Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 3 février 2023

في تجديد إحياء علوم الإسلام 
نمـــــوذج محمـــود محمـــد طـــــه



الضرورة الروحانية الملحة اليوم، أكثر من أي وقت مضى نظرا للغربة التي صار إليها هذا الدين، ليست جديدة إذ تتنزّل في زخم المحاولات المتعددة لإحياء علوم الإسلام الصحيح وقد شوهته العديد من القراءات. وهذه الأخيرة لم تكن بفعل من عاداه فقط، بل خاصة ممن قصر فكره عمّا ميّز الإيمان الإسلامي من روحانية وأنسية أتت بمعجزته كخاتم الرسالات السماوية. من تلك المحاولات التي أجهضها أهل التزمّت بشراكة أعداء الدين القيّم، من الخارج طبعا وأيضا من الداخل أساسا، فكر السوداني محمود محمد طه وقد اختزله في كتابه: «الرسالة الثانية من الإسلام» الذي نجد نصه هنا. 

هذا الكتاب دعوة للتجديد في نطاق واجب تطوير التشريع السلامي الذي هو بمثابة الفريضة التي لا مناص منها على من استطاع إليها سبيلا. وهو يقسّم التعاليم الإسلامية إلى قسمين: مكّي ومدني. القسم الأول تمثّله السور المنزلة بمكة بين سنتي 610 و622 من التقويم المسيحي، وهي الأغلب إذ عددها 86؛ والقسم الثاني المتكوّن من السور المدنية المنزلة بعد الهجرة بين سنتي 622 و632 ميلادية، وعددها 28 سورة فقط. والقسم المكّي، ما أنعته شخصيا بالذكر الأوّل، هو أصل الدين الإسلامي في روحانيته وإناسته وكونيته لتضمّنه لآيات بليغة في التسامح والرحمة والسلام، أي أهمّ ما يميّز دين الإسلام.

الإسلام كما ورثناه وكما يأخذ به الفقهاء اليوم انتهى في نظر محمود محمّد طه، إذ أنّ كل الآيات المدنية، ومنها خاصة تلك المتعلقة بالحدود والجهاد والميراث والسبي والتفرقة بين الذكر والأنثى، انتهت مع انقضاء عهد الرسالة ووفاة صاحبها. فالمفكّر السوداني لا يرى الإسلام بعد وفاة النبي محمّد إلا في الآيات المدنية. فلا إسلام اليوم عنده إلا الإسلام المكّي الذي يبقي الأصل، وهو الصالح لكل زمان ومكان بخلاف الإسلام المدني الذي لم يصلح إلا لزمن الدعوة.

نظرة مفكّرنا تفصل إذن بين الآيات المكّية التي يسمّيها «آيات الأصول» والآيات المدنية التي ينعتها بــ«آيات الفروع»؛ بهذا هو يرفض ما دأب عليه الفقهاء طيلة كل القرون الماضية من تأسيس التشريع الإسلامي على الآيات التي نزلت بالمدينة دون الآيات المكّية واعتبار هذه الأخيرة منسوخة. أنّه يقول أنّ هذه الآيات روحانية الطابع علّقت فقط في العصور السابقة ولم تلغ، وهي اليوم الوحيدة التي تطبّق في عصر يتميّز بصفته الإناسية التي نجدها في الإسلام المكّي. بذلك، ليس هناك أي نشاز بينها وبين خصائص الزمن الراهن من مبادىء احترام حقوق الإنسان وحرية الضمير والتآخي والتحابب بين البشر رغم اختلاف الأديان. كذلك، نجد التطبيق الكلّي بدون أي استثناء للمبدأ الذي كرّسه الوحي المكّي من أنه «لا إكراه في الدّين». 

لا شك أنه من الحكمة وحسن المنطق ما يقوله محمود محمّد طه من أنه لا مجال لأن تصلح الشريعة الإسلامية المستنبطة في القرن السابع في القرن العشرين الذي كتب فيه مؤلفه. ولهو صادق حين يؤكّد أنّ كمال الشريعة الإسلامية «في مقدرتها على التطوّر» وأنّ كمال الشريعة «في كونها جسما حيّا، ناميا، متطوّرا، يواكب تطوّو الحياة الحيّة، النامية، المتطوّرة، ويوجّه خطاها، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله منزلة، منزلة». وهذا يحمله على الدفاع عن قيمة الحرية في الإسلام، الذي يراه -كما نحن نقول- دين حقوق وحرّيات، فيقول إنّ «الحرّية في الإسلام مطلقة بصرف النظر عن ملّته أو عنصره، وهي حقّ يقابله واجب فلا يُؤخذ إلا به». وقد كنّا بينّا في كتاب باللغتين العربية والفرنسية قيمة الحرية في دين الحقوق والحريات إذ هي مدار القداسة الإسلامية (راجع: حقيقة القداسة في الإسلام، الجزء الثالث من سلسلة «في تجديد العروة الوثقى»، باريس، لارماتان، 2022).  

إنّه لمعلوم أنّ هذا المفكّر المجدّد لقي حتفه على يدي سلطات النظام السوداني عند تزعمه من طرف النميري، إذ تمّ تكفيره لجرأة دعواه، خاصة وأنه لم يكتف بالقول أن روح التشريع الإسلامي الصحيح تقتضي المساواة بين الرجل والمرأة في الميرات مثلا، وقد خصص لهذه المقولة كتابه «تطوير شريعة الأحوال الشخصية»، وأنه لا حجاب في الإسلام وأن تعدّد الزوجات حرام، لا مكان له في الإسلام إلا في حالة مرض عضال للمرأة أو حالة عقم تمنعها من الإنجاب، على أن ذلك لا يتم إلا بموافقة المعنية بالأمر وإلا بطل الزواج بثانية. لقد قال أيضا بعدم إلزامية الزكاة لأن الإسلام أتى بها في نطاق دعم دعوة الرسول، لذا هي غير إلزامية في نظره وللمؤمن دفعها طوعا واختيارا من باب التضامن الاجتماعي. كما أكّد بطلان آيات الجهاد؛ وترتيبا على ذلك انتهاء الجهاد بانتهاء مشروعية الآيات المدنية، أي «الإسلام المؤقت» حسب تعبيره. وهو بالتالي لا يرى مانعا من وقف الحرب مع إسرائيل وفي جنوب بلاده السودان، حاثا على إجراء المفاوضات الضرورية لإحلال السلام مع إسارئيل ومسيحي جنوب السودان. 

ولعل رؤيته لموضوع وجوبية الصلاة الذي خصّه بكتابه «رسالة الصلاة» كانت وخيمة عليه رغم أنه لم يكن الأول في الحديث عنها كما فعل. فهو يقول أن الصلاة ليست دائمة، بل مؤقتة وأنها تدوم الفترة التي تسبق ارتقاء المسلم من درجة الإسلام الدنيا إلى درجة الإيمان الأعلى، إذ بعد ذلك الارتقاء تسقط هذه الفريضة الحركية إلى ما يسمّيه «صلاة الأصالة» التي هي بمثابة المناجاة الروحية، أي القلبية والفكرية، مع الله. ولا شك أنه أعطى بهذا لتقوى القلب الصوفية بعدا راديكاليا باعتبار التقوى الصحيحة من باب التجرّد المطلق الذي يسمح بإمكانية عدم الالتزام بوجوبية الصلواة الخمس التي يعتبرها أهل الإسلام التقليدي من أسس الدين المكينة. وقد كانت هذه الآراء، إضافة لنضاله السياسية في السودان، بمثابة القطرة التي أفاضت كأس الضغينة عند أعدائه، خاصة أهل السياسة تالهيمة، فأدت إلى الحكم عليه بالإعدام في 18 يناير (جانفي) 1985 بتهمة الردّة عن الإسلام. كذلك كان الدين مجددا، في فهمه الفاسد، الوسيلة الفضلى للتخلص في بلاد الإسلام من عدوّ سياسي لدود!