Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 7 mai 2021

Un i-slam de Nouvelles Lumières 2

تونس الجمهورية الجديدة: 
إنّما هو المخاض أم الإجهاض!

 

قلنا منذ البداية، غداة الانقلاب الشعبي، أنه لا جمهورية ثانية أو ثالثة في تونس بما أن البلاد ما كانت يوما جمورية قط، بل ما سمّاه على حقّ الرئيس المنصف المرزوقي، الذي خان رغم ذلك قناعاته الأخلاقية والسياسية، «جملوكية» أي حسب كلامه خليط من الجمهورية والملوكية، وهو هذه الجمهورية الصورية حيث لا شيء ملك الشعب كما يريده المفهوم الاشتقاقي للكلمة. ولا عجب في ذلك إذ على مثل هذه الافتراضية تقوم حياة اليوم، وأسست لما اعتُبر بتونس ثورة بينما لم يكن، في أفضل حال، إلا ما نعتّه الانقلاب الشعبي. ولا ديمقراطية في العالم طرّا إلا في أذهان الناس وفي خداع جن السياسة الذين يتلاعبون بهذا المفهوم لأجل مصالحهم؛ فليس في واقع الحال إلا، حسب تعبيري، ديمومقراطية، أي هذا النظام الشبيه بالمفازة والصحراء القاحلة من الحقوق والحريات، ترتع فيها الجن كما أرادت، وهي هذا الجن السياسي المتلاعب بمصالح الشعوب. على أن تونس اليوم في مفارق طرق، ما يعود بها إلى الورآء ضد اتجاه التاريخ أو ما يحملها على الخطو في اتجاهه. وبما أنه لا حاضر إلا وهو الماضي المستدام أو المستقبل الذي يُعاش لحظة بلحظة، فالبلاد بحاجة إلى تصريف مضارعها على صيغة المدرسة النحوية الكوفية التي لم تكن تنعت المضارع إلا مستقبلا؛ وإلا فهي ستصرفة ماضيا، إذ لا مناص من هذه الحتمية. ذلك أن الزمن الراهن، أي ما بعد الحداثي، يفرض عودة ما اعتقدناه مات، فيحي القديم بكل ما فيه ممّا قدّر حسنا أو سيّئا مثلما يحدث عندنا بخصوص الدين الذي يعود بقوة متزمّتا ولو أن مسحته الأساسية والصحيحة هي أنه روحانيات وثقافة. وبما أن من ميزات ما بعد الحداثة عودة الروحانيات والدين في صفته كرابطة بين العبد وربّه وبين العباد بعضهم بعضا، وهذه خاصية الإسلام الذي هو دين ودنيا، فلا بد من الأخذ ببلادنا بالدين كثقافة لا كشعائر؛ ففي ذلك يكمن دور الدولة الصحيح في رعاية الدين ومظاهره. 

وهو الفهم الأصح للواجب التي يفرضه الدستور  لا رعاية مظاهر الإيمان الشكلية من بث للآذان على موجات الأثير وخطب يوم الجمعة واستعمال مكبرات الصوت بأعلى المساجد أو فرض الصوم في رمضان ومنع تجاوة الخمر أو استهلاكه في الجمع ورمضان، وغير هذا مما فرض نفسه من الخور في فهم الإسلام؛ فهو فهم قاصر ينسف لا روح الدين فقط بل ونصه، ليقلب ملة تنويرية إلى ظلامية، فإذا الإسلام التحجر الذي نرى والتأخر إلى الوراء بينما أتي ثورة على كل ما تحجّر في ابن آدم، ولا بد أن يبقى ثورة عقلية وروحانية على كل ما يشين الإيمان الصحيح. والإيمان الصحيح هو إيمان مقاصدي بما أن التأويل المقاصدي فرض نفسه ولم يعد من الممكن الاستهانة بدوره في حماية الدين مما يفسده، لا من أعدائه، بل أولا وقبل كل شيء ممن يدّعى المنافحة عنه وهو، بحسن أو بسوء نية، يهدم صرحه. فالدين اليوم الثقافة، ولا مناص من الأخذ بها، بما أنّا عرفنا من تعريفاتها أنها ما يبقى حين ينسى العبد كل شيء؛ ومن صفات العبد النسيان، فما أدراك بمن أصابه مرض النسيان، هذا الألزهايمر السياسي الذي بينتُ حقيقته في أنه ليس مرضا بالمعنى العلمي الصحيح بل شبه مرض، أم المرض فهو سياسي اجتماعي كما هي الحال عند النخب عندنا. كما أنّ السياسة أخلاق أو لا تكون؛ لذا، يكون الإسلام، وهو دين ودنيا، شعائر ومعاملات، ثقافة كونية إناسية. ولهذا هو أزلي بما أنّ التعريف الرشيق للثقافة السابق الذكر لهو التعريف الأصح لدين الإسلام الذي يبقى لا محالة عندما يزول كل الشيء، بما فيه التعاليم السماوية الأخرى، إذ هو خاتم الرسالة الإلهية نظرا لأزلية أحكامه الصالحة لكل زمن ومكان.
آن الأوان إذن للكف عن الإساءة لهذا الدين العلمي العالمي بتقزيمه إلى مجرد شعائر، فالعودة للإسلام الصحيح الذي بإمكان الإبداع التونسي، ما أسميته تونس الاستثناء، أن يرسيه فينقذه مما هو فيه  من غربة. فأين منابعه الفيحاء كما أتى بها سيد الآنام الذي جاء متمما لمكارم الأخلاق؟ وأين الحقوق والحريات فيه وقد كان ثورة ثقافية عارمة، تناغمت مع الروح العربية التي أكدت على الفتوة، فقال المثل : إنّما المَرْءُ حديثٌ بعده، للحثّ على حسن العمل والتّعامل. بهذا يكون الإسلام مابعد الحداثي بامتياز، ولهذا اقترحنا كتابته: إ-سلام للتأكيد على ضرورة السلام فيه، أي سلامة اليد واللسان والذهن من الإفساد في الأرض. هذه هي السلامة الروحية، ميزة المسلم الحقيقي، لأن المسلم الدعي لا يمتلك السكينة الربانية التي تسكن أهل التصوف. كيف تكون إذن أخلاق هذا الإسلام الصحيح، الإسلام الصوفي ؟ إنه أخلاق أو لا يكون، لا صفات النفاق التي همّها ما ظهر، ومناطها الكذب والمراءاة والتملق، إضافة إلى دغمائية في فهم حرف النص الديني رغم أن كل بلاغته في ما بطن فيه من فصوص حكمه؛ ففي الفرقان من جوامع الكلم ما ليس له حصر ولا عد، وما يخفى ضرورة عن العبد أيا كان علمه. لذلك ميّزت الصوفية بين العلم والمعرفة، وكان أهل العلم في الإسلام يختمون طروحاتهم بتعبير «والله أعلم». فالعالِم الحق في الإسلام، وهذا ما بيّنه العلم اليوم، لهو الجاهل الذي يقرّ بجهله، فإن اغتر وظن أنه علم، فهو يأتي بالدليل القاطع على جهله. الإسلام إذن يُفهم مقاصديا، لا فقط في تعاليمه بل وأيضا في الإيمان الذي أتى به طرا، أي لا يهم أبدا بما في ظاهره، بل بما بطن فيه من حكمة لا يصلها إلا من عرف الغوص في المعرفة الأخلاقية التي هي ككلام الله، لا قاع لها. فكيف يكون الإيمان الإسلامي المقاصدي؟ في مجال العقيدة، أي الجانب الديني للدين، هو ما مثّله تيار المرجئة في الإسلام. ومعلوم أن الإرجاء على معنيين، كما يقول الشهرستاني في في الملل والنحل؛ أحدهما يعني التأخير، والثاني الإعطاء والرجاء. فالإيمان المقاصدي يقول بتأخير العمل والكسب عن النية والعقد، فلا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. الإيمان هو التصديق بالقلب، لا يزيد ولا ينقص، بل يتزكّى بالفعل الصادق وكف الجوارح عن الأذية. وتلك التقوى الحقة، تقوى القلب!
هذا اختزال للإيمان الإسلامي الصحيح الذي تتجلى حتما باستدامة الاجتهاد الأكبر، وهو اليوم الجهاد الإسلامي الوحيد، إذ لا جهاد غيره، خاصة الأصغر الذي أصبح مطية للإرهاب، بما في ذلك الذهني. أما في مجال المعاملات، وهي كلها ثقافة، فتجليات الأخلاق تكون بالتزام كلمة السواء الإسلامية والكف عن ظلم الناس في كل شيء، خاصة في حياتهم الشخصية وفي حرياتهم الخصوصية، بما فيها الفكرية وما يتعلق بالمشارب والأهواء.  ذلك أنه لا واسطة بين الله وعبده، فلئن سلّم الإنسان أمره لله، فعن طواعية ولحريته التامة في كل شيء، لا يحدّها أي بشر؛ فمتى استُعبد الناس في دين القيّمة؟ إنّه من المتحتّم اليوم تغيير فهمنا لعدة مواضيع، لعل أهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإجماع كذلك الذي حصل سابقا عند المسلمين، إذ لا بد له اليوم من الخضوع لقاعدة الاجتهاد المستدام. فلا بد من فقهٍ أخلاقي جديد لنفهم أخيرا أن المعروف، في العربية، هو كل ما كان معروفا وفعله جميل مستحسن غير مستقبح عند أهل الإيمان بالله؛ بذلك سمّيت طاعة الله معروفا لأنه مما يعرفه أهل الإيمان فلا يستنكرون فعله. أما المنكر، فأصله ما أنكره الله والمؤمنون ورأوا قبيحا فعله؛ لذلك سمّيت معصية الله منكرا لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها ويستعظمون ركوبها. لقد حان الوقت لنبذ مفهوم الفقهاء للمعروف وللمنكر الموروث عن السلف؛ فهو من استنباط من سبقهم الذين عملوا بما فرضه الله عليهم من ضرورة الاجتهاد، فاجتهدوا حسب مقتضيات زمنهم وأتوا بما كان مقبولا في عصرهم، متلائما مع ما تميّز به من خاصيات. لذلك، كل ما يأتيه البشر كان ناقصا، ثم هو فاسد اليوم. فمع التبدل الحتمي للحياة الدنيا من الواجب الشرعي اليوم الاجتهاد من جديد في تطوير هذا المفهوم لتحيينه حتى لا يبور؛ وهذا ما لا يفعله الكسالى من أعداء الاجتهاد لبلادة فكرية فيهم، فإذا بهم يجعلون معروفنا ومنكرنا وكل أخلاقنا مجرّد مومياة!
المعروف اليوم هو كل ما كان معروفا عند البشر المتحضّر، أيّا كان دينهم، إذ الإسلام دين الجميع لأنه ثقافة علمية عالمية. فإن كانت طاعة الله من المعروف بدون أدنى شك، فذلك ليس أبدا في الأخذ بشعائر الإسلام فقط مع ترك مقتضيات الإيمان الثقافية، فهو من إيمان الجوارح فحسب، لا القلب والروح. إنّ المعروف، كل المعروف، في زمن ما بعد الحداثة، الزمن الحاضر، هو التعلّق بما يعرفه أهل الإيمان من البشر فلا يستنكرون فعله، سواء كانوا عربا أو عجما، من أهل الإسلام أو من أهل الإيمان؛ فالإيمان أعلى درجة من الإسلام الشعائري. أمّا المنكر،  فهو ما أنكره الله والمؤمنون و رأوا قبيحا فعله؛ وهذا لا يخص من أسلم شعائريا فقط، بل كل من آمن بدون تخصيصٍ ولا ارتباطٍ بالإيمان الظاهري، الذي من شأن الآلة تأديته. بذلك تكون معصية الله هي المنكر الحق لأن أهل الإيمان بالله من كل الديانات، كتابية كانت أو غير كتابية، وحتى من غير الديانات، وهم من خلق الله، يستنكرون فعلها فيستعظمون ركوبها، بما أن الله غير ظلام للعبيد طرّا. 

هذه الأخلاق الإسلامية الصحيحة في الإيمان الذي أتى به دين محمّد في وحيه المكّي خاصة، والذي بتركه تخلفت بلاد الإسلام عن ركب العلم والحضارة وقد كان طويلا منارةً لها.  على أنه من الضروري التيقظ إلى أنه لا تخلّف  بين البشر إلا في الذهن، وهو تخلفه في التقوقع ورفض الانفتاح على الغير وعلى الآخر، خاصة في اختلافه. بل ليس هناك تخلّف حقيقي أبدا بين البشر وقد ميّز الله العبد بعقله وحمّله لذلك أمانة تمثيله في الأرض. إنه الأخلق السياسي! التخلّف ليس إلا عدم معرفة مكنون هذا العقل البشري وما يفرضه من ضرورة الجهاد الأكبر؛ ففي ذلك التزكية المستدامة للنفس، وفيه أيضا وحتما الأخلاق الصحيحة في كل الميادين، دينية كانت أو سياسية. لذا، كذب من قال إنه لا سياسة في الإسلام؛ إذ الإسلام كله السياسة، لكن في فهمها الصحيح، وهو العمل بدون هوادة ولا تزمت من أجل مدينة فاضلة لكل البشر، أيا كانوا في جنسهم ومعتقدهم ومشاربهم. لقد خلقهم الله شعوبا وقبائل ليتعارفوا، بما أن أفضلهم عند الله أتقاهم بالمعنى الذي بيّناه هنا؛ وهو فصل المقال في الإيمان الإسلامي.