الرد على الشيخ المفتي السلامي في رده على الطالبي، أو هل نريد الإسلام داعشيا؟
في رد على رؤيا الأستاذ محمد الطالبي، كتب المفتي الأسبق الشيخ محمد المختار السلامي أن التونسسين وغيرهم ابتلوا في عصرنا هذا ببليتين : الأولى هي الاشتغال بالحديث في السياسة، والثانية اقتحام الأميين، ومنهم الجامعيين ذوي الاختصاصات غير الدينية.
كلام متهافت
إن كلام الشيخ المفتي متهافت، للأسف، لأن السياسة بمعناها الأصيل هي ما يهم الحياة الجماعية في تجلياتها اليومية؛ هذا من ناحية. ثم، من ناحية أخرى، ليس في ديننا أي فرق بين العامة والخاصة، بين العالم والجاهل للكلام في أمور حياته اليومية التي تخصه بالإساس.
فمن أين جاء هذا التخصص والتخصيص الغريب عن الإسلام، وفيه يبقى العالم الحق ذاك الجاهل طالب العلم، ولا يزال فيه صاحب العلم هذا الفقير إلى علم ربه ومعرفته التي لا حد لهما؟
ثم متى وصل الفكر البشري إلى النبوغ الكافي لفهم الحكمة الإلاهية؟ فهل يدّعي الشيخ أن له علم الله اللدني وما يسمح له بالحكم على أن الحقيقة هي ما يقوله هو، لا ما يقوله الأستاذ الطالبي؟ فلعل الأستاذ المؤرخ أصاب في اجتهاده وقد حسنت نيته لذلك!
إسلام الإسرائيليات
إن تهافت مقولة المفتي الأسبق للديار التونسية لهي من نتاج ما رسب في الدين الإسلامي من إسرائيليات مسخت سماحة ديننا وإناسته الثابتة، فإذا به اليوم داعشيا.
هل يريد شيخنا الموقر هذا لتونس؟ لقد عرفنا إسلامنا التونسي منذ القديم يأخذ بالعقل والقلب والذوق في نفس الوقت لأنه سار ويسير على نهج الجنيد السالك؛ فهل يريده الشيخ السلامي على شاكلة إسلام ابن عبد الوهاب الآخذ بالإسرائيليات لا بروح دين القيمة ومقاصده كما بينها الإمام الجليل الشاطبي؟
ولمن يشك في هذا أن يعود للتاريخ ليعرف حقيقة نشأة الدولة الوهابية وقد ذكّرت بها في مقالة بالفرنسية ! ثم ليتساءل عن حقيقة العلاقة الحميمة التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية بالعربية السعودية، وهي الحليف الأكبر لها. ونحن نعلم اليوم أن داعش مما أنتجه الدماغ الأمريكي ودعّمه المال السعودي والقطري.
إسلام داعشي
هل يشجع الشيخ السلامي دخول داعش إلى تونس؟ فهذا المسخ الفظيع للإسلام يدّعي الأخذ بالإسلام السني في نص لا اجتهاد فيه، فلا يقول مثلا بقيم الحب في الإسلام بينما هو أساسا رحموت.
بل إن داعش تذهب إلى أقصى ما يفرضه منطق الشيخ السلامي يتأكيده على الخوف ورهبة الله. فهو بذلك يجعل من ديننا أساسا ملة الرهبوت والنقموت. وليس هذا إلا ما نراه من داعش!
ذلك أيضا من الإسرائيليات لا من الإسلام، إذ العهد القديم للكتاب المقدس، أي دين اليهود، ليس فيه الرب مثل الله في الإسلام، رحمان رحيم.
لا كنيسة في الإسلام !
إن دين الإسلام يمتاز عن اليهودية والمسيحية بأنه لا يجعل أي واسطة بين الله وعبده، بما أن العلاقة مباشرة بينهما؛ فالمسلم، إذ يسلّم أمره كله لله، يفعل ذلك عن بيّنة وبكل حرية. فهو العبد الحر، لا خائف ولا مقهور.
بهذا يأتي التقديس الكلي الطليق لله العلي العظيم. وبهذا أيضا يتحرر العبد من كل عبودية أخرى لغير الله؛ فالمسلم حر في أعماله وتصرفاته لا يأتمر إلا بتعاليم الله كما جاء بها الفرقان والسنة الصحيحة، أي ما اتفق عليه الشيخان لا غير.
الأخذ بمقاصد الشريعة
ثم المسلم المؤمن حقا، في فهمه لدينه، لا يأخذ فقط بحرفه، بل وأيضا بروحه ومقاصد الشريعة التي أعطت للفقه الإسلامي في القرن الثامن رجله الثانة حيث كان، قبل الشاطبي، يقف على رجل واحدة مع الشافعي.
فليس المؤمن الحق، في فهمه لدينه، الذي هو دين ودنيا، عبادات ومعاملات، عبدا لأي فقيه. فالفقه في الإسلام مفتوح الباب على مصراعيه لكل من حسنت نيته، خاصة في الإيمان، الذي هو أعلى درجة من مجرد الإسلام.
ذلك لأن الإسلام الحق ليس مجرد شعائر، كما أضحى عليه الحال اليوم لما داخله من إسرائيليات، إنما هو أيضا ثقافة علمية عالمية.
ضرورة الاجتهاد في الإسلام
هذا دين القيمة لا ما ورثناه عن السلف الصالح الذي اجتهد في دينه لزمنه فصلح اجتهاده؛ وعلينا اليوم الاجتهاد في ديننا لزمننا، لا نأخذ إلا بالقرآن والسنة الصحيحة، ونغلب مقاصدها وباطنها على الحرف والظاهر من النص، لأن كلام الله أيضا في روح النص. وهذا من تثوير القرآن والسنة.
لذا، من المؤسف حقا أن يقول الشيخ المفتي السابق كلاما فيه بعض التكفير الضمني للأستاذ الطالبي وقد علم حسن نيته وعلم أيضا أن الله يثيب المجتهد حتى عند الخطأ.
فهلا اجتهد شيخنا مثل الطالبي في دينه فأخرجه من التحجر والظلامية جاعلا منه دين التخلف بعد أن كان دين الحضارة !
حضارة الإسلام هي الصوفية
كانت حضارة الإسلام حضارة قبل الحضار الغربية، وهذا ما أسميه بالحضارة التراجعية، لأنه جاء بثورة عقلية وروحانية لم يأخذ بها إلا أهل الصوفية، التي هي اليوم السلفية الحقة الوحيدة. ولقد مثّل التصوف الإسلام في أبرز محاسنه الروحانية والإنسانية، إذ الإسلام إحسان أو لا يكون.
من المتحتم إذن اليوم أن نعود للإسلام الحق، الإسلام الصوفي، صوفية الحقائق، بنبذ السلفية البشعة التي تتقمصها داعش، وذلك لنغلق قوس فترة الانحطاط ونجدد العهد في الإسلام مع الثقافية والحضارة.
إن الإسلام في قراءتنا الصحيحة لا يمنع شرب الخمر، بل السكر، ولا يمنع الارتداد عن الإسلام، لأن حرية العقيدة فيه مضمونة؛ كما ليس فيه أي تجن على المثليين، لأن المثلية فطرة في الإنسان، وهي من قضاء الله وقدره في البعض من عباده.
لقد دللت على كل هذا بالبراهين الشرعية والعقلية في كتب منشورة وفي مقالات على النت؛ فليعود إليها الشيخ إن أراد تصحيح رؤياه للإسلام وقراءته لتعاليمه حتى لا يكون غدا داعشيا.
الجهاد الأكبر
إننا إذ نقول ما نقول لا نتمنى أبدا للناشئة المروق عن دينها، بل إعادتها له إذ مرقت بعد عن ملتها الصحيحة بفعل من غرر بها وأظلها ممن يدعون الإمامة والرياسة في الدين بينما لا تهمهم إلا الدنيا.
هذ المروق عن الدين الصحيح هو ما نراه ممن يدعي الإسلام من داعش ومن الإرهابيين الذين يعملون على نقض الإسلام من أساسه.
إننا ندعو إلى أن يكون المسلم كما أراده الله، حاملا للأمانة، مؤمنا حقا، ليس في قلبه رهبة من ربه ولا في روعه مسكنة لعباده، إذ كله هذا التسليم المسؤول لله وحده الذي له الحق لا لغيره أن يعاقبه إن شاء عند الخطأ أو يجازيه بالصبر عليه حتى يزكّي نفسه بالجهاد الأكبر.
لقد ترك المسلمون دينهم، وعلى رأسهم البعض من أئمتهم وقد ظلوا، فمسخوه بفهم إسرائيلي، نابذين الجهاد الحق، وهو الوحيد اليوم، أي الجهاد الأكبر بعد انتهاء الجهاد الأصغر كما انتهت فترة الهجرة.
فهاهم يتعاطون جهادا انقضى، وقد كان بعد أضعف الإيمان. وهو اليوم غير الإسلام، أو هو الإسلام الإسرائيلي، إذ الحرب المقدسة ليست من ديننا الحنيف.
فهلا يشجع شيخنا السلامي الجهاد الأكبر، ومنه الاجتهاد بالفكر، ويتصدى لداعش وللدعدشة المتغلغلة في العقول، وهو الكفر الحقيقي بالله!
هدانا وهدى الله شيخنا إلى محجته، إنه التواب الغفور، الرحمان الرحيم، لا يقر دينه إلا بإثم وحيد هو الإشراك به، ويصفح إن أراد عن غير ذلك رغم أنف الفقهاء السلفيين ودعاتهم، كهنة وقساوسة الإسلام، وهو منهم براء !
نشرت على موقع أخبر.كم