Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 3 mars 2023

Infothique contre infotainment 5

 من فلسفة الإيمان الإسلامي 

أو 

الإســــلام كثقـــافــة وديــن



الدين من الثقافة، والثقافة -حسب التعريف المتداول في المنطق الشعبي والمعرفة المتجذرة في الحكمة البشرية- ما يبقى حين يمحي النسيان كلّ شيء من ذاكرة ابن آدم الناقص بطبيعته. وطبيعة ابن آدم، كما علمنا، تتميّز بالنسيان؛ فإن بقي في وعيه -وبالأخص لاوعيه- شيء، فليس عقله، هذا الذي يمتاز به أيضا عن غيره من المخلوقات، بل مجرّد الإحساس بفقدان ميزته الأكبر، عقله؛ و بالتالي، إحساس النسيان هذا لهو أهمّ من عقله. لذا نرى أيّ قيمة تصل إليها الثقافة، والعقل منها دون أدنى شك، باستثناء ما يُسمّى العقل الزواحفي، أي ما يختص به كل حيوان حيّ. ومن البديهي أنّ الدين، كما هي حال الإسلام، ممّا يبقى في ذهن ومتخيّل المؤمن والمسلم ولو غاب من تصرّفاته وعاب كسبه؛ فهو من الثقافة، بل هو ثقافة بما أنّ الدين منها. فليست الشعائر المميّزة للدين، أيّا كان هذا الدّين، ولا الطقوس المعهودة فيه،  من الدين سوى أنها من باب تجلّى فلسفته في الحياة إذ هذه تجسّدها تلك. إنّ الشعائر والطقوس ممّا يسمّى اليوم في الميدان المعلوماتي الواجهة الرسومية interface graphique ، أي ما يمهّد لاستبطان الفلسفة التي أنتجتها. ومن البيّن أن الحواسيب كانت أقلّ شيوعا ونجاحا جماهيريا قبل ظهور نظام التشغيل «النوافذ»  système d'exploitation Windows الذي توسط بين المستعمل والنظام الأصلي MS-DOS، ثم بعد ظهور حاسوب التفاحة ماكنتوش Macintoch d'Apple المحدثة للثورة الرقمية فأعطت للحاسوب، كما هي الحال اليوم، المكانة التي نعرفها له. 

كذلك هي الشعائر والطقوس؛ فالله لا يحتاج إلى ما يعتقده المؤمن البسيط من قيام بما أصبح يمثّل الدين كلّه بالتمسّك الآلي بما فيه من شعائر أصبحت في معظمها مجرّد عادات وتقاليد بلا مغزى بينما هو الأساس، أي الغاية المنشودة من تلك الشعائر والطقوس. فلا فائدة من الصلاة، مثلا، إذا لم تكن إلا حركات جوارح ولم تأت بما ترمي إليه، وهو الكف عن الفحشاء والمنكر مع إصلاح الأخلاق، خاصة في التصرف مع الغير. ذلك أنه في دين الإسلام، التعاليم الإلاهية لا تهمّ العبادات فقط، بل تهدف بادئ ذي بدء إلى تزكية المعاملات؛ وهذا من امتيازات دين الإسلام عمّا سبقه من الإيمان التوحيدي. إلاّ أنّ الكثير من المؤمنين اليوم، للأسف، يجعل من الشعائر مجرّد حركات آلية ومظاهر لا فائدة منها إذ لا أثر لها على تصرفاتهم اليومية. من ذلك الحج الذي أصبح بمثابة التشجيع على الخطأ بما أنّ العديد ممن يزور البيت العتيق بمكّة يقوم به لمحو ذنوبه، ما لا يمنعه للعودة إليها بعد فسخها؛ وقد صدق الحس الشعبي الوارد في المثل التونسي السائر: «حجّ وزمزم وجاء للبلاء متحزّما»!

إنّ الدين عند الله الإسلام، والإسلام عنده الإيمان الذي هو أعلى درجة من مجرّد الإسلام الشعائري، فهذا إيمان الجوارح لا إيمان القلب الصادق؛ والجوارح من شأنها الرياء والنفاق والمراءاة، بينما القلب الصادق لا مغالطة معه ولا مخادعة، فهو منطلق النية الحسنة التي هي أساس الإسلام كإيمان ثقافي؛ ومنه تبدأ فلسفة الحياة المتزنة. والنية الحسنة ليست مجرّد قيمة أخلاقية، بل هي، موضوعيا، قيمة فلسفية من أهم قيم حقوق الإنسان. هي مرادفة لما ننعته بحرية الضمير، أو لنقل في أفضل تعبير استقلالية الضمير، أي الحكم الذاتي للضمير لدي الإنسان. بذلك نتبيّن كيف كان الإسلام حداثيا قبل الحداثة الحالية إذ كرّس استقلالية الضمير قبل انبلاج الفكر التنويري بقرون. وإنّ مفهوم استقلالية الضمير، بلا شكّ، من أبهى تجسّدات ثورية الإسلام كثقافة حقوق وحريات؛ فمن شأن هذا المفهوم تكريس الرفض القطعي للإكراه والعنف في كل مرافق الحياة، بما في ذلك العنف الشرعي الذي تعتمد عليه الدولة وأصحاب الشوكة لتبرير التسلّط غير الشرعي على الناس باسم الدين تارة والمصلحة العامّة طورا، متجاهلين أنهم خلقوا أحرارا، كما اعترف بذلك الإسلام وأقرته دولة القانون. فهذا هو التوجه الصحيح الأصيل في دين لم يقم به كنيسة ولا أقرّ كهنوت للتوسّط بين العبد وخالقه، فلا واسطة بين الخالق وخلقه! 

هذه الثورية التي لم تُعرف في الديانات التوحيدية الأخرى هي التي أساء فهمها فقهاء الإسلام الأوائل إذ أوّلوا دينهم لا حسب روحه الأصيلة ومقاصده كدين علمي عالمي، وذلك أخذا بما أنعته بالذكر الأوّل، بل بما عرفوه ورسب في متخيّلهم ولاوعيهم من عادات وتقاليد أهل الكتاب، أي الكتابات السماوية السابقة للإسلام. ولا غرابة في ذلك إذ، كما بيّنه ابن خلدون، حملة العلم في الإسلام كانوا من الموالي، متخيّلهم مشبع بالإسرائيليات. لهذا قلنا أنّه لا حقّ في الإسلام لأهل القرار السياسي في ممارسة العنف المشروع؛ هذا هو المبدأ، ولا يكون الاستثناء إلا بموافقة حرّة وجليّة من المعنيين بالأمر؛ وذا لا يتوقّف على الأغلبية بل يهمّ أيضا الأقليات إذ يقف الحقّ في العنف المشروع للدولة عند حدود استقلالية الضمير لدى كلّ مؤمن من المجموعة الإسلامية. وبالتالي، من الخطأ تصويب ما درب عليه أهل الإسلام من أصحاب الرسم في اعتماد حجية الإجماع؛ إذ الإجماع لا يأتي صائبا إلا باعتماد الحقوق والحريات الفردية للجميع في أمّة الإسلام، بما أنها أساس دين الإسلام وجوهر الإيمان به؛ فالمسلم لا يسلم كل أمره لربّه إلا لأنه عبد حرّ! 

هذا الاهتمام من الإسلام بالحقوق والحريات بديهي في دين أزلي، رغم جهله أو تجاهله من طرف فقهاء الرسم، بما أنّ الفلاسفة اهتمّوا بالغرض منذ القدم، بل وحتّى الحكّام المستنيرين من الحضارات القديمة. فهناك من يعتبر أنّ أوّل وثيقة لحقوق الإنسان كانت تلك الاسطوانة المنقوشة على الطين cylindre de Cyrus مند عهد كورش الأكبر التي يعود تاريخها إلى زمن فتحه لبابل سنة 539 قيل المسيح؛ فقد تضمّنت أهمّ القيم المنعدمة لدى فرس ذاك الزمن من تسامح ديني وحرية معتقد ومنع للعبودية، وأيضا الحرية في العمل، وهي كلها حقوق سابقة لأوانها حسب نظرتنا اليوم للزمن الغابر. ثم إننا نعلم قيمة الفكر الإغريقي عند العرب، خاصة المنطق والفلسفة، ومنزلتهما عند مثقفيه وساسته بما أنه  أثّر بعيد الأثر في فقه العرب ونحوهم ولغتهم بصفة عامّة، عند تقنين قواعدها. يكفي هنا التذكير بالكتاب الشهير لأرسطو «الآخلاق إلى نيقوماخوس» Éthique à Nicomaque أو الأفكارPensées  لمارك أورال Marc Aurèle، الامبراطور الفيلسوف الروماني المتأثر بالفلسفة الإغريقية، وأيضا Tusculanes للسياسي الروماني سيسرون Cicéron وهي مجموعة خمس كتب تعود إلى سنة 45 ق م فيها التيسر لفهم الفلسفة الإغريقية بروما العتيقة التي ورثتها وعمّمتها على المعمورة قبل أن تندثر فيحييها العرب زمن التدوين من طرف غالية أهل الفكر، بما فيهم بعض العرب من نبغاء الجاهلية.

لئن انحاز المسلمون، خاصة منهم أهل السياسة، بتواطئ من الفقهاء، عن هذا المفهوم النيّر لكرامة الإنسان عبر تكريس حقوقه وحرياته -أي فلسفة الإيمان الإسلامي كما نُنظّر لها من منطلق حقيقية ماهية الدين كثقافة- ما أدّى إلى مسخ الدين بجزيرة العرب، فقد كانت لها بعض التجليات في عدد من الفترات، نذكر منها تأثيره بإفريقيا في القرن الثالث عشر خاصة. مثال ذلك شرعة ماندن Charte de Manden في المساواة أمام القانون ونبذ الميز العنصري، هذه الوثيقة المعتمدة اليوم عند اليونسكو، مسجّلة ضمن التراث غير المادي للبشرية. لنذكر كذلك، في القرنين الخامس والسادس عشر، الفقه الإسلامي بإمبراطورية مالي الذي أتى به اجتهاد الفقهاء ونجده في مخطوطات مدينة تومبوكتو المتميّزة بتضمّنها لمبادئ الاعلانات الحديثة لحقوق الإنسان. لا غرو أنّ هذه الوثائق وذاك الاجتهاد سهّلا تطوّر منظومة حقوق الإنسان و وساهما فيها إلى حين اعتمادها بالغرب ثم عالميا كالمحكّم الأخلاقي للسلوك الدَوْلي والدُوَلي لأجل المجتمع الأفضل. أليس هذا ما يذكّرنا بثيمة المدينة الفاضلة عند أهل الفكر القدامى بما فيهم فلاسفة الإسلام؟ 

بذلك، لم يأت التصريح الدولي لحقوق الإنسان المعتمد من قبل الأمم المتحدة سنة 1948 من لا شيء؛ فهو نتيجة نضال من أجل الحقوق والحريات البشرية، لم ينحصر بتاتا في منطقة معيّنة من العالم، بل همّ ويهمّ جميع المجتمعات البشرية؛ وقد لعب فيها المسلمون والفكر العربي الإسلامي بالطبع الدور الهامّ. لذا، ليس من النزاهة والعدل في البحث العلمي تجاهل دور الإسلام في منظومة حقوق الإنسان والاكتفاء -كما يفعل العديد- على ما عرفنا في التاريخ الغربي. فكما يتمّ التذكير مثلا بدور القدّيس بولس Saint Paul وتأكيده على الكرامة المطلقة للإنسان في رسالته إلى الكورنتيين Épître aux Corinthiens أو بشرحها في منشور التسامح المعروف بمنشور ميلانو للإمبراطور كونستانتان الأول سنة 313 م الذي كرّس حرية العبادة والمعتقد. نفس الكلام يقال عمّا ميّز التاريخ الغربي السياسي مثل إصدار المغنا كارتا Magna Carta سنة 1215 بأنكلترا التي طُبّقت ضد الحكم الملكي المطلق في القرن السابع عشر، أو عريضة الحقوق  لسنة 1629 الوثيقة  التي تعود إلى سنة 1679، وهي المرجع الأساس للقانون الجزائي الحديث، والتصريح بالحقوق  لسنة 1689 أساس المفاهيم المعروفة اليوم لحقوق الإنسان بالعالم الأنقلوساكسوني. وطبعا، منها أيضا تصريح حقوق الإنسان ضمن انفاقية فرجينيا في 12 جوان 1776 بالولايات المتحدة الأمريكية التي ألهمت الرئيس توماس جيفرسون لائحة حقوق الإنسان المدرجة صلب التصريح بالاستقلال للولايات المتحدة الأمريكية في 4 جويلية 1776 والتي أثرت أيضا كثريا في صياغة التصريح الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن إبان ثورة 1789، ثم تحرير التصريح الدولي لحقوق الإنسان سالف الذكر. 

كل ذلك من الميراث الإغريقي والمسيحي والإسلامي مهّد لأن تصبح قيم حقوق الإنسان وحرياته أسّ العدالة المكين ممّا كان السبب والنتيحة لتهاوي الأيديلوجيات وانهيارها. وهذا ما أدّى إلى اعتماد حقوق الإنسان كالنمط الأخلاقي الأمثل للسلوك البشري في مجتمع كامل متكامل فيه مضمون العيش المشترك للجميع. فهل نواصل تجاهل السبق الإسلامي في الغرض على المنظومة التشريعية للعالم الغربي بعد الحقبة التنويرية وقد تمّ طويلا تغييب الإسهام حضارة الإسلام فيها، فكان من الغرب سرقة يشارك فيها اليوم أهل الإسلام مع إضافة الاغتصاب؛ وهذا الأفظع إذ كما يقول طرفية: وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة*** على المرء من وقع الحسام المهنّد. ولنا لنفس الغرض عودة.