Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 3 septembre 2021

Un i-slam de Nouvelles Lumières 3

 
أي دستور وأي إسلام في تونس؟



تونس اليوم، ومن جديد بعد سنة 2011، في مفترق طريق. فبعد ما سُمّي جزافا ثورة، وما كانت في الواقع إلا انقلابا باسم الشعب - لذا نعتّها شخصيا بالانقلاب الشعبي coup du peuple - سرعان ما غدت ثروة لمن قام بها ومن انضمّ لهم انتهازيا ممن كان في خدمة النظام السابق. لقد بقيت الدكتاتورية قائمة من خلال منظومتها القانونية الجائرة، بل والفاحشة، إذ لم يقع إبطالها رغم أن االدستور الجديد ألغاها. لهذا، ما حدث في 25 جويلية هذه السنة لاقى الدعم من المواطنين واستبشروا به كردة فعل شعبية أو ارتداد الانقلاب الشعبي  contrecoup du peuple على أمل حصول الشعب  أخيرا على حقوقه وحرياته. إلا أن الرّئيس قيس سعيّد بصدد تخييب آمال الجماهير التي صوّتت له بأغلبية ساحقة في الانتخابات لتوصله إلى قرطاج؛ فنحن في اليوم الأربعين بعد ما سمّاه البعض انقلابا جديدا وما كاد يكون ردة الفعل الآنفة الذكر. وإنه ليكون حقا انقلابا شعبيا إذا بادر أخيرا رئيس الجمهورية بالمسارعة إلى إبطال منظومة العهد البائد دون ترّدد، خاصة تلك النصوص التي تظلم الشعب بأن ترفض أبسط حقوقه وحرياته في حياته الشخصية. إلا أنّ العدّ الصاعد لإبطال قوانين العهد البائد ليؤشر على دوام الحال كما هي، وهذا غير مقبول من رئيس الدولة وهو الاختصاصي في القانون العام، إذ هو بذلك يقرّ بقبوله رئاسة دولة اللاقانون بينما يؤكد في الوقت نفسه على سعيه الدؤوب لأجل دولة القانون. ولكن كيف تكون تونس دولة القانون وشعبها تحكمه قوانين باطلة مخزية؟
المشكل مع السيد قيس سعيّد هو أنه يحتكم، علاوة على القانون الوضعي، إلى المرجعية الإسلامية وذلك مثل من سبقه في الحكم؛ ومثلهم قراءته للإسلام متزمّتة، كموقفه الرافض لحق المرأة في المساواة في الإرث. فهوي يرى أن هذا يتعارض مع نص القرآن متجاهلا روحه وهي أعلى من الحرف، وأيضا مقاصد الشريعة التي أعلت أي إعلاء من شأن المرأة فساوتها بالرجل، بل كادت تجعل لها في الإرث نصيبا أوفر من الرجل نظرا لقيمة دورها في المجتمع وفي إنشاء أبنائه. لهذا نرى همّ رئيس الجمهورية لا ينصبّ على مخالفة المنظومة القانونسنة الجائرة، أي قوانين الدكتاتوية التي أبطلها الدستور، بل على الدستور نفسه، فيعمل جاهدا على الخروج من المأزق الحالي بأن يبطل الدستور بدعوى عدم قابليته للتطبيق. وهذا إن كان صحيحا بخصوص الجانب المتعلق بالتنظيم السياسي للبلاد وتوزيع المسؤوليات بها، فهو لا يخص بتاتا جانب الحقوق والحريات الذي لا بد من المحافظة عليه والسعي بسرعة لموافقة القوانين المطبقة من طرف القضاة على ما جاء به الدستور من استحقاقات في ميدان الحريات الفردية. وطبعا هو يرفض هذا بما أنه، في نطره، يخالف مقتضيات الإسلام من زاوية نظره لأنّ ذلك يقتضي حتما مثلا، إضافة إلى الاعتراف بحق المرأة في المساواة في الميراث، بشرعية شرب الخمرة وشرعية المثلية في الإسلام، إذ لم يمنع القرآن الخمر بل السكر، وليس فيه أي تحريم للواط الذي رسب إلى دين محمّد من العادات اليهومسيحية. بهذا يسهى السيد قيس سعيد عن حقيقة ثابتة عنده وعندنا، وهي أنّ السياسة أخلاق أو لا تكون؛ فالإسلام، وهو دين ودنيا، شعائر ومعاملات، ليس إلا ثقافة كونية إناسية. لهذا هو أزلي بما أنّه من التعريفات الرشيقة للثقافة بصفة عامة أنها ما يبقى عندما ينسى المرء كل شيء؛ وهو التعريف الأصح لدين الإسلام الذي يبقى عندما يزول كل الشيء، بما فيه التعاليم السماوية الأخرى، إذ هو خاتم الرسالة الإلهية لأزلية تعاليمه لكل زمان ومكان.
لذلك، في رأينا، حتى تعود لتونس صفتها كبلاد الامتاع والمؤانسة، آن الأوان للكف عن الإساءة لهذا الدين العلمي العالمي بتقزيمه إلى مجرد شعائر. هذا هو الإسلام الصحيح الذي بإمكان الإبداع التونسي أن يرسيه فينقذه مما هو فيه  مو غربة! فأين منابعه الفيحاء كما أتى بها سيد الآنام وقد أتى متمما لمكارم الأخلاق؟ وأين الحقوق والحريات فيه وقد كان ثورة ثقافية عارمة، تناغمت مع الروح العربية التي أكدت على الفتوة، فقال المثل : إنّما المَرْءُ حديثٌ بعده، للحثّ على حسن العمل والتّعامل؟ بهذا وغيره يكون الإسلام دين مابعد الحداثة بامتياز بما أن الزمن الذي أظلّنا هو زمن الجماهير ما بعد الحداثية. لهذا اقترحنا كتابة الإسلام: إ-سلام للتأكيد على ضرورة السلام فيه، أي سلامة اليد واللسان والذهن من الإفساد في الأرض. وهذه السلامة الروحية هي ميزة المسلم الحقيقي، لأن المسلم الدعي لا يمتلك السكينة الربانية التي تسكن أهل التصوف مثلا وقد تقمصوا دينهم على خير وجه . كيف تكون إذن أخلاق هذا الإسلام الصحيح، الإسلام الصوفي؟
أوّلا أنه أخلاق أو لا يكون لا تلك الصفات الكاذبة التي همّها ما ظهر ومناطها الكذب والمراءاة والتملق، إضافة إلى دغمائية في فهم حرف النص الديني رغم أن كل بلاغته في ما بطن فيه من فصوص حكمه؛ ففي الفرقان من جوامع الكلم ما ليس له حصر ولا عد، وما يخفى ضرورة عن العبد أيا كان علمه أمام علم الله. لذلك ميّزت الصوفية بين العلم والمعرفة، وكان أهل العلم في الإسلام يختمون طروحاتهم بتعبير «والله أعلم». فالعالِم الحق في الإسلام، وهذا ما بيّنه العلم اليوم، لهو الجاهل الذي يقرّ بجهله، فإن اغتر وظن أنه علم، فهو يأتي بالدليل القاطع على جهله. الإسلام إذن يُفهم مقاصديا،  لا فقط في تعاليمه بل وأيضا في الإيمان الذي أتى به طرا، أي لا يهم أبدا بما في ظاهره، بل بما رسخ فيه باطنا من حكمة لا يصلها إلا من عرف الغوص في المعرفة الأخلاقية التي هي ككلام الله، لا قاع لها.
ثانيا، أنّ الإيمان الإسلامي المقاصدي هو في مجال العقيدة، أي الجانب الديني للدين، ما مثّله تيار المرجئة في الإسلام. ومعلوم أن الإرجاء على معنيين، كما يقول الشهرستاني في الملل والنحل: أحدهما يعني التأخير، والثاني الإعطاء والرجاء. فالإيمان المقاصدي يقول بتأخير العمل والكسب عن النية والعقد، ولا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. فالإيمان هو التصديق بالقلب وهو لا يزيد ولا ينقص، بل يتزكّى بالفعل الصادق وكف الجوارح عن الأذية.
هذا يعنى أّنه من المتحتّم تغيير فهمنا لعدة مواضيع، لعل أهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإجماع كذلك الذي حصل سابقا عند المسلمين، إذ لا بد له اليوم من الخضوع لقاعدة الاجتهاد المستدام. لهذا لا بد من فقهٍ أخلاقي جديد لنفهم أخيرا أن المعروف، في العربية، هو كل ما كان معروفا وفعله جميل مستحسن غير مستقبح عند أهل الإيمان بالله؛ بذلك سمّيت طاعة الله معروفا لأنه مما يعرفه أهل الإيمان فلا يستنكرون فعله. أما المنكر، فأصله ما أنكره الله والمؤمنون ورأوا قبيحا فعله؛ لذلك سمّيت معصية الله منكرا لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها ويستعظمون ركوبها. وقد حان الوقت لنبذ مفهوم الفقهاء للمعروف وللمنكر الموروث عن السلف؛ فهو من استنباط من سبقهم الذين عملوا بما فرضه الله عليهم من ضرورة الاجتهاد، فاجتهدوا حسب مقتضيات زمنهم وأتوا بما كان مقبولا في عصرهم، متلائما مع ما تميّز به من خاصيات. وبما أنّ كل ما يأتيه البشر ناقص فهو فاسد اليوم. ومع التبدل الحتمي للحياة الدنيا، من الواجب الشرعي الاجتهاد من جديد في تطوير هذا المفهوم لتحيينه حتى لا يبور؛ وهذا ما لا يفعل الكسالى من الفقهاء لبلادة فكرية، فإذا هم يجعلون معروفنا ومنكرنا وكل أخلاقنا مجرّد مومياء!
المعروف اليوم هو كل ما كان معروفا عند البشر المتحضّر، أيا كان دينهم، إذ الإسلام دين الجميع لأنه ثقافة علمية عالمية. فإن كانت طاعة الله من المعروف بدون أدنى شك، فذلك ليس أبدا في الأخذ بشعائر الإسلام فقط مع ترك مقتضيات الإيمان الثقافية، إذ ذاك من إيمان الجوارح فحسب، لا القلب والروح. المعروف، كل المعروف، في زمن ما بعد الحداثة، زمن الحاضر، لهو التعلّق بما يعرفه أهل الإيمان من البشر فلا يستنكرون فعله، سواء كانوا عربا أو عجما، من أهل الإسلام أو من أهل الإيمان؛ فالإيمان أعلى درجة من الإسلام الشعائري. أمّا المنكر،  فهو ما أنكره الله والمؤمنون و رأوا قبيحا فعله؛ وهذا لا يخص من أسلم شعائريا فقط، بل كل من آمن بدون تخصيصٍ ولا ارتباطٍ بالإيمان الظاهري، الذي يمكن لآلة القيام به. بذلك تكون معصية الله هي المنكر الحق لأن أهل الإيمان بالله من كل الديانات، كتابية كانت أو غير كتابية، وحتى من غير الديانات، وهم من خلق الله، يستنكرون فعلها فيستعظمون ركوبها، بما أن الله غير ظلام للعبيد طرّا.
هذه الأخلاق الإسلامية الصحيحة في الإيمان الذي أتى به دين محمد في وحيه المكّي خاصة، والذي بتركه تخلفت بلاد الإسلام عن ركب العلم والحضارة وقد كان، طويلا، منارةً لها. على أنه من الضروري التيقظ إلى أنه لا تخلّف  بين البشر إلا في الذهن، وهو تخلفه في التقوقع ورفض الانفتاح على الغير وعلى الآخر، خاصة في اختلافه. بل ليس هناك تخلّف حقيقي أبدا بين البشر وقد ميّز الله العبد بعقله وحمّله لذلك أمانة تمثيله في الأرض. فالتخلّف ليس إلا عدم معرفة مكنون هذا العقل البشري وما يفرضه من ضرورة الجهاد الأكبر؛ ففي ذلك التزكية المستدامة للنفس، وفيه أيضا وحتما الأخلاق الصحيحة في كل الميادين، دينية كانت أو سياسية.  لذا، كذب من قال أنه لا سياسة في الإسلام؛ إذ الإسلام كله السياسة، لكن في فهمها الصحيح، وهو العمل بدون هوادة ولا تزمت من أجل مدينة فاضلة لكل البشر، أيا كانوا في جنسهم ومعتقدهم ومشاربهم. لقد خلقهم الله شعوبا وقبائل ليتعارفوا، بما أن أفضلهم عند الله أتقاهم بالمعنى الذي بيّناه هنا؛ وهو فصل المقال في الإيمان الإسلامي.