كيف نفهم قصص قوم لوط؟
في حرب المثلية :
إن الحرب قائمة اليوم على قدم وساق بالربوع المغاربية من أجل إبطال تجريم المثلية، وذلك بدءا بتونس حيث يُنتظر أن يقدم المجتمع المدني أول قانون في الغرض.
ولا شك أن لمثل هذه القانون الحظ الوافر في النجاح اليوم رغم ما صرّح به أخيرا رئيس الجمهورية من رفضه لإبطال الفصل 230 المجرم للمثلية في معارضة لافتة للنظر لوزير العدل الذي نادى بالإبطال.
فموقف الرئيس السبسي لا يُفهم إلا من زاوية خلافه وسباقه المحموم مع زعيم الحزب الإسلامي راشد الغنوشي الذي يُعتقد أنه سيقدم قريبا مشروعه الشخصي المنادي لا بإبطال تجريم المثلية عامة، إنما بالقبول بها في نطاق الحياة الخصوصية.
ذلك أن الرئيس يريد ببيان معارضته لإبطال التجريم استقطاب البعض من الإسلاميين المتزمتين المعارضين لزعيمهم وقد صرح منذ مدة، تحت الضغط الغربي والأمريكي خاصة، أنه لا يرى مانعا في إبطال تجريم المثلية ما دامت تقع في الخفاء بعيدا عن العيون.
وليست هذه إلا الحال الواقعة اليوم، خاصة بالمغرب الشقيق حيث لا تُصبح المثلية مشكلا إلا عندما تطفو على سطع المجتمع. ولا شك أن مشروع المجتمع المدني التونسي سيأتي من باب مسابقة المشروع الإسلامي المرتقب، إذ من شأن مشروع الغنوشي الإضرار بالقضية بإبقائه قائما للتجريم وقد ثبت فساده وإضراره بالدين، ناهيك عن مخالفته للدستور، سواء كان بالمغرب أو بتونس.
في قصص قوم لوط :
لعله من الواجب الأكيد اليوم أكثر من أي وقت مضى رفع اللبس الذي يرافق فهمنا لقصص قوم لوط في القرآن الكريم، إذ العديد ممن حسنت نيته يتساءل : كيف لا تكون المثلية محرّمة في الإسلام وهي فاحشة، ثم إن الله خسف الأرض بقوم لوط؟
لنبين أولا أن الفاحشة في اللغة العربية هي ما تجاوز الحد والقدر في كل شيء؛ ومنها أصبح يقال ذلك لكل ما قبح في القول والفعل، فالكذب فاحشة والبخيل فاحش. ومن هنا، جاءت الفاحشة عند الفقهاء أي ما نهى الله عنه، بله ما عظم قبحه في القول والفعل. هذا، وأطلقت الفاحشة عموما على الزنا، كما قال الجرجاني أنها كل ما يوجب الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة.
هذا، ونظرا لأن المثلية كانت في العصور الغابرة تُعتبر مخالفة للطبيعة، وقد دام هذا طويلا بتأثير من العادات اليهودية والمسيحية، إلى حد أن المنظمة العالمية للصحة لم ترفعها من قائمة الأمراض إلا في السنوات الثمانين من القرن الماضي، فقد عدّها فقهاء الإسلام فاحشة بل وأكبر الفواحش.
كان ذلك بتأثير من الإسرائيليات التي داخلت دين الإسلام، إذ جل حملة العلم فيه كانوا من الموالي. وتم هذا بتأويل قصص قوم لوط، بما أنه لا آية في القرآن في موضوع اللواط إلا من باب القصص؛ كما أنه لا يوجد أي حديث صحيح في الغرض لا في البخاري ولا في مسلم، وسائر ما في بقية الصححص من المنحول إذ لم يصح أي شيد عن الرسول الأكرم كما أكد ذلك جلة من الفقهاء، كأبي حنيفة والشافعي في أصح روايتيه.
هذا، وقد أوّل الفقهاء الآيات الخاصة بقوم لوط حسب متخيلهم الإسرائيلي، فاعتبروها مجرّمة لعمل أدى إلى غضب الله؛ ثم إنهم قاسوا على التحريم للزنا، وجعلو اللواط منه، بل زادوا فاعتبروه أفحش مما قاسوا عليه؛ وهذ من الخلف!
والأدهى أن فهمهم لقضية قوم لوط كان خاطئا، لأنهم تجاهلوا صفة بلاغية كبرى في العربية تقتضي نعت الشيء في مجمله بصفة واحدة منه، وذلك من باب وصف الكل بالجزء، وهي من البلاغة العربية المعروفة عند كل من لم يجهل لغته وهي لغة القرآن.
من ذلك عرّف القرآن قوم لوط بأنهم كانوا ممن يأتون الذكران واكتفى بذلك بينما كانت صفة في البعض منهم لا الكل، فما كانت صفة القوم طرا ولا في كل الأحوال، وإلا لما أصبحوا قوما، أي شعبا، إذ هذا يقتضي التناسل؛ ولا تناسل مع اللواط.
الحقيقة الثابتة اليوم عند أهل اليهودية والمسيحية، وهم من ذكّر الله بقصصهم، أن قوم لوط كانوا من قطاع الطريق، أي امتهنوا الحرابة التي جاء الإسلام منددا بها وأتى فيها بأشد العقاب في الآية 33 من سورة المائدة فقال : «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفو من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم».
فما كان فعل قوم لوط الذي عوقبوا لأجله اللواط - والكلمة غير موجودة أساسا في القرآن ولا في العربية القديمة - بل قطعهم للطريق وامتهانهم للحرابة. إنما كان اللواط في بعض قوم لوط، استعمله الله في بلاغة عربيته المبينة لفحشه في تلك الحقبة من التاريخ، فعمّمه على كل القوم، وما كان فعلهم كلهم ولا صفتهم الأساسية.
هكذا نرى أن عقاب الله، الذي نعتقده اليوم يتعلّق بفطرة بشرية لم يحرّمها الله، إنما خصّ الحرابة التي هي حقا من أفحش الفواحش في كل الأزمنة؛ فهل أفظع من قطع السابلة والاعتداء على عابر السبيل؟
مما يؤكد هذا أن العربية السعودية عندما تعدم مثليا تعتبره قاطع سبيل فتستشهد في البيان التي تعلن فيه عن تنفيذ العقوبة بالآية المذكورة أعلاه إضافة لحديث غير صحيح لم يذكره الشيخان.
في ضرورة الدفاع عن الإسلام :
هكذا نرى كيف يسيء المسلمون اليوم إلي دينهم عن وعي وعن لاوعي، مما مسخ ديننا فإذا به بعد أن كان ملة التنوير يهوي إلى الظلامية الداعشية !
ولقد شجّع هذا البعض ممن لا يريد الخير للإسلام من أعدائه على استغلال قضية مناهضة تجريم المثلية المشروعة للتهجم على ديننا رغم أنه بريء من تهمة منع اللواط وتجريمه خلافا لليهودية والمسيحية.
ذلك أنه وصل الحد بالبعض منهم إلى جعل قضية الإبطال تجارية بحتة، فليس همهم ضرورة في مساندة من صدقت نيته في النضال من أجل إبطال التجريم الحصول على المنع لتجريم ما قال به الله، بل لغاية في نفس يعقوب هي تجنيد الشباب الإسلامي ضد دينه ورميه في أحضان الغرب بدعوى تسامح أكبر من تسامح الإسلام. وهذا ما نراه يوما بعد يوم إذ يتنكر الشباب لدينه السمح معتقدا غلطا أنه ظلاّم للعبيد وللمثلين خاصة لأجل قوانين جائرة تظلمهم وتظلم الإسلام في نفس الوقت.
لذا من واجب السلط بالمغرب وبتونس وبكل بلد إسلامي يريد حقا الدفاع عن الحنيفية المسلمة الانتباه لهذا والعمل على الدفاع الحقيقي عن الدين القيم. ولا يكون هذا اليوم إلا برفع التجريم للمثلية وقد ثبت بما ليس فيه أي شك أنه من رواسب الإسرائيليات في إسلام يحترم الفطرة البشرية، علاوة على أنه من مخلفات الإستعمار.
فلنذكر هنا، والذكرى تنفع المؤمنين، أن الاحتلال الفرنسي هو الذي أدخل في المدونة القانونية الإسلامية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، الفصل 489 بالمغرب والفصلين 333 و 338 بالجزائر و230 بتونس، إذ الجنس العربي كان ولا يزال تماميا لا يفرق بين الذكر والأنثى كما هو الأمر في الطبيعة وكما نراه بمجتمعاتنا في كنف التستر خوفا من ظلم الحاكم ومن تسلط الميليشيات الداعشية على الأخلاق الإسلامية.
لا مناص اليوم إذن من الاعتراف بأن الإسلام لا يُحرّم ولا يُجرم المثلية أو المماثلة في تعبيرها الأصح؛ هذا، ويتحتم علينا من باب المنطق إذا قلنا العكس، أن نفعل ما تأتيه السعودية أو إيران أو داعش من قتل للمثلي، إذ عقوبة السجن المعمول بها عندنا، أي الجسن لهي من باب الظلم للعباد وللدين حيث أنها لا تحترمها من جميع الجوانب وفي كل الأحوال.
كان الله في عون من أخلص حقا لدينه فسلم الناس من ظلمه وإفساده في الأرض، وهو أفحش الفساد لكونه يتم باسم الدين!
نشرت على موقع أخبر.كم