إنها اليوم ساعة الحقيقة لديننا، فإما أن يتطور بما هو أهل له، إذ الإسلام أساسا ثورة عقلية على كل ما يتحجر حتما إذا لم تحترم سنة الحياة في التغير المستدام والتطور اللانهائي، أو أنه يذهب جفاء كما هو الحال بشرق غوى، تاركا الزبد، ذاهبا جفاء بداعش.
فتعاليم الإسلام السمحة اليوم مقاصده السنية، وهي في روحانيات كانت الصوفية من الأوائل، بعد أهل الصفة، في الأخذ بها والسير على منهاجها، فكان السالك، وكان الإسلام الحق !
ثم عن للساسة من خلفا بني العباس غلق باب الاجتهاد، فإذ بصرح الحضارة الإسلامية ينهار، وإذا بالإسرائيليات تتغلغل فيه فتمحمو ما فيه من ثورية، إذ هي الطاغية على الفقه الحالي.
إصلاح الفقه الإسلامي بالاجتهاد مجددا :
هذا الفقه كان أساسا نتاج اجتهاد يُذكر فيُشكر لحملة علم آغلبهم من غير العرب، وهم الموالي، أي من كان مشبعا بالعادات اليهودية والمسيحية المنتشرة في ذلك الوقت بالجزيرة العربية والتي جاء الإسلام مصححا لها.
ففي حين تطور الغرب اليهردي المسيحي نابذا كل ما في عاداته القديمة من نزعة غير ديمقراطية، ها نحن نراها عند المسلمين، متزمتين كانوا أو معتدلين، يعدونها من الإسلام وهي ليست منه.
ولنذكر بالبعض منها على سبيل المثال لا الحصر، كتلك القوانين المتعلقة بتجريم الردة واللواط أو الاعتداء على الحريات الخصوصية وحرية التصرف الشخصي، بل الرأى الطليق.
ومنها أيضا المفهوم السائد للجهاد الذي ليس هو في الإسلام إلا الجهاد الأكبر في حين يجعل منه أهل التزمت تلك الحرب المقدسة التي عرفتها اليهودية الأولى ومسيحية الحروب الصليبية، وليست هي في شيء من الإسلام الأصيل.
هانحن إذن نقاسي من حرب بين العرب أنفسهم والمسلمين باسم الإسلام، فهي أيام جديدة من أيام العرب، بل هي من أشنعها، بما فيها حرب داحس والغبراء، تلك الحروب الطويلة التي كان سببها تافها ونتائجها جد وخيمة.
فالعالم كله، وليس فقط العالم العربي الإسلامي، أمام حرب ضروس تقام باسم الإسلام بينما هي في الحقيقة نتاج ما فيه من إسرائيليات، كل تلك التعاليم الدخيلة على روح ديننا السمحة وتقديسه للذات البشرية بحريتها في عدم التسليم لأحد إلا لله الواحد الأحد.
فالعلاقة في ديننا بين العبد وربه مباشرة، وليس لغير الله دون خلقه هداية عباده وعقابهم أو الصفح عنهم دون أي خليفة له على الأرض لا يكون عندها إلا دعيا. ذلك لأنه لا خليفة لله بعد الرسول الأكرم الذي بلغ رسالته ولم يكن له الحق في الهيمنة على عباد الله وعياله بصريح القرآن؛ فكيف يكون ذلك لبشر بعد كما نراه بداعش اليوم؟
إبطال القوانين المخلة بالإسلام الديمقراطي :
إن بلاد الإسلام اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، فهي بين مطرقة التزمت الداعشي وسندان القوانين التي تحكمها سفاهة باسم الدين وليس منه، وهي غبراء الإسرائيليات. ولنذكر هنا أن الغبراء في العربية هي الأرض، وهي النعت للسنة المجدبة؛ كما يطلق تعبير بنو الغبراء على الفقراء المدقعين.
فدين الإسلام أصبح في تعاليمه المعادية للمنظومة العالمية لحقوق الإنسان كالأرض الجدباء بالنسبة لروحه الأصلية، والأرضية الخصبة لكل ما ناقضها وأضر بها فمسخها. وأهل الإسلام الآخدين بهذه التعاليم الغريبة عنه يعدونها جزافا منه من بني الغبراء، فقراء محاويج للإسلام الصحيح.
فإما أن نجابه داعش ويبدأ ذلك برفع كل ما خالف الإسلام في قوانيننا وإعادة الاعتبار لروحه الديمقراطية ورفعه من شأن البشر. وهذا لا يكون إلا بالإعتراف بحريته التام في التصرف في أموره الشخصية، بما في ذلك عقيدته التي لا تعني أحدا غيره وربه.
إما ذلك، وإما أن تهلك مع الغواة الداعشييين. لذا، علي عقلاء الإسلام وفقهائه الدعوة دون تأخير لإصلاح جذري للمنطومة القضائية ببلداننا مع فتح باب الاجتهاد فيها من جديد. فقد حثت عليه ملتنا إلى حد الإثابة على الخطأ ما دام عن حسن نية ورغبة في الخير للإسلام.
على عقلاء الإسلام التذكير أنه لا كنيسة ولا كهنوت في دين محمد، فلا واسطة فيه بين الله وعبده ولا مرجعية إلا للقرآن الكريم وسنة الرسول الصحيحة كما اتفق عليه الشيخان. وعليهم الإهابة بكل المشرعين في بلاد العرب والإسلام بإبطال كل ما بطل في منظوماتهم القانونية، مثل المواضيع التي ذكرت أعلاه.
هكذا، وهكذا فقط، يمكن للإسلام الدوام شامخا بين العقائد، متأصلا في العقول والقلوب، لأنه دين الفطرة، خاتم الأديان كلها، تتناسب تعاليمه مع أي زمان وأي مكان. وذلك لأن فهمها يتطور حسب مقتضيات حياة البشر على ضوء مقاصد الشريعة التي لب لبابها خير البشرية، كل البشرية في تنوعها وتعدد مشاربها.
إنه لمقدر للإسلام، حسب المأثور، التطور على رأس كل مائة سنة؛ وها نحن نستفتح قرنا جديدا، فليكن قرن النهضة الإسلامية ! ولتبدأ بربوع مغربنا الكبير الذي كان دوما سباقا للإبداع بأهل تصوفه والمستنيرين من فقهائه وعلى رأسهم الشيخ الأكبر ابن عربي والعلامة ابن رشد الذي غذى نبوغ فكره النهضة الغربية.
نشرت على موقع أخبر.كم