Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 16 octobre 2020

Virtuel islam 3

مدنيّة الدولة الإسلامية



قناعتا إنّ رجعة الإسلام الأوّل، إسلام البداية، ممكنة ومتحتّمة بعد الغربة التي وصلها؛ فإمّا الضياع، وهذا مستحيل إذ الله يحفظ دينه من التلاشي — خاصة وأنّ فيه هوية العربي،إذ هو ثقافة قبل أن يكون دينا —، وإمّا النشأة المتجددة، أي التعافي من مرضه الحالي. قناعتنا أيضا أنه من الممكن التمهيد لهذه النشأة المستأنفة بتونس حيث بها جاهزة اليوم الأرضية الشرعية الوضعية مع مفهوم الدولة المدنية الذي كرّسه الدستور؛ علما وأن الدستور نصّ أيضا على المرجعية الإسلامية. ورغم أن البعض من أهل القانون والدين يرى تناقضا في مثل هذا التأليف بين المدني والديني، بديهي أن الدين والدولة في الإسلام صنوان، إذ الإسلام، خلافا لليهودية والمسيحية، دين ودولة، فهو وحدة روحانية ثنائية أو وحدانية، وليس هو أحدية أو واحدية غير قابلة لأي تعدّدية أو تنوّع . لذا، فمفهوم الدولة المدنية إسلامي بطبعه، تماما كأي آدمي هو بطبعه مدني. إلا أن العديد يفهمه غلطا فيذهب به ذلك إلى القيام ببعض التصرفات الخرقاء أو تأييدها، وهي تلك التي تظلم الدين والدستور معا. مثال هذا تثمين الدعوة الصادرة عن سلطات رسمية إلى صلاة الاستسقاء أو بث الآذان على موجات القنوات الإعلامية العمومية أو أيضا الخرق السافر للدستور وللدين في عقر مؤسسة تسهر مبدئيا على احترامهما، ألا وهي مجلس النواب، والذي يتمثل في قطع جلسات المجلس لإقام الصلاة. فما من شك أن كل هذا يخالف مفهوم الدولة المدنية وبالتالي يناقض الدستور نصا وروحا كما يسيء للإسلام في أفضل ما فيه، أي تأليفه بين الدين والدنيا بموافقة بين مختلفين، هما المجال العام والخاص، موافقة تناغم لا نشاز.

مدنيّة الدولة عندنا إرث بشري تليد. فالبشر مدنيون ما داموا لا يعيشون إلا جماعات، وليس ذلك بمعنى التخلق بطباع أهل المدن والعمران، بل إشارة للانتقال المتحتّم من الهمجية إلى حالة الأنس، أي العيش الآمن مع بني الإنسان؛ ولا شك أن هذا لا تختص به المدن وحدها، إذ هي أيضا حال القرى، بل وحتى ما يميّز أهل الوبر، البدو الرحل، رغم ما شاع من مناقضة المدينة للقرية واعتبار أهل المدر نقيض أهل الوبر. مثل هذه المقولة انتهت صلوحيتها إذ العمران بشري قبل أن يكون بناء وتمصيرا؛ فكم من قبائل هدمت مدنا وبنت حضارات، وكم من حضارات متمدّنة توحّشت فيها الأخلاق وتهيّجت، فصارت الحياة بها أعتى وأوحش من واقع الصحاري والأدغال ! لذا، مدنية الدولة أو الدولة المدنية في الإسلام هي أولا وقبل كل شيء في العمران الذي لا يجب قصر فهمه في البنيان، بل اعتبار أنه كل ما يُعمر به البلد فتحسن حاله، لا فقط من كثرة الأهالي وتجميع الأعمال أو التمدّن، وإن كان ذلك صحيحا، بل أيضا وخاصة في التكاتف والتناصر والتحابب والتآخي والغيرية، أي كل ما يزخر به ديننا من تعاليم ومكارم أخلاق. إنّها الحضارة والتقدم؛ فهل أفضل من التقدم الأخلاقي؛ أليست الأمم الأخلاق؟
أمّا مدنية الدولة الإسلامية فهي في فصل الخاص عن العام. بهذا يمكن فهم مدنية الدولة الإسلامية على حق، أي أنها الدولة، مدنية كانت أو بدوية، بالمعنى العمراني القديم؛ ولا شك أن الإسلام، رغم استقراره بالمدينة ثم بدمشق وبغداد، بقي بدوي الروح، خاصة في عهد الإمبراطورية الأموية، لطبيعة القبائل العربية. رغم ذلك، فقد كانت هذه الأخيرة النواة لجعل دين الأعراب هذا الدين الحضاري العالمي المنتشر بكل أصقاع المعمورة. ذلك أن الدولة الإسلامية المدنية تعني الاعتراف بمجالين متساويين : المجال الديني والمجال المدني. الأول يختص بالدين ويخصّه وحده، فيه العلاقة مباشرة بين الله وعبده، لا دخل لأحد بينهما؛ إذ لا كنيسة ولا كهانة في الإسلام، ولا حتى مرجعية إمامية كما نراه عن الشيعة، وهو من الخطأ التشريعي الفاحش. أما المجال الثاني، فهو المجال المدني أي العمومي، ميدان المعاملات، وهو الذي يخص شؤون الحياة العمومية حسب ظروفها الآنية وتطوراتها وتداول النواميس والأعراف بها؛ ولا دخل للدين فيها وإلا فقد قداسته فمسّه ما يمسّ أمور الحياة الدنيا من خساسة وفساد. ولا شك أن ذا ما رأيناه طوال التاريخ الإسلامي حين أصبحت ذمم العديد من رجال الدين، بما فيهم البعض من كبار الصحابة، كأبي هريرة، تُشترى بمضيرة، أي تلك الأكلة الشهيرة في زمن المؤسّس الأول للدولة الأموية. هذا أيضا ما نشاهده اليوم، زمن الدعدشة لدين القيّمة.
بما أن خلط الخاص والعام مفسدة للدين، فالواجب الأكيد لحمايته يقتضي المفاصلة بين المدني والديني، خاصة عندما تصعد سدة الحكم أحزاب لها مرجعية دينية؛ فالدين للجميع، مؤمنا كان أو غير مؤمن، تماما مثل الدولة، وذلك لا يتم إلا بتعايش وتناغم تامّين. فلا ميزة في هذا المؤتلف الإسلامي بين مجالين مستقلين عن بعضهما، لا للمجال الخاص، أي الديني ولا للمجال العام، أي المدني، فهما في نفس الدرجة والأهمية؛ كما لا خلط بينهما ولا تداخل، وإلا انفصلت حبات عقد الإسلام. هذه هي علمانية الإسلام التي سبقت لائكية الغرب بزمان. فبعدم الخلط بين العام والخاص كوّن الإسلام عقده الفريد الذي واسطته هي التسليم لله ولمشيئته، أي أنه الواحد الأحد، العارف بمصالح عباده في أمورهم الخصوصية وحرياتهم الذاتية، ولا لمخلوق أن يخلفه في ذلك. ولنذكّر بأنه لم يكن لله إلا خليفة أوحد هو الرسول الأكرم. فمعلوم أن الخليفة الأول بعد الرسول كان يحرص على أن يُدعى خليفة رسول الله، وكذلك كانت البداية مع الخليفة الثاني الذي قرر اختيار لقب أمير المؤمنين عوض خليفة خليفة رسول الله حتى لا تطول التسمية. ورغم أنه لا خليفة لله بعد الرسول، فقد انتحل هذه الصفة الحكام العرب عندما أصبح الملك عضوضا، ثم وصل بهم الخور إلى التجرؤ على التسمّي بلقب خليفة الله في الأرض، مساوين أنفسهم بالرسول الكريم ! في هذا ما يبيّن جليا مساويء الخلط بين الدين والسياسة إلى حد الخروج من الدين الصحيح إلى شبه دين لا يمتّ بصلة إلى الإسلام، خصوصا وأن الإسرائيليات كثرت في ديننا إلى حد تشويه تعاليمه السمحة؛ فإذا هو هذا الإسلام المريض الذي لا علاقة له بدين محمّد الأصيل.
بالتالي، لا شك أن مدنية الدولة كما بينّاه هي الضامن للخروج من مرض اللخبطة القيمية التي عليها أهل الإسلام، وقد مرض وفسد اليوم إيمانهم فصار جاهلية جديدة، تقتضي تخليص إبريز الإسلام مما شانه من السياسة وذلك بالنأي بها عنه. ولكم رفض فقهاء أجلاء خلط الدين بالسياسة وحرصوا على عدم الاتساخ بأدران الدنيا ! فلا إسلام سياسي إلا بالمعنى السالف الذكر للمدنية الإسلامية، أي الدولة المدنية. وهي تفرّق جليا بين مجال الدين — تحصره في الحياة الخصوصية للمؤمن حيث يحافظ على كل حرياته الشخصية لما للحياة الخصوصية من حرمة في الإسلام — والمجال العمومي، وهو ميدان الحياة السياسية حسب مباديء سلطة الشعب بمواصفاتها العالمية. مع العلم أن أهل المجال الخاص لهم وحدهم إمكانية الدخول للمجال العام، إذ العكس غير ممكن للسبب المذكور أعلاه، أي الإساءة للدين. على ألاّ يكون دخول الميدان العمومي من طرف أهل المجال الخاص، أي المتديّنين بالأخص، بما أنّهما متساويان، إلا للإتيان بالمثل الأسنى وتقمص مكارم الأخلاق فحسب، لأن المسلم هو الذي يأخذ بها ويعمل على إتمامها، إذ تلك الرسالة النبوية في بلوغ المؤمن الخلق العظيم. فأي عظمة أعلى من خُلق لا يمد فيه المؤمن يده ولسانه على غيره ويغض فيه النظر عن كل ما لا يُعجبه، بما أنّه لا إكراه في الدين الذي هو حريات أساسها النية الصادقة والمثل الأعلى. هذا هو الإسلام السلام  (الإ-سلام) الذي يتوجّب الإحياء مجدّدا!