عندما تساعد الكِمَامة على انتشار الفيروس التاجي
تماما مثلما ننطق خطأ كلمة كِمَامة، نحن نخلط في استعمالها، إذ نفرض لباسها اعتقادا منّا في صلوحيتها لمقاومة جائحة الفيروس التاجي المستجد بينما هي مما يؤجج العدوى ويُساعد على انتشارها.
فكل أهل الاختصاص في العدوى ممن لا تربطهم علاقات مصالح مع تجارة الكِمامة يؤكدون أنها سلاح ذو حدين، فيها النفع على شرط احترام شروط معينة يؤدي عدم احترامها إلى قلب المنفعة المرتقبة من الكِمَامة إلى مضرة لا شك فيها. وبما أن دزاسة الشأن المجتمعي تبيّن أن هذه الشروط غير محترمة عموما، فليس في الكِمامة إلا الإساءة للحالة الصحية العامة.
وهذه هي الحال ثابتة بخاصة عندنا.حيث ظروف عيش التونسي ليست نفس ظروف الغربي الذي يقلده ساستنا وينتهجون نهجه في كل تصوفاته بما غيها الخرقاء كإجبراية الكِمامة. لذلك، بتونس بصفة أكبر من بلاد الغرب، إجبارية الكِمامة تساعد على انتشار الفيروس التاجي المستجد!
فالمناخ عندنا شديد الحرارة والفضاءات المكيفة محدودة، والأمورتتعقد بصفة مهولة مع الرطوبة الفاحشة في فصل الخريف الذي هو على االأبولا، ممّا يجعل حتما من الكِمامة العش الأفضل للمكروبات والفيروسات. وهذا ينضاف إلى أن نوعية الكِمَامات المستعملة عندنا التي ليست من النوع الطبي الرفيع.
ثم حتّى هذا النوع يقتضي الحذر في الاستعمال ليأتي بالفآئدة، ومنها خاصة طريقة ومدة الاستعمال المحدودة بساعات قليلة. أمّا بقية الأنواع، فحدّث ولا حرج، إذ فائدتها تكاد تقتصر على التنصل من تبعات عدم احترام إجبارية حمل الكمامة.
أمّا عند من يعتقد في الكِمامة فائدة، فهي تخلق عنده شبه القناعة بأنه في مأمن، بينما لا مأمن إلا بالتباعد الجسدي، علاوة على عدم لمس الوجه وأماكن العدوى فيه، أي الأنف والعينين والأنف قبل غسل الأيدي أو تعقيمها، مع مداومة هذا الغسل في اليوم مرارا. فكم من مكمّم لا يكف عن مسك تلك المواضع دون الانتباه لخطر ما يفعل؛ وكم من لابس كِمَامة لا يحترم مسافة التباعد؛ وكم من صاحب كِمَامة لا يلبسها على قاعدة، أي أننا نجدها لا تغطي الأماكن الواجب تغطيتها تماما أي تلك الأماكن التي من المفروض تغطيتها: الأنف والفم.
ولا شك أن التونسي في ظروف عيشه لا ينتبه بما فيه الكفاية إلى تلك الضروريات المتوجبة لوضع الكِمامة، فحرارة الطقس تجعله لا يحترم طريقة وضعا؛ وهذا ممّا لا يجب أن يخفى على فارضي إجباريتها عندنا. فهل يعرفون حقا ظروف معيش مواطنينهم أم هم يتجاهلونها؟
فلأجل كل تلك الأسباب، وبالأخص مناخ البلاد والعقلية الشعبية، إنه لمن الخور فرض الكِمامة إذ مع كل ما يشوب طريقة حملها وفي صعوبته المساعدة ،وأيّ مساعدة، على تفشي هذه العدوى التي نسعى للتقليل منها، والتي ليس أفضل لمقاومتها مما ساعدنا على النجاح فيه في أوج انتشار الفيرس التاجي أي بالأخص التباعد الجسدي. لنتذكر إذن أن التونسي لم يستعمل الكِمامة في بداية الجائحة وأوجها، ورغم ذلك استطاع الخروج منها بأقل الأضرار وذلك لوعيه باحترام المانع الأول لانتشار العدوى، ألا وهو التباعد الإجتماعي، هذا الذي يساهم الحمل الإجباري للكمامة على عدم احترامه!
لذا، من الضروري السهر على التنبيه والإعلام والحث على روح المسؤولية عوض التوجه للحلول السهلة التي لا نفع منه،ا إذ الاكتفاء بسياسة الردع للإجبار على حمل الكِمَامة لا يؤدي إلا لخلق هستيريا حول وجوبها دون الأخذ بعين الاعتبار بهذين العاملين الأساسيين الذين يجعلان إجبارية حمل الكِمامة قرارا متهافتا: محيط التونسي الحار والواقع الشعبي لاستعمال الكِمامة الذي سيان حملها وعدم حملها لعدم الحرص على التباعد الجسدي. بل إن حمل الكِمامة بدون احترام هذا الشرط، إضافة لعدم التنبه للمواصفات الخاصة بحملها يجعل منها بؤرة للعدوى.
طبعا، لمن يعتقد في ضرورة إجبارية الكمامة أن يقول بأن العديد من الأصوات في العالم ارتفعت لأجل استعمالها، بل وفرضها قسرا؛ على أنّهم ينسون أو يتناسون أن عديد الأصوات الأخري نادت أيضا بعدم فرضها، بل فقط لاستعمالها حسب شروط المذكورة أعلاه؛ وهذا لعمري الموقف الطبي الصحيح، إذ ليست هناك دراسات علمية في صالح الكمامة فقط، وليس تلك التي في صالحها لا نهائية ولا بمعزل عن مصالح قوى الضغط لأجل الكمامة، هذه التجارة الرابحة الجديدة.
هذا، وإن القاعدة الطبية في مثل هذه الحالات تبقي في التريث وعدم التسرّع، ثم الموازنة بين النفع الحاصل من الإجبارية والضرر من ترك الخيار للمعنيين. ذلك ما لا يحترمه كل من قرر إسقاط إجبارية الكمامة إسقاطا دون الانتباه للضرر الذي سيظهر لا محالة في القريب العاجل؛ على أن ذلك، للأسف، من شأنه أن يكون بعد اشتداد العدوى بسبب هذا الخيار غير الصائب في فرض ما ليس منفعته تامة وما مضرته ممّا لا يجب أن يُستهان بها.