Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 4 juin 2021

NOESI-S : Nouvel Esprit I-slamique 7


أي إسلام في المنهاج التربوي؟


لا شك أن منّ أعوص المسائل المجتمعية، بل والسياسية، التي تجابهها البلاد، قضية مراجعة  النظام التعليمي وإصلاحه، سواء للتحديث أو التأصيل، حسب مختلف المواقف. رأينا أنه في الإمكان في نفس الآن هذا وذاك دون منع، كما يدعو إليه أهل التحديث الأهوج، أو تطوير يرمي بالتربية الإسلامية عرض الحائط. فلئن نتيجتها اليوم كما نتعاطاها رهن حرية الفكر، فلا يمنع ذلك البتّة أن لها رهانات لا بد من التنبّه إليها حتى لا تقع مصادرة حتمية التأصل الثقافي دون التنكّر للضرورة القصوى للأخذ بما يفرضه الحاضر؛ وذلك هو التجذر الحيوي.
ضرورة تعديل المنهاج التربوي: رأيي أنه لا مجال من الحفاظ على الإسلام وتدريسه بمدارسنا ومعاهدنا لأن فيه الكثير من هويتنا وأصالتنا؛ إلا أن ذلك يجب أن يتم على قواعد جديدة تأخد بما في حضارة الإسلام من تفتح على الآخر والاغتراف من كل ما صلح في غير الإسلام وفي غير العربية من حضارات. ذلك لأنّ ثقافتنا العربية الإسلامية لم تبلغ أوجها إلا بما تنزّل فيها من فتوحات غير عربية وروافد غير إسلامية  من حضارات سبقت الإسلام  والعرب، كالحضارة الفارسية والأمازيغية مثلا. لذا، ليس من المنطقي ولا من العلمي التنكر لما في مخزوننا الحضاري التليد من ثراء لمجرد أن ما بقي منه تآكل فهرم وساء مآله اليوم. فحال التربية الإسلامية التي أكل عليها الدهر وشرب كماء تعكّر وأصبح مستنقعا لانعدام تجديد مائه بانعزاله عن منبعه وتوقف انسيال مياهه وهي في عينها عذبة زلال. 
إنّه لا يخفى على أحد أنّ أهمّ ما يطمح إليه الحزب الإسلامي المهيمن على المشهد السياسي، مع دعم حثيث من شرق فاحش الثراء والغواية، ومن غرب مغرق في المادية، هو التأثير المتدرج على العقول، وذلك يبدأ بالتأثير على الجيل الصاعد. من هنا نفهم الأهمية القصوى التي يعطيها للبقاء في الحكم، كلّفه ذلك ما كلّفه، حتى يتسنّى له على الأقل مواصلة مهمته التي يعتبرها من باب القداسة الدينية، وهي العمل على ترسيخ الدين في الألباب. فلا يجب أن نشك لحظة أن حزب الشيخ الأستاذ الغنوشي له من المشاريع الإسلاموية في الميدان التربوي ما يحمّسه لشرعنة البقاء بأي ثمن في مجرة الحكم حتى وإن اضطره ذلك على التحالف مع من كان يعتبره شيطان السياسة الرجيم. أقول إسلاموية  لأن تعديل النظام التربوي بالأخذ بالدين ليس بالضرورة أسلمته كما تعتقد النهضة وأهلها.
إنّ مدار المناورات السياسية الحالية بالبلاد هو حفاظ النهضة على الحكم أو جزء منه، إذ كل شيء قُدّر حتى تتجاوز البلاد محنة التطرف والتخلف التي تعيشها اليوم في نطاق اتفاق عقلاني يفرّط فيه كل طرف ذي شأن عن البعض  من غلوه الإيديولوجي لمصلحة البلاد. ولا شك أنّ ما يتمسك به قبل غيره الحزب الإسلامي هو تغيير النموذج التعليمي لإعادة مكانته للدين فيه وللغة العربية. وإن لمثل هذا الاتجاه كل حظوظ النجاح لما يحظى به كدعم من الحليف الأكبر للحزب الإسلامي، الذي هو في نفس الآن الداعم الأوحد لكل نشاط سياسي له حظوظ الدوام بالبلاد، أعني الحليف الغربي وعلى رأسه الصديق الكبّار الأمريكي. وإننا، لو تجاوزنا مجرد الانفعال وتخطينا عقبة الحكم على الأمور سطحيا وعلى ظواهرها، وغصنا في مكنونها، لا يمكننا إلا إعطاء الحق لمثل هذا التوجه الإسلامي، على الأقل مبدئيا، في العمل الجدي للعودة بالبلاد إلى منابع ثقافتها، أي الإسلام والعربية. نعم، ليست البلاد التونسية عربية إسلامية فحسب، إذ فيها الأمازيغي وفيها غير المسلم؛ إلا أن السمة الطاغية بها هي استعمال العربية والأخذ بالإسلام. لذا، فلا تمانع البتة لأي ذي معرفة بأمور المجتمعات وعلومها السيكوسوسيولوجية أنه لا مناص من تلبية ما في غالبية الشعب من تطلع للتأصل في ثقافته وروحانيته، أي حذق لغته والتحكم فيها مع معرفة دينه والتضلع فيه. فلا لغة عربية بدون معرفة القرآن، ولا إسلام بحق دون التمكن من العربية. ونحن، في البلاد التونسية، لا نحسن لا هذه اللغة ولا هذا الدين! لذا، نجد شخصية التونسي متذبذبة، ليس لها هذا العمود الفقري الذي يتأتّى من التمكن من ثوابت الشخصية. ففي المتخيل التونسي، إضافة إلى رهافة حس وتفتح على الغيرية، ميوعة لا خلاص منها ما دامت منعدمة معرفة الثوابت على أساس صحيح. وما من شك أن هذا التذبذب هو الذي يميز  الشخصية االتونسية فيعطيها طرافتها ونكهتها الخاصة، إذ ليس التونسي كغيره من العرب ولا المسلمين ولا حتى بقية أهل المغرب الكبير. فثمن هذه الطرافة باهض جدا، بما أنه يجعل من الروح التونسية المرهفة قليلة التماسك، وكأنها من البلور، إذ هي سريعة الانكسار كأنها من قوارير. لذا، فالعمل على أن يستعيد التونسي الشيء من ثوابت شخصيته بالعودة لدينه ولغته ليس فيه إلا ما يقوّي هذه الشخصية دون التقوقع بل يدعم تفتّحه على الآخر، كل آخر، لأن ذلك أيضا من ثوابته السيكولوجية. لذلك، فالعودة إلى تدريس القرآن بالمعاهد الثانوية من شأنها تمكين الفتى التونسي من سلاح فتاك يحمي شخصيته بأن يقويها؛ إذ لا فكر لمن لا يقدر على التعبير بلغته الأم ولا شخصية لمن لا فكر له متجذر في ثقافته.
ضرورة عدم مسخ الشخصية التونسية: طبعا، ونحن نؤكد على تلك البديهة، من الضروري تبيان أنّ مثل هذه العودة إلى الجذور، أي التأصل الذي لا مناص منه، لا يمكنه أن يتم باسم إيديولوجية سياسوية معينة ولا على ضوء فهم خاص للدين ومعايير تخالف الثوابت الأخرى لشخصية التونسي كما بينتها. ذلك أنه لا يمكن بحال استغلال الضرورة القصوى للعودة لتدريس القرآن في المعاهد كأفضل وسيلة للناشئة للتمكن لغتها العربية ومعرفة دينها لغسل دماغها بفهم ظلامي للإسلام وتفسير أكل عليه الدهر ولا زال يشرب إلى الثمالة! إن تدريس القرآن بالثانويات كمدخل للدين وتدعيم للغة العربية في نفس الوقت يجب أن يتم بصفة علمية وذلك انطلاقا من أفضل ما أنتجه الفكر العربي الإسلامي في موضوعيته؛ فنحن لا نُعدم من مثل هذا المنتوج العلمي القيم الذي لا نجد فيه التزمت الطاغي اليوم على علوم الدين. فيكون ذلك مثلا باستعمال تفسير الطبري، أقدم وأجل تفسير، لقراءته الموضوعية للقرآن أو تفسير التحرير والتنوير لمواطننا ابن عاشور لجدته مع علميته، أو تعاليق الزكرشي والسيوطي وإمام الحرمين. بهذا، تكون المقاربة عصرية، لا نسكت فيها على كل ما ميز ديننا، كتعدد القراءآت وكثرة الاختلاف  في فهم حرفه. ففي روح الإسلام من ثراء إلى حد التناقض ما يجعله أفضل التجلي لما يسمى اليوم في علم الاجتماع بالفكر المركب والأضدادي  Pensée complexe conradictorielle وهو من أعلم ما أنتجه الفكر العالمي. هذا إن دل على شيء فلا يدل إلا على أن حضارة الإسلام كانت حداثية قبل الأوان (وقد نعتّ ذلك بالقبحداثة أو الحداثة التراجعية rétromodernité)، ولها أن تعود لها حداثتها في زمن ما بعد الحداثة؛ فيكون ذلك  بقراءة جديدة  للإسلام كالإسلام ما بعد الحديث (Islam postmoderne ou i-slam)، هذا الإ-سلام الذي هو سلام قبل كل شيء.  بذلك، نعيد لدراسة القرآن ما كان يميّزها في العصور الأولى من تفتح ذهن ونقاشات وبحوثات تفنن فيها علماء اللغة والأدب والتاريخ أي تفنن، عملا بالمبدأ الإسلامي القاضي بإعمال العقل في تدبر القرآن وفهم معانيه، وهو تثوير القرآن، أي الاجتهاد المستدام. فأى طريقة أفضل لإحكام العقل في فهم الدين وتعلم العربية  على قاعدة متينة في فترة المراهقة التي تتميز بالرغبة للعودة إلى الأصول؟      
هكذا، نُبقي على تفتح الشخصية التونسية مع العمل على تجذرها، فننجح في تجاوز الفترة الصعبة الني نعيشها بالقطع مع كل ما رسب إلينا من الماضي ومن الخارج من فكر ظلامي وتصرف دغمائي. هذا ما تفرضه الفترة التي نعيشها، إذ مفهوم الكلمة يعني، مما يعنيه من المعاني، القطع مع ما سبق. بذلك، نكون بحق في مستوى تطلعات شعبنا وهذه المسؤلية التي نتحملها كجيل سياسي يتحتم عليه تجاوز مصلحته الذاتية للعمل على بناء مستقبل لهذه البلاد لا تنغّصه الأفكار السياسوية الضيقة التي اعتدناها، سواء كانت دغمائية يمينية أو يسارية، دينية وعلمانية. إنه التجذر الحيوي Enracinement dynamique الذي كان عليه الإسلام وعليه يبقى حتى يحافظ على روحه الثورية، لأن الإسلام ثورة على ما تحجر في الفكر الإنساني، وإلا فليس هو بالدين القيم، دين البشرية جمعاء بما أنه خاتمها. هذا يقتضي ألا نجز به في بوتقة التزمت الشعائري، بل نعرض كل ما فيه من ثراء وعلمية على فتوحات الفكر البشري في كل صقع محافظين أشد الحفظ على ما فيه من ثقافة علمية عالمية. فالإسلام ثقافة قبل أن يكون مجرّد شعائر!