بيان حقيقة صفة الرسول واختلافها عن الكاريكاتور المزعوم
لقد قامت الدنيا ولما تقعد بعد على إثر نشر ما سُمي بكاريكاتور الرسول. فهل ما جاء من صورة ساخرة تمثل حقا رسول الإسلام؟
قطعا لا، لأنها مجرد رسوم في شكل مبتذل لما يعرف في المخيال الغربي بصورة العربي بصفة عامة، لا صورة سيد الآنام.
الصورة الهزلية كالشعر الهجائي
نحن نعلم أن الرسم الساخر له قواعده المعروفة؛ منها أنه يحترم الحقيقة في تصويرها مع المبالغة في إظهار العيوب، ولربما الشطط في ذلك، حسب نوعية فن الكاريكاتور وهدف الصورة الهزلية.
فهو في ذلك مثل الهجاء عند العرب الذي من شأنه أن يكون مقذعا. ولا شك أن الرسوم التي اعتبرت مُسيئة للإسلام في حق الرسول الأكرم هي، في أفضل الحالات، من نوع ذلك الفن في التشويه المغالى فيه لأن غايته في بيان العيوب ليست إلا الهزأة أو تبليغ رسالة معيّنة ذات طابع نقدي أو انتقادي.
إلا أن ما رأيناه من الصور الهزلية الأخيرة فاعتبر خطأ كاريكاتورا للرسول ليس إلا مجرد رسم ساخر لهيأة رجل منمذج، قدّمه الرسام على أنه يمثل نموذج العربي، وبالتالي هيأة الرسول الكريم.
لنتعرف إذن على صفة الرسول الأكرم ثم لنعاين ما جاء في الصور الساخرة الأخيرة أو حتى التي سبقتها لنتبين حقيقية شبهها أم لا برسل الإسلام. فسنرى إن تجرأنا على النظر إليها، وليس في ديننا عدم الجرأة في الحق، أنها ليس فيها بتاتا أي شبه بين ما أتى به كاريكاتور المجلات الساخرة من بهتان أو دعابة وما ثبت من صورة الرسول العربي كما جاءت بها بعض الآثار الموثوق بصحتها.
الصفة الحقيقية للرسول الأكرم
يقول الإمام الذهبي : «كان علي رضي الله عنه إذا نعت رسول الله (صلعم) قال : لم يكن بالطويل الممغط ولا القصير المتردد، كان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط، كان جعدا رجِلا، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في وجهه تدوير، أبيض مشربا حمرة، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتف ـ أو قال الكتد - أجرد ذا مسربة، ششن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة.
وقال أبو عبيد في الغريب في شرح كلام على بن أبي طالب : قوله : ليس بالطويل الممغط : ليس بالبائن الطول. ولا القصير المتردد : يعني الذي تردد خلقه بعضه على بعض، فهو مجتمع. ليس بسبط الخلق : ليس هو كذلك ولكنه ربعة.
والمطهم : قال الأصمعي : التام كل شيء منه على جدته، فهو بارع الجمال. وقال غيره : المكلثم : المدور الوجه؛ يقول : ليس هو كذلك ولكنه مسنون. والدعج : شدة سواد العينين. والجليل المشاش : العظيم رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين. والكند : الكاهل وما يليه من الجسد. وشثن الكفين : يعني أنهما إلى الغلظ. والصبب : الانحدار. والقطط : مثل شعر الحبشة. والأزهر : الذي يخالط بياضه شيء من الحمرة. والأمهق : الشديد البياض. وعبل الذراعين : يعني عريضهما. والمسربة: الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة
وقال الأصمعي : التقلع : المشي بسرعة.»
هذا ما نقرأ ببعض الاختصار والتصرف في في سير أعلام النبلاء من باب جامع من صفاته. وزيادة في الإيضاح، لنقرأ ما وقع في أسد الغابة لابن الأثير:
«كان رسول الله فخما مفخما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجِل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدرّه الغضب أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، مفلج الإسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفار الفضة، معتد الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجَرد، موصول ما بين السرة واللبة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف» .
ولنختم بما يؤكد كل ما سبق قول الإمام ابن الجوزى في صفوة الصفوة :
« عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك ينعت رسول الله (صلعم) فقال : كان ربعة من القوم، ليس بالقصير ولا بالطويل البائن، أزهر، ليس بالآدم ولا الأبيض الأمهق، رجِل الشعر، ليس بالسبط ولا الجعد القطط؛ بُعث على رأس أربعين، أقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، وتوفي على رأس ستين، ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. أخرجاه في الصحيحين».
حرية الصورة في الإسلام
هذه صفة الرسول كما تبيّنها بعض المصادر الإسلامية الصحيحة؛ وكما نتبين ذلك جليا، لا وجود لأية علاقة بين صفة الرسول الحقيقة وما قُدّم من الكاريكاتور الأخير على أنه صورته الهزلية، إذ هي مجرد رسيمة لا تمت بتاتا للحقيقة.
لذا، من البلاهة تصديق دعوى من قال بأنها تمثل النبي الجليل، وبالتالي الوقوع في شراكه وخدمة أغراض من يريد استفزاز المسلم والإسلام بأي صفة كانت. فحري على المسلم الحقيقي غض النظر كما يحث عليه ديننا وتجاهل عمل الغوغاء حتى لا يأتي ما من شأنه الإساءة للدين الإسلامي السمح المتسامح.
وليعلم من جهل ذلك أن حرية الصورة مضمونة في الإسلام، إذ خلافا للمسيحية واليهودية، ليس فيه ما تسمّيه الإسرائيليات جريمة التجديف Blasphème؛ ذلك لأن المسلم حر الرأي والتعبير في دينه ما دام يوحد الله ويشهد بأن رسوله خاتم النبيين.
كما أنه، خلافا لما سرب في الإسلام من تلك الإسرائيليات، لا يوجد أي مانع قطعي وبصفة عامة للصورة في الإسلام الأول، إذ ما مُنعت فيه إلا الأصنام أو التماثيل التي من شأنها تعويض الأنصاب للتقديس لها لقرب العهد بالوثنية.
أما الصورة التي هي هذا الإبداع الفكري كما نعرفه اليوم، فهي من حريات المسلم المضمونة، وقد تعاطاها في ذلك الزمان العرب والمسلمون حسب قواعد عصرهم، أي في الشعر والخبر والخطابة. فأليس ما ذكرنا أعلاه أفضل وأبلغ من أي صورة فوتوغرافية مما عهدناه اليوم؟
هذا، ولا بدأن نشير في الختام إلى مدى ما بلغته الحرية الفكرية في عهود الإسلام الأولى، حتى أننا لا نجد في يومنا هذا مثل تلك الحرية في الكلام بطلاقة عن شؤون الدين كما فعل السلف الصالح.
فهل يمكن اليوم مثلا لأديب فقيه الكتابة في أمور العشق كتابا مثل طوق الحمامة، أو لآخر أن يقول ما يلي في كتاب العقد في باب السلام والإذن من كتاب الياقوتة في العلم والأدب : «ومر رجل بالنبي (صلعم) وهويبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام»؟
لا شك أنه حان الوقت لأن نفعل فعل الرسول الأكرم في هذه الحادثة، فلا نعبأ بما قُدّم من باب الإثارة كصورة هزلية له وليس هي كذلك. وليتمعن في سماحة ديننا من يدّعي الدفاع عن هنه وليتفطن إلى أي حد هو يسيء للإسلام دون أن يشعر فيخدم أغراض أعدائه في تشويه صورة الدين القيم !
نشرت على موقع أخبر.كم