان فـي فعل قد ينفرد كلّ واحد منهما به أو فـي فعل لا يكونان فـيه مشتركين فذلك ما لا يعرف فـي كلامها. وإذا كان ذلك كذلك، فبـيِّن فساد قول من قال: عُنـي بقوله: ﴿وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ ﴾ الرجلان، وصحة قول من قال: عنـي به الرجل والـمرأة وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنهما غير اللواتـي تقدم بـيان حكمهنّ فـي قوله: ﴿وَٱللَـٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ ﴾ لأن هذين اثنان وأولئك جماعة. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الـحبس كان للثـيبـات عقوبة حتـى يتوفـين من قبل أن يجعل لهنّ سبـيلاً، لأنه أغلظ فـي العقوبة من الأذى الذي هو تعنـيف وتوبـيخ أو سبّ وتعيـير، كما كان السبـيـل التـي جعلت لهنّ من الرجم أغلظ من السبـيـل التـي جعلت للأبكار من جلد الـمائة ونفـي السنة.*39*
     هذا وإن نحن سلّمنا على وجه الافتراض بصحة نسبة هذه الآية للواط، فهي تكون ولا شك من الأدلة على تسامح الإسلام في الموضوع بما أنه لا عقاب إلا ببعض الأذى وهو أهون مما يذكره الفقهاء عادة من حد للواط، ثم أن هذا الأذى لا مجال إليه إلا عند انعدام التوبة!*40*
     ولا بد من الإشارة في الختام إلى أن هناك مِن الفقهاء مَن فسّر بعض الآيات حسب معتقده أو من خلال النظرة العامة الطاغية في المجتمع فرأى فيها ضمنيا الشيء من التعريض باللواط لما تأولها حسب معتقداته. وسوف نكتفي هنا بالآية التالية كمثال وحيد:
     _ النور (24) 19 :   ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخرة وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾*41*
     فواضح أن الفاحشة هنا وقع صرفها لما هو مخالف للمتعارف عليه في المجتمع مما يعد قبيحا، وبما أن اللواط كان حينها مما يعد كذلك في عموم الأرضين، إسلامية كانت أم يهودية أم مسيحية، فلا غرابة أن يقع الربط بينه وبين الفاحشة. وهذا طبعا من المنطق بمكان إذا قُبل التغيّر والتطوّر مع تطوّر المجتمع. 
     إلا أنه من الغريب، ورغم إقرار هؤلاء الفقهاء بمدى قلة علمهم أمام علم الله الواسع، حيث أن الإنسان العالم يبقى جاهلا ما دام يطلب حقا العلم، فإنهم لا يترددون في إصدار الأحكام العشوائية والتلاعب بأوراح البشر ومصير الأبرياء لا لشيء إلا لأنهم خالفوا طريقتهم ونمط عيشهم. ويفوتهم في الآن نفسه أن الفاحشة الحقة في نظر الله الرحمان الرحيم هي أولا وقبل كل شيء تنمية البغض والكره في القلوب.
      فما إشاعة الفاحشة التي في هذه الآية إلا في إشاعة مثل تلك المشاعر بين الناس؛ وما ذنب فتاة أو فتى قدّر الله لهما أن يولدا وفيهما غريزيا ودون اختيار منهما النزوع لمثيلهما في الجنس، أتراهما يمارسان الجنس مع مثيل أو مثيلة عن محض اختيار أو لأن ذلك من طبيعتهما؟ أتراهما يختاران ذلك رغم كل ما يؤدي له مثل ذلك الاختيار من غوائل ومشاكل اجتماعية؟ ثم هبهما كان بهما مرض لأجل تلك العاهة كما يعتقد البعض، فهل يعاقب المريض على ما ليس له فيه ذنب؟
     إن نظرتنا كما هي لموضوع كهذا من أفضع ما نضيّع به ديننا الذي كان ثوريا في معالجته هذه الظاهرة الاجتماعية مما جعل مجتمعاتنا الاسلامية في عهدها الذهبي مثالا للحرية ولاحترام الذات البشرية كما نراه اليوم في مجتمعات الغرب. وليست العودة إلى ذلك العهد الذهبي بعزيزة إذا عرفنا قراءة ديننا.
     ب - اللواط في الحديث :
     لعلنا لا نأتي بجديد عندما نقول أن الحديث النبوي وقع فيه الكثير من التشويش واللخبطة مما حدا بالمسلمين التحري الشديد للتأكد من صحة المتن والسند. وقد كان عملا جبارا أدى إلى التفريق بين الأحاديث من صحيح إلى ضعيف مرورا بالحسن، ولكل نوع صفات؛ ومدار الصحيح والحسن صفة الضبط، فهو تام في الأول أخف في الثاني.*42*
     وإضافة لأنواع الحديث، توصّل المسلمون الأوائل إلى تصنيف المصنفات في الحديث ففرزوا منها ستة اعتبروها صحاحا، وفي هذه الستة ميزوا بين اثنين عُدّوا أصح الصحاح، ألا وهما صحيح البخاري وصحيح مسلم. ثم إنهم لشدة تحرّيهم العلمي ونزاهتم الفكرية برهنوا على تعلّقهم بمدي صحة الحديث ومرجعيته المطلقة بتواتره في هذين المصنفين، فقالوا هذا حديث متفق عليه عند الشيخان.
     لذا، فإن الحديث الصحيح ما دام من الأحاديث التي انتقاها الشيخان البخاري ومسلم ووجدا في صحيحيهما، فهو عند المسلمين بمثابة القرآن المنزّل، لا شك في صحته؛ أما إن غاب عن هذين الصحيحين، فلا مجال لصرف مثل هذه الصفة عليه حتى وإن وُجد في بقية الصحاح، فقيمته تبقى أدني.
     فما هي حال الأحاديث المروية عن الرسول الأكرم في موضوع اللواط؟ إنها بعيدة كل البعد عن نوع الحديث القطعي الذي تحدثنا عنه، فكل الأحاديث المروية في موضوعنا هذا غير مذكورة لا عند البخاري ولا عند مسلم. 
     نعم، نجد البعض منها عند أحد الستة الآخرين، ولكن صحتها تبقى محل شك حتى وإن قيل فيها أنها على شرط مسلم أو البخاري. فهي، على قيمتها، تبقى أدنى درجة من قيمة الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان.
     وهنا يأتي السؤال الذي لا مناص منه : كيف يمكن لفاحشة غدت من أعظم الفواحش أن لا تُحظى بحديث واحد من الأحاديث المتفق عليها ولو في صحيح يتيم من أصح الصحاح؟ أليس هذا دليل على تهافت الحجة القائلة بوجود سنة نبوية في الموضوع؟
     ثم نحن نعلم أن السنة مبدئيا جاءت لتأكيد القرآن وتفسيره لا لمخالفته، فليس من المستغرب إذا ألا نجد الحديث في أمر لم يتعرض له القرآن صراحة ولا ضمنيا كما رأينا. ولا غرابة أيضا أن نقرأ لابن القيم الجوزية ما يلي في زاد المعاد : «ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قضى في اللواط بشيء لأن هذا لم تكن تعرفه العرب، ولم يرفع إليه صلى الله عليه وسلم.»*43* 
     قلت عن دور السنة أنها جاءت مبدئيا مؤكدة للقرآن وذلك لأن السنة كان هذا حالها في حياة الرسول؛ أما بعده فقد دفع تعلق المسلمين بدينهم إلى حد التقوّل على نبيّهم الأكرم لا لشيء إلا لأنهم رأوا أن في ذلك مصلحة آنية للدين ونسوا أن لا مصلحة للدين تُرجى من تقلبات الطباع البشرية والرؤى الإنسانية لأمور الدنيا وقد عالجها الله بحكمته الصالحة لكل زمان ومكان. لذا رأينا الفقهاء يقلبون درجات التعالي فلا يترددون في جعل السنة، رغم علمهم بما فيها من أحاديث معلولة، فوق القرآن؛ فيقول الإمام الأوزاعي مثلا : «السنة جاءت قاضية على الكتاب ولم يجيء الكتاب قاضيا على السنة».*44*
     ولنستعرض الآن أهم الأحاديث التي يذكرها دعاة تحريم اللواط لنبيّن أننا لا نجد منها حديثا واحدا مما وصفت من الصحة المطلقة:       
          - حديث أخرجه الحاكم :   عن بريده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر]. 
          - حديث رواه ابن ماجة : عن بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يلعنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا].
          - حديث رواه الألباني : عن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ملعون من عمل بعمل قوم لوط]. 
          - حديث رواه الترمذي : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا]. 
          - حديث صححه الألباني : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به].
          - حديث رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني: عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط]. ‌
          - حديث راوه أحمد وصححه الألباني : عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ملعون من سب أباه ، ملعون من سب أمه ، ملعون من ذبح لغير الله ، ملعون من غير   تخوم   الأرض ، ملعون من   كمه   أعمى عن طريق ، ملعون من   وقع   على بهيمة ، ملعون من عمل بعمل قوم   لوط]. ‌
‌          - حديث راوه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني : عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به].
     هكذا إذا، ورغم أن اللواط يعتبر ذنبا عظيما ومعصيته كبيرة من كبائر الذنوب التي حرّمها الله، لا نجد ولا حديثا واحدا، لا فقط مما اتفق عليهما الشيخان، بل ولا في أحد الصحيحين. وهذا إن كان مقبولا في زمن أجمع فيه الناس من كل الديانات والمشارب على أن اللواط فاحشة، فهو اليوم غير مقبول باسم مبادى الدين نفسها التي تدعو للنزاهة والعدالة.ذلك أنه حصل ما حصل منذ ذلك الزمان من تطور علمي في فهم هذه الظاهرة أخرجها من البوتقة الأخلاقية الضيقة التي ورثناها عن سلفنا الصالح. 
     فليس اللواط من باب قضاء الإنسان لوطره وليس فيه انتكاس للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، لأن الله فطر على هذه الحال البعض من عباده، وفي التعرض لهم على ما هم خُلقوا عليه تعدّ لحدود الله تعالى بإيجاد الحرام في غير مظانه، إضافة لما في ذلك من محاربة لخالق الأرض والسماء بعدم لزوم كيفية خلقه لعباده وتعد إلى نواهيه في الاعتداء على الأبرياء.
     أما ما يقال من تهمة التشبه بقوم لوط الذين أنزل الله بهم عذاباً لم ينزله بأمة قبلهم ، فذلك لا يعني إلا من اتخذ من طبيعته كما وضحناها وسيلة لتعاطي الجنس دون هوادة وبعنجهية بدون اتزان ودون احترام حرية الغير ومشاعره، وليس مثل هذا التعاطي بخاص باللواط إذ هو يتعلق بتعاطي كل أنواع الجنس بما فيه ذلك المعروف الشائع.
     ج -   اللواط   في بقية المراجع :

    بعد أن بيّنا خلو القرآن والسنة في أصح صحاحها من أي إشارة للواط، بإمكاننا القول أن بقية المراجع الإسلامية الموثوق بها هي على نفس الشاكلة رغم اختلاط الأمر عند بعض الرواة، إذ نجد الروايات المتناقضة التي ذهبت إلى حد ترجيح اللواط على الزنا، وقد رأينا أن اللواط ما عُدّ فاحشة إلا بالقياس على الزنا.*45* ثم وصلت المبالغة بالبعض إلى الموازاة بين اللواط والكفر، وقد وجدنا ذلك عند بعض الشيعة،*46* وكأنه جاء كردة فعل على ما رأينا عند البعض من أهل السنة ممن يرمي هؤلاء بالتسامح في الموضوع وتحليله، كما قيل عن بعض فرق الإباضية مثلا.
     وطبعا، سنكتفي هنا برأي الإسلام السني، وهو إسلام عموم المسلمين والتونسيين خاصة. ولنأخذ على ذلك مثال الشافعي، حيث ثبت أنه قال في موضوع اللواط : « لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء ». رغم هذا، رأينا البعض من الرواة، وإن لم يشككوا في ذلك، يقولون بروايتين، فيزعمون أن الشافعي قال عكس ذلك في رواية ثانية.*47* 
     وعن عقوبة اللواط، قال ابن حجر : « ذهب جماعة من أئمة الحديث –كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري– إلى أنه لا يثبت فيه شيء »
     إلا أن الرأي الخاطيء السائد يبقى أن اللواط جاء تحريمه صريحاً في الكتاب والسنة والإجماع . وأجمع الصحابة على قتل فاعله، وإنما واختلفوا في كيفية القتل إلى أقوال، فمنهم من قال يرجم ، ومنهم من قال يلقى من أعلى بناء في القرية ويتبع بالحجارة ، ومنهم من قال يحرق ، ومنهم من قال يقتل .
     وإضافة إلى ما سبق من الرأي المخالف من الشافعية مثلا، نلاحظ أن الحنفية لم تقل بالقتل إلا في الذي يتكرر منه اللواط. 
     ومن طريف ما يُروى من بعض الفقهاء القلائل الذين ذهبوا إلى التدليل على انعدام تحريم القرآن والسنة للواط، وجوده بالجنة، مما حدابالبعض من الشيوخ إلى الذهاب إلى تحليل اللواط بالجنة كما بها الخمرة. وقد ذكرنا سابقا (أنظر الحاشة عدد 25 وعدد 26) بعض من رأى ذلك في التاريخ الإسلامي المبكر، وبالإمكان هنا إضافة الرأي الحديث للشيخ كشك في موضوع ولدان الجنة؛ وسنعرض له لاحقا.*48* المهم هنا التأكيد على تنوع المواقف في موضوع يصر العديد ممن يشوّهون دينهم على تقديمه كمثال للموضوع الحاصل على إجماع الأمة الإسلامية، وما هو كذلك لا في الزمان السابق ولا اليوم.      
     ولعل اختلاف وتناقض هذه الآراء إلى حد التهافت يتجلى في الحد، ولكن أيضا وخاصة في كيفية إثبات اللواط.
     د -   حكم اللواط حسب المعتقد السائد :
     كما رأينا وجود الاختلاف في النصوص التأسيسية، كان هناك الاختلاف في إقامة الحد من الرسول الأكرم وأوائل الصحابة. أما في ما يخص أدلة ثبوت اللواط، فما حظيت بنفس الاهتمام رغم ثبوت أدلة معينة للإثبات لا يمكن تعديها. ولعل ذلك مأتاه تعذر توفر مثل هذه الأدلة في الواقع مما يجعل من المستحيل تقريبا تنفيذ الحكم المستبط؛ وذلك بلا شك ينقص من الشناعة التي لم يفتأ الفقهاء رمي اللواط بها بدون تقدير موضوعي لحقيقة الأمور؛ فكان السكوت أو الاقتضاب أفضل لهم في ما يخص موضوع إثبات اللواط. ولا شك أن عدم إمكانية إثبات الجريمة ينفي وجودها؛ وذلك هو الحال بالنسبة لفاحشة اللواط المزعومة لما يحيط بالتدليل عليها من عراقيل كما سنبين ذلك.       
          ١ - حد اللواط :
     يُعتبر اللِّواط في الشريعة الإسلامية، كما يحرص المسلمون على تطبيقها إلى اليوم على وجه الخطأ، من أشنع المعاصي والذنوب وأشد الكبائر حرمةً و قُبحاً. وقد رأينا ودللنا على أن مثل هذا التوجه هو نتاج فكر الفقهاء واجتهادهم حسب حالة مجتمعاتهم لا اعتمادا على ما جاء به القرآن وما ثبت من سنة الرسول الأكرم.
     فكما رأينا، لا حكم في القرآن للواط، ولا ذكر لهذا التعبير بتاتا، فلا نجد فيه إلا قصة قوم لوط وما حل بهم من البلاء في عشر سور من القرآن وهي التي عددنا آنفا*49* مع بيان ما لحقهم من العقاب إذ جمع على القوم بين عمي الأبصار وخسف الديار والقذف بالأحجار، ودخول النار. وكما رأينا أيضا، لا سنة ثابتة ثبوتا لا مجال للشك فيه كما هو الحال بالنسبة لأحاديث الصحيحين .*50* 
     نعم، هناك من الفقهاء الأجلاء من قال أن الله حذّر بهذا ما حل بقوم لوط من العذاب الشديد إذا أتى بعملهم، فقال : ﴿وما قوم لوط منكم ببعيد﴾ (هود 89)؛ وإن كان ذلك مخرجا، فليس من الإقناع بشيء إذ لا يفهم العاقل أن لا يُفرد بحكم مثل هذا الذنب الذي صُنّف كأكبر الكبائر.وقد بيّنا مدى ما يدل عليه هذا من الاستحالة المنطقية للتوفيق بين ما أفاضه الفقهاء من الشناعة على اللواط وبين خلو القرآن من حكم واضح، كما جاء في سائر الذنوب غيره.
     لذا، ولانعدام الحكم الخاص بمثل هذه الشناعة المفترضة، اضطر الفقهاء إلى اللجوء إلى الزنا والقياس على حكمه لتجريم اللواط بذلك.*51* فالإسلام إذا لم يفرض حدًا للواط، وأقسى ما يمكن أن نقوله في الموضوع هو أنه ترك قضية الحد للمشرّع الذي وصل في تشديد العقوبة في عهد أبي بكر، حسب بعض الروايات، إلى حدّ الحرق حيًا.
     ولا لوم على مسلمي ذلك الزمان، والحق يقال، ما دامت نظرتهم للواط كانت من زاوية جنسية بحتة، إذ كانوا ينظرون إليه كسائر علماء زمانهم، أي كمجرد لذة جنسية عابرة مضرتها أكبر من منفعتها إذ تذهب اللذات وتعقب الحسرات وتفنى الشهوة ، وتبقى الشقوة. وقد رُوي للإمام أحمد بن حنبل في ذلك ما يلي: 
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها     من الحرام ويبقى الخزي والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها       لا خير في لذة من بعدها النار*52*
     وما من شك أن أئمتنا لو حصلت لهم في زمانهم المعرفة التي لنا اليوم في مفهوم اللواط، وأنه ليس مجرد شهوة، إنما هو جبلّة في بعض الناس، ولا يُختزل أمره في مجرد قضاء الوطر، بل وأيضا في البحث عن راحة نفسية منعدمة وتوازن ذاتي مستحيل وربما انفصام شخصية، لما عدّوا الأمر بالخطير ولما رأوا فيه الفاحشة الشنيعة والجرم القبيح والفعل المشين والعمل المذموم ولا أيضا الخطب الجلل، وذلك لانعدام أية تداعيات على النسل لأن الأمر لا يخص إلا العدد القليل من البشر. 
     وقد اختلفت الآراء في الحد، وذهب العديد إلى القول بأن مرتكب اللواط، سواءً كان فاعلاً أو مفعولاً به،   يستحق القتل، وقالوا ذلك هو الحد الشرعي لهذه المعصية في الدنيا إذا ثبت إرتكابها بالأدلة الشرعية لدى الحاكم.*53* وسنعود إلى هذه الأدلة الشرعية في ما يلي بعد الإشارة إلى أن الإجماع غير ثابت عند الجميع. 
     فلنقرأ ما يقول صاحب الحاوي الكبير : «وقال أبو حنيفة : لا حد فيه، ولا يفسد به الحج ولا الصوم ، ولا يجب به الغسل إلا أن ينزل فيغتسل، ويعزران ويحبسان حتى يتوبا : استدلالا بأن ما لم ينطلق عليه اسم الزنا لم يجب فيه حد، كالاستمتاع بما دون الفرج : لأنه استمتاع لا يستباح بعقد، فلم يجب فيه حد الاستمتاع وبمثله من الزوجة ، ولأن أصول الحدود لا تثبت قياسا.... وذهب الحاكم وأبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني، وهي التعزير. قالوا : ولأنه لا يسمى زانيا لغة ولا شرعا ولا عرفا، فلا يدخل في النصوص الدالة على حد الزانين .»*54*
     وللتأكيد على مثل هذه اللخبطة عند الفقهاء، نشير إلى ما يقوله ابن قيم الجوزية في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ولا يهمنا في كلامه إلا التأكيد على وجود الاختلاف وانعدام الإجماع المزعوم : «ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات، وقد أختلف الناس هل هو أغلظ عقوبة من الزنا أو الزنا أغلظ عقوبة منه أو عقوبتهما سواء على ثلاثة أقوال، فذهب أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وخالد بن زيد وعبد الله بن معمر والزهري و ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك وإسحق بن راهويه والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه إلى أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنا وعقوبته القتل على كل حال محصنا كان أو غير محصن؛ وذهب عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعى و قتادة والأوزاعى والشافعي في ظاهر مذهبه والإمام أحمد فى الرواية الثانية عنه وأبو يوسف ومحمد إلى عقوبته وعقوبة الزاني سواء؛ وذهب الحاكم والإمام أبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني وهى التعزير، قالوا لأنه معصية من المعاصي لم يقدر الله ولا رسوله فيه حدا مقدّرا ...»*55*
     بل هناك من ذهب إلى أنه لا حد على من لاط غلاما له، وهذا يعود بنا إلى ما قلناه آنفا عن ملك اليمين. ونحن نقرأ مثل ذلك في طبقات الشافعية الكبرى كهذا العنوان : ومن لاط عبده لا حد عليه إنما يعتقه فقط.*56*
     وبالموازاة مع هذا، ومع أن وطء المرأة في دبرها لا يتعلق مباشرة بموضوعنا رغم أنه لا يبعد عنه، نشير إلى تعرض الفقهاء إلى هذا الموضوع واختلافهم أيضا فيه.*57* ولا شك أن كل هذا يبيّن مدى تقدّم الإسلام على زمانه نصا وروحا ومدى حرص فقهاء ذلك الزمان   على التأقلم مع عادات قومهم وتطويع النصوص لها كما يقوم به اليوم كل مشرع في الدول الديمقراطية.
     وما جعل فقهنا اليوم (بل وديننا) يبدو لنا متأخرا   إلا لتمسكنا بهذا الإجتهاد الذي، وإن كان فصّل كأحسن ما يكون الأحكام لعهد فات وزمن ولّى، فهو اليوم لا يتفق مع مقتضيات الحاضر. لذا، وجب أن نعود فنسارع بفتح باب الاجتهاد من جديد للاغتراف من معين الإسلام النقي، فسنجده أحسن ما يكون من التناغم مع مستجدات العصر الذي نعيشه لأنه كتاب الله الذي فيه حكمته الأزلية. 
     بقي أن نشير إلى أن الحد، قتلا كان أو حرقا أو غيره،*58* لا يقام على الفاعل والمفعول، وكان كل منهما عاقلاً بالغاً مختاراً، إلا إذا ثبت   دخول الذكر (أو القضيبُ) أو شيء منه في الدُبُر.*59* أما إذا تاب مرتكب اللواط قبل أن تقوم عليه البينة سقط عنه الحد فاعلاً كان أو مفعولاً؛ وإذا تاب بعدها لم يسقط عنه الحد؛ أما إذا أقرَّ باللواط ثم تاب، كان الخيار في العفو و عدمه للامام.
     المهم هنا الإشارة إلى هذه العراقيل التي قيّد بها الفقهاء تطبيق الحد في زمن عُد فيها اللواط فاحشة عظمى؛ فما بالك اليوم وقد بيّن العلم أن لا فاحشة في مثل هذا العمل؟ وما يؤكد مثل هذه العراقيل هي الكيفية المعتمدة شرعا لإثبات اللواط. 
          ٢ - إثبات اللواط :     
     قلنا أنه لا لواط إلا بإدخال الذكر الدبر، وما عدا ذلك ليس بلواط، ولنبيّن الآن الشروط المعتمدة شرعا حتى يُوجب اللواط الحد. فإثبات اللواط، حسب قول جمهور الفقهاء، يقع أساسا بشهادة أربعة رجال أوبالإقرار،*60* كما هو الحال بالنسبة   للزنا. 
     ولنلجأ في حديثنا هنا إلى ما يسمى ببرهان الخُلف؛ فهبنا اعتبرنا اللواط حقا فاحشة، فبما أن الفقهاء ساووه بالزنا، فعلينا أن لا ننسى أن الإسلام تشدد في كيفية إثبات الزنا وذلك بشروط لا مجال لانعدامها وهي، إضافة للاعتراف الحر وبدون تراجع،   وجوب حصول الولوج (أي في ما يخص موضوعنا ولوج الذكر في الدبر) ووجود أربعة من الشهود العيان.
     فأما في ما يخص المساحقة، فلا ولوج فيها، لذلك ينتفي عنصر أساسي، وبعدمه لا مجال لاعتماد الزنا.*61* ولا وجود حتما للإيلاج في علاقة بين رجلين بما أن اللواط لا ينحصر ضرورة في العلاقة الجنسية كما يثبته العلم اليوم، فهو أولا وقبل كل شيء علاقة ميول أو حب للمثال، وليس الحب من الشهوة، فهو يتجاوز تلك النظرة البسيطة التي تؤسس الأحاسيس والمشاعر، بما فيها النبيلة من حب وحنان وعطف ومودة، على مجرد الحس والجنس.   
     ويبقي شرط الشهود في كلتا الحالتين وذلك مما يوجب بالضرورة إحدى الفرضيتين التاليتين : إما أن العملية الجنسية تقع أمام أنظار الناس، وعندها لم تعد علاقة جنسية عادية، وإما أن يتسلل الشهود على أحوال الناس ليراقبوا فعلهم في خلوتهم. 
     فأما الحالة الأولي فهي من فرض المحال، على الأقل في مجتمعاتنا الإسلامية؛ ثم حتى من يلجأ إليها يعاقب حتى في المجتمعات الإباحية؛ وأما الحالة الثانية فهي مكوّنة لذنب يعاقب عليه لا الإسلام فقط إذ يكوّن جريمة تقرّها الأنظمة المدنية، ألا وهي التسلل علي الناس وهتر سرهم؛ ولعل مثل هذا الذنب ينفي بمجرد وقوعه ومن تلقاء نفسه كل ذنب آخر، أو على الأقل إقامة الحد فيه، بما في ذلك اللواط.*62*
     ولعله من المفيد أيضا التذكير هنا أن الإسلام كان دوما شديد الحريص على حماية أعراض الناس من أن يهتكها أي قاذف يتطلع على عوراتهم، فهو يعاقب بثلاث عقوبات كل من يرمي غيره بالزنا أو باللواط، بما أن هذا يقاس على ذاك، دون الإتيان بالبينة الشرعية، أي شهادة أربعة رجال يشهدون على صريح الزنا أو اللواط؛ وهذه العقوبات هي : أن يجلد ثمانين جلدة وأن لا تقبل شهادته أبدا وأن يحكم بفسقه. 
     وبما أننا قلنا أن الزنا واللواط لا يثبتان شرعا إلا بالإيلاج، أي إيلاج الذكر في الفرج أو الدبر، فلا زنا ولا لواطة بدون ذلك. وكتب التاريخ تروي لنا كيف كان الرسول والصحابة يتشددون في التثبت من حصول المعاينة أو الاعتراف بها.*63*    
     وبقي أن نشير إلى أن انعدام الشهود مع شبهة الزنا تقتضي التوجه إلى طريقة أخرى للإثبات هي الملاعنة، وهو أن يحلف القاذف، وهو الزوج غالبا، والمتهمة، أربع مرات على صدقهما ويلعنان في الشهادة الخامسة الآخر إن كان كاذبا. وهذا يترك مخرجا للمرأة المتهمة بالزنا من عدم التعرض للحد؛ مع الإشارة إلى أن شهادة المرأة هنا تعادل إستثنائيا قيمة شهادة الرجل.   
     ختاما، نقول إذا أن لا جريمة للواط في الإسلام سواء كان ذلك بمطلق العبارة أو بمضمونها، ولا سبيل لعقابها إن وجدت على فرض المحال لأن التدليل على مثل هذا الذنب يقتضي   إقتراف ذنب أعظم وأدهى، ألا وهو التكشف على عورات الناس وإقلاق راحتهم، وذلك مما يعده الاسلام من الاعتداء والبغي والإفساد في الأرض. أفليس من الآداب التي حث عليها الإسلام غض النظر*64* واستئذان المرء على أخيه وعلى أهل بيته؟         
     ه -   مسألة غلمان وولدان الجنة :
     ونختم هذا الاختزال للرأي الإسلامي في ما يسمى باللواط بالحديث عن هذه المسألة التي أقلقت وتقلق الكثير من المتزمتين في الدين لأنها من أفضل الأدلة على   النظرة الثورية الإسلامية للجنس في زمننا الذي لم يعد من الممكن فيه الحديث في هذا الموضوع دون مركبات وتشنجات خلافا للعصور الماضية حيث كان المسلمون أقل تعقيدا في حديثهم عن الجنس وأكثر تلقائية ،كما علّمهم دينهم.*65* وقد تعرض الشيخ محمد جلال كشك للموضوع باستفاضة في كتابه «خواطر مسلم في المسألة الجنسية».*66* 
     ودراسة الأستاذ كشك موضوعية، إذ هو يتعرض للمسألة الجنسية في الإسلام في صورته الفطرية لا كما تصوره الفقهاء حسب مقتضيات عصرهم ومخيلة مجتمعهم. وهو، على الأخص، يرنو في حديثه عن الدين الإسلامي البعد كل البعد عما سمّاه تديّن أهل الحرفة. وتتلخص فكرته بأن غلمان الجنة وولدانها هم للاستمتاع بهم لمن عفّ وتطهر في الدنيا من المسلمين الصالحين؛ وهذا يعتمد على طبيعة النظرة الشمولية للجنس عند العرب كما أسلفنا.*67*
     ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الشيخ كشك بيّن أنَّه عالج موضوع الشذوذ الجنسي في إطار قناعته أنَّ هذه الظاهرة تصبح فاحشة   في المجتمع في مرحلة الأفول الحضاري، وأنَّه لا يمكن أن ينهض المجتمع ومثل هذه الفاحشة شائعة فيه، كما لا يمكن أنْ تنجو منها حضارة عندما تهرم فيفسق مترفوها.
     والقرآن يتحدّث عن الغلمان والولدان لابسي الأساور في الأيدي والأقراط في الآذان في الآيات الثلاث الآتية :
          - الطور (52) : 24 ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ﴾ 
          - الواقعة (56) :   17 - 18 ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴾ 
          - الإنسان   (76)   19 : ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً﴾ 
     فمن هم هؤلاء الولدان والغلمان؟ وما شأنهم في الجنة؟ وهل تقتصر مهمّتهم على الخدمة فقط دون الجنس أو، بمعنى آخر وبخلاف ما كان موجودا في ذلك العصر، هل ينتفي الجنس من الخدمة في دار الخلد؟ 
     إن من قاس شأن هؤلاء على الحور العين وأنهم للخدمة بما فيها المتعة الجنسية _ كما فعل الشيخ كشك، ولكن غيره كثير قبله _*68* قاس ذلك على أمر الخمرة إذ هي حلال في الجنة، وإن كانت خمرة من نوع آخر غير خمرة الحياة الدنيا. وفي هذا يقول الرازي في تفسيره الكبير المسمى بمفاتيح الغيب في معرض تفسيره لآية الطور : «وقوله ﴿ لَهُمْ ﴾ أي ملكهم إعلاماً لهم بقدرتهم على التصرف فيهم بالأمر والنهي والاستخدام وهذا هو المشهور، ويحتمل وجهاً آخر وهو أنه تعالى لما بيّن امتياز خمر الآخرة عن خمر الدنيا بيّن امتياز غلمان الآخرة عن غلمان الدنيا، فإن الغلمان في الدنيا إذا طافوا على السادة الملوك يطوفون عليهم لحظ أنفسهم إما لتوقع النفع أو لتوفر الصفح، وأما في الآخرة فطوفهم عليهم متمخض لهم ولنفعهم ولا حاجة لهم إليهم والغلام الذي هذا شأنه له مزية على غيره وربما يبلغ درجة الأولاد. وقوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ ﴾ أي في الصفاء، و﴿مَّكْنُونٌ ﴾ ليفيد زيادة في صفاء ألوانهم أو لبيان أنهم كالمخدرات لا بروز لهم ولا خروج من عندهم فهم في أكنافهم.» 
     أما في تفسيره لسورة الواقعة ومعنى الولدان، فيقول : «والولدان جمع الوليد، وهو في الأصل فعيل بمعنى مفعول وهو المولود لكن غلب على الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين، والدليل أنهم قالوا للجارية الصغيرة وليدة، ولو نظروا إلى الأصل لجردوها عن الهاء كالقتيل، إذا ثبت هذا فنقول: في الولدان وجهان أحدهما: أنه على الأصل وهم صغار المؤمنين وهو ضعيف، لأن صغار المؤمنين أخبر الله تعالى عنهم أنه يلحقهم بآبائهم، ومن الناس المؤمنين الصالحين من لا ولد له فلا يجوز أن يخدم ولد المؤمن مؤمناً غيره، فيلزم إما أن يكون لهم اختصاص ببعض الصالحين وأن لا يكون لمن لا يكون له ولد من يطوف عليه من الولدان، وإما أن يكون ولد الآخر يخدم غير أبيه وفيه منقصة بالأب، وعلى هذا الوجه قيل: هم صغار الكفار وهو أقرب من الأول إذ ليس فيه ما ذكرنا من المفسدة، والثاني: أنه على الاستعمال الذي لم يلحظ فيه الأصل وهو إرادة الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين وهو حينئذ كقوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ﴾»
     هذا ما نجد في أحد أمهات التفاسير، فلا تمانع إذا عند كبار المفسرين أن مهمة الولادان والغلمان تدخل في نطاق ما تتكفل به من ناحية أخرى الجواري والحور العين من إمتاع للمؤمن حسب شهواته، إن كانت في الأنثى فلها هؤلاء، وإن كانت في الذكر، فلها الغلمان والولدان. ذلك أن الجنة تمام المتعة وتمام الكرامة، والإسلام لا يرى مانعا في أن يكون تمام الجنس بنوعيه المؤنث المعتاد والمذكر، وهو بذلك لا يخالف الطبيعة سواء أكانت في البشر أو غيره من المخلوقات.                  
وقد وافق الطبري هذا التوجه حين قارن مهمة الغلمان في تقديم شراب الخمر إلى المؤمنين بمهمة الجواري وحور العين. ولعل أوضح من سار نهجه هو الأعقم في تفسيره،*69* حيث قال : «﴿ويطوف عليهم غلمان لهم ﴾ قيل: ولدانهم وأطفالهم يطوفون ليزدادون قرة عين، وقيل: هو الحور العين، وقيل: أطفال المشركين». وينحو منحاه الطبطبائي في الميزان في تفسير القرآن*70* إذ يقول في تأويله لنفس آية الطور : « قوله تعالى: ﴿ ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون ﴾ المراد به طوافهم عليهم للخدمة قال بعضهم: قيل: ﴿غلمان لهم ﴾ بالتنكير ولم يقل: غلمانهم لئلا يتوهم أن المراد بهم غلمانهم الذين كانوا يخدمونهم في الدنيا فهم كالحور من مخلوقات الجنة كأنهم لؤلؤ مكنون مخزون في الحسن والصباحة والصفا.»     أما سائر التفاسير الأخري،*71* بما فيها الحديثة،*72* فإنها لا تتردد في القول بأنهم مماليك. ولا شك أن الروايات المخالفة تعددت وإن كانت ضعيفة ووقع رفضها عموما. وهي تلك التي قال أصحابها أنهم   الأطفال من أولاد المسلمين الذين سبقوهم إلى الجنة، أو هم من أخدمهم الله إياهم من أولاد غيرهم، أو هم أولاد المشركين الذين ماتوا صغارا بدون ذنب أو حسنات وهم خدم أهل الجنة، أو هم ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة.
     ولعل أفضل ما قيل في هذا الموضوع يبقى ما جاء في تفسيرين من تفاسير الصوفية، وسنرى لاحقا أن الصوفية هم القوم الذين كان لهم الرأي الصحيح في فهم القرآن على حقيقته في موقفه الموضوعي من الجنس أي أن أساسه الحب المتبادل في علاقة وصال بين روحين ليست اللذة فيها إلا تمام التناغم بين انفعالات نفسية قوية والتآلف بين مشاعر متبادلة من الحنان والعطف والود أيا كان جنس طرفي هذه الرابطة : الذكر والأنثى أو الأنثى مع الأنثى أو الذكر مع الذكر.
     فما قاله ابن عربي مثلا في تفسير القران أو الجيلاني في تفسيره يؤكد النظرة الصوفية للجنس التي ترتفع به إلى مستوى الروحانيات، فليس هؤلاء الولدان والغلمان مماليك تسعى في خدمة أوليائها وإرضاء شهواتهم، بل هم «من الملكوت الروحانية أي: تخدمهم الروحانيات أو أهل الإرادة وصفاء الاستعداد من الأحداث الطالبين ﴿ كأنهم ﴾ لفرط صفائهم ونوريتهم ﴿ لؤلؤ مكنون ﴾ محفوظ من تغيرات هوى النفس وغبار الطبائع، مخزون من ملامسة ذوي العقائد الرديئة والعادات المذمومة» كما جاء في تفسير سورة الطور لابن عربي.*73* 
     وكذلك الحال عند الجيلاني الذي وقع في تفسيره لسورة الطور : «﴿غِلْمَانٌ لَّهُمْ ﴾ : مصوّر من قواهم المدركة المملوكة لهم، المسخرة لنفوسهم المطمئنة، الراضية بمقتضيات القضاء الإلهي ﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ من غاية الصفاء عن كدر الهواء ورعونات الرياس ﴿ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ﴾ [الطور: 24] مصون محفوظ في أصداف أشباحهم عن التلطخ بقاذورات الدنيا الدنية.»*74*

4 - في التنظير لموقف موضوعي 
     بعد كل ما سبق، يحق لنا أن نتساءل لماذا هذا المعتقد السائدهذه الأيام بيننا بأن اللواط من الكبائر رغم عدم وجودها بأهم المراجع مما كان من شأنه أن يقضي بحلية نوع من الجنس كان يمارس دون حياء بين العرب؟
     إن مثل هذا المعتقد ينبني على إجماع من أمة الإسلام على حرمة اللواط اعتقادا بأن ذلك جاء في كتاب الله. وقد بينا أن ذلك ليس بالصحيح؛ لذا، فإجماع الأمة يتأتى من عمل الفقهاء واجتهادهم. 
     وقد كان هذا الإجتهاد صائبا في فترة من الزمن عُد فيها اللواط كبيرة لأسباب موضوعية. ولكن بما أن هذه الأسباب انتفت علميا، فمقاصد الشريعة تقتضي الإجتهاد مجددا لإعادة النظـر في حلية اللواط أو عدم حليته.
     إننا نرى أن هذا الموضوع من الأمور الخصوصية في حياة الإنسان علاوة على أنه من الغرائز التي هي في البشر، فلا مجال للتعرض له بالتحليل أو التحريم ما دام في خانة الحياة الخاصة.    
     أ - موقف العلم اليوم من اللواط :
     لا مجال اليوم، إن كنا نود أن نكون موضوعيين، تجاهل ما يقول العلم في موضوع الجنس المماثل مما أخذت به أكثر البلدان المتقدمة علميا. فقناعتي أن الإسلام دين علم، وبالتالي فذلك يقتضي منا الانفتاح لكل ما يقتضيه العلم والروح العلمية حتى وإن خالف ذلك ميولنا أو أحدث اشمئزازنا.*75*
     فليس كل ما في الطبيعة بصفة عامة، وفي الطبيعة البشرية بصفة خاصة، مما يناسب بالضرورر أهواءنا أو يتماهى مع معتقداتنا. إن أوكد الأمور عندما نسهر على الموضوعية حقا هو احترام الرأي العلمي السائد واحترام الغير في انسجامه معه وحقه في ذلك مع الاحتفاظ بالحق في العمل على تبيان خطأ ذلك التوجه بالدليل العلمي المعاكس إن وجد.
     ذلك أن نظرتنا للعلم كما أسلفنا ليست تلك النظرة المتحجرة التي تجعل منه حقيقة أزلية، بل هي النظرة النضرة المتفتحة، التي ترى فيه المجهود الدؤوب للوصول للحقيقة. ولا مجال لبشر من المسك بالحقيقة، أيا كانت وأيا كان مجهوده؛ فهو يسعى على الأقصى نحوها ويتوجه قبلتها.   
     إن الرأي العالم السائد اليوم، أو على الأقل ما يؤكده الكثير من الباحثين في ميدان الجنس، يؤكد على الحقيقة التالية، وهي أن الكائن الحي، بما فيه البشري، يولد على فطرة هي التجانس الجنسي. وذلك يعني أن الإنسان، وهو الذي يعنينا هنا في المقام الأول، يُولد بميول جنسية مزدوجة، فيها النزوع للآخر من الجنس المخالف وفيها أيضا النزوع للآخر من نفس الجنس. وما التطور نحو نوعية غالبة من الميول نحو الجنس المغاير إلا من نتائج التكوين والتربية والأخلاق المهيمنة بالمجتمع الذي ننتمي إليه. فبدون مثل هذا التوضيب الثقافي، ليس من المستحيل، بل ربما من المؤكد، أن تبقى علاقتا بالجنس على ماهيتها عند الولادة، أي دون تحديد لجنس معين في علاقتنا الصميمة به في صبغتها الجنسية. 
     كذلك كان الحال بالمجتمعات البدائية؛ وأنا لا أستعمل هنا هذا التعبير من الزاوية القيمية بل بمعناه المجرد، أي المجتمعات الفطرية أو التي بقيت على فطرتها. وكانت مثلا تلك الحال في المجتمع الإغريقي، وهي أيضا ما عرفه المجتمع العربي الجاهلي.
     ولا شك أن فترة الجاهلية هذه*76* لم تكن برمتها فترة إنحطاط أخلاق، فقد أخذ الإسلام منها كل ما حسن، ومنها المروءة والفتوة؛ كما لم تنعدم منه ما كان موجودا قبله.*77* وما نظرة القرآن المتزنة للجنس إلا امتدادا لتلك الفطرة السليمة قبل أن تشينها معتقدات الموروث اليهودي والمسيحي.
     فإن نحن وددنا اليوم التعلق بديننا الحق، فلا مناص من العودة إلى فطرته العلمية السابقة لأوانها*78* في عدم تجريم ما هو من االفطرة البشرية؛ وهذا يقتضي أن نعتبر   اللواط أو الممارسة الجنسية المماثلة الحقّ الطبيعي الذي تفرضه حقوق الإنسان ولا مجال للتعرض له بالتعزير أو الحد ما دامت ممارسة هذا الحق تكون في نطاق المحيط الشخصي، أي في حدود ما قدّسه الإسلام من حرمة البيت. 
      ونضيف فنقول أن المسلم الحق اليوم هو من يتجرأ على القول بأن المماثلة أو ما سمي باللواط هو من تصرفات المؤمن الحرة يحكمها الضمير الشخصي ولا علاقة له فيها إلا مع ربه. وهذه الحرية هي كذلك في كلّ أحوالها؛ سواء اعتبرنا مثل هذا التعاطي للجنس من الفطرة أو الرّغبة أو الإرادة الشخصية.
     فبهذا، وبهذا فقط، نكون أوفياء لروح ديننا العلميّ النزعة الكونيّ المنزع، ونكون أيضا في خدمة الأخلاق الحقة التي لا تُفرض فرضا بالقوة، وإنما تأتي عن قناعة.   
     هذا من زاوية العلم العامة. أما من زاوية علم الإجتماع، فلا بد من التأكيد أن الحال نفسها خاصة وأن الحقيقة العلمية اليوم التي لا مراء فيها، وبالأخص بعد أعمال المفكر الفرنسي ميشلا فوكو، إذ لم يعد هناك مجالا للشك اليوم   أن «أكثر ضروب التصنيفات الجنسية عمقاً ليست سوى منتوجات أو بنى اجتماعية». وهذا يعنى أن اللواط هو من إفرازات المجتمع، وأن النظرة إليه تتطور بتطور المجتمعات والثقافات.*79*     
     ب - موقف الأخلاق اليوم من اللواط :
     إن الفحش والفاحشة اليوم هو في الإباحة والإباحية في تعاطي الجنس، لا في الجتس كجنس، لأن الإسلام ليس له عقدة الجنس كما هو الحال في اليهودية والمسيحية. إن الإسلام دين الفطرة، والجنس منها، أيا كانت صفته؛ وديننا يعتبر الجنس من مقومات الحياة البشرية، وهو يحدد تعاطي ذلك في نطاق روابط الزوجية لسبب وحيد هو حفظ النسل والنسب. 
     أما إذا انتفى هذان السببان، أي لم يكن هناك الخوف من انقراض البشرية مثلا أو من ضياع النسب، فالحكمة في تعاطي الجنس في حدود الزوجية تصبح عديمة الأرضية العقلانية. وبما أن الإسلام عقلاني أو لا يكون، يفرض السؤال   التالي نفسه على المسلم : هل يبقى الحكم على عمومه أم يُصرف إلى حال من الخصوص تحدد الأمة الإسلامية معالمه باسم الإجتهاد الذي دعا إليه الإسلام كنشاط مستديم حتى كاد يسوّيه بالعبادة؛ إذ لا عبادة حقة في الإسلام إذا لم تكن عبادة عالم بدينه عارف بدنياه!    
     ولا بد لنا من الإشارة إلى أن أن اللواط، رغم ما نراه في بعض المجتمعات الغربية، يبقى مبدئيا في تلك المجتمعات نفسها، على مستوى أخلاق العديد من الناس، ما يسمى بتابو في علم الإجتماع، وذلك لأن أخلاقية هذه المجتمعات   تعتمد أساسا على المخزون اليهودي والمسيحي. فكل ما جاءت به قوانين هذه البلدان في صالح هذه الحرية الشخصية فرضته فرضا على الديانة وأخلاقها من باب تعلق مجتمعات هذه الدول بالديمقراطية. فبلا ديمقراطية لا تحرر أخلاقي ولا اعتراف في هذه الدول بالحرية الجنسية لما فيها من تناقض مع أخلاقيتها الدينية.
     لهذا نقول أن لا تعارض في دولنا المسلمة على هذا المستوى بين الديمقراطية والحرية الشخصية لكون ديننا أكثر تحررا من الدينين المسحي واليهودي في المسألة الجنسية. *80*
     ج - ما يكون موقف الدين من اللواط :
     رأينا أن ما يسمى خطأ باللواط لا نص فيه ولا حديث لا يشوب صحته أي شك. ثم رأينا أن من يعتبره رغم ذلك من الفاحشة قد اختلفت آراءهم في حده. أما إثباته، فلا خلاف فيه، وقد أحيط بما يمكن منع إمكانية الوصول إليه.
     لذا، أقول أن كل ذلك يبين مدي عقلانية الإسلام الذي سن القوانين حسب مصلحة البشر وأخذا بمدى تطور ذهنيتهم. فكان ما درسنا سابقا وحالة المجتمع على ما كانت عليه، فعليه يجب أن يكون منا الاتزان والمعقولية في التعاطي مع هذا الموضوع عملا بروح ديننا وقد تغيرت الظرورف وتطورت النظرة العلمية له.
     فالنص القرآني هو أولا وقبل كل شيء كلام الله وروحه، فلا مجال للأخذ بحرف جاء متناغما مع مفهوم عصر ومواز لعقل بشري هو دائم التطور ونبذ مقاصد الشريعة التي تتجلى في الروح التي تنفخ في ذلك الحرف الحركة والحياة والتي تجعله دوما قابلا للتطور والأخذ بكل المستجدات العلمية التي لا غبار عليها وهي من فتوح العقل الإنساني الذي مجده الله في العديد من آيات كتابه المقدس.
     أقول إذن، وبهذا أختم كل ما سبق وأدعو إلى العودة إليه والالتزام به، أن قناعاتي في المباديء التالية :
          ١ - إن الإسلام هو دين البشرية جمعاء، فهو كوني، لأنه خاتم الأديان، والرسول الأكرم هو خاتم الرسل. والإسلام في روحه، وهي أوكد ما في كلامه العزيز، علمي عقلاني، ونتبين ذلك من مقاصد الشريعة؛
          ٢ - إن الإسلام دين ودنيا، لذا فإن كان لا مجال للتعرض لأحكامه المتعلقة بالدين بأي تغيير أو تبديل، فلا محيد من الأخذ بأحكامه المدنية حسب أحوال المجتمع وتطوره أخذا بالتدرج الإسلامي في الأمور؛ ولعل النسخ كان إحدى تجليات هذا التدرج؛
          ٣ - إن الإسلام دين حرية واحترام تام للذات البشرية؛ فيه الإنسان، ذكره وأنثاه، من التساوي التام الذي لا يفترض أي استثناء إلا في الحالات القسوى مؤقتا وحسب الحاجة وحالة المجتمع. فإن انتفت الحاجة وانعدم السبب، زال الاستثناء. والإسلام دين يقدس الذات البشرية، كل ذات بشرية على اختلافها وأنماط معيشتها، وهو يعهد لها العمل على مجاهدة نوازع نفسها للتطور وبلوغ الأسمى من الأخلاق التي جاء الرسول متمما لها؛
          ٤ - إن السنة النبوية هي المصدر الثاني للأحكام الإسلامية، والفقه الذي تمحور حولها اجتهاد بشري يحتمل الصحة والخطأ. والاجتهاد من الفروض العينية، لأن الإسلام علاقة مباشرة بين الله وعبده، فلا مرجعيةكنيسية به ولا حوزة لاهوتية. فالتأويل في الإسلام هو التفسير حسب مقاصد الشريعة السنية أي القرآن، وهو المرجع الأول في روحه مع نصه وإن اقتضى الأمر في روحه قبل نصه.
          ٥ - لا خلافة لله في الأرض بعد انقضاء النبوة؛ فالرسول هو الخليفة الأوحد لله في الأرض. أما اليوم، فخليفة الله كتابه وسنة رسوله في ما ثبت منها في صحيحي الشيخين وما أيد روح القران في شموليتها وأزلية أحكامه. أما ما تعلق بعصره، فهي ذلك المثال السني الذي يستنار به فقط للولوج لكنه روح النص القرآني واستجلاء الحكمة الإلاهية.
          ٦ - إنما الحياة الدنيا جعلت للاختبار والامتحان، ولا مجال لثبوت أمانة التصرف البشري إذا انعدمت الحرية التامة لذلك، حيث لا مراءات في الإسلام، وإنما إيمان حق وقناعة صادقة. لذا ففرض كل ما أوجب الله على عباده بالقوة والعنف إنما هو من حب الرياسة عند بني آدم ما من شأنه أن يذهب به إلى حد الكفر إذ فيه   الشيء العميم من التأله البشري بما أنه يمنع الامتحان ويحد من حرية البشر كما أرادها الله.       
          ٧ - إن المماثلة وما شاكلها من الأمور الشخصية للإنسان ومدارها علاقة الله المباشره بعبده، فهو الذي يعاقب وهو الذي يهدي وهو الذي يرحم ويغفر. فلا مجال للتعرض لها بالمنع أو التحليل ما دامت محدودة في نطاق التصرف الشخصي الخاص المستور دون أي تعرض لحريات الغير المخالفة. فالمسلم يحترم غيره كما هو ولا يحاول التطلع على حياته الخاصة ،حتى على عوراتها، كانت ما كانت، لأن أخلاقه عالية وتصرفاته مثلها. فهو يغض عن الإساءة نظرا وقولا وفعلا إذ يسلم الناس من يده ولسانه وحتى من سوء ظن لا مجال أن يأتي منه، إذ باطنه هو كظاهره حتي يكون القدوة الصالحة لمن أراد الله لهم الهداية.     
5 - في تصحيح المفردة : من االلواط إلى المماثلة
     أ - المفهوم الديني واللغوي :
     إن عبارة اللواط لم ترد في القرآن ، بل كل ما ورد فيه بخصوص إتيان الرجل للرجل هو عمل قوم
لوط مع نعت هذا العمل بالفاحشة. فليس من الصحيح استنادا على القرآن والسنة استعمال عبارة اللواط، بل يجب أن نقول عمل قوم لوط.
     هذا من الناحية الدينية، أما من الناحية اللغوية، فاللِّواط من لاط الحوض بالطين لوطا أي طيّنه، و لاطَ الرجلُ لِوَاطاً و لاوَطَ ، أَي عَمِل عَمَل قومِ لُوطٍ، أي وطء الدُّبُر، ومنه هو اللُّصوق، فسُمي لواطاً لالتصاق اللواطي بالملُوطِ به، أو لأنه فعل قوم لُوط.*81*
     وقد عرف العرب تعبيرا آخر مرادفا للواط وهو الأُبنة (بضم الهمزة) بمعنى الشذوذ الجنسي، وهو بنفسه مصطلح مُستحدث يُطلق على كافة الممارسات الجنسية التي عُدّت غير طبيعية ومخالفة للفطرة الإنسانية، لا فقط في البلاد العربية الإسلامية بل وأيضا وخاصة في المجتمعات اليهودية والمسيحية.
     فتقول العرب : مأبون بمعنى شاذ. والكلمة مشتقة من أبن الرجل يأبُنُه ويأبِنُه أبنا، أي اتهمه وعابه. إلا أن تعبير الأبنة يقال على الأكثر للطرف السلبي أي الذي يُؤتى. قال اللحياني: أبَنته بخير وبشر آبَنه وآبِنه أَبنا، وهو مأبون بخير أو بشر؛ فإذا أضربت عن الخير والشر قلت 'هو مأبون' لم يكن إلا الشر."*82*          
     وكما رأينا، ليس هناك اختلاف في المجتمعات العربية الإسلامية في تعاطيها الجنس عن مثيلاتها، ما عدا تحررها النسبي، والذي كان في البداية مطلقا، تماما كما كانت مطلقة نظرة العربي لحريته.
     بل وأكثر من هذا، لقد تفنن العربي في تعاطيه للجنس، فابتدع التعابير المختلة مفصلا ومدققا دون تعتيم أو رفض مسبق لنوع من أنواع الجنس دون غيره، بما في ذلك من طرف الفقهاء والشيوخ. فما اللواط الذي نحن نلحق به السحاق أو المُساحقة ،*83* أو الزنى*84* أو الإستمناء*85* إلا من التعابير الأكثر ذيوعا، أما عن أنواع الممارسات وتعابيرها، فهي أكثر، وليس المجال هنا لذكرها.   
     ونحن نرى أن عبارة اللواط، بالإضافة لعدم صحتها عربيا وما يحيطها من مكنوز ثقافي وديني مغلوط، لا تواكب اليوم ما جد من تطور في عالمنا على المستوى العلمي، سواء أكان ذلك علم الإجتماع أو علم الإنسان، علاوة على الطب وغيره من ميادين المعرفة التي أقرت كلها أخيرا بأن مثل هذه الظاهرة طبيعية سواء أكان ذلك في الإنسان أو الحيوان أو سواه من المخلوقات الطبيعية. لذا نرى من الواجب تطوير تعبيرنا الضيق الذي هو مجرد نعت فيه ذم لفعل قوم غبروا أكثر من كونه صفة طبيعية في الإنسان. 
     وقد شاعت مؤخرا تعابير أخرى للواط غايتها التغاضي عن هذا المخزون الأخلاقي الموروث وفصله حتى يكون كلامنا محايدا، موضوعيا؛ ولعل من أشهرها المثلية الجنسية. والتعبير متأت من المِثل (بكسر الميم) أي الشبه، إذ يقال : امتثل طريقته أي تبعها فلم يعدُها.*86* 
     وانطلاقا من هذا التعبير، نشير إلى ما ورد في اللسان : ماثل الشيء بمعنى شابهه، ومِثل وهي كلمة تسوية. فيقال : هذا مِثله ومَثله كما يقال شِبهه وشَبهه. وقال ابن بري : الفرق بين المماثلة والمساواة أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتقين لأن التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص. وأما المماثلة فلا تكون إلا في المتفقين. 
     وبما أن المِثل هو الشبه، إذ يقال : مِثل ومَثَل وشِبه وشَبه بمعنى واحد، وبما أن المثَل والمثيل كالمِثل والجمع أمثل، وهما يتماثلان، فنحن نقترح اعتماد هذا التعبير للحديث عما يسمى تعسفا لواطا، وعوضا لتعبير المثلية الذي لا يستقيم تماما. 
     بذلك نقف من هذه الظاهرة الإجتماعية والخاصية الإنسانية في بعض البشر موقف المحايد، فلا نتهم ولا نشهّر ولا نشيد أو ننتصر؛ إذ أقصى ما نقوم به هو الأخذ بعين الاعتبار بمثل هذه الظاهرة كما هي موجودة فلا نرميها في خانة الفاحشة، وهي ليست ضرورة منها، إذا أردنا أن نكون بحق موضوعيين.
     فنحن نعتقد أن المماثلة ظاهرة إجتماعية وإنسانية لا علاقة لها بالأخلاق. فالمماثل أو المثيل شأنه في ذلك شأن سائر البشر ممن يقصرون علاقاتهم الجنسية على المخالف لهم جنسا، أي له أحاسيس وله أخلاق وله دين. وهو لا يختار نزوعه لمن هو مثله أو مثيله لأن ذلك فيه خلقة. فهل يلام على ذلك خالقه أو هل يلوم الإنسان خالقه وقد جعله كما هو؟ 
      ب - المفهوم القيمي :
     خلافا إذا لما هو معروف في الديانة اليهودية والمسيحية، فاللواط _ أو ما اقترحنا تسميته بالمماثلة _ غير معرف لذاته في الإسلام، بل هو يلحق بالفاحشة، وللفاحشة من المعاني المختلفة التي لا تجعلها بالضرورة ذنبا. وبما أن الزنا عُد من الفاحشة أيضا، كما سبق أن رأينا، فقد ألحق اللواط بالزنا. لذا، فلا فرق بينهما عند الفقهاء إلا في ترجيح خطورة المقاس على المقاس عليه.
     وهذا من الأمر الذي يجب الانتباه إليه كما وجب الانتباه إلى مفهوم الفاحشة الذي هو محدد بحالة المجتمع ومتغير حسب تطوره وليس بنوعية قيمه وأخلاقه الأساسية. 
     فدعنا نعود لنذكر أن الفاحشة والفحش، لغويا،كما جاء في اللسان، هو القبيح من القول والفعل، فكل خصلة قبيحة هي فاحشة من الأقوال والأفعال. ولغويا أيضا، الفحش هو الزيادة والكثرة،   إذ كل شيء جاوز قدره وحده، فهو فاحش. فكل أمر لا يكون موافقا للحق والقدر هو فاحشة. 
     وقد يطلق الفحش على الجهل والفحشاء علي البخل، فالعرب مثلا تسمي البخيل فاحشا. وقد قال أيضا ابن بري : الفاحش : السيء الخلق، المتشدد، البخيل. وهكذا، فليس للفاحشة معنى لا يتغير إلا ذلك الذي يخص تجاوز ما هو مقبول ومعتاد في المجتمع، وذلك معنى المعروف والحسنى.
     فالقبح هو ضد الحسن، يكون في الصورة والفعل. ومنها المقابح وهي ما يُستقبح من الأخلاق. والقَبح هو الإبعاد، والمقبوح هو المبعد، ومنها الدعودة المعروفة : قبّحه الله : أي أبعده عن كل خير. وقد استعملت العبارة في السب والخنا من قول وفعل. وتكرر ذكر الفُحش   والفاحشة في الحديث، وأصبح بمعنى كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي. ثم تطور مفهوم الفاحشة فصار يرمز إلى الزنا، قال ابن الأثير : وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعني الزنى. ثم توسع بعضهم، حسب العادات الإجتماعية، فعد مثلا من الفاحشة خروج المرأة من بينتها بغير إذن زوجها أو، كما قال الشافعي، أن تبدو علي أحمائها بذرابة لسانها فتؤذيهم.        
     كل هذا يحملنا على رد مثل هذا المفهوم نظرا لما سبق أن قلنا باسم القيم الإسلامية ذاتها التي تنبني أساسا على احترام الذات البشرية وفطرتها؛ أفليس الإسلام دين الفطرة؟
     ج - المفهوم الموضوعي :
     إن مفهومنا اليوم للدين هو مفهوم حضاري يفرضه هذا العصر الذي سقط فيه العلم كممثل وحيد للعقل البشري آخذا بما تمثله الروحانيات من ثراء وكنوز للإنسانية قاطبة. وما الأمثلة التي قدمنا وتناقضاتها في الموضوع الذي شغلنا اليوم لدليل على أنه حان في بلادنا العربية الإسلامية، كما يقول المفكر الفرنسي ميشال فوكو*87*، إخراج تاريخنا المجيد من تجربته التقليدية، وتجاوز أساليبه العتيقة القائمة على فقه كان من أرقى ما أنتجه العقل الإسلامي في زمن ولى وانقضي، فذبل وبهت و أصبح لا يستجيب لمقتضيات العصر رغم أن الإسلام في قواعده وروح نصوصه هو دائما تلك الثورة التي تجعل منه الدين الأزلي الصالح لكل زمان ومكان. 
     فالتاريخ كما يدرسه اليوم طلاب العلوم الأجتماعية والإنسانية لم يعد تلك المادة التي تتحول الوثائق فيها إلى نصب أثرية؛ بل هو أولا وقبل كل شئ أخذ بماهية حياة البشر ولصوق بدقائق حياتهم ومكنون معاناتهم اليومية.
     نقول ونكرر إذا : بما أن إسلامنا كان سباقا للأخذ بالنزعات الإنسانية واحترام حقوق الإنسان في زمن لم تكن معروفة فيه من طرف بقية الأديان، فهو يبقى اليوم رائدا في هذا المجال ولا محالة. 
     لذا، وبالإضافة إلى ما سبق، من المرور من اللواط إلى المماثلة، من الضروري الكلام مستقبلا في الميدان الجنسي بصفة عامة عن الحسية المثلية   homosensualité عوض الجنسية المثلية   homosexualité لما في هذه الكلمة من حصر للتعبير في الجنس دون الأخذ بعين الاعتبار جانبه الروحاني، فهو شبق أكثر منه فجور أو فسق وهو غرام وعشق أكثر منه شهوانية أو إثارة جنسية.   
     خلاصة القول، وبالعودة إلى لغتنا الثرية التي نتجاهل بلاغتها وقدرتها على الابتكار والنبوغ،*88* فالتعبير الأفضل الذي نقترحه هو الآتي : المُماثلة (أي إشتهاء المماثل) عوضا عن اللواط وكمرادف لكلمة homosexualité ، كما أسلفنا، والمُماثل (أي مُشتهي المماثل) لتعويض كلمة لوطي وكمرادف لتعبير   homsexuel.    
     هكذا نرى أن الإسلام بخلاف ما يقوله أعداؤه لمن التقدم والحضارة بمكان، وليس ما يعيبه عليه العديد ممن لا يعرفونه على حقيقته إلا من جهل كنهه أو النظر إليه نظرة مغلوطة فرضها تأويل حان الأوان لإعادة النظر فيه. فالوقت اليوم لإنصاف ديننا من التهم الباطلة التي شوهت حسنه وأفرغته من علميته وعالميته وصبغته الإنسانية الكونية، ولا شك أن الإسلام السلفي الحق الذي يعود إلى النص في روحه الأصيلة هو ما عرضناه اليوم، وهو يذكرنا لا محالة بصوفية الحقائق.

6 - خاتمة في موقف إسلامي أصيل
     إن المفهوم الإسلامي الصحيح لما يسمى خطأ باللواط (فهو إما الأبنة، لغويا، أو المماثلة)، يعتمد على نظرة موضوعية وعلمية للإسلام كدين ودنيا، أي كنص وروح، ومعنى ذلك كحضارة إنسانية   وكونية. 
     وكتلخيص لما تعرضنا إليه من غلط ومغالطة في فهم النظرة الإسلامية للموضوع، نعرض إلى ما يتأسس عليه اليوم عمل بعض من يدّعي تطبيق الإسلام وهو يشوهه. فحتى نتبين على أي أساس حكمت بلاد إسلامية تنفذ الإعدام في ما لم يحرمه الدين، لنقرأ هذا البيان لوزارة داخليتها أعلن تنفيذ حكم الإعدام في مواطن لم تكن جريمته إلا ما يسمّى باللواط :
     «قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. وجاء في السنة النبوية المطهرة في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [مَن وقع على ذات محرم فاقتلوه]. أخرجه ابن ماجه.»
     فهذه الآية (عدد 33 ) من سورة المائدة في من يتعاطى الحرابة وإخافة السبيل وقطاع الطريق، والكل متفق على ذلك. فهل وصلت ممارسة الجنس إلى هذا المستوى من التعكير للأمن العام؟ ثم لا يجد الحاكم لتيرير فظاعة حكمه حديثا يستند عليه من الصحيحين لا يتطرق إلى مصداقيته أدنى شك.       
     هكذا، نرى إلى أي مدى تصل المغالطة في فهم النص المقدس وروح الدين السنية وهما يحرصان أشد الحرص على تبيان ماهية المغفرة الإلاهية وعظمتها أمام الذنب البشري الذي تتجاوز عظمته في عرف هؤلاء   المفهوم الصحيح نصا وروحا وحضارة لديننا وعظمة ما فيه من رحمة إلاهية.      
          أ - في المفهوم الصحيح نصًا :    
     إن النصوص الإسلامية عديدة في التأكيد على أن روح الدين الإسلامي هي الرحمة والمغفرة. وإن عظمة المغفرة تأتي على عظمة الذنب؛ وفي عظمة المغفرة عظمة في العودة من الذنب.
     وليس الذنب مهما عظم بأعظم من المغفرة الإلاهية؛ فالمؤمن المشكك في قدرة الله على مغفرة أي ذنب مهما عظم مشكك في عظمة الله، وفي ذلك تهافت لإيمانه وفراغ لروحانيته.
     أما الكافر أو المؤمن المذنب، ففي مدى قدرتهما على القبول بمثل هذه العظمة الإلاهية يطرد ويتضاعف ذنبهما أو يصغر فيتضاءل، ما دام توحيد الله والإسلام لعظمته لا تشوبه شائبة ولا يشينها شك.
     وحتى من كانت هذا حاله وديدنه، فعلى قدر همته في عدم دفع المفروض منه، وهو تصاغر الذات البشرية أمام ذات هي أعلى وأسمي منها هي الذات الإلاهية، تكون حقيقة قبول المغفرة واردة وحتميتها مؤكدة؛ كما يكون ذلك على قدر استعداده لقبول مثل هذه الحقيقة. 
     ولعل من المفيد هنا التذكير بما عُرّف بالوظيفة التأديبية للوحي، وهي تلك الآيات الموجهة للرسول من نهي عن استباق الوحي مثلا أو استعجاله، ناهيك عن تصرفاته مع البشر كما كان منه مع الأعمى في آية عبس*89*.ففي معرض حديثه عن تفسير آية ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾*90* مذكّرا بموقف الرسول الأول في ذلك، وهو المساواة التامة بما فيه حق القصاص للمرأة،*91* يقول بسام الجبل : «الأعراف الاجتماعية السائدة وقتئذ والنظام التراتبي الذي يخضع له المجتمع من جهة العلاقة بين الرجل والمرأة كانت تحول دون إعطاء الحق للمرأة في الاقتصاص من الرجل. وهذا ما يفسر تخلي الوحي عن تصوّر العلاقات الأسرية سابق لعصره».*92* 
     ففي ذلك من الإيحاء والإيماء ما تجاهله المسلمون؛ فهم، وإن أكدوا على ضرورة العودة إلى أسباب النزول في فهم آي القرآن، نسوا أو تناسوا الأخذ بعبره والاعتبار بإيحاءاته. فإن كان هناك في القرآن تأديب من الله لرسوله، فأوكد أن تكون الآيات التأديبية للمؤمنين عندما يتجاهلون مقتضياتها والعمل بروحها.
     وبهذا نرى أن كلامنا في الموضوع الذي عرضنا إليه اليوم هو فصل المقال في مثل هذا النوع من المواضيع من زاويته العلمية والعملية، الدينية والمدنية في عصرنا هذا، عصر ما بعد الحداثة. وهو ما لا يدفعه أي مسلم تعلق بقلبه وروحه بدينه فعرف أنه الدين الحق الصالح لكل زمان ومكان، وهو في زمننا الراهن وفي قناعتنا دين الإسلام ما بعد الحداثي.         
          ب - في المفهوم الصحيح روحًا :
     رأينا في معرض حديثنا عن غلمان وولدان الجنة نموذجا من التأويل الصوفي للقرآن. ولعله يكوّن الأنموذج الذي يمكن اتباعه اليوم في الأخذ بروح ديننا السنية دون تشويه ولا عربدة.
     فالصوفية، وأنا أتكلم هنا عن الصوفية الحقة، أي ما أسماه ابن تيمية في فتاواه بصوفية الحقائق،*93* لهي السلفية الحقيقية اليوم، وهو ذلك التيار الديني الذي يأخذ بحق من منبع الإسلام دون تشويه ولا تحريف، فإذا هو متأقلم تمام التأقلم مع مقتضيات العصر، بل وسابق لزمانه المنغمس في المادة. 
     وقد كانت الصوفية بحق ثورة روحية في الإسلام وكوّنت ما سمّي بالتفقيه المضاد في الإجتهاد.*94* فليس هناك جنس عند الصوفية بل عشق ووصال، وليس هناك نص بل روح، ولا ظاهر بل باطن؛ فالمهم هو مقاصد الشريعة والكل مداره الحب الإلاهي وحب الناس بعضهم لبعض.
     وقد عيب على العديد منهم ما يسمى باللواط،*95* كما نظر البعض بشزر لما يقع في الزوايا وعند بعض الطرق من ممارسات متحررة وعمومية،*96* وماكان ذلك منهم إلا قبولا لطبيعتهم كما هي وكما خلقهم الله، فلا رفض لما جعل الله في خلقه ولا تطرف في علاقة الصوفي مع الآخر أيا كان مذهبه في الحياة، فالكل عيال خالقهم ، ومنهم أولياء الله وهم عرائسه، حسب عبارة البسطامي.    
     فالحب والجمال في الله ومن الله وعشق الجمال في عباده، إناثهم وذكورهم، هو عشق لله. فأي درس في المحبة أعطته الصوفية للمسلم فتجاهله غالبيتهم! أما آن الأوان لاسترجاع مثل هذا الثراء الإسلامي الفذ الذي كان ولا يزال المرآة الوفية لنور الإسلام   الساطع؟    
          ج - في المفهوم الصحيح حضارةً :
     إن مثل هذا المفهوم يفرضه الوضع الحالي، خاصة الآن بعد ما سمي بالربيع العربي، ما يسميه بعضهم بالثورة وبعضهم بالإنتفاضة، وما سميته أنا منذ البداية بالعبارة الوحيدة الصحيحة التي فيها احترام تام لجميع مميزات هذا الربيع، خاصة في مهده أي تونس، ألا وهي الإنقلاب الشعبي.*97* 
     وسيكون بمثابة الإنقلاب الإسلامي ما بعد الحداثي، أي انقلاب إسلام القرآن على إسلام الحديث بعد أن عشنا منذ بداية تدوين الحديث على نوع من الردة الفكرية أو العلمية مرت بنا من علوم القرآن كعلوم أساسية إلى علوم ثانوية تحدها علوم الحديث، فكان المرور من إسلام القرآن إلى   إسلام الحديث حسب عبارة المفكر جورج طرابيشي.*98* ويكون ذلك في نشأة مستأنفة هي من الروح العلمية الصحيحة بمكان، فتأكد ما كنت أكدت عليه مرارا في هذا المقال وغيره من علمية الإسلام وكونيته.   
     إن مفهوم هذه النشأة المستأنفة، والتعبير دائما لجورج طرابيشي، هو الأخذ بما يقره واقع العلم اليوم في جميع ميادين المعرفة، ألا وهو قبول الأمور في الطبيعة على ما هي في نشوء وارتقاء متواصل لا حد له. فليس الأمر مجرد نهضة، بل هو دوما ولادة متجددة، وذلك دون القطع مع الماضي في أوكد خصوصياته، ولكن دون رفض الحاصر والمستقبل في ما يفرضانه من مستجدات. وهذا بمثابة الولادة الثانية التي هي مجرد العودة إلى الروح قبل الجسد بعد أن نكون تمسكنا بالجسد، أي الحرف والنص، ونسينا فيه الروح.
      إن الإسلام الذي ننظر له في تونس الانقلاب الشعبي هو إسلام الإنسانية العالية التي هي ليست لا ضد ولا مع المماثلة، إذ لا يحق لها أن نقيّم سلوكا هو من الحرية الشخصية المطلقة في دين يرى أن البشر خلقهم الله أحرارا لا عبويدة لهم إلا لخالقهم الذي هو غفور رحيم. 
     فالمعيار الوحيد إزاء مثل هذه الحرية الشخصية هو حرية تعامل الفرد في جسده تحت نظر الله لا المجتمع ما دام صادقا مع ذاته ومع غيره من البشر   دون المساس أو الحد من حريته؛ فحرية الواحد تحدها حرية الآخر أي بمعنى تمنعها من التعدي عليها دون الحد من انشراحها التام في محيطها الشخصي. 
     والحياة متنوعة أساسا، لا تنصهر في نمط واحد ولا تُختزل في قالب وحيد. وقد يحدث ذلك، فلا يكون إلا لزمن؛ إلا أن هذا يحدث مع التجني على كل ما هو مخالف مما له الحق في الحياة حسب معتقدنا الصحيح لأنه مما ابتدعه الله في خلقه. 
     فالتنوع جبلّة في الإنسان، ومهما حاول أعداء الإنسانية والدين القضاء عليه ما نجحوا إلا أن أضروا بدينهم السمح بتعصب هو من الأعراف الإنسانية المتزمتة التي تنتقص من هذه القيمة البشرية التي أعلاها الإسلام أي علو فوسع من حرية الإنسان في التناقض وحق الاختلاف إلى حد عدم تحريم الردة عن الإسلام، كما سنرى ذلك في الحلقة الموالية.        
     أنا إن أنظّر لهذه الحرية الشخصية فلا أفعل ذلك كعمل البعض من علمانيين أو ملحدين في محاكاة الغرب أو مماهاة ما يحدث فيه؛ ذلك أني أرى الحضارة العربية الإسلاميه لها من التنويرية ما مهد لحضارة الغرب، وما يمكّن من استئناف المسار الحضاري الإسلامي دون مشاكلة أحد. ولا يكون ذلك طبعا إلا بالعودة إلى لب لباب ديننا، وهو تلك الثورة الأبدية التي تكمن فيها أزليته. فكما كان إسلامنا حداثيا قبل حداثة الغرب (وذلك ما نعتّه بالحداثة التراجعية آنفا) هوذا اليوم إسلامنا، في عصر ما بعد الحداثة، ما بعد الحديث!            
     فلتتميز الثورة التونسية كباقي الثورات التي أثرت على تاريخ البشرية بإلغاء كل القوانين الرادعة للعلاقات الجنسية الشاذة ولتفعل ذلك دون تردد باسم دين الإسلام الذي يسمح به، بل يدعو له! 
     فهكذا كان الحال سنة 1789 غداة الثورة الفرنسية التي ألغت قانون تجريم العلاقات بين الأشخاص المماثلين جنسيا، وكذلك كان الحال سنة    1917   مع الثورة البلشفية حيث قرر لينين إلغاء تجريم المثليّة أو المماثلة.
     وبعد، وكما بدأنا هذا المقالة، نعود فنكرر بأننا إذا توصلنا إلى رفع الالتباس في هاتين الإشكاليتين التان تقفان حجر عثرة لعودة الإسلام كما كان ثوة على الدوام وحداثة مستدامة، نكون أتينا على أهم المعضلتين المانعتين من عودة الحضارة للإسلام.
      إذ لا شك أن بلاد الإسلام، لو قدرت على التحرر من عاهتين تحملاها على سفك دماء اللواطيين والمرتدين، لدللت حقا على احترامها للآخر المختلف ولبرهنت بأفضل برهان على روحها الديمقراطية ونزعتها الحقة لإعطاء المثل الأعلى في الأخلاق والعلاقات البشرية، وهما من دعامات الحضارة، بله الإسلام.   
     وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة من هذا السلسلة وهي تُعنى بالموضوع الآخر الأهم من مواضيعنا الحساسة اليوم، ألا وهو أن لا تجريم للردة في الإسلام !

الهوامش :     
*1*وهذا لا يقتصر على الحاكم كما جرت العادة في فهم الحديث وتصريفه، بل يخص كل مجتهد، فمعناه العموم لأن العلم ليس من شأنه أن يُمتلك فتحوزه مرجعية تكون بالنسبة للعلم كالكنيسة بالنسبة للدين. فلا كنيسة، من أي نوع كانت، في الدين الإسلامي!
*2*ورغم ذلك فعددها لا يستهان به في هذا المقال.
*3*وطبعا، وباسم نفس هذه المابديء. نحن نبقى متفتحين لكل رأي مخالف واجتهاد معاكس ما دامت النية حسنة في خدمة الإسلام الكوني والعلمي لا في تشوييه وحكره على من يدّعي تملّكه والمتاجرة به.
*4*وها نحن نرى البعض ممن يدّعى معرفة الدين التأسف على انقراض مثل هذه المؤسسة فيربط تأخر الإسلام بزوال العبودية! ولا داعي لذكر مراجع هنا، فمواقع   الأنترنت تزخر بها أو تندد بها، كما هو الحال على موقع الآن التنويري الذي سنحيل إلى بعض مقالاته لاحقا. 
*5*أقول الصحيح لأن هناك من العلماء أو أشباه العلماء من يدّعى على العلم ما ليس منه، فالعلم الصحيح هو ما لا يقرّ بحقيقة عمياء أزلية، إذ يعتمد فرضية الخطأ آجلا، لأن العلم هو الدليل الراهن والمبرهن عليه لا الأبدي المسلّم به. 
*6*وهذا دليل على أننا نقر بأن الأمر، في ما نقول بخصوص الجنس هنا، ليس هو إلا ما وصل العلم إلى التدليل عليه اليوم وعلى حاله الآنية. ولعله يثبت غدا خطأ العلم في ذلك؛ ولكن، كما يتوجه العلم أن نغير موقفنا بتغير الحال، فالتوجه العلمي اليوم يقتضي الأخذ بآخر ما توصّل إليه من معرفة ثابتة.
*7*المُماثَلة الجنسية أو المُماثَلة هو التعبير الصحيح والفصيح عربيا الذي نقترحه كترجمة لكلمة    Homosexualité . أنظر لاحقا الفقرة 5 : في تصحيح المفردة : من اللواط إلى المماثلة. فنحن لا نستعمل هنا عبارة اللواط إلا جريا على العادة ولإبلاغ المقصد.
*8*وباللواط، نحن نشير إلى كل علاقة جنسية تختلف عن العلاقة المعهودة بين ذكر وأنثى؛ لذا، فبهذه الكلمة نعني أيضا السحاق أو المساحقة. 
*9*اللاويون 16 : 22-28.
*10*اللاويون 20 : 13.
*11*كورنتثوس الأولى 6 : 9-10.
*12* رومية 1 : 25 - 32.
*13*تيموثاوس الأولى 1 : 8 - 10.
*14*من الطريف الإشارة إلى ما يرويه الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي في معرض حديثه عن العاداث الفرنسية في «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» عن عادة الفرنسيين،   الذين كانوا يمتعظون من الأشعار العربية التي تتغني بالمذكر، في تأنيث المذكّر عند ترجمتها رفقا بمشاعر مواطنينهم مما كانت تبدو لهم من الفواحش. ولا داعى لذكر ما كانت حكايات ألف ليلة وليلة تمثله في المتخيل الغربي من الدلالة الفصوى على الشبقية العربية. ونحن نجد آثارا لذلك مثلا في ما يرويه عن طفولته الكاتب الفرنسي مارسال بروست في كتابه «البحث عن الزمن الضائع». وطبعا، ومنذ ظهور الإسلام، عاب الكثير من أعدائه ما اعتبروا في هذا الدين الثوري وفي نبيه الأكرم من حسية وشبقية مفرطة. فلتعد لها!           
*15*أذكر هنا، وكما جاء في الهامش 7،   أن المُماثِل الجنسي أو المُماثِل هو التعبير الصحيح عربيا الذي أقترحه كترجمة لكلمة    Homosexuel . أنظر لاحقا الفقرة 5 : في تصحيح المفردة : من اللواط إلى المماثلة. ولكننا سنواصل في المقال استعمال كلمة لواط لا لشيء إلا لأنها تلك المتعارف عليها.
*16*لعله من المفيد التذكير بأن المنظمة العالمية للصحّة لم تحذف المماثلة أو المثلية الجنسية من قائمة الأمراض العقليّة إلا في غرة جانفي 1993. ولم يأت ذلك إلا بعد أن اضطرت الجمعيات الأمريكية الناشطة في هذا الحقل على حمل منظمة التحليل النفسي الأمريكية على فعل ذلك سنة 1973. ومن المفيد الإشارة أيضا إلى أن المماثلين وقعت معاملتهم كاليهود من طرف النازية، إذ اضطُهدوا على نفس الشاكلة خلال سنوات 1933-1945 ووقع ترحيلهم إلى معسكرات الاعتقال النازية وإبادتهم. وكما استُعمل النجم الأصفر بالنسبة لليهود، كان يُشار إليهم بالمثلث الوردي.    
*17*بل القاعدة في الطبيعة التي يقرها العلم اليوم هي المماثلة الجنسية، فالجنس واحد، لا فرق فيه بين الذكر والأنثى.
*18*سنعود للموضوع بالتفصيل في الفقرة الثالثة الموالية : في اختزال الرأي الإسلامي السائد. 
*19* أفتكون اليهودية والمسيحية أفضل من الإسلام اليوم في هذا الميدان، وقد تطورت ذهنية غالبية أصحابها، فنستمسك في الإسلام بعاداتهم وقد نبذوها هم بأنفسهم؟
*20*وذلك ما يسمّيه باشلار Bachelard الحادث الجدلي Le fait polémique. ولنا في الموضوع حديث في إحدى الحلقات التالية لهذه السلسلة.
*21*كانت العرب تطوف بالبيت في الحج عراة، إلا الحمس من قريش، كما ذكّر بذلك البخاري ومسلم. 
*22*لعل من أشهر الكتب الجريئة في الموضوع كتاب الشيخ النفزاوي : الروض العاطر في نزهة الخاطر. ويمكن الإشارة أيضا إلى المصنف المنسوب الى السيوطي وعبد الرحمن بن نصر الشيرازي : الايضاح في علم النكاح.
*23*ومن أشهر من يذكر منهم النحوي والعالم اللغوي أبا عبيدة معمر بن المثنى البصري صاحب مجاز القرآن، وهو من أهم تفاسير القرآن من التيار اللغوي. وقد أُنشد له : صلى الله على لوط وشيعته/ أبا عبيدة قل بالله: آمينا // لأنت عندي بلا شك زعيمهم/ منذ احتلمت ومذ جاوزت ستينا.
*24*وعلى رأسهم طبعا أبا نواس، ولكن نجد الكثير مثله تغنوا بالمرد من الفتيان دون أن يكونوا ضرورة من اللواطيين، إذ غدت اللواطة في فترة من التاريخ الإسلامي كالموضة اليوم، مما كان يسمّى بالظرف.   
*25*مثال ذلك قاضي القضاة في عصر المأمون   الفقيه أبو محمد يحيى بن أكثم التميمي المشهور باللواط حسب ما ورد عن الذهبي في سير أعلام النبلاء والثعالبي في الكناية والتعرض أو النهاية في فن الكتابة. وقي ذلك يُروى لأبي نواس : أنا الماجن اللوطي ديني واحد/ وإني في كسب المعاصي لراغب // أدين بدين الشيخ يحي بن اكثم/ واني لمن يهوى الزنى لمجانب. ولا غرابة في ذلك عندما   نقرأ في البداية والنهاية لابن كثير امتعاضه من أن أغلبية وجهاء زمانه كانوا لا يتوانون عن ممارسة اللواط بما فيهم الملوك والأمراء والتجار والعلماء والفقهاء والقضاة بالإضافة إلى الأدباء والعامة.ونحن نجد الشيء نفسه عند المقريزي الذي يروي أن شدة انتشار اللواط كانت تحمل الجواري على التشبه بالغلمان.    
*26*فالقاضي يحي بن أكثم لم يكن يتخفى أو يعرّض، بل كان يصرّح بأنه لا مانع في حب من جعلهم لله لأوليائه، ذاكرا بذلك غلمان الجنة. وسنخصص الفرع ه (مسألة غلمان وولدان الجنة) من الفقرة الثالثة الموالية لهذا الموضوع.    
*27*وكتابه طوق الحمامة في الألفة والألاف يبقى من أفصح الكتب في موضوع الحب على جميع أصنافه دون تورية.   
*28*يعدد السيوطي في تاريخ الخلفاء من عرف منهم باللواط وعلى رأسهم الأمين وحكاياته مع غلامه كوثر. ولكن المعتصم والواثق لم يكونا يترددان في التغني بمحاسن الرجال على عادة العصر، بل وممارسة الجنس أيضا مع الرجال إضافة إلي النساء. وقد أورد السيوطي حكاية حب المعتصم لغلامه عجيب الذي عُرف بجماله. وعن الحال في العصر العباسي المتأخر، يمكن العودة مثلا لما يقول التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة عن تعاطي الجنس في بغداد.      
*29* استمع مثلا إلى هذين البيتين الذين يلخصان نمط العيش المثالي في تلك الفترة : إنما الدنيا طعام/ ومدام وغلام // فإذا فاتك هذا/ فعلى الدنيا السلام. ولعله من المفيد الإشارة هنا أن اللواط لم يكن فقط من باب الجنس واللذة، بل كان أيضا عند البعض من باب الفلسفة الروحية والنظرة الفلسفية للحياة كما هو الحال تماما في البلاد الغربية اليوم.   
*30*وقد جاء في الحديث الشريف «وإذا بليتم بالمعاصي فاستتروا». 
*31*ولعل هذا الإجتهاد يتنزل في خانة التسهيل على أمة الإسلام الذي جاء به الرسول الأكرم والتفريق بين ما هو من الحياة العامة التي يتوجب فيها احترام حساسية الآخر، وما هو من الحياة الخاصة التي لا حد لحرية المسلم فيها. ومن الطرائف في هذا الباب التي جاءت بها كتب الأدب أن الخليفة المنصور تحيّل في إنقاذ صديق له سكّير من حد الخمرة بأن أمر صاحب شرطة المدينة بإقامة الحد المقرر شرعا على هذا السكير إن جاء به أحد، مع أمره في الوقت نفسه يجلد ذلك الواشي بضعف حد السكير لأجل الوشاية التي تبقى من التعدي على الحرية الشخصية. ولعله من المفيد التذكير هنا أن المنصور عُرف بتوسعه في الفقه وسعة علمه في مسائل الدين.    
*32*نجد أنماطا من هذا النوع الخاص من اللواط العذري عند الصوفية في ما رواه الشيخ أبا محمد القاريء في مصارع العشاق. ولنا عن الحب واالواط عند الصوفية حديث في ما يلي، وخاصة بالفقرة السادسة والأخيرة.
*33*تروي كتب الأدب والتاريخ أن أصله يعود إلى زواج الخليفة العباسي المنصور من بربرية تونسية من القيروان اشترطت عليه ذلك.
*34*وقد فعل ذلك قبله في ميدان اللواط الجاحظ إذ خصص له رسالته في مفاخرة الجواري والغلمان. 
*35*الكبائر في الإسلام هي أساسا (دون ما زاده بعض الفقهاء) الإشراك بالله وقتل النفس والزنا.
*36*وقد روي ذلك عن بعض فقهاء الإباضية مثلا.
*37*يقول عن هذا ابن حجر الهيتمي في الزواجر : «وأجمعت الأمة على أن من فعل بمملوكه فعل قوم لوط من اللوطية المجرمين الفاسقين الملعونين فعليه لعنة الله ثم عليه لعنة الله ثم عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.»   فلا حكم ولا حد، حتى ولا اتفاق على أمر واحد، وإنما سباب لا يفيد إلا اشمئزاز من صاحبه لا يجعل من الفعل ذنبا.      
*38*تفسير ابن كثير   1 / 463.
*39*ويقول الزمخشري نفس الشيء في تفسير الكشاف : «{  وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ }  يريد الزاني والزانية {  فَأاذُوهُمَا }  فوبخوهما وذمّوهما وقولوا لهما: أما استحييتما، أما خفتما الله {  فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا }  وغيرا الحال {  فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا }  وٱقطعوا التوبيخ والمذمة، فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب، ويحتمل أن يكون خطاباً للشهود العاثرين على سرهما، ويراد بالإيذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إلى الإمام والحد، فإن تابا قبل الرفع إلى الإمام فأعرضوا عنهما ولا تتعرضوا لهما. وقيل: نزلت الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين. وقرىء: «واللذانّ» بتشديد النون. «واللذأنِّ»: بالهمزة وتشديد النون.» ونجد الشيء نفسه في أمهات التفسير (مثلا : الرازي في مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، البيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل،   الشوكاني في فتح القدير). أما تفسير الجلالين للسيوطي والمحلي، فنقرأ به : «{  وَٱللَّذَانَ }  بتخفيف النون وتشديدها {  يَأْتِيَٰنِهَا }  أي الفاحشة: الزنا أو اللواط {  مِّنكُمْ }  أي الرجال {  فَئَاذُوهُمَا }  بالسبّ والضرب بالنعال {  فَإِن تَابَا }  منها {  وَأَصْلَحَا }  العمل {  فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا }  ولا تؤذوهما {  إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً }  على من تاب {  رَّحِيماً }  به، وهذا منسوخ بالحدّ إن أريد بها الزنا، وكذا إن أريد بها اللواط عند الشافعي لكنّ المفعول به لا يرجم عنده - وإن كان محصناً - بل يُجلد ويُغرّب، وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير والأوّل قال أراد الزاني والزانية، ويردّه تبيينهما ب «من» المتصلة بضمير الرجال واشتراكهما في الأذى والتوبة والإعراض وهو مخصوص بالرجال لما تقدّم في النساء من الحبس » وليس بعيدا من ذلك ما جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. أما في تفاسير أهل السنة الصوفية للقرآن فنجد من يرى الآية خاصة باللواطة كما هو الحال عند الجيلاني في تفسيره أو من لا يتعرض بتاتا للآية (كابن عربي والتستري والسلمي) أو من يؤكد على ناحية العفو الإلاهي. فنقرأ مثلا في لطائف الإشارات للقشيري : «الأمر بفنون العقوبات لهم على فعل ذلك أبلغ شيءٍ في الردع والمنع منه بالرفع، لعلّ العبد يحذر ذلك فلا يستحق التعذيب الأعظم.» أما ابن عجيبة، فتأويله طريف جدا إذ يصرف العقاب للنفس، فيقول في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد : «ينبغي للعبد، إذا طَغَتْ عليه نفسُه، وأرادت ارتكاب الفواحش، أن يستشهد عليها الحفظة، الذين يحفظون عليه تلك المعاصي، فإن لم تستحِ، فليعاقبها بالحبس في سجن الجوع والخلوة والصمت، حتى تموت عن تلك الشهوات، أو يجعل الله لها طريقًا بالوصول إلى شيخ يُغيِّبه عنها، أو بوارد قوي من خوف مزعج أو شوق مقلق، فإن تابت وأصلحت، أعرض عنها واشتغل بذكر الله، ثم يغيب عما سواه. وبالله التوفيق.»
*40*يقول الزمخشري مثلا في تفسير الكشاف : «{  وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ }  يريد الزاني والزانية {  فَأاذُوهُمَا }  فوبخوهما وذمّوهما وقولوا لهما: أما استحييتما، أما خفتما الله {  فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا }  وغيرا الحال {  فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا }  وٱقطعوا التوبيخ والمذمة، فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب، ويحتمل أن يكون خطاباً للشهود العاثرين على سرهما، ويراد بالإيذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إلى الإمام والحد، فإن تابا قبل الرفع إلى الإمام فأعرضوا عنهما ولا تتعرضوا لهما. وقيل: نزلت الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين». وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفقهاء لم يرتضوا مثل هذا الحد لما فيه من تسامح فربطوا بين اللواط والزنا وجعلوا حد هذه الآية منسوخا بآية النور كما وقع في تفسير الجلالين فيما ذكرنا بالهامش السابق.
*41*وخذ لك كمثال آخر بداية الآية 33 من سورة الأنعام، إذ يرى البعض فيها تحريم الفاحشة عموماً ومنها اللواط : {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، فلا ينتبهون لترابط مثل هذه الفاحشة مع الإثم والبغي بغير الحق وقد جاءت بهما نهاية الآية، إضافة للشرك والقول على الله بما لا يعلمون.
*42*لعله من المفيد التذكير هنا بإجماع الفقهاء على أنَّ ثمة أحاديث نبوية غير مقطوع بصحتها، ولا غرابة في ذلك بما أنَّ الأحاديث المجمع على صحتها يبلغ عددها ستة آلاف على الأكثر بينما الأحاديث المدونة هي على الأقل ستمائة ألف.
*43*إلا أن ابن القيم الجوزية يضيف عن الرسول : «ولكن ثبت أنه قال :   [اقتلوا الفاعل والمفعول به ]، وحكم به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكتب به إلى خالد بعد مشاورة الصحابة، وكان علي أشدهم في ذلك. وأجمعت الصحابة على قتله ، وإن اختلفوا في كيفية القتل». وسنتحدث عن مدى صحة هذا الحديث في ما يلي.
*44*أورده السيوطي في «مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة».
*45*انظرمثلا   ما ورد بالكافي 5 / 543 (طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران) : وَ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) [أي الإمام جعفر بن محمد الصادق، سادس أئمة الشيعة الإمامية] أنهُ قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : « حُرْمَةُ الدُّبُرِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْفَرْجِ إِنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ أُمَّةً بِحُرْمَةِ الدُّبُرِ ، وَ لَمْ يُهْلِكْ أَحَداً بِحُرْمَةِ الْفَرْجِ.» والمصنف للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام.
*46*راجع مثلا الكافي 5 / 544 (نفس المرجع السابق) : وَ رَوى السَّكُونِيّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ [أي الإمام جعفر بن محمد الصادق، سادس أئمة الشيعة الإمامية] أنهُ قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام [أي علي بن أبي طالب] : « اللِّوَاطُ مَا دُونَ الدُّبُرِ، وَ الدُّبُرُ هُوَ الْكُفْرُ».
*47*ونحن نجد الحكم العام نفسه عند ابن الطلاع مثلا إذ قال في أحكامه : «لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه».
*48*سيقع التطرق للمسألة في الفرع ه الموالي من هذه الفقرة.
*49*وهي سور الأعراف، وهود، والحجر، والأنبياء ، والفرقان ، والشعراء ، والنمل ، والعنكبوت ، والصافات ، والقمر.
*50*أنظر ما قاله   ابن قيم الجوزية   في زاد المعاد المذكور سابقا وبالهامش 43.
*51*لنذكّر هنا أن عقوبة الزنا للمحصن ذكرًا أم أنثى هي الرجم حسب القرآن والجلد حسب السنة، مع اقتران الرجم بالإحصان دون الجلد. وما يجب معرفته هو أنه لا وجود للرجم في القرآن حيث وقع نسخه نصا؛ إلا أن الفقهاء يرون إبقاء الرجم بالمعنى لإجماع الصحابة. مع العلم أيضا أن بعض الخوارج لا يرون إلا حد الجلد فقط، منكرين مشروعية الرجم لنسخها، فلا يعتدّون بالسنة إذ لا يقبلون الأخبار إذا لم تكن في حد التواتر.
*52*ذكر في روضة المحبين لابن قيم الجوزية.
*53* أما في الآخرة، فيُعذَب مقترف الذنب في نار جهنم إذا لم يتُب من عمله. والعجيب أن يقبل هؤلاء بالتوبة في الآخرة ولا يرتضوها في الدنيا؛ أفلا يقتدي العبد بخالقه في الرحمة والمغفرة؟
*54*الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، فصل القول في اللواط. ويرد المصنف على ذلك بقوله أن اللواط فاحشة، والفاحشة هي الزنا (وقولهم : إنه لا ينطلق عليه اسم الزنا : فقد أطلق الله عليه اسم الفاحشة التي جعلها زنا). 
*55*الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن قيم الجوزية، الجزء الأول، ص 118، دار الكتب العلمية، بيروت. ورأي أبي حنيفة يتأتى من كونه يرى أن اللواط، وإنْ كان جريمة، فهي ليست من الزنى، لذلك فهو يرى أنه ليس في اللواط حدّ، بل فيه تعزير (راجع كتاب ابن عابدين ج3 ص 130 - سبيل السلام لابن حجر ج 4 ص 1887 - نيل الأوطار للشوكاني ج 7 ص ،7» 98، 99). مع العلم   أهل اللغة يفصلون بين اللواطة والزنى. بخصوص التعزير، أي التأديب، أنظر لاحقا الهامش عدد 61.   
*56*أنظر مثلا ج 4 من ص43 الى ص45، ت263 / الطبعة الثانية، دار هجر 1992. وقارن ذلك بما جاء في بدائع الفوائد لابن القيم : «( وقال ابن عقيل في فصوله : فإن كان الوطء في الدبر في حق أجنبية وجب الحد الذي أوجبناه في اللواط، وعلى هذا فحده القتل بكل حال، وإن كان في مملوكه -أي عبده - فذهب بعض أصحابنا أنه يعتق عليه وأجراه مجرى المثلة الظاهرة، وهو قول بعض السلف (ج 4 ص 908، طبعة مكتبة نزار الباز، مكة 1416 هجرية)». 
*57*أنظر، كمثال على ذلك ، النووي نقلا عن الشافعي : «لم يصح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تحريمه ولا تحليلة شيء والقياس أنه حلال» _ و ابن حجر في فتح الباري : « وذهبت جماعة من أئمة الحديث كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيشابوري إلى إنه لا يثبت فيه شيء (يعني التحريم)» _ وابن قدامة الحنبلي في المغني : «لا يحل وطئ الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم   منهم... ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك» _ وابن حزم في المحلى: «وأما في النساء ففيه اختلاف، اختلف فيه عن ابن عمر وعن نافع... (وبسنده عن ابن قاسم) قال: قال لي مالك : فأشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال: لا بأس به ورواه أيضاً النسائي في سننه الكبرى » _ وابن القيم الجوزية في ما ذكرنا من بدائع الفوائد في الهامش السابق.
*58*قيل أن الصحابة أجمعوا على قتل الفاعل والمفعول به ولكن اختلفوا في كيفية القتل. يقول الإمام النووي في فتاواه في عقوبة من يعمل عمل قوم لوط : عقوبة اللواط هي القتل سواء للفاعل أو المفعول به، بشرط أن يكونا راضيين بذلك، فإن كان أحدهما مكرها فلا تقام عليه هذه العقوبة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ويشترط كذلك أن يكونا مكلفين أي بالغين عاقلين لقوله عليه الصلاة والسلام : رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، والصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق. والحديث السابق يبين أن البكر والمحصن يستويان في ذلك الحكم. 
*59* و لا فرق بين أن يكون كلاً منهما مُحْصَناً أو غير مُحْصَن (أي متزوجا أم لا)، أو مسلماً أو غير مسلم .
*60*عند الشيعة، وحسب الشيخ محمد جواد مُغنية في كتابه : فقه الامام جعفر الصادق، يكون ذلك كما يلي «: 1. اقرار الفاعل أو المفعول أربع مرات بشرط أن يكون عاقلاً بالغاً مختاراً، كما هي الحال في الزنا - 2. شهادة أربعة رجال عدول، و لا تقبل شهادة النساء اطلاقاً، لا منضمات ولا منفردات ، و إذا انتفت البينة والاقرار فلا يمين على من أنكر - .3. عِلْمُ الحاكم، فانه يقيم الحدَّ على الفاعل والمفعول إذا قبضهما بالجُرم المشهود، تماماً كما هي في الزاني والزانية.» مع العلم أن الشيعة، كما جاء في كتاب الجواهر والمسالك تعتبر «علم الحاكم أقوى من البينة».
*61*ولعل ذلك وراء ما يبدو من التسامح النسبي في التاريخ الإسلامي من طرف القضاة والفقهاء مع ظاهرة السحاق. مع التذكير، بالنسبة للزنى، أن استمتاع الرجل بالمرأة فيما دون الفرج لا يوجب الحدّ المقرر لعقوبة الزنا ولا يقتضى، على أقصى تقدير، إلا التعزير أي التأديب في ما لم تشرع فيها الحدود مما يعتبر من الذنوب. مع الملاحظة أن الأصل في التعزير أنه لا يبلغ به القتل؛ إلا أن بعض الفقهاء ذهب إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة.   
*62*وقد ذكرنا سابقا كيف سجّل التاريخ أن الخليفة عمر لم يقم حد شرب الخمرة لما كان من الشاكي من اطلاع على خلوة الشاربين. والحادثة مذكورة بإطناب، مع ما شاكلها، في كتب الفقه علاوة على كتب الأدب، فهي أشهر من علم على رأسه نار. 
*63*ومن ذلك الحادثة التي تُروى عن المغيرة بن شعبة الذي اتُهم بالزنا أمام الخليفة عمر إلا أن من اتهمه لم يقدر على الإتيان بدليل وقوع الولوج رغم ثبوت اختلاء المغيرة بإمرأة، مما أنقذه من الحد وتنفيذ حد القذف في متهميه. فليعد من لا يعرف هذه الحادثة ومثيلاتها إلى أمهات تراثنا العربي. 
*64*يقول تعالى في سورة النور (24)، الآية 30 : ﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾. فغض النظر عن فعل الغير في مستوى حفظ الفرج. 
*65*وكتب التاريخ والفقه تزخر بالأمثلة. ولنكتفي هنا بذكر ما وقع في«نواضر الأيك في فوائد النيك» (نعم، هكذا هو العنوان!) للحافظ جلال الدين السيوطي : «قال ابن عقيل الحنبلي: جرت مسألة بين أبي علي بن الوليد المعتزلي وبين أبي يوسف القزويني في إباحة جماع الولدان في الجنّة، فقال ابن الوليد: لا يمتنع أن يجعل ذلك من جملة اللذات في الجنة لزوال المفسدة» (تحقيق طلعت عبد القوى، دار الكتاب العربى، دمشق) .
*66*مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثالثة 1992، ويمكن الاطلاع عليه على الأنترنت. ومن المفيد الإشارة إلى أن الكتاب بعد مصادرة أولية في 1984 وقع الإفراج عنه وحظي على الترخيص في النشر سنة 1985 بعد قرار في صالحه صادر عن لجنة خاصة لمجمع البحوث الإسلامية بمصر بأن ليس فيه أي تعارض مع الدين الإسلامي لا نصا ولا تأويلا.    
*67*أوردت مجلة حريتي المصرية بتاريخ 19 أفريل 1992 ص 24 و25 مقالا عن الشيخ جلال كشك وقع فيه أن غلمان الجنة المقرطين والمسورين للمتعة؛ فالمسلم لن يتمتع فقط بالحوريات بل أيضا بالغلمان؛ وجمالهم الأخاذ ورقتهم ونعومتهم تكون مصدرا لشهوتهم؛ ولا إثم على الرجل في مضاجعتهم في دار الخلود.
*68*كما رأينا آنفا، ومنهم القاضي يحي بن أكثم الذي ينسب إليه ما يلي : « لقد أكرم الله أهل الجنّة بأن طاف عليهم الولدان، ففضّلهم في الخدمة على الجواري، فما الذي يخرجني عاجلا عن هذه الكرامة المخصوص بها أهل الزلفى لديه؟» 
*69*وهو من الشيعة الزيدية.
*70*وهو من تفاسير الشيعة الإثني عشرية.
*71*يقول البيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل   وهو من أمهات التفاسير : «{  غِلْمَانٌ لَّهُمْ }  أي مماليك مخصوصون بهم.»؛ ويقول أبو حيان في البحر المحيط   وهو من تفاسير أهل السنة: «{  غلمان لهم }: أي مماليك». أما في تفاسير الصوفية، فنقرأ لإسماعيل حقي في روح البيان في تفسير القرآن : «{  غلمان لهم }  جمع غلام وهو الطار الشارب، أى مماليك مخصوصون بهم»؛ والعبارة نفسها مع إضافات عند ابن عجيبة في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد.
*72*يقول الألوسي في روح المعاني في تفسير سورة الطور : «{  وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ }  أي بالكأس {  غِلْمَانٌ لَّهُمْ }  أي مماليك مختصون بهم كما يؤذن به اللام، ولم يقل غلمانهم بالإضافة لئلا يتوهم أنهم الذين كانوا يخدمونهم في الدنيا فيشفق كل من خدم أحداً في الدنيا أن يكون خادماً له في الجنة فيحزن بكونه لا يزال تابعاً، وقيل: أولادهم الذين سبقوهم، فالاختصاص بالولادة لا بالملك، وفيه أن التعبير عنهم بالغلمان غير مناسب وكذا نسبة الخدمة إلى الأولاد لا تناسب مقام الامتنان». ويوافق ذلك مع بعض الإضافة الشيخ اين عاشور في التحرير والتنوير عند تفسيره نفس الآية : « والغلمان: جمع غلام، وحقيقته من كان في سنّ يقارب البلوغ أو يبلغه، ويطلق على الخادم لأنهم كانوا أكثر ما يتخذون خَدمهم من الصغار لعدم الكلفة في حركاتهم وعدم استثقال تكليفهم، وأكثر ما يكونون من العبيد ومثله إطلاق الوليدة على الأمة الفتية كأنها قريبة عهد بولادة أمها. فمعنى قوله: {  غلمان لهم }: خدمة لهم. وعبر عنهم بالتنكير وتعليق لام الملك بضمير {  الذين آمنوا }  دون الإِضافة التي هي على تقدير اللام لما في الإِضافة من معنى تعريف المضاف بالانتساب إلى المضاف إليه عند السامع من قَبل. وليس هؤلاء الغلمان بمملوكين للمؤمنين ولكنهم مخلوقون لخدمتهم خلقهم الله لأجلهم في الجنة».   
*73*ويقول ابن عربي في تفسير سورة الواقعة : « {  يطوف عليهم ولدان مخلّدون }  : تخدمهم قواهم الروحانية الدائمة بدولة ذواتهم أو الأحداث المستعدّون من أهل الإرادة المتصلون بهم بفرط الإرادة».
*74*وللمزيد حول هذا الموضوع، يمكن مراجعة مقالتي ناصر بن رجب على موقع الأوان الألكتروني بتاريخ   الاحد 3 أيار (مايو) 2009 بعنوان : «من هم الولدان المخلدون في القرآن؟» ، وعلى موقع إيلاف في 28 شباط 2008 تحت عنوان : «اللّواط من سقراط إلى فوكو، ومن ذو القرنين إلى بومبيدو».
*75*ولعله من المفيد التذكير هنا أن الفكرة العلمية التي شاعت منذ أعمال سيغموند فرويد أن اللواط هو من الأمراض النفسية، إذ اعتبر هذا العالم المثلية أو المماثلة «توقّفا في النموّ الجنسي»، لم تعد من المسلمات العلمية، بل هي مرفوضة تماما اليوم. مع العلم أنّ المنظمة العالمية للصحة لم تقرّر حذف المماثلة أو المثلية من لائحتها في الأمراض النفسية إلا مؤخرا (سنة 1990).
*76*يؤكد مثلا جواد علي ما يلي : «والشذوذ الجنسي معروف عند الجاهليين أيضا كما هو عند جميع الأمم منذ القدم، وليس من المعقول استثناء الجاهليين من ذلك، بدليل ورود النهي عنه والتحذير منه في القرآن الكريم والحديث. ومن الشذوذ الجنسي، الشذوذ   المعروف، وهو ذهاب الرجل مع الرجل ومزاولته عمل الجنس معه، أو اتصال المرأة بالمرأة اتصالا جنسيا، أو اتيان الرجل المرأة من دبر، كما كان الحال عند أهل مكة» المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء الخامس من الطبعة التي ساعدت جامعة بغداد على نشرها، ص 142). ويذهب تركي علي الربيعو إلى القول أن بعض الدراسات ترجّح انتشار هذه الظاهرة بين الأرستقراطية القريشية المترفة كما هو الحال في مثيلاتها من المجتمعات (العنف والمقدس والجنس في الميثولوجيا الإسلامية، طبعة المركز الثقافي العربي،1995، ص 119).وقد عُرف باللراط ابوجهل إذ قيل أنه مأبون (أنظر لاحقا، حول هذه المفردة،   الفقرة الخامسة : في تصحيح المفردة) ولكنه كان يلقم دبره حجراً ويقول : واللات والعزى لايركبك رجل، كما جاء في اللسان، مادة : أبن.
*77*في ما يخص الإسلام، يقول الشيخ كشك في كتابه المذكور آنفا : «وكان المخنثون موجودين ومعروفين في الجاهلية، واستمروا لفترة علي زمن رسول الله في المدينة وكانوا يدخلون على النساء ويقومون بدور الخاطبة .. ثم اختفى حديثهم صدر الإسلام ليظهروا في ظل الدولة الإسلامية الأولي في شكل الفنانين أو المغنيين كما هو الحال الآن في الغرب. فأوّل مغن هو طويس كان مخنثا يحلي يديه ويلبس ملاءة مصقوله ويضرب بالدف.» ويكفي العودة إلى الأغاني لاكتشاف العديد من الأخبار الطريفة في هذا الموضوع في العصور الإسلامية المختلفة كما في الجاهلية. 
*78*وأنا أسمي هدا الحداثة السابقة لأوانها الحداثة التراجعية   Rétromodernité 
*79*راجع في الموضوع مقال جون ثروب بترجمة : لواء يازجي: «بناء المثلية الجنسية اجتماعياً» على موقع أوان (من أجل ثقافة عقلانية علمانية تنويرية)   السبت 3 تشرين الأول (أكتوبر)   ) 2009.
*80*ويكفي في هذا الصدد أن نعود إلى دراسات ميشال فوكو في كيفية تحولت المثلية الجنسية في هذه المجتمعات من ظاهرة عادية إلى مرض بفعل الدين خاصة.
*81*أنظر مثلا : لسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، وكشاف اصطلاحات الفنون والعلوم للتهانوي.
*82*راجع مثلا ابن منظور في اللسان، مادة : أبن. 
*83*ويقال السحق أيضا. وهو الاتصال الجنسي بين أنثيين كما اللواط الاتصال الجنسي بين ذكرين. أما لغويا، فهو دَلْكُ فَرْجُ امرأةٍ بفرج أخرى.
*84*الزِّنى، وتكتب ممدودة ومقصورة، هو وَطءُ الأُنثى بإيلاج الذكر في الفرج. أما فقها، فهو إيلاج البالغ العاقل، عالماً مختاراً، ذَكَرَهُ قدر الحشفة في فرج الأُنثى المُحَرَّمة من غير عقد ولا ملك ولا شُبهة. وأصل الزنا لغة هو الضيق.
*85*وهو عبثُ الإنسان بأعضائه التناسلية للاستمتاع. 
*86*ومنها الأمثال وهي أرضون متشابهة ذات جبال قرب البصرة. راجع القاموس المحيط.
*87*حفريات المعرفة، ترجمة سالم يافوت، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثالثة، ص15.
*88*ولا شك أن العودة للقرآن ولديوان العرب وهو الشعر، يمكننا من اجتناب الاغتراب الذي نعيشه اليوم وفحش الكلمات والتعابير المستهجنة. فخذ على ذلك مثلا كلمة مفخخة التي شاعت كترجمة حرفية للكلمة الفرنسية Piégé-e وكان الأحرى استعمال كلمة عربية قحة هي : ملغم أو ملغمة؛ بله الكلمات الغربية التي تُستعمل دون ترجمة كهذه : SMS   وكان الأحرى استنباط كلمة عربية مثل رُسَيْلة مثلا للتعبير عنها بكل فصاحة ورونق.    
*89*السورة 80.
*90*سورة النساء، الآية 34. 
*91*كما بيّن ذلك عبد الله بن وهب المصري في تفسيره، وهو من أقدم التفاسير التي وصلتنا مع تفسير مقاتل بن سليمان الذي يورد نفس الحكاية.
*92*أسباب النزول، المركز الثقافي العربي، الموسسة العربية للتحديث الفكري، بيروت 2005، ص 241.
*93*ومن أعلامها الجنيد الذي هو مرجع من مراجع الإسلام السني ببلادنا كما ذكّر به اين عاشر.
*94*راجع مقالة عبد الصمد الديالم بعنوان : «الاجتهاد أمام المثلية الجنسية» على موقع الأوان بتاريخ الاربعاء 30 أيلول (سبتمبر)
 2009.
*95*ومما عيب عليهم أيضا دعوى بعضهم أن «التكليف خاصّ بالعوامّ ساقط عن الخواصّ».
*96*وهناك من الأولياء من لم يتردد عن التشبه بالنساء، كالولي المغربي علي بن حمدوش. 
*97*Coup du peuple
*98*من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث. النشأة المستأنفة، دار الساقي، بيروت - لندن 2010.

 أُنجز المقال في نطاق سلسلة تنشر بعنوان : في تجديد العروة الوثقى صدر منها عند أفريقيا الشرق : حقيقة الردة في الإسلام

*نظرا لطول المقالة وأهميتها، يمكن تنزيلها هنا   

نشرت المقالة وترجمت إلى الفرنسية عند الناشر
 أفريقيا الشرق - الدار البيضاء، المغرب
ويمكن اقتناء الترجمة على النت :