في إسلاميّة عيد الأضحى
ككل سنة، يحتفل العالم الإسلامي متشتتا بعيد الأضحى لالتزام أغلبه بفهم خاطىء للرؤيا وقد حان منذ زمان اعتماد الوسائل العلمية التي تمكن من رؤيا أصح دون الإخلال بالعقيدة، وهي علمية التعاليم، أزليّتها. إلا أن هذه السنة، أتت جرأة جديدة من بلاد المغرب الشقيق الذي تسنّى عاهله بما فعله والده في سنة جفاف حين منع الأضحية، على أنه اكتفى بالنصح في عدم التضحية هذه السنة أيضا دون الأمر بها صراحة.
وليست الدعوات بترك سنّة التضحية بالخروف جديدة إلا أنها عموما تأتي من بعض نشطاء المجتمع في مقاطعة الأضاحي، ومنها ما كان بتونس سنة 2014 ما حدا بمفتي الديار التونسية بالتصدّي لها ببلاغ رسمي ينتصر فيه لإجبارية الأضحية باسم الدين رغم أن طلب المقاطعة كان سببه وجيها وهو ارتفاع الأسعار من جهة وما تقتضيه حالة البلاد الاقتصادية من تضحيات، من جهة أخرى؛ كما أن وجاهته تأتي من أنّ الإسلام براء من مثل تلك الإجبارية كما بينته في ردّي على البلاغ نشرته في الثاني عشر من شهر سبتمبر لتلك السنة.
فقد علل المفتي ذلك بأن الأضحية سنّة مؤكدة وشعيرة من شعائر الإسلام لا بد من إحيائها إذ هي التعلّق بسنّة إبراهيم وداوم النبي عليه، ما معناه أن واجب الأضحية مفروض على كل قادر عليها، لا تسقط إلا لفائدة من كان في عسر، لا تتوفر لديه القدرة على الأضحية. وهذا طبعا وفق ما أجمع عليه علماء الإسلام، هذا الإجماع الذي صلح لزمان ولا يعد بالضرورة صالحا اليوم، خاصة وأنه أصبح يمنع الأسّ الكبّار في دين العقل والمنطق، ألا وهو الاجتهاد، ما حتّم التقليد فأدى إلى غربة الدين الحالية وقد حذّر منها صاحب الدعوة.
أمّا كون الأضحية سنّة الرسول، فهي فعلا إحياء لسنة إبراهيم لكن لا من زاوية إحياء شعائر الحج، بل من زاوية إحياء حادثة الذبيح المذكورة بالفرقان، أي إسماعيل حسب المتعارف عليه إسلاميا ولو أن العديد من أجلاء المسلمين كانوا لا يعتقدون ذلك ويقولون بأنه إسحاق. بل إن أغلبية علماء الإسلام ينكرون القول أن الذبيح كان إسماعيل، مؤكدين أنه في الحقيقة إسحاق، ومنهم الإمام الطبري في تفسيره الجليل، والرأي نفسه عند القرطبي والرازي أيضا. كما أنهم يعدّدون أسماء عصبة من الصحابة كانت تقول الشيء نفسه، ضمّت من الخلفاء عمر وعلي بن أبي طالب، ومن أكابر المسلمين العباس، عم الرسول، وابنه عبد الله، حبر الأمة، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم. مثل هذا الخلاف بين المسلمين طال أيضا طبيعة مداومة الرسول على الشعيرة إذ، خلافا للمعتقد الحالي، هناك من علماء المسلمين من كان يقول إنها فقط في نطاق الحج وبالتوازي معه، لا كعيد مستقل عن الحج.
هذا، وقد علمنا أن القران لا يتحدث عن الأضحية وإنما يذكر حادثة الذبيح دون الافصاح عن هوية الذيبح؛ ورأينا رأي العديد من العلماء الأجلاء في ذلك. أمّا السنّة الصحيحة في ما اتفق عليه الشيخان، فلا حديث عن الأضحية إلا كجزء لا يتجزأ من مراسم الحج، لا كعيد مستقل بذاته فيه إحياء لسنة إبراهيم فقط، لأنه عندها ليس إلا إحياء للإسرائيليات في دين الإسلام، ذلك لأن الأضحية خارج الحج ليست سوى سنة إبراهيم الخليل. ومن المعلوم الثابت أن العديد من الإسرائيليات داخلت الإسلام، ومنها عيد الأضحى هذا الذي ليس بشعيرة من شعائر الإسلام خارج الحج كما بينا. فلا من نص قرآني في الموضوع ولا من حديث صحيح مما صح عند الشيخين.
لقد سمّي يوم النحر ويوم عرفة بيوم الحج الأكبر، مما يدل أن لا عيد خارج الحج، وبالتالي لا أضحية خارجه أيضا. فالمضحّي يضحي بما يقدر عليه من الهدي في نطاق الحج، وليست الأضحية إلا من الهدي. ولئن جرت العادة في بلاد الإسلام بإحياء سنّة إبراهيم الخليل، لا شيء يمنع ذلك إسلاميا بما أن الإسلام الدين الذي يعترف باليهودية التي سبقته، إلا أنه على المسلم أن يعلم ذلك، أي أنه إذ يحي سنة الخليل فهو يحي ذبح ولده إسحاق.
خلاصة القول أن الأضحية، إذا كانت في نطاق الحج، فهي من سنّة الرسول، وهي من شعائر الإسلام؛ أمّا إذا كانت خارج الحج، فهي عندها من سنّة إبراهيم الخليل التي يعترف بها الإسلام ويقرها. بقي ألا نخلط بين إسماعيل وإسحاق وأن لا ندّعي للإسلام ما ليس منه رغم أن هناك من العلماء من فعل ذلك ويفعل إلى يومنا هذا؛ على أن الأغلبية تقول بأن الذبيح هو إسحاق، وأن ذلك هو الصحيح.
هذا ما يقرّه الاجتهاد اليوم كما أقرّه عديد الأئمة بالأمس؛ وذا إن رفضته حقيقة اليوم، فهو من الرأي والاجتهاد، وهذان ممّا أوجبه الإسلام حتّى وإن أخطأ المسلم، لأن الثواب له ثابت ما دامت النية حسنة؛ والنية هي هنا رعاية مصالح المسلمين ورعاية الأهم قبل المهمّ، مثلما هي الحال عندما يفرضها واجب حفظ اقتصاد البلاد ورعاية حال شعبها المفقّر.