مقاومة الفساد بالقطع مع ثقافة اللعن واللعان
ما يحدث هذه الأيام بتونس على المستوى السياسي لأفضل الدليل على ثقافة اللعن واللعان المستشرية في بلادنا، لتأصلها أيضا في الإسلام الهجين الذي يأخذ به ساسته، وخاصة ما نسمّيه الإسلام السياسي والذي ليس فيه من الأخلقة السياسية ولا نقيرا؛ فهو في الحقيقة سياسوي وإسلاموي، لا أكثر. ونحن نعاين مدي الخدعة التي يتصرف بها من يدعي المرجعية الإسلامية؛ ولا غرابة في ذلك بما أنه يعتبر السياسة هذه الحرب التي يُستباح فيها كل محضور.
ولئن لجأ للمداهنة في الكلام، وإن اقتضى الأمر للمعسول منه، فليس ذلك إلا من باب التقية؛ فمن جميل دُعاء الشيعة علىٰ أهلِ السُّنة قولهم : «اللهُم بحقِّك احشُرهُم مَع أبِي بكرٍ وعمرَ وعثْمان»؛ ونحن نعلم ما يرونه في خلافة هؤلاء، بل وفي دينهم. وهذا لا غرابة فيه في ملّة شوّهها أهلها كما يفعل حزب النهضة ومن لف لفه ممن يسعى لتوطئة الإيمان الإسلامي لجشعه للحكم وما فيه من امتيازات. فشعارهم في هذا : هل من مزيد؟ كما دللوا عليه منذ قيام الانقلاب الشعبي الذي كان الفرصة لزيادة نهب الشعب الفقير الزوالي اقتداء بمن سبقهم وعملا بقوانيه التي لا تزال قائمة،
فهلا تساءلنا لماذا يرفض من بيده الحكم، وهو خصوصا من أتباع الحزب الإسلاموي، إبطال قوانين الديكتاتورية؟ ولعل مسلسل قيام المحكمة الدستورية لأفضل الدليل على الجريمة المرتكبة في حق الشعب لأجل مصالح أهل الفساد الذين لا يكتفون بما نهبوا، بل يبتغون دوما المزيد.
وهلا تساءلنا لم لايبادر المسؤولون ممن يدّعي مقاومة الفساد القطع معه، ومع ثقافة اللعن واللعان التي تؤسس له، بالجرأة على تجميد أهم القوانين المخزية الموروثة عن العهد البائد؟ هذا لا يقتضي انتظار إرساء المحكمة الدستورية، بل فقط التنصيص على أن الدستور أبطل تلك القوانين فلا مجال لاعتمادها في القضاء والتصرف اليومي للمصالح الإدارية بما فيها خاصة الشرط والحرس.
لا يقتضي هذا إذن إلا تعليمات توجه للأسلاك المعنية بعدم اعتماد قوانين لاغية والامتناع عن تطبيقها؛ يكون ذا على مستوى وزارة العدل والداخلية باسم الدستور وإعلاءٍ لهيبة القانون في البلاد. فالدستور هو أعلى قانون بها، فكيف ندعو المواطنين لاحترامه إذا كنا لا نحترم أعلى نص قانوني بالبلاد، أي دستورها؟ وكيف ندّعي الانتماء لدولة القانون والقوانين اللاغية لا تزال تطبق بمرأى ومسمع الجميع؟ وكيف يقبل بهذا رئيس البلاد وهو من نعلم من الاختصاص في القانون الدستوري؟
أما مهزلة المحكمة الدستورية، فهي تقتضي وضع حد لها في أسرع وقت بتجاوز عقبة مجلس نواب الشعب الذي هيمنت عليه نزغات من روح العهد البائد وذلك بأن يقوم رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء دون تأخير بتعيين من لهم الحق في تعيينه من أعضاء المحكمة لتعقد جلساتها بهؤلاء الأعضاء دون انتظار انتخاب البقية من طرف مجلس برلماني لا يرغب في ذلك. ففي هذا الاحترام التام لمنطوق الدستور دون الإخلال لا بنصه ولا بروحه مع وضع الحد المتحتّم لمن يتلاعب بالنصوص القانونية وأيضا وخاصة بمصالح الشعب الذي أصبح يرزح تحت ظلم أفدح مما كان يعاني منه تحت نظام الديكتاتورية.
إن القطع مع الفساد لا يتم حقيقة إلا إذا كان في نفس الوقت بالخروج من ثقافة اللعن واللعان التي أصبحت تقريبا مقدّسة في الإسلام الهجين الذي انتصب بكلكله على الأدمغة واحتل العقول. ذلك أنه لا سلطة إلا للقانون العادل لتصفية ما في الأمخاخ من فساد؛ على أن تلك القوانين لا بد لها من أن تتعلق بالمسائل الحساسة المسكوت عنها التي تغذي الفساد، وبالتالي اللعن واللعان كالنار في الهشيم.
فاللعن واللعان والفساد صنوان، هذا يمثل أفضل الغطاء لذاك اعتمادا على ما عرفناه واعتدناه في الدين. ألم يقم الحكم الأموي على عادة لعن ابن عم الرسول على المنابر؟ أليس من نسمّي بالخلفاء الراشدين ممن مصيرهم جهنم عند الشيعة؟ فهم من المعلونين كما تقوله سلسلة كتب تباع بمكتباتنا اليوم دون أن نرى أهل الإسلام الأدعياء يتكلمون في ذلك لأجل أن مصالحهم تفرض عليهم السكوت! هذا طبعا يحملهم على الهيجان في مواضيع أخرى للتعمية على فظاعة تلاعبهم بالأخلاق ومبادىء الدين الذي هجنوه.
اللعن في العربية هو الطرد والإبعاد من الخير والإقصاء عنه، وهو عند أهل الفساد طرد الغير من الامتيازات التي يستحوذون عليها وإبعاد من يستحقها عنهم. واللعان جمع اللعن ومن الكلمات المأثورة عن العرب تحيّة لملوكها في الجاهلية: «أبيت اللعن»، أي أبيت أن تأتي ما تُلعن عليه. وبما أن الأخلاق انحطّت فلا يأبى المرء اليوم أن يأتي بما من شأنه أن يُلعن عليه؛ لذا، لا بد من القانون الجريء، أي الثوري، لمنعه من ذلك، وخاصة في المواضيع التي يعتبرها من المقدسات، وبالتالي يسمح لنفسه فيها بكل الاخلالات لما تفرضه قواعد العيش المشترك، مثل العدل واحترام الحقوق والحريات. ولا يكون وضع الحد هذا للعن واللعان إلا بالجرأة على إبطال كل ما يناقض تلك المبادئ باسم الدين وهو من ذلك براء، مثل إقرار المساواة في الإرث والحق في التصرف الحر في كل ما يخص الحياة الشخصية، بما في ذلك تعاطي الخمرة أو الجنس بكل حرية بين البالغين بما فيه الجنس المثلي.
على أنه من المتأكد التنصيص هنا أن الإصلاحات التشريعية الداخلية ترتبط للنجاح ضرورة بإصلاحات خارجية تهم مثلا حق المواطن التونسي في التنقل بحرية بواسطة تأشيرة مرور مجانية وذلك في نطاق التوجه لسياسة متوسطية جديدة في نطاق انضمام تونس للاتحاد الأوربي.
لقد ذكّرت بكل هذا زعيم الحزب الإسلاموي العديد من المرات، لا فقط لمصلحته ومصلحة حزبه، بل وخاصة مصلحة الشعب، إذ هذا الحزب مفُروض عليه من طرف من يتصرف في أمور العالم؛ وقد كانت آخر تذكرة في الغرض في كتابي «الفتوحات التونسية. ما بعد الحداثة الإسلامية» المنشور عن دار تبر الزمان بتونس سنة 2017 والذي ختمته برسالة إلى الشيخ الغنوشي عنونتها كذا: «ألوكة أخيرة لراشد الغنوشي أو شاهد لما بعد حداثة النهضة التونسية». فكانت آخر فرصة له لتدارك الوضع.
ولئن لجأ للمداهنة في الكلام، وإن اقتضى الأمر للمعسول منه، فليس ذلك إلا من باب التقية؛ فمن جميل دُعاء الشيعة علىٰ أهلِ السُّنة قولهم : «اللهُم بحقِّك احشُرهُم مَع أبِي بكرٍ وعمرَ وعثْمان»؛ ونحن نعلم ما يرونه في خلافة هؤلاء، بل وفي دينهم. وهذا لا غرابة فيه في ملّة شوّهها أهلها كما يفعل حزب النهضة ومن لف لفه ممن يسعى لتوطئة الإيمان الإسلامي لجشعه للحكم وما فيه من امتيازات. فشعارهم في هذا : هل من مزيد؟ كما دللوا عليه منذ قيام الانقلاب الشعبي الذي كان الفرصة لزيادة نهب الشعب الفقير الزوالي اقتداء بمن سبقهم وعملا بقوانيه التي لا تزال قائمة،
فهلا تساءلنا لماذا يرفض من بيده الحكم، وهو خصوصا من أتباع الحزب الإسلاموي، إبطال قوانين الديكتاتورية؟ ولعل مسلسل قيام المحكمة الدستورية لأفضل الدليل على الجريمة المرتكبة في حق الشعب لأجل مصالح أهل الفساد الذين لا يكتفون بما نهبوا، بل يبتغون دوما المزيد.
وهلا تساءلنا لم لايبادر المسؤولون ممن يدّعي مقاومة الفساد القطع معه، ومع ثقافة اللعن واللعان التي تؤسس له، بالجرأة على تجميد أهم القوانين المخزية الموروثة عن العهد البائد؟ هذا لا يقتضي انتظار إرساء المحكمة الدستورية، بل فقط التنصيص على أن الدستور أبطل تلك القوانين فلا مجال لاعتمادها في القضاء والتصرف اليومي للمصالح الإدارية بما فيها خاصة الشرط والحرس.
لا يقتضي هذا إذن إلا تعليمات توجه للأسلاك المعنية بعدم اعتماد قوانين لاغية والامتناع عن تطبيقها؛ يكون ذا على مستوى وزارة العدل والداخلية باسم الدستور وإعلاءٍ لهيبة القانون في البلاد. فالدستور هو أعلى قانون بها، فكيف ندعو المواطنين لاحترامه إذا كنا لا نحترم أعلى نص قانوني بالبلاد، أي دستورها؟ وكيف ندّعي الانتماء لدولة القانون والقوانين اللاغية لا تزال تطبق بمرأى ومسمع الجميع؟ وكيف يقبل بهذا رئيس البلاد وهو من نعلم من الاختصاص في القانون الدستوري؟
أما مهزلة المحكمة الدستورية، فهي تقتضي وضع حد لها في أسرع وقت بتجاوز عقبة مجلس نواب الشعب الذي هيمنت عليه نزغات من روح العهد البائد وذلك بأن يقوم رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء دون تأخير بتعيين من لهم الحق في تعيينه من أعضاء المحكمة لتعقد جلساتها بهؤلاء الأعضاء دون انتظار انتخاب البقية من طرف مجلس برلماني لا يرغب في ذلك. ففي هذا الاحترام التام لمنطوق الدستور دون الإخلال لا بنصه ولا بروحه مع وضع الحد المتحتّم لمن يتلاعب بالنصوص القانونية وأيضا وخاصة بمصالح الشعب الذي أصبح يرزح تحت ظلم أفدح مما كان يعاني منه تحت نظام الديكتاتورية.
إن القطع مع الفساد لا يتم حقيقة إلا إذا كان في نفس الوقت بالخروج من ثقافة اللعن واللعان التي أصبحت تقريبا مقدّسة في الإسلام الهجين الذي انتصب بكلكله على الأدمغة واحتل العقول. ذلك أنه لا سلطة إلا للقانون العادل لتصفية ما في الأمخاخ من فساد؛ على أن تلك القوانين لا بد لها من أن تتعلق بالمسائل الحساسة المسكوت عنها التي تغذي الفساد، وبالتالي اللعن واللعان كالنار في الهشيم.
فاللعن واللعان والفساد صنوان، هذا يمثل أفضل الغطاء لذاك اعتمادا على ما عرفناه واعتدناه في الدين. ألم يقم الحكم الأموي على عادة لعن ابن عم الرسول على المنابر؟ أليس من نسمّي بالخلفاء الراشدين ممن مصيرهم جهنم عند الشيعة؟ فهم من المعلونين كما تقوله سلسلة كتب تباع بمكتباتنا اليوم دون أن نرى أهل الإسلام الأدعياء يتكلمون في ذلك لأجل أن مصالحهم تفرض عليهم السكوت! هذا طبعا يحملهم على الهيجان في مواضيع أخرى للتعمية على فظاعة تلاعبهم بالأخلاق ومبادىء الدين الذي هجنوه.
اللعن في العربية هو الطرد والإبعاد من الخير والإقصاء عنه، وهو عند أهل الفساد طرد الغير من الامتيازات التي يستحوذون عليها وإبعاد من يستحقها عنهم. واللعان جمع اللعن ومن الكلمات المأثورة عن العرب تحيّة لملوكها في الجاهلية: «أبيت اللعن»، أي أبيت أن تأتي ما تُلعن عليه. وبما أن الأخلاق انحطّت فلا يأبى المرء اليوم أن يأتي بما من شأنه أن يُلعن عليه؛ لذا، لا بد من القانون الجريء، أي الثوري، لمنعه من ذلك، وخاصة في المواضيع التي يعتبرها من المقدسات، وبالتالي يسمح لنفسه فيها بكل الاخلالات لما تفرضه قواعد العيش المشترك، مثل العدل واحترام الحقوق والحريات. ولا يكون وضع الحد هذا للعن واللعان إلا بالجرأة على إبطال كل ما يناقض تلك المبادئ باسم الدين وهو من ذلك براء، مثل إقرار المساواة في الإرث والحق في التصرف الحر في كل ما يخص الحياة الشخصية، بما في ذلك تعاطي الخمرة أو الجنس بكل حرية بين البالغين بما فيه الجنس المثلي.
على أنه من المتأكد التنصيص هنا أن الإصلاحات التشريعية الداخلية ترتبط للنجاح ضرورة بإصلاحات خارجية تهم مثلا حق المواطن التونسي في التنقل بحرية بواسطة تأشيرة مرور مجانية وذلك في نطاق التوجه لسياسة متوسطية جديدة في نطاق انضمام تونس للاتحاد الأوربي.
لقد ذكّرت بكل هذا زعيم الحزب الإسلاموي العديد من المرات، لا فقط لمصلحته ومصلحة حزبه، بل وخاصة مصلحة الشعب، إذ هذا الحزب مفُروض عليه من طرف من يتصرف في أمور العالم؛ وقد كانت آخر تذكرة في الغرض في كتابي «الفتوحات التونسية. ما بعد الحداثة الإسلامية» المنشور عن دار تبر الزمان بتونس سنة 2017 والذي ختمته برسالة إلى الشيخ الغنوشي عنونتها كذا: «ألوكة أخيرة لراشد الغنوشي أو شاهد لما بعد حداثة النهضة التونسية». فكانت آخر فرصة له لتدارك الوضع.