ما يعني تعلق المغاربة بالمواقع الإباحية؟
الجنس هو الحياة :
تقول التطلعات والإحصائيات الأخيرة أن التبعية كبيرة عند المغاربة للمواقع الخليعة؛ وليس هذا بالمستغرب ولا بالمستهجن لأسباب عدة. فأي عيب في عدم عزوف البشر عن الجنس، وهو الحيوان، أي الحياة، إذ ليس بدونه إلا الممات؟
إن التطلع للجنس وممارسته مما لا يمنعه الدين؛ ذلك لأن الإسلام لا يحرض على التنسك، بل يمنع الترهب وكل ما شاكله، أي ذلك العزوف عما يميز الطبيعة ويحفظ بقاء الحياة فيها بتعاطي الجنس وممارسته الممارسة التي تقتضيها طبيعة ابن آدم.
كل ما في الأمر، وهو ما يسبب الخلط عند العديد من المسلمين اليوم في دينهم، هو أن أخلاقنا الإسلامية لا تدين إلا الإسراف في تعاطي الجنس؛ ولا شك أن المبالغة مستهجنة ومرفوضة في كل شي، لا في الجنس وحده.
اللذة الافتراضية :
حسب ما ورد من معلومات عن أهم موقع بحث في العالم، أي قوقل، حول المصدر الجغرافي للبحوث عند الإبحار على الأنترنت، نتبين أن المغرب هو من بين عشرة بلدان، ثمانية منها إسلامية، تتمركز في الصفوف الأولى؛ وهي، إضافة للمملكة المغربية، الباكستان ومصر وإيران والعربية السعودية والعراق.
تقول هذه المعلومات أن المبحر القادم من هذه البلاد، ومن المغرب بالأخص، يخصص ثماني دقائق من الوقت على الأقل لمعاينة الصور والأفلام الإباحية.
هذا، وقد بينت دراسات أخرى أن المغاربة، شأنهم في ذلك شأن العديد من سائر مواطني الدول الأخرى، العربية الإسلامية خاصة، تزور بكثافة مواقع الإباحة الجنسية بحثا عن اللذة الافتراضية.
الفهم السيء للدين :
أمام مثل هذه المعلومات التي لا تأتي في الحقيقة بأي شيء جديد مما نعلمه حق العلم، نجد العديد من نخبنا تسارع بالتنديد بانحطاط الأخلاق وضياع الدين. وهذا من الخبال الصرف، إذ ما ذكرنا ليس إلا تلك النتيجة الحتمية للتزمت الذي يميز مجتمعاتنا الإسلامية باسم االدين رغم أن مثل هذا التزمت ليس من الإسلام في شيء.
فالإسلام يرفض التزمت، مقرّا كل ما في الطبيعة من تواميس، لا يعترض أبدا على السليقة البشرية وما فيها من جبلة. لذا، جاء بالرفض التام لكل تنسك؛ بل إنه يتفهم ما في العصيان البشري لتعاليمه في بعض الأحيان من قهر للعزيمة الإنسانية؛ ذلك لأن في النوازع البشرية وغرائزها ما يصعب كبح جماحه على البعض إلا بتكبد معاناة شديدة وطويلة لينجح الإنسان في ردع نفسه عما يسيء لها؛ ولا غرو أنها هي الإساءة لدينها.
لذا، نصح الإسلام بالتستر عند العصيان عندما يغلب على عزيمة المؤمن الصادقة؛ ثم إنه أكد على أن الله بغفر كل الذنوب، أيا كانت، ما دامت لا تشرك بالله. فأي ذنب في الإسلام، ما عدا الإشراك بالله، لحقيق برحمة الله وغفرانه، وهو الرحمان الرحيم.
الإثم والذنب في الإسلام :
هذا ما يميز ديننا الحنيف عما سبقه من الأديان التي لا ترى ما يراه من احترام للفطرة البشرية، تلك التي لا يمكن تصورها عقلانيا بدون نفس أمارة بالسوء.
تلك الديانات تخلط الذنب بالإثم جاعلة منهما الشيء الواحد؛ فالذنب والإثم يترادفان في اليهودية والمسيحية. ففيهما، وليس في الإسلام، ما اعتدناه من الخطأ الأخلاقي الذي بإمكان الإنسان عدم ارتكابه؛ لذا، فما يحكمان بأنه يتوجب على ابن آدم عدم ارتكاب ما قدراه إثما وإلا استحق العقاب فيحق عليه الحد الصارم ولا مرد له.
هذا المفهوم للذنب ليس إسلاميا بتاتا رغم تواجده اليوم في ديننا وفي قوانيننا الاجتماعية؛ فهو مما رسب في الدين الإسلامي من إسرائيليات.
إن الإسلام يميز بين الذنب والإثم كما كان يفعل الإغريق القدامى. فالإثم الوحيد الذي لا غفران له هو الإشراك بالله، بما أن الإسلام دين التوحيد. أما ما عدا ذلك من الأخطاء البشرية، فمن شأن صاحب الخطأ حيازة غفران الله وعفوه إذا صدقت نيته في التوبة والتكفير عن ذنبه، لأن الإسلام دين النية الصافية.
فلا ذنب في الإسلام لا غفران له إذا أراد الله ذلك في حكمته التي لا تطالها العقول البشيرة؛ أي، بعبارة أخرى، لا إثم في دين الحنيفية يستحق بدون أي شك العقوبة، سواء كانت إلهية أو بشرية باسم الدين، إلا إثم رفض التوحيد والإشراك بالله العلي الجليل.
أما سائر الذنوب، فليست من الإثم بالمعنى المتعارف عليه في الديانتين المسيحية واليهودية، أي الذنب الذي لا مغفرة حيث أن الإنسان بمقدوره تجاوزه ومنع نفسه من الوقوع فيه. فمفهوم الذنب في الإسلام بمعنى الإثم هو الإشراك بالله، إذ ليس هناك ما يمنع البشر من التوحيد والإقرار بعبوديته لخلاقه. هذا هو الإثم في دين التوحيد، الدين الحنيف، دين القيمة.
لذا، يبقى ما عدا ذلك، أي سائر الذنوب، في الطبيعة البشرية، بما أن الله خلق الإنسان ضعيفا؛ فقدره أن يزكّي نفسه في الحياة الدنيا ليستحق الآخرة.
الذنب هو الفيروس، مصله الجهاد الأكبر :
مثل الذنب في الإسلام كمثل الحمة، أي هذا الفيروس الذي لا مجال للطبيعة البشرية تفاديه في بعض الحالات إلا بمصل الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس. أما عند وقوع البشر في الذنب، فليس ذلك ضرورة لسوء أخلاق في المذنب؛ هل نقول ذلك في النزلة، وهل نعيب من يمرض بالزكام عوض مساعدته على الشفاء منه؟
إن سائر الذنوب في الإسلام، بخلاف الإشراك بالله، بمثابة ما ينتجه أي فيروس من حالة مرضية؛ وبما أنه بإمكان أي مؤمن الوقوع فيها، عليه الكفارة مثلا للتعافي منها والتوبة الصدوق. طبعا، يبقى الترياق الأفضل والعلاج الشافي جهاد النفس، أي الجهاد الأكبر .
إذا فهمنا هذا، نفهم عظمة دين الإسلام وشدة خطأ الآخذين به اليوم الذين يتزمتون في فهم تعاليمه السمحة فيخبطون خبط عشواء، صارفين ما جاءت به الإسرائيليات، وقد نبذها أهلها، على تعاليم ديننا السمحة، ماسخينها وكأنهم للإسلام ألد الأعداء!
الإسلام الشعبي يرفض التزمت :
هكذا نقرأ بحصافة إذن ما يعني عزوف الناس في حياتهم اليومية عن الفهم المتزمت للدين عند أهل الإسلام الرسمي، الإسلام في تجلياته عند أهل الرسوم، لأنه خاطيء، بينما الفهم الشعبي هو الأضمن في صحته. ولا عجب في هذا نظرا لتشبع جموع شعوبنا العربية، وخاصة بمغربنا الكبير، بأفضل ما جاء به الإسلام من روحانيات كما أخذت بها صوفية الحقائق التي هي حقيقة السلفية الصحيحة لا سلفية الأكاذيب.
فسلفية أيامنا كاذبة على الإسلام، مارقة عنه مروق السهم عن الرمية، لا ترى نور الإسلام ومعالمه الوضاءة، لا تأخذ إلا بما رسب فيه من إسرائيليات جراء التراكمات التي شجعها غلق باب الاجتهاد في العهد العباسي حالما بلغت حضارة الإسلام أوجها.
إن المواطن المغربي اليوم في تعلقه بالمواقع الإباحية لا يناقض تعاليم دينه ضرورة، بل هو يعيش حياته على فطرتها؛ فهو إن بالغ في التبعية لأمور الجنس، ليس إلا لانعدام حقه في الأخذ بها في سائر حياته نظرا للقوانين التعسفية التي تمنعه من العيش حسب فطرته كما يريده له دينه.
ضرورة إبطال قوانينيا المسيئة للإسلام :
هذه القوانين، التي تدّعي الإسلام وهي ليست منه، لجد خرقاء، تبتغي خدمة الأخلاق الحميدة بينما هي تعمل على نشر كل ما ينفيها بزرع بذور الكبت والحرمان في النفوس.
لقد كان لها الحظ أن تفرض نفسها رغم شناعتها في ما مضى من الزمن؛ وقد ساعدها على ذلك غلبة تسلط الحكام الذين استغلوا للدين لخدمة شوكتهم؛ فكان مسخ الدين لهم سهلا هينا.
إلا أن الزمان اليوم تغيّر تماما بما أنه أظلنا هذا الوقت الذي لا مجال فيه لقمع الحريات الفردية ولا حظ للأخلاق أن تتسربل طويلا بالنفاق الطاغي على فهمنا للعلاقات البشرية في مجتمعاتنا. ذلك لأن هذا يؤدي إلى الويلات وأشد المهاوي فيفرض حتما تصحيح الرؤيا في أسرع الأوقات.
لقد آن الوقت إذن في بلداننا العربية الإسلامية لفهم ما يجري بها على مستوى القاعدة الشعبية من تحرر إلى حد الإسراف والعمل على رفع كل ما تحجر من قوانينا فمسخ تعاليم الإسلام حتى لا ننحدر جميعا إلى الهاوية التي يؤدي إليها كل إسراف لا محيد عنه عند بلوغ التعسف حده.
تحرير العبد هو التقديس الصحيح لله !
الضرورة اليوم لهي قصوى لتحيين تشريعاتنا ونبذ كل ما يعادي فيها طبيعة البشرية وحقوقها المشروعة التي جاء الإسلام مقويا لها، رافعا إياها أي رفعة. ففي ذلك التقديس الحقيقي لله؛ إذ ليس التسليم الصحيح للخالق إلا إذا تأتى من عبد تام الحرية في تصرفاته، يعرف لذلك حقوق الله عليه، فيعمل بكل مسؤولية على رعايتها لأنه العبد الحر المسؤول.
ولاغرابة في هذا بما أن الإسلام دين الحرية والاستقامة في تصريف الفطرة البشرية؛ وهذا طبعا لا يتأتي بالمنع والتحجير، وهو ما لم يعد ينفع، إن نفع، إلا مع القصّر، بينما عصرنا أمسى عصر بلوغ الشعوب إذ أن ما بعد الحداثة هي زمن الجماهير بلا منازع.
فلنعد لديننا الصحيح وفيه من المفاهيم ما يجعله يتناغم مع تطلعات شعوبنا للمزيد من الحرية والإبداع حتى لا يمهد الطريق للإسلام الداعشي المقوض لصرح دين الرحمة، خير قراءة للحنيفية الإبراهيمية، ملة للبشرية جمعاء!
نشرت على موقع أخبر.كم