Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 1 mars 2024

Pont cognitif axiologique 5


من تباشير ظهور عالم أنسني 


لم يعد أي شك في انهيار الأخلاق في عالم لا شيء يحد من تواصل انحرافه إلى الأسوأ نظرا لتسلط الماديات فيه على الروحانيات ما أدّى إلى خيبة أمل كبّار في مستقبل أفضل لبشرية لكأنها تسير نحر الانتحار. في هذا الزمن الذي كثر فيه الدجل وتعدد أهل النفاق فيه، فانتفى منه أي حماس للتذكير أو خاب فيه كل مذكّر بما ينفع الناس أجمعين لا من همه مصلحته الذاتية الأنانية - في هذا الزمن يأتي ما يسّميهم أهل التصوف الأبدال للتصدّي لأصحاب اليأس المفسدين في الأرض. وككل نبي، يسيق قدومهم ليعلنه من الناس من يرفض الظلم فيستشهد بما له من سلاح فتاك: روحه، يهبها للموت إتيانا بالخبر القاطع، ألا وهو أن السيل بلغ الزبى وأن لا مجال للسكوت، وإن كان الكلام مباحا، فلا فائدة فيه إذ يضيع في الباطل المستشري، فإذا هو من اللغط في أفضل الحالات.

لذا، ترى العادلون يبشرون بقدوم الأبدال بما ينذرون به في الآن نفسه بخطورة الوضع باختيار الانتحار كوسيلة أخيرة لا مجال لغض الطرف عنها، ألا وهي تقديم نفسه قربانا للنار. هكذا فعل أخيرا العسكري من سلاح الجو الأمريكي، الطيار هارون بوشنايل أمام السفارة الإسرائيلية ببلاده احتجاجا على ما تأتيه من مجازر بفلسطين مع الدعم بلا حد من الولايات المتحدة الأمريكية التي خدم مصالحها بارتداء بدلتها العسكرية فضاق ذرعا بمثل ذلك التواطؤ ورفض مواصلته حتى لا يكون بعد شريكا في الإبادة الجماعية المرتكبة بغزة تحت أنظار عالم في سبات عميق عله يفيق منه أو على الأقل ينغص دعته فيه جاعلا من أحلامه كوابيس.

وكما بيّنته صورة الاحتراق من هاتف الطيار الذي حرص على أن يواكب تضحيته مباشرة للعالم أجمع، فقد ظل واقفا والنار تلتهمه وهو يردد بأعلى صوته «الحرية لفلسطين». وهذا يدلل مرة أخرى أن     مصير الصالحين كشمعة تضيء منيرة عالماً غارقا بشكل متزايد في ظلام دامس. فالتحية واجبة لروح كل من يفرض بالضرورة بتضحياته أن يتم سماع صوته المنادي بالحق والعدل والأنسية.

وإننا لنحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى كلمات الحقيقة في السياسة، لتكون أخلاقية poléthique، أيا كان مجال تدخلها، حتى نسع لأجل عالم إنساني، هو عندي عالم أنسني أو «عالمأنسني» (monde d'humanité) mondianité. فبمثل هذه التضحيات تنتصر الإنسانية حتما وقد فسد في عالمها كل شيء، إذ حتى الديمقراطية أصبحت ديمومقراطية، daimoncratie، أي قضية جنّ السياسة غير الأخلاقية ترتع فيها كما شاءت. 

فلا شك أن ما يجري على الساحة العالمية، مواكبة للفظائع المرتكبة بغزة وسائر الأرض الفلسطينية المحتلة، يؤشر على أن هذا لن يدوم طويلا إذ من شأنه إكثار المصائب. ما يحتم الفراخ من أعـظمها في بداية هذا القرن، جريمة الإبادة الجماعية بغرة التي ترتكب تحت أنظار العالم أجمع فلا يحرك ساكنا. فلا بد من إدانتها ووضع حد للاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي احتلها منذ سنة 1947. وهكذا كرر متظاهرون عدّة بصوت عال، في موقع سقوط الطيار، أمام السفارة الإسرائيلية، كلماته الأخيرة تحية له وتخليدا لروحه: "لن أكون شريكا في الإبادة الجماعية بعد الآن، فلسطين حرة".

وهذه كلمات الطيار، صاحب الأخلاق العالية، التي دونها على صفحته الخاصة بموقعه على منصات التواصل الاجتماعي، ساعات قليلة قبل الانتحار ظهر يوم الأحد الماضي:

«اسمي هارون بوشنايل. أنا عضو نشيط بالقوات المسلحة الجوية الأمريكية؛ ولن أكون بعد الآن متواطئًا في عملية إبادة جماعية. أنا على وشك الانخراط في عمل احتجاجي في غاية الصعوبة وأقصاها، إلا أنه ليس كذلك على الإطلاق بالمقارنة مع ما عاناه أهل فلسطين بالضفة الغربية وغزة على أيدي مستعمريهم. وهذا ما قررت طبقتنا الحاكمة أن يكون أمرا طبيعيا. فلسطين حرة... يحبذ الكثير منا سؤال نفسه "ما الذي أفعله لو كنت على قيد الحياة أثناء العبودية؟ أو زمن قوانين جيم كرو المكرسة للعبودية بالجنوب الأمريكي؟ أو الفصل العنصري؟ ماذا أفعل إذا كان بلدي يرتكب إبادة جماعية؟" الجواب هو: أن تفعل ذلك، الآن!»