Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

samedi 9 juillet 2022

De fin à faim d’histoire 3

 الردّ على رسالة رئيس الجمهورية

لا يا سيادة الرئيس،
للأسف ليس للدولة ولا للحقوق والحريات دستور يحميها، كما ليس للشعب ثورة يدفع عنها من يعاديها؛
وإليكم الدليل!



سيادة الرئيس الفاضل، وأول التونسيين المكرّم،

تحيّة من الأعماق مفعمة احتراما لقدركم وتبجيلا لمسؤولياتكم لصالح الشعب.


بما أنّ التحية الصادقة إلزام، في ثقافة الإسلام الصحيحة، بقيل الحق ولو على النفس، أستسمحكم العذر بصفتي أحد أبناء هذا الشعب المظلوم للتذكير:
أوّلا، أنه لا عظيم إلا الله؛ وأنّ إيتاء العظمة لمن ليست له لا بالفعل ولا بالقوّة من شأنه أن يتنزّل في خانة النفاق السياسي الذي أنزّهكم عنه كما أنزّه كل صادق النيّة، أمين القول والفعل، ممّن يثمّن كلمة السواء، وهي لب لباب الإسلام كدين علمي وثقافة عالمية. وهذا الردّ على رسالتكم إلى التونسيين لمن تعاطيّ لكلمة السواء، لا محالة؛
ثانيا، لئن أقول إنّ الشعب التونسي غير عظيم البتّة، فذلك لأن هذا واقع حاله، للأسف في بلادنا إلى اليوم؛ بل لعلها الحال التي سيبقى عليها ما بلّ بحر صوفة، كما أبيّنه هنا وبالدليل لسامي جنابكم، إلا إذا ارتأيتم ما أرى من الضرورة دون تأخير في تحرير هذا الشعب من قيوده التي أفصل بعضها أسفله.
الشعب التونسي، واقعيا، لهو خلاف ما تقولون! فمتى كان عظيما وهو إلى دقيقة كتابة هذا الردّ يرزح تحت قوانين الدكتاتورية المخزية، وهي أساسا نصوص عهد الاحتلال التي زادها الدكتاتور خزيا بقوانين باطلة لا أخلاق فيها. مثال ذلك نصه الفاسد، والمفسد في الأرض، المتعلق بتجريم الزطلة وهو لا يزال إلى حدّ الساعة يظلم الشباب البريء ويهدر مستقبله. فهل أبطلتموه وأنتم تردّدون بلا هوادة أن الشعب يريد؟ ما الذي يريده الشعب غير حقوقه وحرياته؟ لذا نراه يسعى إلى نسيان همومه وظلم الشرط له بتعاطي الخمرة التي حرّمها الفقه، وهو اجتهاد بشري، بينما لم يحرمها الإسلام الصحيح في قراءة موضوعية، آخذة بمقاصده كإيمان إناسي، كوني التعاليم، علميّها؛ فما حرّم الفرقان إلا السكر!
كيف إذن لا تبطلون ما ليس فيه إلا الظلم اليومي للشعب والتنكيل به؟ فأنتم لم تبطلوا إلى هذه الساعة سائر فصول المجلة الجنائية، وهي من مخلفات عهد الاستعمار، تقزّم بنات وأبناء تونس كما كانت تفعل تحت الاحتلال. إنها تجرّم مثلا مجرّد قبلة بريئة أو علاقة جنسية بين بالغين متحابّين ولو كان هذا خارج أطر العادات، وما طغى عليها من دمغجة تقاليد متجنية على الأخلاق الصحيحة، كرّستها عقلية قلّة من النخبة متزمتة في فهم دين الحقوق والحريات فقلبته ظلاميا بينما هو أساسا الدين الثوري التنويري.
من تلك العادات هذه الأضاحي التي يصمّ ثغاؤها الآذان في الليالي الأخيرة، وهذه قبل الأخيرة خاصة، فيقضّ مضاجع الصغار الذين اعتادوا رفقة أغنام جعلوا منها أصدقاء وإذا بهم يذبحونها في يوم عيد لا كسائر الأعياد، تسيل الدماء فيه بكثرة. نعم، هذا ممّا بقى لنا من فهم صلح سابقا للإسلام إلا أنه أصبح غير صالح اليوم لدين لم يفرض الذبيحة إلا مع الحج، وهو الذي لم يجعله، في سماحة تعاليمه، شعيرة إجبارية مطلقة.  كما أنّه لم يمنع من الاجتهاد في تطبيق سائر فرائضه حسب مقاصده السنية؛ كأن نحرص على ألا ننمّى في عيد الأضحى ظاهرة إسالة الدماء وقطع الرأس من الوريد إلى الوريد بالبيوتات نظرا لما أصبح فيها من مساوئ على النفسية وفي المتخيّل؛ وذلك حتّي لا نجعل من الإسلام دين الرهبوت وهو أساسا رحموت كما أتي به صاحب الدعوة في نطاق إتمامه لمكارم الأخلاق.
إنّ ثغاء الخرفان في الآذان هذه الليلة لهو أبشع من المعتاد عندي! إنّي أرى فيه ثغاء شباب شعبنا الذي ظنّ ليلة الخامس والعشرين من جويلية الماضي التحقيق المحقّق لتمجيدكم عظمته الافتراضية؛ فإذا الأيام تمرّ ولا يُسمع أنينه كما كانت الحال من قبل، إذ ظل يرزح كما عهد ذلك تحت القوانين البشعة الهاضمة لحقوقه والتي لطاما تغنّى بها جزافا الساسة، اليوم مثل الأمس، تدوس كرامته في ذات الوقت الذي يُراد منها، بالأمس كاليوم، شعار النظام القائم، بينما منظومته الشرعية هي التي أسست للديكتاتورية ثم رسّختها في الأذهان والتصرفات.
فحتآم وإلام نسكت عن حقيقة أنّ ما يُدعى ثورة ما كان إلا انقلابا تم باسم الشعب، لذا نعتّه منذ البداية بالانقب الشعبي coup du peuple؛ كما نعت بارتداده contrecoup du peuple حركتكم في عيد الجمهورية الماضي; إلا أنها كانت كما سبقها، باسم الشعب دون أن تبطل القوانين التي ترجمه يوميا.

سيادة الرئيس،
من هو الشعب عندكم؟ هل هو المتديّن فقط؟ ما الفرق عندها بينكم وبين أصحاب الإسلام السياسي الذين أدنتم حكمهم للبلاد وقد عاثوا فيها فسادا؟ لقد أسديت لهم النصائح رغم ذلك في مقالاتي وكتبي؛ ولم يكن ذلك لصالحهم ضرورة، بل في صالح الشعب الذي يستحقّ الكثير؛ وأنا لا أكفّ عن ذلك لكل من سعى في خدمة شعبنا ليكون أخيرا عظيما كما تريدونه، بحقوقه الثابتة وحرياته بدون استنقاص.
فأنا ابن الإدارة التونسية زمن عزها، حين كانت للمصلحة العامة معنى ومغزى والمظالم بها من شأنها أن تجد الآذان الصاغية لرفعها، قبل أن تصبح مستشرية وطاغية شيئا فشيئا مع عهد الدكتاتور؛ ولأنا الأعلم بها وقد لحقني ما لحق العديد من المواطنين البررة. إنهم هؤلاء الساكتون عن الظلم لأجل فناء وقتهم في مقاومته، الرافضون للتعويضات وغيرها، لا همّ لهم إلا حقّهم وحقّ غيرهم الذي ليس هو في شيء سوى واجبهم في خدمة وطنهم والإتيان بالإضافة لصالح الشعب المقهور والذي من حقه الحصول على الأفضل المستحقّ عن جدارة. وإنهم يعلمون جيّد العلم، والأمثلة على ذلك عديدة، أنّ قُدّر عندنا لكلمة الحق الاغتيال حسّيا أو معنويا إذا لم يتمّ إجهاضها؛ لذا، هي عندهم أول الجهاد الإسلامي الصحيح، ألا وهو الإتيان بالخبر القاطع أي الكلم الطيّب السويّ، خاصة عندما يصبح أفضل الكلام في النافخات زمرا.
هذا الشعب الذي أدرس منذ أمد تجليات نفسيته الاجتماعية والسياسية لهو في عقليته نتاج عصارة متخيل عربية أمازيغية، فيها التشبث إلى حد الهوس بحرياته، وهي أساسا في علوية رأيه وإن خالف المعقول؛ وفي نغس الوقت هي النزوع إلى حد التأليه لثيمة الزعيم في ثقافة أعلت صاحب الشوكة إلى مقام الربوبية، كما كان من شاعر البلاد ابن هانئ إزاء ممثل سلالة حكمت البلاد ضد معتقدات أغلبيتها.
ذا، وغيره كثير، يعني قابلية التونسي لكل التجارب، وتفتحه عليها، بما فيها الفاسدة أخلاقيا لما في نفسيته من قبول لكل طارف وجديد دون تردّد في التمسك، مع الشطط ظاهرا أحيانا، بالعادات وما دأب عليه من تليد التصرّف. هذا جعل تاريخ بلاده يزخر بالمصائب كما عرفتها أيام العرب في الجاهلية والإسلام إلى حد أن العيد ـ الذي أختم الكتاب وتبييضه في ضحاه ـ كان من أفظع المناسبات في تاريخ الإسلام، إذ لم يمتنع المسلمون ذات أحد تلك الأعياد من التضحية بخليفتهم رغم سنه وقدره في الإسلام. 
كان ذلك جراء تلك الفتنة الفظيعة التي هدمت صرح الدين، لانقسامات سياسية لا محالة، وقد ذكّرت بأطوارها في رواية بالفرنسية صدرت بالمغرب في سنة 2015، ولم تتجن على التاريخ كمل فعل بعضهم لاحقا. إلا أن ذلك كان أيضا لسبب أهمّ هو الفهم المتزمّت للإيمان الإسلامي أقصته عن سماحة الذكر الأول منه، الوحي المكّي الذي أتى رحمة للعلمين كدين حقوق وحريات. فهلا عدنا إليه بأن بدأنا بإرسائها بالبلاد بإبطال قوانين تلك الديكتاتورية التي نُدّد بها علي الدوام ونصوص الاحتلال ونحن لا نفتأ عن ترديد استقلال البلاد من أي تبعية؟ 
فإمّا نريد التمسّك بعادات السلف كما هي وقد هرمت وفقدت الكثير من طرافتها وجدّيتها، كطفل أو شاب يبتغى دوام سن ما قبل الكهولة فالشيخوخة، أو نحيّنها حسب روحها الأصلية الأصيلة فتكون متناغمة مع روح العصر الراهن دون مسخ ما فيها من مكارم أخلاق. وإنّ الامتياز ليدوم طالما ثبتت القناعة والوعي أنّ العلم والمعرفة في زيادة لأجل نموّ الجهل المتناهي لما في بني آدم من نقص أونطولوجي، وأنّ العدل الإلهي لا ينتهي ولا سمّو إليه من الذهن البشري سوى ادعاءً أو رغبةً جامحة فيهما الظلم للنفس وللغير واستنقاص من قدر ذي الجلالة والعلوّ. 
نعم، من الضروري العودة إلى الإسلام الصحيح، دين الحقوق والحريات، ليست مقاصد الشريعة فيه كما قزّمها من لا يرى فيها مقاصد الإيمان الذي أعلاه الله عن مجرد الدين الشعائري؛ وهو ما أنعته بإسلام الموالي. هذا الأخير يكتفي بما وصل إليه اجتهاد السلف وأغلبهم من الموالي، حملة العلم في الإسلام. 
من الواجب اليوم إعادة فتح باب الاجتهاد من جديد وقد أغلقه أهل الشوكة حفاظا على مصلحهم الضيقة، ويكون هذا بإخراج هذا الدين الثوري الذي أتي بحضارة عالمية من حجور الإسلام الأعرابي الذي ندّد به الفرقان. فذا الإسلام المشوه هو ذاك الذي أنتج القراءة الداعشية، وهو إسلام الموالي الذي ليس فيه من الذكر الإسلامي العربي الأول ولا نقيرا. فهلا أمرتم بإعادة فتج باب الاجتهاد في الإسلام حتى نعيد له ما امتاز به من أخص خصائصه كإيمان ثوري صالح لكل زمان ومكان، أي دين ما بعد الحداثة؟ 
فإنه لا إسلام بلا اجتهاد؛ ولا اجتهاد يقف عند حد حوزة علمية أو مرجعية فقهية، إذ دين محمّد أتى بتقويض كل الأصنام، فلا كهنوت فيه ولا كنيسة، والعلاقة بين الخالق وعبده مباشرة مبنية على حرّية المؤمن التامّة وحسن نيته مع رعايته لحقوق الله عليه بالتسليم له كعبد حر كامل الحقوق والحريات الفردية.
لقد توسعت في مؤلفاتي بطروحات عدّة عن هذا الإسلام كذكرٍ أوّل سهى أهل الإسلام عنه فظلموه وظلموا المؤمنين به، منها ما عنونته «الفتوحات التونسية. ما بعد الحداثة الإسلامية»، الصادر بتونس سنة 2017 والذي عدّدت فيه النصائح لساسة البلاد ليعدلوا في خدمة الدين والدنيا بتونس؛ فما أنصتوا لكلامي، فكان أن خابت آمالهم لا في البقاء في الحكم فحسب، بل وفي إدراجهم داخل مدارج عرفان الشعوب الكثيرة. 
في الحقيقة، كانوا لا يعيرون أي اهتمام لكلامٍ صادقٍ صادر عمّن لا عداء يعرفه لأي أحد ولا كلم يمتهنه إلا الطيب الذي فيه الصدقة لمن يستحقها، وحتى لمن لا يستحقّها، منّا من الله على عباده. إنهم كما بيّنته في كتاب آخر صادر هذه المرة بباريس سنة Alzheimer au quotidien : 2020 ـ وهو آخر ما نشرت من مؤلفات عدّة حول ما يُنعت خطأ بالمرض إذ ليس هو إلا شبه مرض اختلقته الصناعة الصيدلية ـ، إنهم مرضي الألزهايمر الحقيقي: الألزهايمر السياسي أي التيه الزمكاني Désorientation spatio-temporelle الذي يعاني منه غالبية حكّام العالم، وبخاصة في بلاد الجنوب، ومنها بلادنا حيث لا تسلم النخب من هذه الآفة، حفظكم الله منها.  

 

سيادة الرئيس، 
كلامكم في رسالتكم لهو عين الحكمة وعين الحقيقة؛ إلا أن واجب كلمة السواء يحملني على التذكير، وفي الذكرى النفع العظيم، أنّ تجليتكم للحكمة ليس فيها حقيقة البتّة، وأنّ تجلّى الحقيقة لديكم لا حكمة فيها، لا إسلامية خالصة ولا فلسفية مدنية. أقول هذا وقد علمتم لا محالة أنه لا خلاف بين الفلسفة والإسلام الصحيح لما بينهما من اتصال، إلا عند من يخبط خبط عشواء في فهم دينه أخذا بما رسب فيه من إسرائيليات، فإذا هم في تهافت مقيت وإذا دينه ملة موالي كما سبق بيانه. 
هؤلاء، وغيرهم كثر، ممّن يتعاطى السياسة بلا أخلاق poléthique، فإذا الديمقراطية عندهم ديمومقراطية démoncratie (daimoncratie)، أي حاجة جن السياسة وسوءتهم؛ هؤلاء يجهلون أنّ المنكر السياسي، بله السياسوي، لفي تعميم ما هو خاص من مساوئ البشر وسوء نية البعض منهم وإلا أسأنا الظن بمن حسنت أخلاقه ونيّنه؛ والمسلم غير المنافق يعلم جيدا أنه لا حكم بالظنة في دينه، دين العدل. كما ليس أيضا وأبدا من دين الإسلام السلام الأصيل، رغم ما شاع عندنا من إسلام الموالي أن الحرب خدعة؛ فهل للسياسة الصحيحة النزيهة أن تنقلب حربا؟ أليست هي أولا وآخرا كلمة السواء المفقودة للأسف لاستشراء ثقافة التسلط والتجبّر وحكم الواحد، بل المتوحّد؟   

 

لنعد إلى رسالتكم الموقّرة حيث أتيتم ببؤبؤ الحكمة وعين الحقيقة، بل فصوصها؛ غير أنّ ما قلتم من الحكمة لا يمتّ بأي صلة إلى الحقيقة وما ارتأيتهم من هذه لا علاقة له بتاتا بتلك. 
من عين الحكمة قولكم حول «ما تقتضيه مبادئ تسيير المرافق العمومية، وأهمها الحياد والمساواة»، وأيضا غايتكم من «إنشاء مجلس وطني للجهات والأقاليم (و)هي مشاركة الجميع في صنع القرار... بتشريك الجميع على قدم المساواة في وضع التشريعات التي تضعها الأغلبية تحت الرقّابة المستمرّة لصاحب السيادة، وهو الشعب.» 
نعم، هذا ما أعتقده شخصيا وما رأيته أنا أيضا فخصصت له ثلاثيتي تونس الاستثناء الصادرة بتونس عن دار تبر الزمان سنة 2017 بالفرنسية L'exception Tunisie، خاصة الجزء الأخير منها بخصوص التنظير لما بعد الديمقراطية postdémocratie. فلعلكم ممن استقى منها بعض الأفكار؛ وهذه الأخيرة طبعا في كل الأدمغة المفكّرة، الساهرة على الإبداع الفكري للأفضل لمجتمعنا! إلا أنّي أضع بعض القواعد ممّا يمكّن ألا تبقى هذه الرؤى هلامية، مجرد هرطقات أو شعائر فضفاضة لا تجذّر لها في الواقع المعيش ولا تداعيات في تفعيل حقوق الشعب بالمحسوس وحرياته بلا استثناء دغمائي. 
لذا، لا حقيقة في حكمتكم عند القول مثلا بأنه «لم يوضع هذا الدستور إلا بناء على ما عبّر عنه الشعب التونسي منذ اندلاع الثورة إلى غاية اتخاذ قرار تصحيح مسارها يوم 25 جويلية 2021». فهل قامت حقا ثورة بتونس، تلك الثروة كغنيمة لبعضهم؟ ثم هل ما تمّ من استشارة ممّا يُعتمد عليه وقد علمتم فشلها رغم ما شابها من تصرفات من الإدارة ذكّرت بما كانت تأتيه الدكتاتورية للتغطية على البهتان والكذب السافر؟  وأيضا، أين في الدستور ما يطالب به الشعب يوميا من حقوق، ومنها حق التنقّل بحرية خارج الوطن إلى حدّ أنه يرمي بنفسه إلى التهلكة لأجل هذا الحقّ؟ 
لقد بيّنت أن هذا الحق من شأن الديبلوماسية التونسية الحصول عليه إذا تجرأت على المطالبة بتغيير تأشيرة المرور الحالية إلى تأشيرة تنقل؛ فما أصغى إليه لا وزيركم للخارجية ولا أحد من أهل القرار رغم مشروعية ما أنادي به وقابليته للإنجاز إذا صدقت النية في تلبية مطالب الشعب قبل المسارعة لتلبية إكراهات البلاد الأوربية مع انعدام الحكمة في سياسة البلاد الخارجية. 
وإنه لا حكمة في القول «إنّ الدستور روح قبل أن يكون مجرّد مؤسّسات» وأنّ «المشروع المعروض...  يعبّر عن روح الثورة، ولا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات»؛ فلو كان ذلك لبادرتم وأنتم المسؤول الأول عن الديبلوماسية التونسية بالحرص على المطالبة بتأشيرة التنقل تلك تلبية لمطالب الشعب وتكريسا لسيادته وسيادة البلاد إذ تؤخذ بصمات التونسيين على أرضهم دون أي مقابل اليوم لمثل هذا التنازل الكبّار.  
هذا، ولا معنى كذلك في القول «لا خوف على الحريات والحقوق إذا كانت النصوص القانونية تضعها الأغلبية تحت الرقابة الشعبية... فضلا عن رقابة دستورية من قبل محكمة دستورية تسهر على ضمان علوية الدستور، بعيدا عن كل محاولات التوظيف بناء على الولاء لهذا أو ذاك». فأي رقابة يأتيها شعب مراقب، لا حقوق له ولا حريات؟ ثم أي علوية للدستور وهو يربط الحقوق بفهم سيادي لمعنى الأخلاق ويربط نفاذه بمحكمة دستورية يعيّنها شخص واحد من بين من يرى نفس رأيه أو له نفس فكره في مدي الحقوق والحريات، وهو ميدان أيديولوجي بالأساس يقتضي تعدد الآراء وتفتح الأذهان لغير المعتاد مما فرضته ثقافة الرأي الواحد؟ 
وإنه، في رسالتكم، من عين الحقيقة القول بأنّه «أفلت الكثيرون من المحاسبة، فزاد الفساد انتشارا، وتفاقمت أوضاع الشعب، على كل صعيد فساد وافتعال للأزمات... لصرف أنظار الشعب عن مطالبه المشروعة التي رفعها في ديسمبر 2010 وما فتئ يردّدها منذ ذلك التاريخ.» كما أنكم لا تذكّرون إلا بما كان فعلا من الحكّام السابقين من «تفقير وتنكيل ومغالطات ومناورات، وقوانين توضع... وقوانين أخرى توضع على المقاس لخدمة هذا الطرف أو ذاك». فلا أحد يجهل أو ينكر أنهم «أفرغوا خزائن الدولة وسائر المؤسسات والمنشآت العمومية، وزاد الفقراء فقرا وإملاقا، وزاد الذين أفسدوا في كل مكان ثراء خارج أي إطار شرعي ومشروع.» وفعلا، «كان الشعب التونسي يحتجّ في الداخل والخارج يتابع ويحتجّ لأنه لم تعد تخفى عليه خافية. كان يتابع وكله حسرة على ما يحصل داخل مجلس نواب الشعب المنحلّ، فلا تشريعات تحقّق مطالبه وآماله...»  
إلا أن الشعب لا يزال يحتج، خاصة لأنه بقي أفرغ من فؤاد أمّ موسى من حقوقه المشروعة وحرياته المهضومة. لذا، فإنه لا حكمة في حقيقتكم إذ لا سيادة اليوم لهذا الشعب ولن يأتي بها الدستور إن لم تُبطل قبل التصويت عليه القوانين الحالية وهي كلها باطلة، لاغية، لا مشروعية لها ولا شرعية.  
فأنتم تقولون مثلا، دحضا لما طال مشروع الدستور من انتقاد بعضهم، أنه «يدّعي... أنّ مشروع الدستور يهيء عودة الاستبداد»، منبّهين إلى أن هذا لا يكون مع «تركيبة المحكمة الدستورية، ولا في إمكانية سحب الوكالة، ولا في حق المجلس مساءلة الحكومة، ولا في تحديد حقّ الترشح لرئاسة الدولة إلا مرّة واحدة...». 
إن التعلّق بالحكمة الصحيحة، علاوة على حبّها، لأثمر من حبّنا لشخصكم الموقّر وتقديرنا لفكركم، ما يفرض القول أن الاستبداد أو انعدامه ليس فقط مع ما ذكرتم؛ فالتاريخ يبيّن أن الاستبداد يكمن دوما في طبيعة البشر ولا يحمي منه إلا تعدّد إمكانيات التصدي له من أطراف عديدة تمنع بعضها البعض من الانحدار إلى التسلّط الذي يلازم طبيعة البشر الناقصة. فتركيبة المحكمة الدستورية لا تضمن أي شيء إذ من شأن أصحاب القانون، خاصة مع تعيينهم من جهة وحيدة، ألا يمثلوا إلا توجهاته واعتقاداته؛ وهي وإن كانت شريفة ليست بالضرورة موافقة لا لأهواء غالبية الشعب، ولا خاصة للعدل كما يجب أن يكون، أي يأخذ بالنظر حقوق الأقليات في هذا الشعب وتنوّع مشاربه. 
أمّا إمكانية السحب للوكالة على الجماهير أو حق مساءلة الحكومة أو تحديد الترشح لرئاسة الجمهورية، فكل هذا لا ينفي وجود قوانين مخزية ودوامها كما هي الحال اليوم رغم كل قناعاتكم بخصوص سيادة الشعب وحقّه في العدل والإنصاف مع تمام الحقوق والحريات.     
نعم، إنه كما تقولون في الردّ على النقد في أنّ «المشروع يهيء لاختلال التوازن بين الوظائف»، وأنّ «التوازن يختلّ لا بالنصوص، ولكن حين يهيمن حزب واحد أو تحالف واحد على كلّ مؤسّسات الدولة»؛   أليست هي الحال اليوم؟ فلم تقبلون بها وإلى متى؟ إنه الدليل القاطع على أنّ النص الفاسد هو الذي يفسد كل شيء؛ وهذه ميزة دولة القانون إذ هي أولا وآخرا دولة النصوص المنتصرة للحقوق وللحريات. فهي تبقى قائمة مع ما تضمنته ولو أتى من لا يحترمها بل وبنقضها بتصرفاته المنافية لها. هذه دولة القانون!   
لذا، وكما ختمتم رسالتكم بالقول أنّ «هذه مناسبة في يوم الاستفتاء لتحقيق مطالبكم وإنقاذ دولتكم»، أقول إن ردّي عليها لمناسبة ثمينة، قبل الاستفتاء، لتخليص الشعب مما يكبّله اليوم ويمنعه من حقوقه القاعدية وحرياته التي ولد بها قبل أن تستعبده قوامين الاحتلال والدكتاتورية. فلئن أردتم كما أنهيتم رسالتكم أن تقول غالبية الشعب «نعم حتّى لا يصيب الدولة هرم، وحتّى تتحقّق أهداف الثورة، فلا بؤس ولا إرهاب ولا تجويع ولا ظلم ولا ألم»، لا بدّ من المسارعة أولا لتحقيق إرادة الشعب في السيادة الحقيقية. فبادروا، على الأقل، بإلغاء أفسد المفاسد في النصوص المطبّقة حاليا؛ وطالبوا أيضا لأجل كل المواطنين التونسيين بتأشيرة مرور تسلّم لهم مجانا ولسنة تعويضا لتنازل السلط التونسية عن سيادتها بخصوص رفع بصمات مواطنيها على أرضها من طرف سلط أجنبية.

 

سيادة الرئيس، 
لئن صدقت النية، ولا مجال للشك في صدقها من لدنكم، من المتحتّم أن تكون إعادة السيادة لصاحبها قبل الاستفتاء. ذلك لأن غياب سيادة الشعب مع عدم إعادتها إليه بإبطال القوانين الباطلة المطبّقة بالبلاد ستجعل أغلبية التونسيات والتونسيين يتجاهلون الاستفتاء. سيتصرّفون كما تصرّفوا سابقا مع ما دُعي باستحقاقات لأن همّهم حقوقهم اليومية وحرياتهم المفقودة في نطاق حياتهم كل نهار، لا دستور تبقى بنوده حبرا على ورق فلا يتغير أي شيء في البلاد مما كان يؤسس لدكترة العهد البائد، أي منظومته التشريعية. 
وأمّا دعوى عدم إبطال أي نصّ قانوني الآن بدعوى الفراغ التشريعي، فهذا من لغو كلام من يدّعي المعرفة ولحنه في القانون الأصيل بما أنه يجعل ظلم النص فوق العدل الواجب لمن يأتي النص باسمه ولخدمته. ثم أليس الإبطال من شأنه التسريع بالتعويض إذا صدقت النية في الإصلاح؟ فهل نأمل منكم إلغاء أو تجميد كل النصوص الباطلة سواء تلك التي تضمنتها المجلة الجنائية أو غيرها من المجلات، وأيضا العدد الوافر من النصوص الإدارية، كالمناشير، خاصة تلك التي لم تنشر رغم محوها لحقوق ثابتة وحريات متوجّبة؟       
فها أنتم لا تتحرّجون من إتيان كلمة السواء بعدم التردّد في تجاوز بعض الشكليات والهنات في النسخة الأولى من نص الدستور في سبيل تزكية النص النهائي؛ فهذا من الامتياز البشري القاضي بقبول طبيعته الناقصة كما أرادها فيه خالقه والمضي قدما في تنقيتها دون لأي وبلا تردّد ممّا يشوبها دوما ومن عدم الكمال في بنات وأبناء آدم. لقد خلق الإنسان على عجل، فإذا هو لا يكف عن العدول عن العدل، وذلك في أفضل الحالات لسهوه أنه أحيانا من الظلم حين يطغى في شكلياته على حساب مضمونه الذي من أصله أن يكون دوما متناغما مع الحكمة الربانية كأفق لا بد من التوجه نحوه، مع الوعي أنّ البشر لا يصلها أبدا؛ فتلك هي الحقيقة كما هي، ما أكتبه باللاتينية تأكيدا لصفتها الغائية vers-ité.        
لذا، كما قمتم بهذا التعديل، فليكن آخر، يأتي فيه التأجيل للاستفتاء مثلا بعد المبادرة بإبطال المنظومة القانونية الفاجرة المبطلة لسيادة الشعب الفعلية! وليكن ذلك مع الدعوة إلى كل النيات الصادقة لاستنباط النصوص العادلة والنزيهة، المؤهلة لتعويض القوانين الباطلة الحالية الملغاة، ثم تثمين نص الدستور النهائي على ضوئها ليصبح أفضل مما هو عليه الآن بتظافر جهود كل النوايا الحسنة المقتنعة بسيادة الشعب وخدمة كرامته. 
فإن لم يكن هذا، فلا تتردّدوا، على الأقل، على إبطال أو تجميد أخزى وأفحش نصوص العهد البائد، رسميا لا واقعيا، مع إرجاء تتمّة هذا الإصلاح المتحتّم لاحقا وفي أقرب الوقت! 
ولتكن بداية البدايات بالإعلام رسميا عن إيداع الطلب العاجل لكل البلاد الصديقة في تحويل التأشيرة الحالية إلى تأشيرة مرور وذلك قبل أجل يحدّد عن قريب تتوقّف فيه السلط التونسية عن كل التسهيلات الحالية المضمونة لتلك الدول، خاصة منها الأوروبية، من حراسة الحدود ومنع مواطنيها من عبورها خلسة كما يفعلون اليوم لانعدام الطريقة الشرعية العادلة والمضمونة لتعاطي حقهم المشروع في التنقل الحرّ، ألا وهو السفر بتأشيرة المرور التي أنادي بها منذ أمد طويل. 
بذلك يكون الأمل صادقا في جعل هذه الصائفة تاريخية بحقّ مع تحرير الشعب التونسي من كل ما يعوقه عن الحياة الكريمة بحرية ويمنعه من الإبداع فيها؛ وهذا طبعا بتمام انعتاقه من كل ما يخنق فيه طاقاته الفوّارة للنبوغ. فهي لا حدّ لها، وذاك هو، وتلك هي، تونس الاستثناء، طرافتها التي بقيت إلى حدّ الآن، نظرا للمحيط القانوني المخزي، مجرّد طبيعة بالقوة لا بالفعل! فليُفَعّل نبوغ التونسي هذا، إذ تلك إرادته؛ وهندسته هذه تقتضي تمام حريته دون أي قيد أو شرط؛ فذي سبيل التألق والإبداع!   
مع التهنئة بعيد الأضحي، دمتم، سيادة الرئيس، قولا نافذا وفعلا محسوسا، في خدمة هذا الشعب الذي لا يريد إلا حقوقه وحرياته التي ذكرت بعضها، وغيرها كثير لأنه لا سيادة ولا كرامة للشعب بدونها كما لا سيادة ولا هيبة للدولة بدون شعب كرامته محفوظة بفاعلية حقوقه وثبوت حرياته يوميا.

 

هذا قول الفقير لربّه، المدين لشعبه بكلمة السواء، والله أعلم في كل شيء، وبصدق السريرة فيه.
 


 فرحات عثمان، الدبلوماسي سابقا، ممّن قطع مع خور الدبلوماسية التونسي منذ               1996، مفكّر حرّ في ديبلوماسية بهجة المعرفة diplomatie de gai savoir             والجرأة على كلمة السّـواء oser la parole de vérité من أجـل روح  إيـمان               شريف fair-pray في نطاق إسلام كوني ثقافي متجدّد، إ-سَــلام ما بعد الحداثة.     




        كُتب ليلة عيد الأضحى لسنة 1443 هجرية، 2022 مسيحية تزامنا مع نشر التصحيح لنص الدستور دون الأخذ به في الاستشهادات، إذ لا يغيّر ذلك شيئا من روح الردّ وغايته؛ وبيّض صبيحة العيد، على وقع صخب المجازر الشعبية المرتجلة  بالمنازل، بعد أن سكنت  أصوات الذبائح. ونشر هذا النصّ عصر يـوم العيد، أعاده الله يمنا وبركة على شعب تونس باستعادة كرامــتــه بحقـــوقــه وحريـاتــه كــامــلــــة، لا شيـــــــة فيــهـــــا.



تحميل الرسالة


فرحات عثمان، سميّ النقابي حشاد والخليفة عثمان
دبلوماسي من أبناء الوطن البررة، أبدال زمن النفاق؛ ومنذ 2011، صاحب تونس الجمهورية الجديدة، مدوّنة في ما بعد الديمقراطية بتونس ما بعد الحداثة