Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 4 septembre 2020

L’imagination au pouvoir 3

في سلطة الشعب أو «الديملوكية»

نحن نبيّن في كتاباتنا أن زمن ما بعد الحداثة الذي أظلنا يقتضي منّا تغيير مفاهيمنا القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب بمفاهيم محدثة أكثر تأقلما مع الزمن الراهن، عصر الجماهير بلا منازع. من هذه المفاهيم التي أُفرغت من كل معنى مفهوم الديمقراطية أو حكم الشعب، هذ المصطلح المركب من لفظين إغريقيين : ديموس أي الشعب وكراتوس أو cratie أي الحكم . لقد أصبح هذا النموذج للحكم مطية لأباطرة سياسة التسلط على الشعب باسمه لكن لمصالحهم الخاصة، وذلك عبر آليات لم يعد لها أي دور في تمثيل الشعب حقيقة، ومنها الانتخابات. وذا ما يحدث في الغرب، مهد الديمقراطية، حيث هي في أزمة خانقة، بله في انحلال تام، إذ هي في أفضل الحالات ديمقراطية الخنوع والخضوع أو التدجين Démocratie d'élevage، ولا يقابلها طبعا إلا ما وُصف بالديمقراطية الهمجية أو Démocratie sauvage التي ليست لها من ملامح إلا التحرر من قيود النظام الخادع المتآكل.
لذا، من باب الضحك على الذقون والاستحمار التبجح بتطبيق حكم الشعب في بلداننا بينما لا تسعى  الأحزاب فيها إلا إلى الحكم، همّها مصالحها لا غير. فالديمقراطية عندنا لا تعدو أن تكون إلا ما أطلقتُ عليه اسم الديمومقراطية Daimoncratie  أي مفازة الجن التي ترتع في السياسية كما هي حالها في الصحاري. وبما أن كل ذلك يتم باسم الشعب، وأن هذا الأخير في زمن الجماهير ما بعد الحداثي أكثر وعيا وانتباها لحقوقه ومصالحه، فلا يمكن للأمور من هنا فصاعدا أن تدوم على حالها وإلا ساءت على النخب. ذلك لأنه لا نخبة اليوم إلا إذا انصهرت حقا مع الشعب وحاله فأخذت برؤيته للواقع المعيش. وهذا لا يكون إلا بنظام جديد للشعب فيه سلطة حقيقة عبر المجتمع المدني، يقرر مصيره على المستوى المحلي بنفسه؛ فتكون النقلة إلى سلطة الشعب أي الديملوكية (أو الديموأرشية) بالاستعاضة باللاحقة الإغريقية   archie  على cratie  في دمجها مع البادئة الإغريقية التي بمعنى الشعب، كما الحال في الملوكية مثلا Monarchie.
بالطبع، ليس هذا ما نراه عندنا. فنخبنا، ما إن يتم لها الصعود إلى سدة الحكم، تتبجح بحصولها على أصوات الأغلبية (وهي خدعة تقنية كما نعلم) لاستباحة كل ما لا يقره ضرورة واقع الأغلبية الحقة التي لا يُعترف بها رغم وجودها ورغم إنّية معاناتها وواقع ازدرائها. ذلك ما تجلت به الأحداث عندنا منذ الانقلاب الشعبي، أو ما يُسمّي بالثورة، الذي أتى بسقوط الديكتاتورية. فقد سارع أهل الحل والعقد بعالمنا المعولم من خلال التحالف مع الإسلام المتوحش إلى نصرة عبث جن الرأسمالية بمصالح الشعب ضد  أبناء الشعب، وقود الثورة المزعومة؛ بل رأيناهم يستهينون بهم فينعتونهم بالأوباش والرعاع، زاعمين أنهم يشيعون الفتن؛ وهاهم إلى اليوم في تعاسة الظلم والقهر، يخيرون الموت بقاع المتوسط على العيش بلا حقوق . فهلا تكلمت الساسة في أسباب هذه الفتن وقالت كلمة الصدق في أسبابها! أليست هي الشطط في التصرف في الصالح العام وانعدام العدل والانصاف في التعامل مع الحرفاء وهضم حقوقهم ؟ هنا يكمن خطأ الحكومات المتعاقبة في البلاد عندما تنتصر ضد شعبها للرأسمالية المتوحشة رغم أنها تسعى لجعله حملان قرابين لجشعها اللانهاية له. وهذا منها ليس بالجديد، طبعا؛ إلا أن الجديد هو استحالة تمادي الأمور كما هي، أي استدامة السكوت والتنصل من المسؤولية رغم تواصل التواطيء الفاحش من طرف من دوره رعاية حقوق الشعب، فإذا به يرعى حقوق أهل المال.
 إن الشعب التونسي كسائر شعوب بلاد الإسلام المضطهدة له من الحكمة الشعبية الزاد الوفير، وهي أساسا ذات بعد روحاني صوفي. لذا تراه يحتمل الأذية قدر المستطاع آملا في عودة الوعي لظالميه، تاركا بيد الله والمقادير أمره في هذه الدنيا كما له الأمر في الدار الآخرة. إلا أن النقلة الزمنية التي أشرت إليها أعلاه جعلت من المستقبل حاضرا ومن الآخرة بدءا، في زمن أصبح لولبيا لا اختلاف فيه بين ما مضى وما سيأتي، لأن الذي سيأتي ليس إلا ما أتى بعد، فمصير العبد هو التناغم بين ما مضى وما يأتي. هذا التسارع للتاريخ وفي التاريخ هو الذي نراه يتجلى مع التعاجل الطابع للوضعية البشرية التي لم تعد تنتظر الدار الآخرة لحساب من أساء إليها، بل تطالب بها في الحاضر لاشتداد الظلامة وازدياد العدوان باسم الأخلاق والدين.
إنّ اللاوعي الجماعي اليوم ليُجلّى الآخرة رمزيا في الحياة الدنيا، سواء كان هذا عند الساسة أو سائر أبناء الشعب. عند الأولين، هو التنعم بلذة الجنة عاجلا لاعتقادهم الخاطيء أن من يستحق الآجلة له مثلها عاجلا؛ وهذا فهم غير إسلامي رسب إلى ديننا من الإسرائيليات التي يأخذون به؛ فتلك هي الحال عند البروتستانت، وهي التي أسست لظهور الرأسمالية وتفشيها، كما بيّن ذلك عالم الاجتماع القدير ماكس فيبر Max Weber. أما عند الآخرين، فهي المحاسبة الآنية بلا تأخير دون أن يكون ذلك شكا في أن يتخلص من يستحق العقاب منه، بل هو زيادة نكاية بهم وتشفيا منهم لكثرة فجورهم. هذه صورة الحال في لاوعي هؤلاء وهؤلاء.
هذه النقلة النوعية في المتخيل الشعبي، وإن لم تكن تبدو ضرورة في لاوعي العموم بالصفة التي ذكرتُ، هي التي تغذّي ما نعيشه هذه الأيام من تململ دفين في سائر الجسم الاجتماعي؛ ولات ساعة تردد الآن للساسة في الاجتهاد على التقليص من أسباب التململ الحقيقية دون اللجوء للخزعبلات المعهودة التي لم تعد تنفع، فهي تزيد الأمور تعقيدا. وإن وضع اقتصادنا رغم ما فيه من تعقيدات ومصالح مشتبكة يختزل في نفس الوقت المشكل في صعوبته والحل في حتميته. أما الصعوبة، فهي التنازل عن حقوق الشعب لأهل المال وأصحاب الأطماع حسب اتفاقيات لا بد من تبديل بنودها باسم المصلحة الوطنية؛ وهذا يقتضي الكثير من الجأش والشجاعة لما للرأسمالية من توحش في الذب عن مصالحها. أما الحل، فهو في القبول بمثل هذه الشركات ببلادنا، لكن في نطاق تبادل توافقي ليس فيه الربح لطرف وحيد مع عملائه، بل للجميع، أي للطرف الأهم، صاحب الأرض وخيراتها، أي الشعب، والشعب أولا. وكل الإشكال هنا طبعا، أي في مدى قدرة حكامنا على التضحية بمصالحهم الذاتية لأجل واجبهم الوطني خارج الشعارات الجوفاء، بما فيها الاستغلال التجاري للدين، إذ تلك هي السياسية الحقة، سياسة النية الصحيحة  والأيدي النظيفة. ولا صحة للأولى ونظافة للثانية إلا بالدليل القاطع في مثل هذه الأمور التي لا يتناطح فيها عنزان، أي الحد من الاستغلال الفاحش لساكنة البلاد من طرف من لا همّ له إلا الربح الوفير مهما كانت تداعياته الاجتماعية.
إن الفتنة الحقة ليست في تعهد المجتمع المدني بأمور حياته اليومية في نطاق الديملوكية القادمة كنظام بديل للديمقراطية، بل هي في رفض هذه الحتمية والمداومة على فتح أبواب أوطاننا أمام الرأسمالية المتوحشة.  لقد وجدت هذه الأخيرة في الحركات الإسلامية أفضل وسيلة للتغلغل في أراضينا وفرض هيمنتها عليها، فساندت صعودها للحكم لتلبية مصالحها إلى أن أصبحت القدم التي يتوقف عليها وجودها في الحكم. غير أن الوقت حان في زمن ما بعد الحداثة، الذي دقت فيه أيضا ساعة الرأسمالية المتهالكة، إلى أن يتعرف من يدّعي المرجعية الإسلامية من أهل الإسلام السياسي على أي قدم يقف: قدم المصالح أم قدم الأخلاق. فلا سياسية من هنا فصاعدا إلا سياسة الأخلاق أي السياسة الأخلاقية أو الأخلق السياسي Poléthique في نطاق نظام يأخذ أكثر فأكثر بسلطة الجماهير، أي الديملوكية، وهي ديمقراطية الغد. فهل نسعى إليها بتونس لتعود بحق أرض الإمتاع والمؤانسة التي هي أهل أن تكونها؟