كيف للإسلام التنصل من الإرهاب ؟
كانت للعمليات الإرهابية الأخيرة ببيروت وتونس وفرنسا، وخاصة بهذه البلاد الأخيرة، الوقع الأكبر على المسلمين إذ زادت في ما يعانية ديننا من نظرة ازدراء لا تنعدم فيها مسؤولية الفقهاء والساسة المسلمين.
لذا، رأينا بالمغرب الملك محمد السادس يدعو الخطباء والأئمة بالمساجد إلى شرح حقيقة الجهاد للمغاربة، كما طلع علينا المجلس العلمي الأعلى المغربي بأوروبا بفتواه في الموضوع.
حقيقة الجهاد والشهادة :
سبق أن بينا في مقالات عدة حقيقة الجهاد في الإسلام، فقلنا مثلا أن الشهادة ليست إلا الخبر اليقين، لذلك تقتضي الحياة لا الموت؛ لأن الخبر القاطع يتطلب ما من شأنه الإتيان حيا به لدحض الباطل.* كما قلنا أنه لا جهاد في الإسلام اليوم إلا الأكبر، أي جهاد النفس.**
هذا أقل ما يمكن فعله في هذه الظروف، وهو من باب أضعف الإيمان في زمن أصبح الدين مطية لكل من هب ودب ممن عاداه، سواء ممن يريد له الشر أو من يعتقد المنافحة عنه وهو يشينه ويمسخ تعاليمه السمحة.
لذا، لا فائدة من الكلام الفضفاض وترديد الشعارات إذ هي لا محالة جوفاء إن لم تعتمد على إجراءات جريئة. لعل منها ما يكون فيه بعضا من التعنيف لفكرنا المتحجر وعاداتنا البالية؛ إلا أن ذلك هو الذي يقتضيه التعنت في التشبث بالباطل؛ فهم من هذا الوجع الذي لا بد منه في العلاج الفعال وقد اقتضته الحالة الصحية الخطيرة؛ فهل من أمل لاستعادة السلامة والصحة دون ألم ومعاناة؟
فلا يكفي اليوم أن يقول المجلس الأوربي للعلماء المغاربة أن الجهاد ليس الإرهاب والعدوان وترويع الآمنين وإزهاق الأرواح البريئة، أي كل ما هو محرم تحريما قطعيا في الإسلام.
من المنطقي والمفروض إذن أن يبين السبب في هذ الحكم وإلا ذهب كلامه سدى، وهو ما قلناه أعلاه، أي أن الجهاد الأصغر كما يفهمه المسلمون اليوم قد انتهى وولى زمنه تماما انتهت فترة الهجرة، فلم يبق اليوم ؤلا الجهاد الأكبر، أي جهاد النفس. وهذا يقتضي الحياة للمعاناة وللإتيان بالمثل الرسني والخبر القاطع على أن الإسلام سلام؛ فتلك هي الشهادة الصحيحة.
لا جهاد اليوم إلا الأكبر :
إن فتوى المجلس ترى للجهاد الشرعي أنواعا، فلا تكتفي بالنوع السابق الذكر، بل تصنف فتضيف ما ليس إلا نوعا منها، فتقول بجهاد الفكر والقلم. ثم هي تضيف ما تسميه جهاد المال، وهدا ملا لا نقبل به، وإن حصرته نظريا في أبواب الخير والإسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ذلك أنه من المعلوم اليوم أن الإرهاب لا وجود له دون ما تضخه فيه بعض الأنظمة الإسلامية من أموال. فهل هذا من جهاد المال؟ نعم، إنه يتعدى شرط الخير والإسهام في التنمية. ولكن من يدلل على ذلك وكيف؟
والأدهى أن المجلس لا يدفع بتاتا إمكانية وجود جهاد بالسلاح حتى وإن ضيق من حالة اللجوء إليه فجعلها الضرورة القصوى عند الاعتداء وفشل كل الوسائل السلمية. ورغم أنه وصف هذه الحالة بالكي الذي هو آخر الدواء، فليست هي من الجهاد، إذ لا تعدو أن تكون من باب الدفاع الشرعي عن النفس؛ ولا ضير من ذلك، بل هو من المنطقي المفروض في كل القوانين البشرية.
لذا، سحب صفة الجهاد على هذه الحالة، بل والقول بإمكانية استعمال السلاح باسم الدين، ليس إلا إضعافا فاحشا لموقف المجلس، ما من شأنه هدم ما حاول بناءه في بداية الفتوى، فإذا بلا معنى، متهافتة متهاوية.
وقف استعمال القوة على الدولة :
فكيف يمكن القول من ناحية أنه في الإسلام جهاد يتوجب على المسلم ثم الاعتراف بوجوده للحاكم الذي له إمكانية الأمر به؟ فهذا ما نراه من أنظمة لا تتورع في مساندة الإرهاب؛ أليس الإرهاب سراب دون مثل هذا الدعم ؟ وما هي الأنظمة في نهاية الأمر ؟ أليست هي مجموعة من المسلمين يرون الجهاد فرضا إسلاميا يتوجب الأخذ به والحث عليه؟
لقد كان حري بعلماء المجلس الإقرار بانتفاء الجهاد تماما اليوم لإخراج الدين من عنق الزجاجة الحالي، ثم التذكير بأن استعمال العنف هو من أخص خصوصيات الدولة بما في ذلك القضايا التي اعتدنا زج الدين فيها وليست هي مما يهم المسلم، بل من قضايا الدول ومصالحها الخصوصية لا غير.
إن المجلس في فتواه ليتصرف وكأن الإسلام لا يزال في بدايته وطفولته، أي فترة الدعوة والانتشار، بينما هو اليوم في فترة الكهولة المحنكة بعد أن أقام دولته واستقر خاصة بالقلوب.
لذلك لا يمكن حاليا إلا القول أن استعمال القوة لا الجهاد هو من اختصاص الدولة وحدها لا من حق المؤمن بتاتا؛ بذلك يقع دعم مقولة الفتوى في الإسلام لم يبح للفرد أو الجماعة اقتحام الجهاد من تلقاء أنفسهم؛ وإلا تهاوى استدلال الفتوى من تلقاء نفسه.
ذلك لأن الإسلام يقر بالعلاقة المباشرة بين العبد وخالقه،فإما أن نحصرها في أمور العقيدة فلا نعترف بالجهاد إلا الخاص النفس، وإلا دعمنا قول المتزمت الذي يناهض باسم الدين والرابطة المباشرة بين العبد وخالقه كل حاكم يراه ظالما طاغوتا، فلا يعتد بكلامه.
ضرورة تحيين قوانينيا غير الإسلامية :
لقد حان الوقت لعلماء المسلمين نبذ كل ما تآكل من منطق شرعي لاستعمال أدلة غير متهافتة؛ منها خاصة ما يقتضي المناداة بتحيين القوانين الوطنية التي تدعي الأخذ بالدين بينما ليس فيها منه نقيرا.
مثال ذلك ضرورة طرح عدم المساواة في الميراث بين الجنسين وتحريم المثلية والعلاقات الجنسية خارج الزواج وشرب الخمر؛ فكل هذا مما هو إلى اليوم من المحرمات باسم الدين جراء قراءة خاطئة للإسلام بتأثير من الإسرائيليات الراسبة فيه.
ورغم أن العادات اليهودية المسيحية وقع طرحها في بلدانها لأخذها بالديمقراطية، هي ذي باقية على حالها ببلاد الإسلام، طامسة تعاليمه السمحة، جاعلة منه الدين الظلامي الذي نراه اليوم لا تلك الملة الحنيفية التي كانت تنويرية في قرون الغرب الوسطى المظلمة.
فالمساواة في الإرث مما تدعو إليه مقاصد الشريعة التي أعلت من شأن المرأة جاعلة لها نصيبا في الإرث في زمن ذكوري لم يكن لها فيه أي شيء. فكيف لا نسوي بينها والرجل اليوم وهي أحيانا أعلى منه شأنا في مجتمعنا في العديد من الأمور؟
أما الادعاء المتهافت القائل بوجود نص في الموضوع قطعي الدلالة، فلا يكون صائبا إلا إذا طبقناه في أمور أخرى هي بنفس القطعية بل وأكثر. كقطع اليد أو التنكيل بالمحارب أو قبول العبودية.
قطعا، إن من يأخذ بمثل هذا التهافت ليتعاطي الإرهاب الذهني الذي لا فرق بينه وبين الإرهاب الآخر، بل لهو أدهى وأمر لأنه يغذيه بتسهيل غسل أدمغة الشباب الذين لا يفهمون من دينهم إلا اللمم.
أما المثلية أو اللواط، فلا حكم في القرآن فيها، بل القصص فقط من باب التذكير بالحكم الصريح في الغرض بالتوراة؛ ولم يصح أي شيء عن الرسول الأكرم، فلا البخاري ولا مسلم يوردان أي حديث في صحيحهما؛ فهل يعقل هذا في ما عُد أفحش الفواحش؟
وأما العلاقة خارج الزواج، جاءت للحفاظ على النسل زمن انعدام الوسائل لذلك، وهي متوفرة اليوم؛ رغم هذا، لم يحرم الإسلام تماما العلاقة الجنسية خارج الزواج بما أنه قبل زواج المتعة، فما الفرق بينه وبين العلاقة الزوجية العادية؟
كذلك الشأن بالنسبة للصوم، إذ ليس الهدف منه الكف عن الأكل والتظاهر بذلك، ولا مراءاة في الإسلام، إنما هو الكف عن كل ما فيه إساءة للغير والشعور بوطأة الجوع تعاطفا مع الفقراء، لأن الله في غنى عن صوم عباده.
لذاك رأيناه لا يمنع الإفطار علنا في حالات عدة عدا السفر، مع توفير الوسيلة الشرعية لذلك، ألا وهي الكفارة، كإطعام الجائع؛ وقد رأينا البعض من أجلة الفقهاء لا يتورعون عن الإفطار علنا إطعامل للمسكين.
فكيف نحرمه قانونا اليوم؟ ومن أدرانا، لعل الإفطار العلي يتم لعلة شرعية أو لخير الفقراء المعوزين، فمتى للحاكم الحكم بالظنة والتدخل في ضمائر الناس أو منع الإحسان؟
هذا غيض من فيض ما علينا العمل به في زمننا الراهن الذي اختلطت فيه الأمور حتى نتصدى للإرهاب بل ونتنصل منه، بدءا بطرح ما في أدمغتنا وقوانينيا من إرهاب فكري نخلص به أهل الإسلام من اللخبطة القيمية التي يعانون منها.
* أنظر مثلا بالعربية:
وبالفرنسية :
** راجع مثلا حول الجهاد :
نشرت على موقع أخبر.كم