2025 وقيامة الأخلاق
مع بداية كل سنة جديدة، تتعلّق الهمّة بالأمل في سنة مغايرة لما مضى، مع العزم على أمور على المستوى الشخصي أو ترجّى أخرى على المستوى العام؛ ولا شك أن المستويين لهما من الارتباط مالا يخفى عن الذهن رغم سهونا عنه أو تشكيكنا فيه، على الأقل بخصوص التداعيات على المدى القريب محط الأنظار عموما.
وهنا يكمن الخطأ، إذ لا يخفى مدى شديد الترابط بين الحاضر الآفل قريبا والمستقبل، وإن كان بعيدا، إذ هو دوما الحاضر الآتي؛ فهذا هو الزمن الذي لا ينفك على الدوران لوليبا من ماض سريع المرور هو في الحقيقة الرابط الخفي للحاضر مع المستقبل إذا تفاعلنا مع الزمن بصفته الدائرية، أو هي اللولبية.
فالميلاد، هذه البداية التي يُعتبرأن ما قبلها بداية، ليسا في الواقع سوى التواصل لفطرة حياتية كما نراها كل فصل ربيع في الطبيعة، إذ تأتي الحياة من موات كل الذي مآله الموت لحياة جديدة؛ فلِمَ يختلف الأمر مع البشر بينما لا شيء يميّز ابن آدم عن بقية المخلوقات إلا العقل الذي بلغ درجة أعلى من النضج بالنسبة إلى الحيوانات غيره، والتي يبقي لها رغم ذلك العقل الزاوحي. فالعقل اليوم لا يرفض علميا إمكانية الحياة بعد الموت، بل وفرضية العودة إلى الحياة بعد الموت، وتعدّد مثل هذا التجارب. ثم أنه حتى على المستوى الديني، حقيقة القيامة تسمح -بل تفرض- مبدأ العودة إلى الحياة الجسدية للروح التي تبقي أزلية، دائمة الحياة. هذا، ونحن نعلم أن الحياة، في العربية، هي مرادف الحيوان؛ لذا لا نبعد عن سواء التفكير في ربط وضعية الحيوان بالحياة المستدامة طالما ميزنا فيه بين الروح، أي أهم ما يؤسس للمظاهر الحياتية، والمادية الزائلة بانعدام الروح منها.
وكلامنا هذا، في ميداني الأفكار والمفاهيم، لهو نفسه وهي لا تفتأ تتطوّر وتتغيّر مع مرور الزمن ونضج العقل البشري وما تفرضه فتوحاته التقينة والعلمية من واقع للتقانة فيه القول الفصل إذ تفصّل وتسوّى على قياسها نمط الحياة البشرية سواء لكل البشر أو للعديد منهم حسب مدى تطوّر حياتهم وتوفرّ الإمكانيات المادية لذلك.
لا مرية أن العالم البشري اليوم يسير على غير هدى وقد وصل الانحلال الأخلاقي فيه إلى درجة فظيعة لا حدّ لها تفرض ردّة عاجلة لتزكيها؛ وذا لا يكون، طبعاو بالمفهوم المتهافت للأخلاق الموجود عند المتزمّتين من أصحاب الدين، كل دين، بما فيه الدين المدني في فهمه المتهافت كدغمائية ماورائية، لا علمية فيها ولا إنسية. لقد فرض عند هؤلاء، خاصة أهل الإسلام ممن يدّعي الأصولية، مثل هذا الفهم للأخلاق رغم أنه لا أساس البتة لفهمهم الخاطيء هذا بالإيمان الإسلامي الذي أتى علمي التعاليم عالميّها لصفته كختام الأديان؛ وبالتالي هو ما يمكن نعته بالأخلق الإيماني Foi-éthique أو ما أطلقت عليه روح الإيمان الشريف Fair pray تعاطيه من شأنه، بفضل روح جديدة إ-سلامية Nouvel esprit i-slamique أو اختصارا NOESI-S، التمكين من استعادة ما ضاع من روح الذكر الأول.
إنه لا مناص للإسلام اليوم، وقد أصبح أهله في لخبطة قيمية فظيعة تماهيا مع ما تعيشه المجتمعات العالمية طرا من نفس اللخبطة لوصول النزوع للمادة به حدوده القصوى؛ فها هي ترفع جميع الحدود الأخلاقية، لا قيمة فيها للقانون ولا للدين ولا للأخلاق بمفهومها الشائع كردع للفواحش، وهي المغالاة في تجاوز المعروف من حسن الخلق ومكارم الأخلاق؛ وهذه هي الخصلة الكبّار التي أتت رسالة دين الإسلام السلام، ما أخطه إ-سلام،لأجل إتمامه قبل أن يصبح غربيا؛ وانعدام ذلك اليوم هي غربته تلك. لذا فإنها ساعة الحقيقة لأهله، أي قيامة الأخلاق فيه.
يعني هذا أن يستفيق أهل الإسلام من غفوتهم الحالية عن لبّ لباب دينهم، ألا وهوسلامة اليد واللسان بسلامة الضمير لأخذه بالمعروف سابق الذكر؛ وليس هو المتعارف بين المسلمين فحسب، إذ أن أيمانهم اأصبح مثل إيمان الأعراب الذين أسلموا ولم يؤمنوا. فالإسلام ما كان بتاتا مجرد حركات جوارح وأخذ آلي بشعائره، إذ هو أولا وقبل كل شيء نية سليمة وضمير حيّ متخلّق يؤمن بالغيرية ويأخذ بالروحانيات، فلا يجعل النزعة البهيمية المادية فيه تطغى بالحرص على أن تكون معاملاته، وهي الركن الأساسي في دينه -إذ لا تتم العبادات فيه بدونها- كاملة الأوصاف. فالمسلم الصحيح في دينه الثقافي بالأساس، هذه الفلسفة الكونية لعيش مسالم آمن وحكمة رشيدة هو في الأخذ العلمي بما يصلح الناس جميعا، إذ لا خير على أحد إلا بتقواه؛ وليست التقوى إلا بإعطاء المثل الأسني في كل شيء.
تلك هي قيامة الأخلاق التي تبدأ مع السنة الجديدة على أن تكون بداية القطع مع عالم كان نتاج حربين عالميتين أفر نظاما جائرا لم يعد باستطاعة أحد النعمية على نقائصه وفساد نزعته في نبذ التكافل والحيطة للجميع نظرا لتوطئته المتواصلة خدمة لمصالح القلة ممن لهم النفوذ والسطوة بشوكة التسلط على الغير واستعمال جميع الوسائل الممكنة أيا كانت صبغتها: سياسية واقتصادية أولا، وأيضا ثقافية ودينية؛ بل وأخلاقية بالمفهوم المتهافت للأخلاق وقد سلف ذكره.
وذاك هو الأخلق الإيماني الذي بتوازى مع الأخلق السياسي Poléthique كسياسة رشيدة وحوكمة علمية أخلاقيه للمدينة الفاضلة الإسلامية، بمعنى السلام للكلمة (أي الآ-سلامية)، لكون الإسلام في الوقت ذاته دين ودنيا، لا رهبنة فيه ولا تزمت ولا رفض للغيريه؛ وهذا الأخلق الإيماني وهو ما أنعته الذكر الأول مدار حديث الجمعة الأولى للشهر الموالي.