رسالة للقضاء المغربي في قضية المثليين لحسن ومحسن : لا تطبقوا الفصل 489 غير الإسلامي !
ينظر القضاء المغربي في السادس عشر من هذا الشهر في قضية لحسن ومحسن الذان اتهما بالمثلية لأجل قبلة لعلهما لم يأتياها.
وإنها لفرصة سانحة له، ونحن على عتبات شهر رمضان المعظم لاستغلالها لقول كلمته في نص القانون الذي يعرض عليه بمقتضاه الشابان، أي الفصل 489 من القانون الجنائي الذي ثبتت مخالفته الصريحة للإسلام.
فهلا يبين القضاة ذلك في حكمهم فيطلقوا سراح بريئين؟
القضاء مستقل في المغرب
ذلك لأن القضاء في المملكة يريد العدالة، وهي في الإسلام عدم ظلم الأبرياء حتى وإن ظلمهم نص قانون لم يتشجع أهل السياسة على إبطاله بعد.
ثم لأن القضاء في الإسلام إنشائي لا يتورع عن مخالفة نص قانون وضعي إذا ثبت أنه مخالف للأس الديني الذي يستلهم منه أحكامه. وهو الحال هنا.
فأحكام الدين، أي مباديء العدالة والقسطاس، هي التي يأتمر بها النظام الشرعي للمملكة، أي تلك التعاليم العامة في الشريعة التي تُعنى بالجانب المدني للملة. فهي تبقى المرجع الأساسي إذا جاءت الأحكام المستوحاة منها خاطئة بعد أن محصها العقل البشري خلال تعامله معها، فأصبحت منافية لما يأمر به الإسلام في لب لبابه من التزام إحكام العقل واعتماد التوجه الكوني لرسالته بالأخذ بكل ما صلح وأعطى فائدة ثابتة في مجتمعات سبقتنا في طور الديمقراطية الذي لا نهاية لتغيره وتطورره.
الفصل 489 مخالف للإسلام
وهذا حال الفصل 489 من القانون الجنائي الذي كان نتاج فكر معين أكل الدهر عليه وشرب ولم يعد صالحا لا للمجتمع ولا محترما لملته.
فقد بينا أن دين الإسلام، وهو خاتم الأديان السماوية بلا منازع، لا يتنافي في أساسه، كما جاء به الرسول الأكرم، مع ما ثبتت صلوحيته في المجتمعات المتقدمة بخصوص المثلية؛ بل وكان ديننا سباقا بلا أدنى شك إلى الدعوة إلى ما تم إعتماده في هذه المجتمعات لاحقا مع التفصيل الضرورري والتدقيق المناسب، من مباديء أساسية كاحترام الفطرة البشرية وضرورة تعدد المشارب والأهواء وتنوعها والأخد بالغيرية.
ونحن إن لم نجد هذا في قانوننا الوضعي، فهذا لأن المسلمين لم يأخذوا دائما بدينهم ولم يطبقوا تعاليمه كما يجب، بل وظفوها لأغراض السياسة. لذلك تأخر العالم العربي والإسلامي عن ركب الحضارة على جميع المستويات، خصوصا الإجتماعية منها، بينما استفاد الغرب مما توصل إليه وعمل به فلاسفتنا وفقهاؤنا وقضاتنا في فترة ما، كما كان ذلك الشأن مع ابن سينا وابن خلدون وابن رشد مثلا.
بهذه الصفة انتقل نور العلم لأوربا فأنارها بعد أن كانت في ليلة ليلاء من الجهالة، وهجر بلادنا وقد تنكرت له بأن سدّت منابعه طامسة علمية الإسلام وكونيته. والأدهى أن كان ذلك باسم الدين؛ كما هو الحال بالنسبة لردع المثلية.
فأما المثلية مخالفة للدين، ويجب قتل المثلي كما يفعل البعض؛ أم هي غير مخالفة للدين، وهذا الصحيح، ويجب عندها إخلاء سبيل الأبرياء وعدم ظلمهم.
نماذج من استقلال القضاء في الإسلام
لقد رأينا في فترات عدة من تاريخ الإسلام، هذا الذي غدا كالحا مظلما وقد فُقدت فيه روح الدين بعد أن أُفرغ من مقاصد الشريعة فغدا أفرغ من فؤاد أم موسى، رأينا ما شاء الله من الأمثلة لقضاة شرّفوا مهنتهم بأن دافعوا عن استقلالية قضائهم مما ألزمهم تحدّي الحاكم ورفض نزعته الديكتاتورية.
ومما يجب التذكير به هنا أن من هؤلاء من عرّض لا حريته فحسب، بل وأيضا حياته، إلى تسلط السلطة وتعنتها فنكلت به لمجرد أخذه بتعاليم دينه بعدم رضوخه لرغبتها في التحكم في حرية القاضي مبتغية، ككل نظام سياسي لا أخلاق له، التصرف في ضميره، متجاهلة وجوب بقاء القضاء في ديننا مستقلا ابتداء عن السلطة السياسية، لأنه لا قضاء مستقل إلا أن يكون إنشائيا، تماما كما أراده الإسلام.
ولم يسلم حتى الفقهاء من ذلك، ونحن نعلم أن القضاة كانوا من الفقهاء أولا وقبل كل شيء. ولعله من المفيد هنا أن نذكر أيضا وبالمناسبة، لمن يقدح في قيمة المرأة وقدرها في ديننا، أنها كانت ممن تعهد القضاء كما تعهدت الفتيا؛ وقد نبغ في الفتيا نساء مشهورات، على رأسهن السيدة عائشة.
لذا، من الضروري، والإسلام يتعرض لهجمة شرسة على حرية المؤمن فيه في حياته الخصوصية ممن يقرأ الإسلام قراءة ظلامية، أن نقول أن أشهر مثال يمكن اليوم التذكير به لمن دفع الثمن غاليا لأجل الدفاع عن استقلالية القاضي في عدم تطبيق قانون جائر مخالف للدين كالفصل 489، هو مثال منظر التيار السلفي الأول الفقيه آبن حنبل الذي سجنته دولة بني العباس لعدم قبوله الاذعان لأمرها في القول بخلق القرآن. وقد كان الشأن نفسه مع الشيخ ابن تيمية، وهو المنظر الثاني للسلفية، وقد وافته المنية في سجن الدولة الأيوبية.
خلاصة القول إن القضاء في عهد الخلفاء الراشدين كان مستقلا محترم الجانب. وفي العصر الأموي، كما يقول حسن إبراهيم حسن : «لم يكن متأثرا بالسياسة، إذ كان القضاة مستقلين في أحكامهم لا يتأثرون بميول الدولة الحاكمة، وكانوا مطلقي التصرف وكلمتهم نافذة حتى على الولاة وعمال الخراج.»*
فهل يكون القضاء اليوم بالمغرب أقل استقلالية من الأمس وقد ثبت فساد الفصل الجائر من القانون الجنائي؟ وهل يسجن بتطبيقة وباسم الإسلام الحب؟ فمتى كان دين القيمة يظلم الأبرياء بسجن المحبين؟
نعم، لقد تعرضت هذه الاستقلالية لهجمات الساسة وأرباب الحكم في العصر العباسي كما يقول حسن إبراهيم حسن : «وقد عمد بعض الخلفاء العباسيين الى حمل القضاة على السير وفق رغباتهم ليكسبوا أعمالهم صيغة شرعية ، حتى امتنع الكثير من الفقهاء عن تولي القضاء خشية أن يحملهم الخليفة على الإفتاء بما يخالف الشريعة الإسلامية. لذلك نرى أبا حنيفة النعمان يعتذر عن تولي هذا المنصب في عهد أبي جعفر المنصور» .
فهلا يحي قضاة المغرب ذكرى السلف الصالح بتقمص أفضل ما فضلوا فيه، أي الجرأة على الدفاع عن دين الإسلام عندما يشوهه أهل الدنيا والسياسة؟
ليرفض القضاء المغربي تطبيق الفصل 489 !
وبعد، إنه لمن المثير حقا لديننا، وقد طمست داعش أنواره، أن تتبجح النخبة السياسية بالمغرب بتمسكها بروح الدين وبكونها الممثل الوفي له، وبتعلقها بتعاليم، فترفض إبطال فصل ثبتت عدم صلوحيته إجتماعيا وفساده دينيا.
إنها في ذلك لا ترى إلا مصالحها الآنية لتواجدها في الحكم فتسحتلي سدته وما توفرها لها من نفوذ وتنسى أنها لن تعمر بالحكم وأن واجبها الأقدس، على الأقل من زواية مباديء حزبها الإسلامية، هو العمل لأجل صالح البلاد ومصالح الشعب. وهي أساسا في عدم ظلم الأبرياء وإشاعة العدل.
فليذكّر القضاء هؤلاء الساسة بذلك مع التدليل في نفس الوقت على استقلاله، لأنه القضاء قي الإسلام لا يرضخ لأي حكم سياسي في أهذه بالدين الصحيح.
إن الله لا يبدّل ما بقوم حتى يبدّلوا ما بأنفسهم، وأنفس البعض منا مريضة اليوم أكثر من عقولهم، فليحرصوا على تزكيتها بالعودة إلى منابع ديننا الحقة! وليكن القضاء الساهر على هذا مع تبيان أنه سلطة تامة الصلاحيات، مستقلة، ساهرة على القسطاس، راعية له في مجتمع المغرب كما أراده الله، لا لأمته فحسب، بل للبشرية جمعاء!
وهذا يقتضي اليوم أن يقول القضاء المغربي قولته في عدم صلوحية الفصل 489 من الزواية الدينية، رافضا العمل به حتى لا يسيء للإسلام، المرجع الأوحد في هذا الميدان.
المرجعان :
* د. حسن إبراهيم حسن : في تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، الجزء الأول، دار الجيل، بيروت ومكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1996، ص 397 .
** د. حسن إبراهيم حسن : في تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، الجزء الثاني، دار الجيل، بيروت ومكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1996 ، ص 239 .
نشرت على موقع أخبر.كم