رسالة إلى الملك محمد السادس : نصرةً للإسلام، الواجب الشرعي يقتضي إبطال تجريم المثلية
هذه رسالة إلى جلالة الملك محمد السادس أرفعها إليه على إثر ما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي في حادثة اقتحام مجموعة من المجرمين بمدينة بني ملال منزل أحد المواطنين المغاربة بدعوى المثلية.
جلالة الملك،
لقد تعدّدت الانتهاكات الصارخة للإسلام بالمملكة وأنت راعي الفهم الصحيح للدين القيّم بها؛ فإلى متى تدوم هذه الحال المزرية ؟
إن سببها لهي العزيمة المنعدمة لوضع الحد اللازم لمثل هذا المسخ الشنيع والتي تشجّع أهل الإجرام على دعدشة ديننا السمح المتسامح، إذ لا مناص من إبطال القوانين المحجفة الموروثة من عهد الاحتلال البغيض في هذا الحقل، مثل الفصل 489 جنائي المجرّم لفطرة بشرية في بعض الناس وعادية في الطبيعة.
إن آخر الفظاعة التي طالعتنا الأنباء بها لتزيدها فظاعة وقسوة ادعاءها التكلمّ باسم الإسلام وهو منها بريء. فقد رأى العالم أجمع، ويا هول ما رأى، حرمة الحياة الخصوصية تُنتهك بالمغرب من طرف مجرمين، أعداء الإسلام، يدّعون التشهير بالرذيلة وهم الرذيلة بعينها !
وليست هذه الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة ما دامت القوانين تجرّم المثلية عملا بما أدخلتها أخلاق المحتل الفرنسي ونصوصه الجزرية النابعة من فهم يهودي للأخلاق؛ لأن الإسلام ما حرّم المثلية كما بيّنته كتب عدّة في الموضوع، منها المنشور والمتداول بالمملكة وبعدة دول عربية إسلامية، لأنها لا تتجنى على الإسلام بل تقول فيه كلمة الحق؛ والحق يقال ولو على النفس!
حرمة الحياة الخصوصية في الإسلام :
إن احترام الحياة الشخصية من المباديء الأساسية في الإسلام، ولا استثناء فيها، خاصة باسم الأخلاق الحميدة؛ فأساس الأخلاق الحميدة هو عدم هتك الستر على الغير واحترام خلوته أيا كان فعله فيها، بما أن رقيبه الأفضل هو ضميره وسلطانه الأوحد هو الله لا غير.
لقد فهم السلف الصالح هذا فأكّد على ضرورة احترام الحياة الخصوصية للناس حتى وإن كان في ذلك إطلاق العنان للعصيان، إذ دين الإسلام هو اليسر وتزكية النفس على مهل وثبات. ثم، في هذا الدين الإناسي، لا عصيان مع الاستتار لما في هذا من بداية لعمل الضمير ووخزه ما دامت المجاهدة للنفس موجودة؛ وذلك لهو الجهاد الأكبر، مما ينتهي، بإرادة العبد وعون الله، بالتمكين من بلوغ الحد الكافي لتفعيل العمل الدؤوب لتزكية الأخلاق البشرية.
ألم يقم الخليفة الراشد عمر، وهو الفاروق، الحد لا على شارب الخمرة في بيته بل على من شهّر به فتسلل عليه ليكشف عورته؟ في نفس الصدد، روت كتب التاريخ العديد من الحكايات عن الخليفة العباسي الثاني المنصور الذي يُعد المؤسس الحقيقي للإمبراطورية العباسية؛ فهو، بالإضافة لباعه في السياسة، من الفقهاء المسلمين الذين كان الدين يعتد بهم في ذلك الحين إذ عُرف بفقه السياسي على استنباط الأحكام مع التقيّد ظاهريا بالنصوص وباطنيا بروحها.
ومن المأثور عنه أنه طلب من شرطته ببغداد تطبيق الحد المقرر من الشارع في الجلد لشارب الخمر، إلا أنه أمرهم أيضا كتتمة للحد الأول، أن يقيموا الحد مثنى على كل من يأتيهم بمعاقر للخمرة، وذلك لتعدّيهم على حريته الشخصية وتطلّعهم على حياته الخاصة. وكما يروي المؤرخون لم يتجرأ بعد ذلك اليوم أحد على انتهاك حرمة حرية السكير في تصرفاته الشخصية لهذا الاستنباط الحكيم للخليفة الفقيه.
فإذا كان اليوم من العسير بالمغرب إبطال تجريم القانون 489 جنائي وغيره من القوانين المشينة بالإسلام، هلا استنبطتم، يا جلالة الملك، كالخليفة المنصور ما من شأنه إقامة الحد الأقسى على كل من يفسد الإسلام وهو يدّعي جزافا الإصلاح ؟
ضرورة الكلام عن حلية المثلية في الإسلام :
تلك حقيقة الفقه في الإسلام حيث يتعين الإجتهاد دوما في تثوير القرآن ليبقى الدين قيّما مستداما، يرعى شؤون الناس خير رعاية، فلا تتحجر تعاليمه بدعوى التمسك باجتهاد صلح زمنا ثم انتفت فائدته لتغيّر الأحوال والظروف فيصبح الإفساد في الأرض. هذا واجب كل مسلم اليوم حسنت نيته بعد تعدد التسلط والتتبعات لأجل اللواط بالتسرّق على الحياة الخاصة من طرف من يدّعي الإسلام وهو يدوسه بقدميه فلا يحترم لا نصه ولا روحه. لذا لا مناص لجلالتكم، يا أمير المؤمنين، من إحياء سنة الرسول وخليفته الفاروق والخليفة العباسي المنصور الذي عاش في زمنه وأيد أفعاله أئمة من أجل العارفين بالدين : أبو حنيفة النعمان ومالك.
هذا، وقد سبق لي أن بيّنت بالأدلة الكافية والبراهين الشافية حقيقة اللواط في الإسلام، فقلت أنه ليس هناك من المنظور الإسلامي الصحيح ما يمكن اعتماده لتحريم هذا الجنس الشاذ في الإنسان ولكنه الطبيعي فيه، فطرة من الله. فالعلاقة الجنسية ما دامت في إطار الحياة الشخصية لا تهم إلا من يقوم بها سواء كان الطرفان من جنس واحد أم لا، لأن الدين لا يسمح للمسلمين بهتك ستر المؤمنين والتطلع على حياتهم الخاصة، حتى وإن كانت أفعالهم من العيوب. وقد نصح سيد الآنام بالتستر عند العصيان لعلمه بما في الطبيعة البشرية من نزعة للخطأ.
هذا من ناحية، ثم أيا كانت نوعية الخطأ المرتكب في دين القيمة، ما دام يذلك يتم داخل حدود الحياة الشخصية التي لها حرمتها في ديننا، فلا خطأ إلا أن يقوم صاحب الخطأ بالشهادة على رؤوس الملا بما فعل طلبا للقصاص من نفسه، وإلا فلا مجال للتطلع على حياته الشخصية وهتك سترها للتدليل على عصيانه.
فليس في القرآن في الغرض، إلا القصص، ولا حكم البتة، بينما الفقه في تمام الوضوح من وجوب الحكم لأي تحريم. والشأن نفسه في السنة، إذ لا حديث في الموضوع لا في البخاري ولا في مسلم، أي أصح الصحاح. أما ما يُذكر من سنن أحمد أو غيره فليس ذلك إلا من الأحاديث المنحولة على الرسول الأكرم في زمن كثرت فيه الإسرائيليات. فهل نُواصل الأخد بالإسرائيليات في دين الحنيفية؟
إن تجريم المثلية ليس إلا من استنباط الفقهاء، وكان معظمهم من الموالي وقد أخذوا بالإسرائيليات. فبما أنه لا حكم في القرآن، اعتمدوا على الزنى لتجريم ما لم يُجرّمه الله. لهذا، وكما الحال في الزنى، حرصوا على العدل بشروط، منها شهادة أربعة شهود عدول وضرورة دخول الذكر في الدبر ليمكن القول باللواط. فأين نحن من هذا في ما نرى ونسمع من غرائب ببلاد الإسلام؟
نعم، لقائل أن يقول أن من يتكلم عن المثلية ممن يدعي الدفاع عنها يتهجم في الحقيقة على الإسلام، إذ لا يتجرأ على القول بحلية الإسلام معتمدا في نضاله الحقوقي على منطق غربي ومتصرفا مع الإسلام وكأنه اليهوية أو المسيحية، بما أن الكتاب المقدس يحرّم اللواط، بينما لا تحريم ولا تجريم له في الإسلام. لعمري، هذه فعلا حال العديد من هؤلاء، إذ هم بذلك يتجنّون على الإسلام في عدم الاعتراف بما فيه من ثورية عقلية؛ فهم في هذا لشركاء دون أن يشعرون لأهل التزمت في الإضرار بالدين السمح، دين القيّمة.
واجب احترام الدستور الجديد والإسلام :
لقد أقر الدستور الجديد للملكة بضعة من المباديء القاعدية في شأن حقوق الإنسان تسعى لتأسيس دولة القانون بالمغرب بالعودة إلى أصل الدين الإسلامي الذي هو بالأساس العدل. فكيف نظلم الناس باسم الدين؟ وكيف نخرق بهذه الصفة الفظيعة الملة ودستور المملكة؟ أهذا هو مغربنا المتسامح السمح؟ وهل هذا هو الإسلام الذي كان سباقا إلى احترام حقوق الإنسان بما فيها حقوق المثلي الثابتة؟
إن ما تم بمدينة بني ملال وقبلها بمدن أخرى بالمملكة لمما يندى له الجبين، ولا بد من وقفة حازمة لهذه الدعدشة التي هي الإجرام بعينه في حق العيش المشترك أساس الديمقراطية، وفي حق الدين القيم.
فليأذن جلالة الملك بالحزم في رد الاعتبار للمظلومين، وليأمر بمقاضاة من يتطاول على الدين وعلى الأمن العام في سعيه لفرض قانون الغاب بالمملكة مستخفا بالدستور وبتعاليم الدين الضامنة لحرمة الحياة الخصوصية ولحرية العبد التامة في حياته الخاصة ما دامت تحترم الغير ولا تعتدي على حريته.
ليذكّر جلالتكم من يدّعي الأخذ بالدين أنه لا تتبعات في الإسلام الحقيقي لأي تصرّف يتم داخل نطاق حرمة الحياة الشخصية حتى وإن كان من باب الغلط، لأن ذلك لا رقيب عليه إلا ضمير المؤمن ولا راعي له إلا الله في ما يميّز علاقته بعبده من مباشرة. خاصة بعد ثبوت أنه لا تحريم للواط في الإسلام الذي هو من حرية العبد المضمونة في حياته الجنسية. فكل من يتجرأ للتشهير بذلك أو التنديد به لهو المذنب الحقيقي في ديننا لتطلعه على حياة الغير وللهمز واللمز؛ إذ كل هذا خلافا للواط، مما حُرّم تحريما صريحا. فهل نسعى ضد ما ليس بذنب بارتكاب الذنب؟
هذا، مع العلم أن الله لم يعذّب قوم لوط لما لم يُوجد إلا في البعض منهم، وإلا لما كانوا قوما، بل لأنهم كانوا طرّا من المفسدين في الأرض لامتهانهم الحرابة وقطع للطريق. فمن البلغة العربية للزيادة في الذم تعميم الخاص على العام؛ وقد كان اللواط في ذلك الزمن، وفي جميع العالم، من الفواحش، أي مما فيه التجاوز للحد؛ ولم يعد هذا اليوم بالدليل العلمي العالمي.
إنه من الواجب الأكيد على المسلمين اليوم، ناهيك عن حكّامه وقضاته، عدم تتبع أي مشتبه به في حياته الخاصة ما دام تصرّفه تحت كنف التستر، بل محاسبة كل من تجرّأ على هتك حريته الشخصية فتطلع على تصرفات هي خصوصية ومحميّة في نطاق حرمة الحياة الخاصة.
فلتكن إذن هذه الجريمة البشعة، يا جلالة الملك، الفرصة السانحة لإيقاف العمل بكل الجرائم والجنح والمخالفات التي لا أساس لها في ديننا الأصيل ولم يعد لها أي مكان في الديمقراطية التي تريدونها لمملكتكم، وذلك بأن تأذنوا بإبطال الفصل 489 من القانون الجنائي، إذ هو أصل الداء! فهل نترك إسلام المغرب السمح يتدعدش، يا جلالة الملك؟
نشرت على موقع أخبر.كم