رسالة مفتوحة إلى جلالة ملك المغرب، أمير المؤمنين :
لقد تنامت إلينا الأخبار من المغرب الشقيق أن محكمة سوق الاربعاء الغرب الابتدائية حكمت بالسجن لمدة ستة أشهر نافذة على خمسة شبان بتهمة التعاطي العمد للخمرة والافطار في رمضان.
ولا شك أن ذلك تم حسب مقتضى القانون المغربي الذي لا زال يجرّم تعاطي الخمرة والافطار في شهر الصوم. إلا أن هذا القانوم يُعد بعد لاغيا منذ دخول القانون المغربي الجديد حيز التنفيذ وهو يؤكد حرية المواطن الشخصية. فأين هي إذا مُنع المغربي من أبسطها، ألا وهي الأكل والشرب بكل حرية، وإن كان ذلك علنا في رمضان؟
نعم، يقول من ساءت نيته من المسلمين أن حرية زيد تقف عند حرية عمر؛ وهذا من الحق الذي يراد به الباطل، لأنهم لا يصرفون القول إلا في معنى أن الصائم ليس له أن بُفطر إلا خفية فلا تقع عين الصائم عليه. فإذا كان هذا حق الصائم، أين حق المفطر؟ أليس له أيضا الحق أن لا تقع عينه على من يصوم، فلا يفرض عليه صيامه؟
إننا في تأويلنا للحريات لنتصرف تصرف أهل التغطرس والتجبر الذين لا يراعون إلا حرياتهم لأنها دكترة محضة، ليس فيها لا عدل ولا إنصاف.
فالصوم شعيرة لا تلزم المؤمن إلا حيال ربه، ولا دخل للعباد فيها، فيصوم من أراد وعمل بدينه، ولا يصوم من لم يشأ لذلك أن الإسلام حرية خالصة، لا عبودية للعبد فيها لأخيه العبد، بل التسليم لله وحده. لذا، إذا أفطر من أفطر - ولعل ذلك لأسباب سمح بها الدين وفي نطاق أداء الكفارة التي طلبها ممن يفطر - فذنبه، إن كان له ذنب، لا يعنى إلا الله، بما أن علاقة المسلم به مباشرة. فمتى كانت لنا في الإسلام كنيسة أو قساوسة لفرض أمور الدين على المؤمنين؟
هذا في ما يخص الإفطار. أما ما يهم الخمر، فقد ثبت وذكرت بذلك أن الإسلام لا يحرم إلا السكر، خاصة عند القيام للصلاة، فلا تحريم لتعاطي الخمرة لمجرد تعاطيها، بل لما ينجر عنها من مخامرة للعقل وإفساد له. فإن انعدمت مثل هذه الآفات، ما كان للخمرة إلا منافع لم ينكرها الله.
هنا أيضا، من لم بحترم ما جاء به دينه، لا عتاب له ولا عقاب إلا عند الله، إذا كنا نؤمن بالإسلام الحق، لا بما رسب فيه من إسرائيليات مسخته بأن أدخلت أحكاما ليست فيه أتى بها حملة العلم الذين كان أغلبهم من غير العرب، كما لاحظ ذلك ابن خلدون. فكان الفقه الذي لا زلنا نأخذ به دون أن نعمل فكرنا وعقلنا فنجتهد كما اجتهد من سبقنا، والاجتهاد مما يفرضه الإسلام. فهذا الفقه كان صالحا لزمن ولم يعد يصلح في بعض جوانبه لهذا الزمن. لذا، علينا الاجتاد مجددا في تفقه ديننا والعمل على العودة حصريا لكتاب الله وسنة رسوله الصحيحة (لا المغلوطة وقد كثرت، وذلك بالاكتفاء بما اتفق عليه الشيخان). ونحن في ذلك لن نبتدع أي شي، إذ لا نتصرف إلا كما فعل وعمل أهل التصوف، آخدين بلب لباب الدين الحق، مشرفين الإسلام، رافعين بحق رايته كدين للبشرية جمعاء إذ هو خاتم الأديان.
جلالة الملك،
تقول الأخبار القادمة من المغرب أن القاضي كان يود الحكم بعقوبة أقسى لو سمح القانون بها. وهذه لقاصمة الظهر !
إن المسلمين ليُضطهدهون في مملكتكم، فلا نجد ممن واجبه إنصافهم إلا الجنوح إلى المزيد من الإجحاف في الاضطهاد. فأين العدل الذي نادى به الإسلام وأين الإنصاف ؟ لقد اختلط الحابل بالنابل في عقول المسلمين فلم يعد يفقهوا دينهم، جاعلين منه في العديد من مبادئه دين اليهود والنصارى!
إن السيل بلغ الزبى، يا جلالة الملك، ولات وقت تردد، فكلمة السواء التي نادى بها الإسلام الحق تقتضي أن تأذنوا بإيقاف العمل بكل القوانين الجائرة التي لا تخدم الإسلام بل تسيء له مثل الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي فهو مما يسم حكمكم الأغر بوصمة عار لا تسر إلا كل من عاداكم وعادى الإسلام.
فليكن شهر رمضان هذا بالمغرب الشقيق شهر إبطال كل ما فسد من قوانيننا التي ادعت الصبغة الإسلامية وهي لا تمت للإسلام بشيء بما أنها دخيلة على نص الإسلام وروحه.
كان الله في عونكم لرفع ما فرضه الجهل على أمة الإسلام فمنعها من أن تكون قدوة للآنام في الأخذ بالحريات واحترام الآخر، كل آخر، رغم أن ديننا كان سباقا إلى هذا قبل كل المنظومات القانونية الساهرة اليوم على حقوق الإنسان. فليكن المغرب تحت حكمكم العلم الذي على رأسه نار، تأتم كل أمة الإسلام به !