Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 5 mars 2021

Poléthique postmoderne 1

 
سياسة ما بعد الحداثة التونسية


مع ما تعيشه البلاد من أزمة سياسية خانقة، لا بد من التذكيربالثابت السياسي الراهن، ممّا لا يخص بلدنا وحده، وهو وجود قطيعة بين النخب والشعب؛ ذلك ما أنتجه الأنموذج الذي قامت عليه الحياة السياسية، بما فيها الديمقراطية، وقد أفلست حتى في الغرب بما أنها أصبحت مجرد عمليات انتخابية لا تمثل حقيقة رغبات وطموحات العموم. من ذلك خاصة النظام الحزبي، بأحزابه الكبرى المهيمنة على الحياة السياسية، إذ لم يعد يخدم مفهوم الديمقراطية كحكم للشعب. لقد رأينا أخيرا باليونان و بإسبانيا، وغيرها من الدول الغربية، عزوف الناخبين عن مثل تلك الأحزاب للتوجه نحو هياكل صغرى أقرب لمشاغل الناس وهمومهم، وهي عموما نتاج المجتمع المدني. لذا، يرى المحللون، وأنا منهم، وجوب المرور إلى نظام جديد يعتمد أكثر على المجتمع المدني، خاصة بالمدن الداخلية والقرى، من أجل ما يمكن تسميته بالسلطة الشعبية أو الديملوكية Démoarchie. فحتى لا تفقد الثورة التونسية روحها، ما جعل منها الحدث الكبار الذي نعتّه منذ البداية بالانقلاب الشعبي Coup du peuple ، لا بد من ترك التقليد الأعمى لما يقع بالغرب واستنباط الجديد، بدءا بلامركزية حقيقية يكون القرار فيها، في كل ما يخص البلديات والجهات،عند أهلها، أي محليا لا  مركزيا. وهذا يذهب أبعد مما يُسمّى ديمقراطية تشاركية. ولعل الفرصة مناسبة اليوم لمثل هذه الثورة العقلية لاعتماد نظام انتخابي يكون مخالفا لما عملنا به إلى الآن، باللجوء إلى نظام التصويت على الأشخاص مستندا عي علاقة جديدة وجدية تربط بين الناخب والمنتخَب تفرض التزامات على المنتخَب حسب خارطة واضحة المعالم ودقيقة من شأنها -  إن لم يقع احترامها - أن تُفقد المنتخَب صفته وتعجّل بتبديله برديف يُنتخب معه ثم بانتخابات جديدة إن تواصل تجاهل الالتزامات. وقد بيّنت تفاصيل ذلك في مقالات عدة، يمكن العودة لها على مدونتي وهي في مجال ما أسميه بالاقتراع المعقلن على الأشخاص Scrutin uninominal rationalisé . كذلك ننبذ سلطة جن السياسة، هذه الديمومقرطية Daimoncratie التي نسميها ديمقراطية.             
إنّ صورة المثال الديمقراطي وإن كانت ناصعة ظاهرا وحقيقة قي اعتقادي، فهي للآن كذلك على السطح فقط ، إذ الباطن يخالف الظاهر، كما نراه اليوم مثلا في التطاحن بين مؤسسات الدولة، بله ممثلي الشعب، ليس هو، في نهاية الأمر، إلا لحفنة من الدينارات أو الدولارات. هذا، ولا بد لنا ألا نغفل على الثابت الذي هو الواقع الشعبي التونسي؛ إن كان حقا تعيسا في حياة المواطن اليومية، فهو في نفس الوقت يزخر بقيم تليدة وزخم من تلك العادات والروحانيات التي مكّنته وتمكّنه من العيش رغم الضنك. قناعتي إذن أن تونس تمثل استثناء Exception Tunisie، وذلك بشعبها، لا نخبها الحالية، هذا الشعب الذي دلّل على ما له من القدر الكبير من الوعي، خاصة بشبابه ونسائه. ولا شك أن ذا، طال الزمن أو قصر، يمكّنه من استحقاق الأفضل؛ ولعل ذلك يتسارع لو كانت له النخبة السياسية التي يستحقها، إذ نخبنا الفاعلة اليوم أقل ذكاء من عموم الشعب في حكمته التليدة. على أن مثل هذه الحال لا يمكن لها أن تطول إلى ما لا نهاية لأن المقادير تحرص اليوم، وتونس أرض صوفية كما نعلم، على نجاح تجربتها الفريدة. فما من شك أن لها وافر الحظوظ للنجاح بما أن الأمور ببلادنا مواتية بدون أدنى شك لأجل تشابك مصلحة البلاد مع مصالح البعض ممن يهمّهم نجاح النموذج التونسي وعلى رأسهم الحليف الأول الضروري لتونس ألا وهو الصديق الأمريكي. بقي فقط عليه أن يفهم كما يجب العقلية التونسية؛ فلو فهمها حقا، لسارع في حمل من يساندهم سياسيا  على إبطال قوانين العهد البائد التي تحرم الشعب التونسي من حقه في الحرية على مستوى حياته الشخصية على الأقل في انتظار تطور الأوضاع على بقية الأصعدة. فالترسانة القانونية التي أكل عليها الدهر ولا زال يشرب هي المسؤولة أولا وقبل كل شيء على تعاسة الواقع التونسي. وطبعا، ليس من الصعب بتاتا، إن توفرت العزيمة السياسية، القطع حقا مع  هذا الماضي البغيض، وهو الذي من شأنه اليوم، قبل أي شيء آخر، إعادة الثقة المفقودة بين الشعب وحكامه وإكساب البلاد حقا الصورة الناصعة التي يستحقها. فأهمّ ما يميّز الوضع الحالي لهو استدامة القطيعة بين الشعب والنخبة الحاكمة، بما أن الائتلاف الحاكم تم على حساب التنكر لما كان ينتظره الشعب من تغييرات ضرورية تبطل على الأقل القوانين الجائرة الموروثة من العهد البائد، وحتى من عهد الاحتلال، حتى تُصبح المنظومة القانونية التونسية موافقة للحقوق والحريات التي جاء بها الدستور. لزاما علينا هنا، بعد التذكير  أن الدستور لم يكتسب شاكلته الحالية إلا بفضل العمل الدؤوب للمجتمع المدني، أن نهيب بالجمعيات حتى تواصل النضال لأجل حقوق الشعب المشروعة. على أن هذا يقتضي أن تغيّر من نمط هذا النشاط مما يضمن الفاعلية والنجاح، وذلك مثلا بفرض حقها في عرض مشاريع قوانين جريئة على مجلس النواب في ميدان الحقوق والحريات؛ فهي الوحيدة اليوم التي لها أن تخرج البلاد من جمودها. لها إذن أن تعرض المشاريع وأن تدافع عنها أمام الشعب فتفرضها على النواب لتبنيها مستعينة بالسلطة الربعة التي لا غنى اليوم عنها في العالم، وفي تونس خاصة. بذلك نبني ما أسمّيه ما بعد الديمقراطية  Postdémocartie . إنّ المعارضة الحقيقية زمن ما بعد الحداثة تتمثل في نشاط جمعيات المجتمع المدني؛ فلا بد لها من العمل، لا فقط رفع الشعارات كما نراها تفعل؛ يكون ذلك، كما قلت آنفا، بعرض مشاريع القوانين المتناسبة مع الوضع الإجتماعي. فنحن في تونس نسعى لخلق نموذج جديد قوامه سلطة الشعب وهي في سلطة مجتمعه المدني؛ هذه هي الديملوكية! فعلينا وعلى النخب أن تعلم أن الديمقراطية الغربية أصبحت تسمى ديمقراطية التدجين Démocratie d'élevage وهي غير صالحة لشعبنا الذي يتوق لما هو أفضل. فإما أن يكون النظام السياسي بتونس الجمهورية الجديدة ديمقراطية متوحشة Démocratie sauvage وهذه حاله اليوم   تقريبا أو أن يصبح الديملوكية أي السلطة الشعبية  Démoarchie.
هذا، ولا مانع للإسلام أن يلج السياسة كما ولجتها المسيحية، بل له الحق أكثر من المسيحية بما أن الإسلام دين ودنيا. إلا أنه على أهل الدين القيّم التمعّن في هذه المقولة التي لا تعني بتاتا الخلط بين الدين والسياسة، بل هي الفصل التام كما عرفته اللائكية. فما يجهله أو يتجاهله إسلاميونا، تماما كغيرهم ممن يتحامل على الإسلام، هو أن الحنيفية المسلمة تفصل فصلا واضحا بين العقيدة التي لا تهم إلا الحياة الخصوصية للمؤمن، وهي في علاقة مباشرة مع الله لا واسطة بينهما - إذ لا كنسية ولا كهانة في الإسلام الصحيح - والدنيا أي السياسة التي حكمها في الشورى، أي أصول السياسة كما عرفتها الحضارة الغربية والتي سبقتها حضارة الإسلام، إذ كانت ما عبّرت عنه بحداثة تراجعية Rétromodernité. لقد سبق لي أن قلت أن ديننا لائكي بحق بالمعنى الاشتقاقي للكلمة، وهي تعني ما يخص الأغلبية؛ هذه حال الإسلام. إلا أننا نغلط كبير الغلط إذا اعتقدنا أن ما يخص الشعب هو إسلام متزمت، لأن الإسلام، وكذلك هو في هذه الربوع المغاربية، روحاتيات قبل كل شيء، أي ثقافة لا شعائر؛ لأن الإسلام الشعبي التونسي، والمغاربي طرا، صوفي الأبعاد. هذا أيضا ما سميته بالإسلام ما بعد الحداثي، إذ لا يمكن للإسلام أن يكون حداثيا اليوم نظرا لحداثته السابقة للحداثة الغربية. وللتفريق بين الإسلام الأول والإسلام الحالي اقترحت كتابة إسلام اليوم هكذا : الإ-سلام  I-slam. 9. والحقية أنّ هناك عقدة عَقَدية عند أهل الإسلام السياسي تتمثل في ضرورة التوجه نحو الشرق وبلاد الخليج كدليل على أصالة البلاد، بينما أصالتها  متجذرة في محيطها المغاربي والمتوسطي. ثم هناك أيضا مصالح مادية لعلها تنتفي إذا عرفنا كيف نحصل علىما يعوّضها من الغرب إذا طالبناه بها من باب التعديل للمصالح المشطة له بأرضنا منذ القدم. ويكون ذلك أبضا لسد باب الإضافة المزعومة والمشترطة لبلاد الخليج التي تعمل على شيطنة الإسلام التونسي ومنع بروز سلطة الشعب لما يمكن أن يكون لها من تأثير على أهل الخليج من توق للحرية والعدالة.
أمّا الانتخابات فإنها لم تعد تأتي بشيء عدا الوهم؛ فهي توهم بإن الأغلبية تصوّت بينما نرى جليا أن الواقع يختلف عن ذلك تماما. ليس هذا مما يخص بلاد الجنوب وحدها، إذ كذلك الأمور بالغرب حيث تهاوى النموذج  الديمقراطي كما بينت أعلاه. لذلك، لا يجب الاكتفاء بالانتخابات اليوم، خاصة عندما تتم حسب قانون انتخابي لا يخدم إلا مصالح الأحزاب الكبري، وهذه الحال ببلادنا. لا بد من إجراءات عملية شجاعة تهم الحياة اليومية، لذا لا مناص من الاعتماد على الجمعيات ومكونات المجتمع المدني، وطبعا الإعلام النزيه. وبالنسبة إلى بلدنا، من الحتمي الابتداء بالقطع الواضح مع الماضي في أبشع ما يمثله، أي قوانينة الجزرية. كذلك وجب القطع مع الديبلوماسية الحالية. لقد ولّى العهد الذهبي للديبلومياسة كما عرفته وساهمت فيه في الثمانينات، بل وحتى في التسعينات، إذ لم يقع إقصائي جورا من السلك الديبلوماسي إلا في منتصف التسعينات مع بداية السقوط إلى الهاوية التي لا زلنا فيها؛ إلا أنه لم يندثر نهائيا. فالمؤسف حقا أن بلادنا لا تُعدم كفاءات، إلا أنها مهمّشة أو مظلومة في حقوقها لأجل مصالح قلة يهمها أن تبقى سياستنا الخارجية على حالها اليوم، بما أنّ أي تغيير من شأنه المس بمكتسباتها العديدة. ولا شك أن هذا من المضحكات المبكيات، لأن الديبلوماسي المحنك  يعلم جيّد العلم أنه لا سياسة ولا ديبلوماسية دون الأخذ بمصالح الآخر؛ على أن الفرق بينه وبين الديبلوماسي الكذوب، هو أن له من الذكاء والفنطة ما يجعل له القدرة البارعة على الحرص أن يكون ذلك في نطاق شراكة حقيقية تضمن من ناحية دوام تلك المصالح لأهلها من باب الواقعية، ولكن دون التضحية بمصالح البلاد الأساسية، وهي أساسا مصالح شعبها المهدورة اليوم. هذه هي الديبلوماسية الحكيمة في نطاق سياسة أسميها بالفهيمة Politique compréhensive، وهي  سياسة القيم أو الأخلق السياسي Poléthique، لا سياسة مصالح آنية لا تدوم ولن تدوم بما أن مابعد الحداثة هو زمن الجماهير، وإذا تحركت الجماهير فلا راد لغضبها دون الخسارة العظمى.  نعم، العراقيل متعددة، وهي موضوعية وذاتية متأتية من كوابل في اللاوعي الجماعي والمتخيل السياسي؛ ولعله بالإمكان تلخيصها في عدم القدرة على الخروج من نمط ديبلوماسي متهافت أقامه على مقاسه النظام الغربي المتهاوي. أفضل الدليل على هذه الحقيقة المرة هو خور غلق الحدود ووهم ضرورته الذي نقبل به ونساهم فيه بينما لا بد من فتح تلك الحدود حتى نقضي على الهجرة السرية وما يتبعها من مصائب وجرائم في المتاجرة بالبشر، وحتى الإرهاب. نحن بقبولنا لنظرة الغرب في حتمية التأشيرة وغلق الحدود لا نقدر على استنباط الجديد، بل ولا على رفض مواصلة العمل بما ينقض السيادة التونسية ويخرق القانون الدولي بممارسة رفع بصمات التونسيين من طرف سلطات أجنبية على التراب التونسي. فلو كان في ديبلوماسيتنا  الشيء القليل من الشجاعة لرفضت بعد الثورة مواصلة العمل بالتأشيرة على شاكلتها الحالية وطالبت، كما اقترحتُه، أن تصبح تأشيرة عبور Visa biométrique de circulation  تسلم بصفة آلية ومجانا لكل تونسي لمدة سنة على الأقل مع التمديد التلقائي لنفس المدة عند انتهاء الصلوحية. بهذا، وبهذا فقط، يكون التعويض المناسب للرفع غير القانوني وغير الأخلاقي للبصمات من طرف سلط أجنبية. إن على حكامنا المطالبة بهذا كحق من حقوق التونسي في حرية التنقل وكسب من مكاسب ثورته التي دللت على النضج السياسي لمواطنينا. وهناك أيضا أمر الديون التي كان لا بد من المطالبة برفعها لمساندة النقلة نحو الديمقراطية، وهي متوجبة دوما في نطاق شراكة أخلاقية جديدة بين أوروبا والبلاد المغاربية، إذ لا مناص من خلق مساحة ديموقراطية متوسطية Espace de démocratie méditerranéenne  تفتح الباب لدخول تونس والمغرب آجلا إلى الاتحاد الأوروبي. فالاتحاد متواجد بعد على الأرض المغاربية بفضل سبتة ومليلية؛ فإما أن ينهي هذا الاحتلال المتعلق بسياسة مهجورة أو أن يقبل بالمغرب وتونس داخل اتحاده. هذا هو المنطق الصحيح الذي لا يناهض المصالح المشتركة بل ينمّيها لصالح الجميع! وقل الشيء نفسه فيما يخص الفرنكوفونية إذ من المتحتّم الدعوة خلال مؤتمر جربة بإرساء تأشيرة المرور الفركوفونية لفائدة مواطني البلاد الديمقواطية على الأقل داخل المنظمة. كذلك حان الوقت للكف عن شيطنة ميراث الرئيس بورقيبة والعمل بنصيحته فنطبّع العلاقات مع إسرائيل، هذه الدولة التي لا شك دوليا  في وجودها القانوني الذي هو في نفس الوقت الدليل القاطع على وجود الأخ التوأم لها، أي  دولة فليسطن. إننا بالتطبيع، الذي يرفضه بعض من يدعي الحكمة في السياسة، لنعمل حقا وبصفة فاعلة على العودة إلى القانوني الدولي الذي تتجاهله إسرائيل، فنشجها على ذلك بتجاهلنا لها.هذا ليس فقط من الخور الديبلرماسي، بل هو من النوك الأخلاقي والإجرام السياسة، لأن من يتبجح عندنا بضرورة عدم الاعتراف بإسرائيل يقبل خفاء التعامل معها مباشرة أو بصفة غير مباشرة. وهو في ذلك يدّعي نفاقا أسطورة علينا طرحها نهائيا، ألا وهي أن الشعب يرفض التطبيع، بينما ليس هناك أي صحة في هذه المقولة، فالشعب أكثر تفتحا وحكمة من قادته اليوم.            
هذا من تابوهاتنا على المستوى الخارجي، أمّا الداخلي، فهو في هذه القوانين المخزية المذكورة أعلاه والتي هي بحق إرهابا معنويا يغذي الإرهاب المادي.  فالإرهاب أساسا نتيجة انعدام الحقوق والحريات وغياب الثقة بين الشعب وساساته؛ لذلك لا بد، في نطاق مناهضتنا له، العمل الدؤوب على إبطال كل القوانين المجحفة لخلق الثقة التي تبقى أفضل ما يحمي البلاد ممن يرفض قوانينها. فإذا كانت القوانين جائرة تظلم المواطن، كيف نمنع أن ينحاز بصفة مباشرة أر غير مباشرة للإرهابي وهو من أبناء الشعب، ولعله ثار على لما تكبّده من ظلم ناله من منظومة البلاد القانونية الجائرة؟ إنه من أوكد الواجبات للنجاح في قطع دابر الإرهاب تحيين قوانيننا حتى نساعد على منع انزلاق شبابنا نحو الهاوية ونسد الباب أمام من همه الاصطياد في الماء الحكم بغسل أدمغة شبيبتنا. لنأخذ على ذلك أمثلة العلاقات خارج الزواج أو تعاطي القنب الهندي أو الخمرة أو المثلية، كيف نمنع من نظلمهم بمثل هذه القوانين المنافية لحقوق الناس في حرياتهم الشخصية وللدستور من التعاطف ولو ضمنيا مع من يريد الشر للبلاد والعباد من الإرهابيين؟ أمّا بخصوص قانون الزطلة، فهو من مخلفات الديكتاتورية التي ظلمت به الشعب لحماية نفسها. وأمّا منع المثلية، فهم من ميات الاحتلال إذ لم يكن الجنس المثلي محرما في تونس وليس هوكذلك في الإسلام خلافا للمعتقد الشائع الذي يأخذ بالعادات اليهومسيحية. فما يجب قوله هنا أن من يجرّم اللواط لا يتكلم باسم الإسلام بل باسم الإسرائيليات التي داخلت ديننا المتسامح إذ هو يأخذ بالفطرة البشرية، والمثلية فطرة في بعض البشر كما دلل على ذلك العلم. كما عليهم أن ينتبهوا إلى أن الجنس تمامي عند العرب وبتونس، لا فرق فيه بين مثلي وغير مثلي؛ ذلك لأن تعبير المثلية والتفريق بينها وغيرها من الجنس هو من ابتداع الغرب في القرن السابع عشر. لذلك فأهل التزمت عندنا، عندما يناهضون حقوق المثلي، لا يعملون إلا بالأخلاق اليهودية المسيحية لا الأخلاق الإسلامية التي قبلت وتقبل بالمختلف. علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نبطل الفصل 230 من القانون الجنائى؛ وليس ذلك فحسب تقديسا للحريات الشخصية بل هو للتدليل على قدرتنا في العيش المشترك الذي يقتضي قبولنا بكل ما يميّز بعضنا عن بعض، فلا حياة مشتركة هانئة وهي روح الديمقراطية أو الديملوكية إلا بقبول المختلف لا فقط المؤتلف لأنه أساس كل مؤتلف؛ ولا شك أن المثلي هو الرمز اليوم لمثل هذا القبول. بقي أن أقول أني عبت على المنافحين على الحق في المثلية تجاهلهم التدليل على أن دعوتهم لأبطال كراهة المثلية بتونس، وهو من مخلفات الاستعمار، يتنزل في خانة احترام الدستور، لا فقط في بنوده المدنية بل وأيضا وخاصة في تلك التي تتبنى المرجعية الإسلامية. فقد سبق لي أن بيّنت في كتب ثلاثة متواجدة بتونس أن دين القيمة، خلافا لليهودية والمسيحية، لا يجرّم المثلية. فلا حكم في الموضوع في القرآن، بل مجرد قصص، خلافا للكتاب المقدس؛ ونحن نعلم أنه لا تحريم في الفقه الإسلامي إلا بحكم؛ كما أنه لا يوجد في اللواط أي حديث صحيح عند البخاري ومسلم؛ كما بيّن العديد من الفقهاء والأئمة أنه لم يصح أي شيء في الغرض، فقال ذلك أبو حنيفة والشافعي في أحد رأييه، وابن حزم الظاهري.        
العلم اليوم ليس كما عرفنا، إذ هو معرفة شعبية، فهو جهالة فهيمة Docte ignorance؛ وهذا ما نجد في أحيائنا وقرانا بوفرة؛ ألسنا عند سماع الكبار منا نُعجب بحكمتهم وفهمهم الصائب للحياة؟ وهذا لا يغيب أبدا من الشعوب، إذ هو في اللاوعي الجماعي. لذا، قناعتي تبقى أن الأدمغة لا زالت بتونس وستزيد، إلا أننا نتجاهلها، فلنا شباب له ممن الوعي الشيء الكثير مما يدفعه إلى التدليل عليه بأي صفة كانت حتى بالانزلاق في المتاهات التي نعلم. إن االتونسي والتونسية لهما سمعة من يعرف حقوقه ويطالب بها حتى بصفة غير قانونية، إذ القانون ليس ضرورة عادلا؛ فلقد قال الروميون القدامي أن العدل المُغالى فيه من الجور Summum jus summa injuria . كل ما في الأمر، بخصوص شبابنا، أن المطالبة اليوم بحقوقهم غير مقبولة لأنها مفرطة  ولا تحترم حقوق الآخر المشروعة. طرحي هنا أن المثال الذي يعطيه لها بعض أهل الساسة والفكر لمن بين الأسباب الأهم في انزلاق شبيبتنا نحو الأسوأ. فالبعض منا لا زال يتمسك مثلا بالجهاد الأصيغر، وقد انتهى إسلاميا كما انتهت الهجرة، بينما عليه ألا يعتد إلا بالجهاد الأكبر، جهاد النفس.فإن كان هذا عند الفلاسفة والساسة، كيف نعيبه على الشباب ومن حقهم الخطأ نظرا لسنهم التي تسمح لهم بالحق في الخطأ ؟ نعم، لكل جريمة مادية عقاب، ولكن ما حال الجريمة المعنوية التي تأتي بالأولى؟ علينا ألا نشك أننا إن نجحنا في تحقيق التناغم بين ما تستحقه التونسية ويطالب به التونسي من حقوق في حياتهما اليومية، من ناحية -مثل المساواة في الإرث مثلا كرمز هام لما له من تداعيات على المتخيل الشعبي-، وبين وضعيتهما ماديا وقانونيا، من ناحية أخرى، نحققق بدون أدنى شك القفزة النوعية المهمة نحو الأفضل. فلا مناص لساستنا من التجرؤ على إبطال الموانع  التي لا تزال تمنع الشبيبة من الحياة كغيرها من شباب العالم، كأن تسارع مثلا في رفع حواجز  التنقل بكل حرية خارج البلاد مما سيساعد على عودة الوعي لها وتجنب دعدشتها. إن الوعي عند الشباب ليس اليوم منعدما تماما، إلا أنه هذا الوعي المغلوط في خدمة البلد الذي نجده في هيأة أخرى عند بعض الساسة وأهل الفكر. فهل يمكن التفريق مثلا بين خور الشباب في اللجوء للعنف المادي وخور الساسة في عدم المطالبة برفع ديون النظام السابق وهي من العنف المعنوي الذي يحتم على تونس تبعية مذلة لا يستحقها شعبها؟ نفس الشى يمكن أن يقال في قوانين العهد البائد التي تضطهد الشعب، والشباب خاصة، الذي يتحتم العمل على استعادة ثقته برفع تلك القوانين الباطلة دستوريا وأخلاقيا.


مقتطفات، بتصرّف، من حواري مع «التونسية»، نشر جزء منه  في عددها  1429 ليوم السبت 9 جانفي 2016 تحت عنوان : الديمقراطية أفلست... والبديل هو «الديملوكية» Démoarchie؛ والنص الكامل على مدونتي: تونس الجمهورية الجديدة :

http://tunisienouvellerepublique.blogspot.com/2016/01/lexception-tunisie-4.html#more