Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 30 octobre 2020

Virtuel islam 4

حقيقة الاحتفال بالمولد النبوي

احتفلنا بتونس أمس الخميس الثاني عشر من شهر ربيع الأول بالمولد النبوي الشريف، كما هي الحال بعموم العالم العربي والإسلامي تقريبا. إلا أن العديد من المسلمين لا يعلمون أن هذا التاريخ ليس هو تاريخ مولد النبي الأشرف، إنما هو تاريخ وفاته. فالثابت عند أهل الذكر أن تاريخ مولد النبي غير معلوم بالتحديد إذ فيه اختلاف، وذلك بخلاف يوم الوفاة التي كانت بالتاريخ أعلاه من السنة الحادية عشرة للهجرة. هذا مما يجب معرفته بادىء ذي بدء قبل الاحتفال، مع الملاحظة أن نفس المشكل جابه النصارى؛ ذلك لأن يوم عيد ميلاد المسيح المحتفل به كل سنة ليس بالتاريخ الثابت الصحيح. ثمّ ما يجب التنبّه له أيضا هو أن الشريعة الإسلامية لا تتحدث عن يوم عيد أو احتفال من هذا النوع، كما أن الصحابة والتابعين ومن تبعهم لم يحتفلوا قط بمثل هذا العيد.  لقد استُحدث الاحتفاء بالمولد النبوي تشبّها بالاحتفال المسيحي بمولد يسوع، فدخل الإسلام كما داخلته العديد من العادات الغريبة عنه ممّا سمّي بالإسرائيليات إلى حدّ تشويه تعاليمه الأصليه الأصيلة. ولا شك أن الفرق كبير بين العيد المسيحي الذي يتم تقديسا لنبي يعدّه البعض إلاها، بينما النبي العربي بشر كأيها البشر، لا يمتاز عليهم إلا بالرسالة التي كلفه بها الله والتي لم تجعل منه إلا مبعوثا سنيا، لا ملكا ولا ربّا حتى يتم الاحتفال به والتقديس له. فالتقديس لله والاحتفال لما سنّه الله من أعياد لا لعباده ولا حتّى لأولّهم وسيدهم ، الرسول الذي اختصه الله لرسالته وحباه بوحيه.
هذا الاحتفال إذن لم يكن ممّا أراده الرسول الأكرم ولا صحابته؛ إذ رسول الله في الإسلام لا صفة له خاصّة تميّزه عن الآنام، إلا أنه سيدهم، وذلك بما اصطفاه الله من شرف النبوة. فلا شك أن هذا مما يميّز الإسلام عن المسيحية مثلا، حيث شاعت عادة الاحتفاء بميلاد المسيح. لذلك نرى التيارات السلفية لا تقرّها إلى اليوم إذ تعتبرها بدعة. على أنّ المولد النبوي، رغم أنّ لا علاقة له بنص ديني ولا بروح الإسلام، هو اليوم هذا المهرجان الشعبي الذي تأصّل في المجتمع الإسلامي حتى أقرّه معظم أهل الدين بما فيهم جلة الفقهاء على تعدد مشاربهم؛ فقد أصبح المولد عيدا مكينا في العادات كموسم للتلاقي وربط أواصر المودة. وليس في هذا طبعا ما يمنعه الإسلام، بل هو يحث عليه، إذ محبّة المسلم للمسلم، ولغير المسلم أيضا، من الإيمان؛ كما أنّ صلة الرحم ممّا أوصى بها الرسول، وهي تجد في هذه المناسبة الفرصة السانحة لإحيائها. من هذه الزاوية، لا بأس أن يحتفل المسلم بميلاد نبيه، على أن يكون ذلك عن بيّنة، كالعلم أنه يحتفل بذلك في يوم موته، وأنه لا فرق بين الموت والحياة إذ ليس الموت إلا هذا الامتداد للحياة. فعندما تكون حياة المؤمن صالحة، يحترم المسلم غيره كل الاحترام، فيترك بعد موته الأثر الطيب الذي يجعله حيا بين الأحياء لا كميت الأحياء الذي لا حياة له إلا طالحة، فينعدم ذكره مع مماته وينمحي أثره. ذلك هو الميت الحق لا من يغيب عن الأبصار ويبقى حيّا بذكره وكسبه. لذا، لئن كان من الإسلام شيء في الاحتفال بالمولد النبوي، فهو من هذا المنظار، أي العمل على مراجعة النفس والسهر على التحلّي بمكارم الأخلاق ورعاية حقوق الله في التصرّف مع الغير واحترامه، قبل ما نراه من مراسم غايتها التقديس للرسول الأكرم وهو غني عن ذاك في ديننا إذ رسالته التي قام بها على الوجه الأكمل هي قداسته الحقيقية.  
أمّا من الزاوية التاريخية، فلا شك أن الاحتفال دخيل على الإسلام، كان من ابتداع  القرن الرابع هجري على أقرب تقدير .قبل ذلك، لم تذكر كتب الفقه والتاريخ لنا أثرا عن الصحابة ولا عن التابعين وتابعيهم في الاحتفال بمولد الرسول. فهذا الاحتفال المُبتدع في قرون متأخرة كان أساسا من عادات شعبية تعود إلى ما يذكره  صاحب المواهب اللدنية. فالشهاب القسطلاني يُرجع أصل المولد إلى عادة أهل مكة في زيارة محل ميلاد النبي كما هي العادة عند العامّة في التبرك بالأولياء؛ فلئن كانت هذه حال هؤلاء، فكيف لا يكون ذلك لأفضل خلق الله، رسوله للآنام، خاتم المرسلين؟ هذا، ويبيّن الجامع اللطيف لابن ظهيره وجود عادة الاحتفال هذه بمكة وأنحائها في القرن العاشر، ملاحظا أنّها عادة توارثها الخلف عن السلف؛ مع الملاحظة أنه بحث عن بدايتها فلم يظفر بها. وحسب القلقشندي والمقريزي، الثابت تاريخيا هو أن الاحتفال الرسمي في الإسلام  يعود للقرن الخامس، كان من استنباط الشيعة، إذ ظهر بمصر على عهد الخلفاء الفاطميين؛ ولعله كان للتسويق لأعياد أئمتهم، إذ كانوا لا يحتفلون بمولد النبي فقط، بل ومعه مولد أهل البيت : علي بن أبي طالب وفاطمة ابنة الرسول والحسن والحسين؛ ولعل ذلك كان أيضا يقترن بميلاد الخليفة القائم. لهذا، لم تكن للاحتفال شعبية كبيرة بين عموم المسلمين لتعلقهم بالإسلام السنّي الغالب في بلاد الإسلام. فرغم استمرار هذه العادة الرسمية طوال الحكم الشيعي الفاطمي بالقاهرة ومصر والشام، بقيت لا تهم عموم الشعب حتى اختفت مع سقوط الخلافة في القرن السادس وقيام الدولة الأيوبية التي سارعت بمحوها، مقتدية بما كان  ساريا بالخلافة العباسية، أي انعدام أي احتفال.
لقد قاوم فقهاء السنّة طويلا ما سمّوه بدعة، لذلك ظلت لوقت طويل مجرّد احتفال محدود الانتشار، لا يهم إلا حاضرة الخلافة الفاطمية وبعض القرى أو المدن حسب اجتهادات وحمية بعض العمّال. وهذا الرفض الذي كان تقريبا لدى عموم الفقهاء هو الذي أدّى إلى منع الاحتفال بالمولد النبوي من طرف الخلافة العباسية بعد قرن ونيف، وذلك سنة 490 هجرية. إلا أنّ العادة الشعبية كانت تعود إلى الظهورأحيانا لتُمنع من جديد ثم تعود مجددا؛ وكان ذلك يتم خاصة من طرف سلطات شيعية النزعة. ثم إنّ هذه العادة انتهت بالتأصل لما فيها من جانب يميّزها كمهرجان جماهيري، رغم بقائها محل رفض من طرف العديد من الفقهاء، خاصة السلفيين منهم، وأيضا البعض من فقهاء السنّة مثل الإمام الشاطبي.
وبما أن أصل الاحتفال كان شعبيا بتأثير من العادات النصرانية، فقد عاد للظهور بالموصل ونواحيها في القرن السابع. ويبدو أن أول من أحياها صاحب أربل  الملك المظفر أبو سعيد كوكبري . عندها، سرعان ما انتشرت بالعراق، عند الأكراد خاصة وأهل الإسلام من الموالي وعند المتصوفة. وقد وصف سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان البعض من هذه الاحتفالات التي كانت وسيلة لأهل السلطة لدعم نفوذهم بين صفوف الشعب اعتمادا على الدين. وطبعا، استعاد الاحتفال من جديد خصوصيته الشعبية، أي الاحتفال بمولد الرسول وحده دون أئمة الشيعة.
 ثم مرت عادة الاحتفال النبوي من الشرق إلى المغرب والأندلس بواسطة الرحلات المنتظمة بين طرفي بلاد الإسلام، أدخلها البعض من الفقهاء المحدثين كأبي الخطاب بن دحية البلنسي صاحب التنوير بمولد السراج المنير، كما يذكر ابن خلكان. أمّا أول من سعى في إدخالها من أهل السلطان فتقول الآثار أنه أمير سبتة أبو القاسم العزفي، الذي حكمها في الشطر الثاني من القرن السابع، كما بيّن ذلك أبو العباس المقري في في أزهار الرياض، وكان هذا رغم استنكار بعض فقهاء زمنه لتلك العادة الشعبية. إلا أن وجهاء المذهب المالكي أقروها وعلى رأسهم الشيخ أبو موسى ابن الإمام، فسارع ملوك المغرب والأندلس في الأخذ بها وتفنّنوا فيها تفنن النصارى في عيد نبيّهم، كما روي ذلك بإطناب صاحب نفح الطيب. هذا بالمغرب؛ أما بالمشرق، تماما كالمالكية المغاربة، استحسنت الشافعية العادة الشعبية فأيدها إمامهم عبد الرحمان أبو شامة مما جعلها تنشر أيضا وتعم البلاد.
رغم ذلك، وقبل القرن التاسع، ما كان الاحتفال رسميا، إذ كان له المجيز والمانع، ولكل أحكامه وحججه المقبولة. إلا أن الموقف المؤيد لأئمة ذائعي الصيت، مثل السيوطي وابن حجرالعسقلاني وابن حجر الهيثمي، كان له التأثير الحاسم في تجذر هذه العادة حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم. فمما يمكن ذكره هنا ما أتى به الإمام السيوطي من أدلة في كتابه حسن المقصد في عمل المولد الذي رد فيه على حجج أحد أئمة المالكية المتأخرين  تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني وقد صنّف فيه كتابه المورد في الكلام على عمل المولد، معتبرا  عمل المولد بدعة مذمومة. لذلك، بعد فتور في القرن العاشر بالبلاد المغاربية لم يدم طويلا، غدا الاحتفال بالمولد العادة الشعبية والرسمية التي عهدناها، وهي خاصة مما تحتفل فيه الصوفية أي احتفال في زواياها بتلاوة الذكر والأوراد. ولا شك أن تعلّق العوام به كفرصة احتفالية لا تقوية هو السبب الأساس الذي أحيا المولد ودعّمه.