Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 18 septembre 2020

Islamitude 8


«الأخلق السياسي» أو السياسة الأخلاقية


 

هناك من يعتقد أن مرض الإسلام مأتاه السياسة، بل إنه الإسلام السياسي؛ ولئن صدق في ذلك بخصوص ما نراه من تصرّف سياسي لا أخلاق فيه من طرف من يتكلّم باسم الإسلام من أهل التزمّت لانعدام الأخلاق من السياسة ، فقد أخطأ في اعتقاد أن الإسلام لا سياسة فيه وأنها منافية للدين. فليست السياسة صفة هجينة للإسلام إلا إذا انعدمت منها الأخلاق ، إذ الإسلام جوهريا دين ودنيا؛ لذا، فهو سياسة بطبيعة حاله المكينة. لهذا دعونا وندعو لأخلقة السياسة. بذلك يكون لتعبير الإسلام السياسي المعنى الاشتقاقي للكلمة، خلافا لما عهدناه تحت مسمّّى الإسلام السياسي والذي هو أحرى بأن يُسمّى إسلام السياسة ويُنعت إسلاموية. نبيّن هذا بالعودة لمعنى السياسة في اللغة وفي الإسلام قبل التأكيد مجددا أن الأصل في الإسلام أنه دين سياسي، ممّا يحملنا على التوضيح بأكثر دقّة للفرق بين الإسلام السياسي وإسلام السياسة بمعنى الأخلق السياسي Poléthique أي السياسة الأخلاقية . 

في اللغة العربية كلمة السياسة متأتّية من السّوس، وهو الطبيعة والأصل والخُلُق والسّجيّة. يُقال، من المجاز، ساس الرعيّة سياسة، بمعنى: أمرها ونهاها؛ وساس الأمر: قام به. بذلك، السياسة هي القيام على الشيء بما يُصلحه. وهي عمل وفعل السائس، وهو من يقوم على الدواب ويُروّضها؛ من ذلك قيل: سوّس الأمر أي: روّضه وذلّله. هذا المعنى اللغوي للسياسة، بخلاف المعنى الأول المطابق للأخلاقية الإسلامية (أو الإ-سلامية)، هو الذي تقمّصه خير تقمّص الخليفة الراشد الثاني، الذي يعدّ المؤسّس الحقيقي لإسلام السياسة كما نبيّنه لاحقا. ولا شك أن هذا يناقض ما كان من سيرة الرسول التي تقمّصها خير تقمّص الخليفة الراشد الأول، وهي نقيض تصرّف عمر الفاروق الذي جسّد تغيّر طبيعة السياسة. إن فهم الخليفة الأول للإسلام في السياسة كان على حقيقته، أي الأخلق السياسي، أو السياسية أخلاقية، ما يعني أن هذا الإسلام السياسي لا يتجاهل أمور الدنيا بل ينوى العناية بها في نطاق رعاية حقوق العبد الراعي لحقوق الله. إلا أن هذا يبقى مرتهنا بمصلحة الدين وصيرورته، وهو الدين الذي يسهر على إحقاق العدل. على أنه، للحفاظ على بقائه، من شأنه أن يحارب من يبتغي الإضرار به، كما كان الأمر خلال حروب الردة، وهي سياسية بالأساس، إذ أن أهل الردّة لم ينكروا الإسلام، بل سلطة قريش عليهم. هذا ولئن رأينا عمر في ذلك الحين يعارض موقف الخليفة الأول باسم التفريق بين الدين والسياسة، فهو لم يبق على هذا الموقف وسيصبح في خلافته، لا فقط من مناصري الإسلام السياسي، بل وأيضا من أهمّ المنافحين عن إسلام السياسة، أي الدين في خدمة الدولة وأهلها. فقد علمنا إلى أي حد كان حكمه متسلّطا على الناس باسم الإسلام طبعا، ولكن أيضا في حدود فهمه المتزمّت له؛ وعلمنا أيضا أن الوصية له من طرف الخليفة الأول لاقت معارضة شديدة لما عُرف به الفاروق من شدّة الطباع؛ أي أنه كان ديكتاتورا بفهمنا الحالي. 

في الحقيقة، كان فهم عمر للإسلام صحيحا، إذ أنه لم يتنكرّ لسنّة الرسول، لأن الإسلام أصبح سياسيا منذ تم له الاستقرار بالجزيرة العربية بعد فتح مكّة. بذلك نرى كيف أن الإسلام الذي بدأ روحانيا سرعان ما أصبح سياسيا منذ الفتح، إلى حد أن السياسة أصبحت صفة أصيلة فيه. مع الملاحظة أن فترة الإسلام السياسي، أي الأخلق السياسي، انتهت رسميا مع الخليفة الأول فاتحة الباب لفترة دين السياسة التي عوّضت كأسوأ ما يكون الإسلام في معناه السياسي الأول دون أن تقضي عليه، بما أنه بقي في الكواليس كبرنامج معلوماتي يعمل في الخفاء. فإنه من الغلط الخلط بين إسلام السياسة، أي تلك التي هي بلا أخلاق، والإسلام السياسي، أي الأخلق السياسي، إذ ليس هذا الأخير إلا دين الإسلام الذي يتميّز بكونه يتجاوز الدين الشعائري للارتقاء إلى مستوى الدين الثقافي؛ وهذا ما يميّزه عن المسيحية واليهودية، الميزة التي يبيّنها انعدام الكنيسة أو المعبد في الإسلام، فلا كهنوت فيه. لذا ليس لأحد ادّعاء الكلام باسم الدين، إذ أقصى ما له قوله هو الاجتهاد برأيه؛ بل وعليه أيضا واجب الاجتهاد هذا. وما كان أصحاب المذاهب التي نأخذ بها يقولون غير ذلك ؛ فمن أعلم منهم بالدين وقد اعترفوا بعدم معرفتهم النهائية له؟ ثم من له القدرة حقّا على ادعاء النفاذ إلى الحكمة اللدنية دون أن يكون كاذبا؟ 

إسلام السياسة (لا إسلام الأخلق السياسي) هو الفهم للدين الذي فرض نفسه شيئا فشيئا منذ وفاة الرسول، خاصة مع الفاروق عمر، إلى أن تبيّنت معالمه واضحة مع الخليفة الثالث عثمان الذي فتحت خلافته الباب بصفة شبه رسمية للدين الموظف في خدمة السياسة وللملك العضوض. فقد كان أوّل من مثْل السلالة الأموية في الحكم وهي التي لم تنفك عن السعى شيئا فشيئا للاستحواذ على مقاليده في الاسلام منذ فتح مكّة إلى أن انفردت به بعد مقتل الخليفة الرابع، ممثل الإسلام السياسي، وانتصار معاوية عليه، وهو الرمز لإسلام السياسة، إذ أصبحت السياسة معه مهيمنة على الدين وهو في خدمتها إلى حد ادعاء الخليفة أنه خليفة الله في الأرض لا خليفة رسوله. كذلك أخذ التزمت الإسلامي، وهو ترهّّب يمنعه الدين، الصفة الرسمية في فترة الفتنة الكبرى مع تنامي ظاهرة المبرنسين، أو أصحاب البرانس، أي طائفة قرّاء القرآن الذين تزعّموا الانقلاب على عثمان ثم قتلوه، مرتكبين أول جريمة سياسسة إسلامية بحتة. كل هذه الفظائع تمّت باسم إسلام السياسة. أما الإسلام السياسي، أي التصرّف السياسي حسب الأخلاقية السياسية، وهو الأخلق السياسي، فإنه أقدم منه، يعود إلى حياة الرسول، حين بدأت النزعة السياسية في الإسلام تهيمن على نزعته الروحانية المحضة، وبالتالي على ذهنية أهل الإسلام، وذلك منذ فتح مكة، كما قلنا. فقد تم الفتح بالانضمام المثير لعدوّ المسلمين، زعيم قريش، إليهم؛ وهو الد معاوية، الذي سيصبح من كتبة الوحي، أو يدّعي ذلك، قبل افتكاك الخلافة. منذ ذلك الحين بدأت قريش تهيمن على الإسلام، فإذا هو دين في ركاب السياسة بعد أن كان روحانيات بالأساس. هذا، ومعلوم أن الدين هو الطاعة، إلا أنها كانت قبل الفتح طاعة الله فحسب، ثم ستصبح شيئا فشيئا طاعة الحاكم قبل طاعة الله، كما هي الحال جليا مع الأمويين. 

ليس أدل على ذلك ما رأينا من صيرورة طبيعة الإيمان وفهم المسلمين لدينهم، كذلك التغيير الحاصل في الحج إذ تم الحج الأول الذي عقب فتح مكّة ولآخر مرّة حسب العادة العربية القديمة في حرية العبد التامة، كأن يطوف عريانا؛ ولم يكن ذلك بالأمر الغريب لأن إثم التعرّى لم يكن إلا عادة يهومسيحية. وهذا لم يعد ممكنا منذ منذ أخذ الحاكم باسم الدين يفرض قوانينه على كل الناس، وهي قوانين قريش، خاصة بها أو بما كان يُسمّى الحُمس، أهل مكة. وكان هذا ممكنا لأن الرسول لم يعش طويلا بعد فتح مكة، وقد علمنا ظرورف وفاته، وما أحاط بها من مخالفة رغبته في مرض موته في ترك وصية للمسلمين، ثم النزاع على السلطة بسقيفة بني ساعدة قبل دفنه ومنع الأنصار من خلافته بينما كانوا أول مناصريه. كل ذلك تم باسم هيمنة قريش على دواليب الدولة الجديدة قبل أن يقع الحكم كله بين أيدي سلالة بعينها حكمت بالدين وبتوطئته لها من خلال فقهاء اشترى معاوية ذممهم فأتوا بالعجائب في خدمته. بالتالي علينا الانتباه إلى أن ظاهرة الإسلام السياسي متجذّرة في الإسلام منذ البداية تقريبا، أو منذ أن وقع تجاهل صبغته الروحانية التي هي لب لبابه سواء بالمعنى النبيل للسياسة كأخلقة أو بمعناها المبتذل المعروف اليوم، أي البوليتيك حسب التعبير الشعبي التونسي. فمن الخطأ اليوم الكلام عن رفض الإسلام السياسي، بمعنى الأخلاقي طبعا، إذ هذا يعني ضرورة رفض الإسلام برمّته كما تجلّى في التاريخ. أمّا ما يخصّ العودة إلى الإسلام الصحيح في صبغته الروحانية، فهذا يقتضي الشيء الكثير من الوقت، خاصة تطوير الفقه المعتمد بفضل الاجتهاد. لذا، على من يقاوم الإسلام السياسي، بالمعنى الذي اعتدناه، الانتباه إلى أنه، قاعديّا، صفة صحيحة للإسلام، وهي أقل خطورة من صفته الخاطئة كإسلام السياسة. فالإسلام السياسي، وهو الأخلق السياسي أو لا يكون، من الإسلام حسب تاريخيته ولأجل طبيعته الثنائية كدين ودنيا؛ وهما خاصيتان لا تتداخلان. فلا يمكن للدين أن يخرج من نطاق الحياة الخاصة، كما لا يمكن للحياة العامة أن تعتمد على الدين في الحكم وهو لا يخص إلا المجال الخصوصي للمسلم. وهو في علاقة مباشرة مع ربّه، بما أنه لا يُسلم أمره إلا لخالقه ولا لأحد غيره، وإن كان حاكما، وإلا أخذ بإسلام السياسة؛ والفرق بينهما لا يُستهان به.