Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

lundi 4 mai 2020

يوميات رمضان 2020

رمضان زمن المرض
يوميات في مرض الإسلام 
الأسبوع الأوّل
  اليوم 1
الجمعة 24 أفريل 2020


أ- الاعتكاف، لا الحجر الصحّي:
نفتتح، بعون الله، هذه اليوميات الرمضانية في زمن مرض الكورونا المستجد لسنة 2019 بالإشارة، بادىء ذي بدئ، إلى ضرورة نبذ هذا التعبير المستهجن: الحجر الصحّي، الذي انتشر كتعريب للكلمة االفرنسية التي فرضت نفسها confinement، والتي معناها الأصح بالعربيّة الحبس والحصر، لا بمعنى الحجر بل الإحصار، للإفادة بالامتناع عن الشيء. وهذا لا يُستغرب لتفشّي التقليد الأعمى عندنا والجهل بثراء العربية التي نتجاهلها. فالتعريب الأصح مثلا هو الاعتكاف أو الخلوة أو الانزواء!
نخصص هذه اليومية لفاتحة شهر الصيام لنشر تعريب مختصر لمقالتي بمجلة وقائع في آخر أعدادها. وهذه اليومية تشذ عن الموالية في الطول والتي ستأتي أشد قصرا لتغليب النزعة إلى جوامع الكلم على التحليل المتعمّق.
2 - من أجل معالجة مرض الإسلام كمجرّد ديانة:
رمضان هذه السنة، لأجل جائحة الفيروس التاجي، يمكّن أهل الإسلام من فرصة سانحة للعودة إلى كنه هذا الدين في نزعته الروحانية والثقافية. لذا، فلئن من شأن الناس اليوم احترام الضرورة الحالية القصوى لحفظ الجسم أو معالجته من مرض الكوفيد لسنة 2019، فأحرى وأولى يالمؤمن السهر على معالجة المرض الذي يعاني منه الإسلام بسبب تأويل خاطىء أكل عليه الدهر وشرب، سواء أكان من القراءة الدغمائية عند أهل التزمت أو تلك المنبتة المغالية في معاداة أبسط مظاهر الروحانيات التي تميّز من أنعتهم بالسلفية المدنية، إذ ليسوا إلا شركاء السلفية الدينية في التحجر الدغمائي.
فنحن في زمن ما بعد الحداثة الذي، إضافة لكونه عهد الجماهير، يختص بعودة النزوع إلى الدين في صبغنه السامية كرابطة بين العبد وخالقه وبين العباد طرا إذا تباعدت مذاهبهم ومشاربهم للتأليف بينهم مع احترام كل ذاتية أخذا بالغيرية دون أي انتقاص لصفتها المتوجبة. 
هذا ما ميّز الإسلام الأول في روحه المتسامحة قبل أن تمسخ هذه الميزة الرئيس قراءة خاطئة جعلت منه مجرد ديانة لا ثقافة، فإذا الشعائر والتزامها ظاهريا أهم من المعاملات والنية الصافية التي تضمن مكارم الأخلاق بلا نفاق ولا مداهنة.
لقد توطد هذا الفهم الخاطىء لدين الإسلام حتى أن السلطات الرسمية أصبحت تقبل به، بل تشجع عليه لاجتناب المنغصات ممن اتخذ من الدين تجارة أو سلطة وهمية؛ فإذا المرجعيات اللاهواية تتكاثر في هذا الدين رغم أنه لا مكان لأي تسلط ديني فيه بما أن العلاقة بين الله والمؤمن مباشرة بلا واسطة. فأي شرعية إسلامية لهذا الكهنوت الفقهي الذي نشأ وترعرع عند كسوف شمس دين الحضارة بتكميم ثقافة الإسلام وتحجيرها في كفن النقل والتقليد لأجل رفض كل إبداع في تعاطي الدين رغم أنه كان الإبداع نفسه كما تشهد عليه معجزة القران ذاتها؟ 
لذلك رأينا هذه السلطة الكهنوتية البشرية تتدعّم على مر الأزمن وتخترع الآليات المختلفة للحفاظ على سلطتها مما أفقد الإسلام روحه وأفرغه من نبل مقاصده؛ فها هو الإيمان فيه بلا روح نظرا لطغيان الفهم الدغمائي الذي مكّن المذاهب من أن تفصّل كما شاءت في الحلال والحرام ضاربة صفحا بمقاصد الشريعة السنية، متعمّدة مثلا ابتداع الأحاديث المنسوية للرسول الأكرم أو لصحابته، مع إعطائها لا فقط الصبغة القدسية - وهي خاصة بالوحي - باعتبارها أيضا من الوحي، بل وأيضا إمكانية ان تكون قاضية على القرآن، مغيّرة لتعاليمه حسب ما تبيّنه روحه ومقاصده. 
هذا من مرض الإسلام اليوم، تداعى به من دين الثقافة والحقوق والحريات، الدين الذي أتى بحداثة قبل الحداثة الغربية، إلى شعائر متزمتة وعقلية متخلفة. لذا، لا بد للمؤمن الصادق العمل على تخليص ملّته السمحة من مرض التزمت الذي حاق بها لتعود لثوريتها الأصلية الأصيلة، فيكون الإسلام إيمان عصره، أي دين ما بعد الحداثة. 
وهذه هي الثورة المنتظرة في دين الإسلام كثقافة لا مجرد شعائر. فالإسلام أتى ثورة عقلية دينية لأهل زمانه ويبقى ثورة عقلية ثقافية لكل زمان، إذ في ذا أزلية تعاليمه. ولا مجال لذلك إلا بالعودة إلى ما يمثل لب لباب الإسلام، أي القرآن، وخاصة منه المكّي، أي الذكر الأول الروحاني الذي أسّس للدعائم الإسلامية الدينية التي لا تبديل فيها قبل أن يأتي القرآن المدني بجوانبها الدنياوية المتأقلمة مع ظروف المعيش الواقعي للمسلم. 
إن هذا لمن شأنه إعادة الوعي لأهل الإسلام في أن دينهم لا مراءات فيه ولا تظاهر بالورع، أي كل مطية للرياء، لأن الورع لا يصح إلا بالتصرف الصادق النزبه وخاصة التعفف عن إزعاج الغير وكف اليد عن الإساءة، أيا كانت، ومن ذلك أيضا التخفي عن الأنظار في كل فعل خيّر بما في ذلك الصلاة والصوم. بما أن المؤمن الأصيل لا يُعنى بنظر الناس إليه، فلا همّ له إلا بصر الله به في خلوته معه وفي تصرفه مع عباده لمراقبة تمام حسن النية وغض النظر عن كل ما يسوء منهم؛ فأمرهم لخالقهم وحده. 
هذا هو رمضان الإسلام الصحيح الذي سهينا عنه إلى حد التباهي بمعاكسة من لا يصومه أو الحرص على التظاهر بإقام الصلاة على مشهد من الناس، أخذا بعادة فرضت نفسها، بينما أصح الصلاة هي الخلوة الفضلى مع الله، وبالأخص في شهر التبتّل والاعتكاف والانفراد في مناجاة روحانية مطلقة للخالق، رمضان الكريم. 
إننا بفقدنا لمثل هذه الأخلاق الإسلامية السمحة أسسنا لإيمان وهمي افتراضي وفتحنا الباب على مصراعيه لكل التجاوزات فيه إلى حد الإجرام باسم الله ودينه، كما رأينا ونرى مثلا ممن يتعاطى الجهاد كمهنة قتل وإرهاب أو من باب التظير لهما ، ناسيا أو متناسيا أنه لا جهاد اليوم إلا الجهاد الأكبر، جهاد النفس ونوازعها محاربة لنوازغها. الإسلام دين ودنيا، لا مجرد شعائر وتديّن مثل ما سبقه من أديان ومثل ما يدعو إليه المتزمّت في فهمه قياسا على ما عرف من العادات اليهوميسحية التي شانت دين الإسلام ومسخت تعاليمه. 
إن العودة للفهم الصحيح للإسلام والجرأة عليها هي ما من شأنه التمكين من تجاوز الأزمة الحالية التي نرى فيها أهل التزمت والدغمائية، سواء هؤلاء الآخذين بدين شعائري أو الشركاء الرافضين له جملة وتفصيلا من اللائكيين، نراهم في شراكة موضوعية تسهر على منع أي تغيير للقوانين المخزية التي تتعلل بالصفة الدينية بينما ليس فيها من الدين الصحيح ولا نقيرا.
فبما أن الإسلام ثقافة قبل أن يكون مجرّد شعائر، فهو الإيمان التنويري الذي أتى سابقا بحضارة كونية ومن شأنه مجدّدا إبتداع أخرى إذا انتبهنا إلى أنه دين حقوق وحريات، دين التسامح والغيرية والتفتح على الآخر المختلف لا دين التزمت والرهبوت والنقموت. وليست ذي إلا حال إسلام التصوف الذي بيّن كيف من شأن المؤمن حسن النية أن يكون الرجل الكامل الذي سعى لتقمّصه أهل الخرقة وحرصوا عليه.
إنها ثورة حقيقية عارمة، لا تغير في الدين شيئا مما ثبت فيه من تعاليمه الصحيحة، إنما ترفع عنه كل ما داخله من عادات يهودية ومسيحية بدّلت روحه الأصلية المتسامحة كما تقمصها الذكر المكّي بمفاهيم غريبة عن روح الدين الأصلية. إنها إناسة تمامية لا حصر لها، نتبيّنها من مقاصد الشريعة السنيّة؛ ومنها العدل والإنصاف في كل شيء، والمساواة بين الجميع بدون استثناء، والتسامح وغض النظر عن كل ذنب. 
فلا خطيئة في الإسلام عدا الكفر بالله بما أنه لا إثم في دين التوحيد سوى نكران التوحيد. أما كل ما عداه فمن الذنوب، أي ما من شأنه الإصلاح بتزكية النفس. وليس أفضل في ذلك من حسن النية في الجهاد الأكبر وبكل حرية من أجل أفضل التصرف لاستحقاق مكارم الأخلاق التي أتى صاحب الرسالة لإتمامها.

اليوم 2
السبت 25 أفريل 2020

لكم من مرّة بينّا أن رؤية هلال رمضان ليست ضرورة بالعين المجرّدة بدون الالتجاء إلى الوسائل المتاحة علميا لتحديد موعد الاقتران بين الشمس والقمر المعلن عما يسمّى ميلاد هلال رمضان أو القمر الجديد. 
لذا شاءت المقادير أن تتمّ الرؤية هذه السنة كذلك قهرا وضدا لغايات أهل التزمّت وقد فرضها المرض مما لم يترك المجال لمفتي الديار التونسية إلا للإكتفاء بالإحالة إلى مقولة أهل الذكر، أصحاب الاختصاص في الرصد العلمي الجوي. وهذا هو المعنى الصحيح للإفتاء أي إبداء الرأي؛ والأفضل أن يكون الرأي الأكمل لعلميته بما أن الإسلام دين يمجّد العلم. 
فحبّذا لو نواصل في السنوات القادمة على هذا المنوال ونتمسّك بما من شأنه أن يصبح عادة جديدة سليمة اقتضاها المرض لما ماثله مما بعاني منه الدين، إذ حال الإسلام المرضية ليست أفضل. فهي تحتّم الانتباه أكثر من أي وقت مضى إلى ما ناء بحمله من عادات سيّئة، ومنها الرؤية بالعين المجرّدة لما فيها من استهجان للروح العلمية في الإسلام. 
إن الرؤية كما نتعاطاها إلى اليوم ليست إلا عادة فرضت نفسها على مرّ الزمان، و لعلّها لا تتجاوز مجرّد العبث الفلكلوري لولا أن فيها ما يسىء حقّا للإسلام بفرض أسطورة الاختصاص الديني لمن يدّعي جزافا المرجعية الدينية في الإيمان الإسلامي الذي لا يعترف بكهنوت ولا سلطة لاهوتية، إذ فيه المؤمن في علاقة مباشرة مع ربّه، لا حق لأحد التوسّط بينهما وإلا أقام نفسه صنما معنويا في الإسلام وقد حطّم جميع أنواع الأصنام. إنها بذلك العودة إلى جاهلية الأصنام والأنصاب! 
والحال نفسها بالنسبة لصلاة التراويح المقامة حصرا بالمساجد في رمضان، بينما ليست هي إلا مجرّد عادة فرضت نفسها كالعديد من العادات باسم الاهتداء بالنبي والاقتداء بسنّته، بينما ما كان الرسول نفسه، كما ذكّر بذلك المفتي، يقيمها دوما بالمسجد ولا ضرورة كصلاة جماعة، لأن الصلاة الأسنى مقاما في الإيمان الإسلامي هي الخلوة الروحانية مع الله والتي تقتضي الانفراد معه والامساك وخاصة عن خلط التقوى بالمراءاة والتظاهر بها.
فحبّذا االتمسّك بأهم ما في الإسلام عوض مثل هذه العادات وقد فرضت نفسها فيها مع أعراض مرضية نقاسي منها إلى اليوم، مسخت معالم هذا الدين. من ذلك ما يخص حقيقة اصطفاء النبي الأكرم بالرسالة الذي لم ينزع عنه بتاتا صفته البشرية وما يقتضيه وضعه ذاك من النقص المميّز لابن آدم كما يعلّمنا الفرقان والسنة الصحيحة للرسول الأكرم. 
لقد قلّد أهل الإسلام ما في المسيحية، إلا أنّهم، عوضا عن النبي الذي يمنعه دينهم، ألّهوا سنّته مماّ جعلهم يطبّقون لا القرآن بل ما نُعت بإسلام الحديث أقاموه، منذ الشافعي خاصة، بمثابة الوحي القولي، له تقريبا نفس قداسة القرآن، ما مكّن من أن تنسخ السنّة القرآن، كما نبيّنه في اليوميات القادمة.

اليوم 3
الأحد 26 أفريل 2020

إنّنا اليوم لا نطبّق القرآن، وهو لب لباب الإسلام، بل ما فهمه الفقهاء من كلام الله حسب ذهنية زمنهم وما اعتمدوه خاصة من عادات وتقاليد سارية في عصرهم، كلّ ذلك باستعمال الحديث النبوي وسنّة الرسول كمطية لهم ومنهاج أخلاقي وشرعي للولوج للحكمة الربّانية. هذا أدّى إلى فرض رأى بشري معيّن لأنه موجّه، وذلك لرفض هؤلاء لآلية إعمال الرأي مطلقا، على منطوق النص الإلاهي. فروح النص القرآني، لصفته كحكمة عليّة، ليست ضرورة قي مستوى العقل البشري إلا إذا اعتمدنا في فهمه على مقاصد الشريعة للاقتراب من أقل الأفهام خطأ وأقربها لمقصد الإيمان الإسلامي.
وطبعا، لئن كانت مقاصد الإيمان الإسلامي، وكل الأديان السماوية، واحدة بلا اختلاف عموما، بما أنها من الله وعنه، كالعدل والإنصاف والمحبّة، والتوحيد خاصة، فلا مجال لأن تتغير بمرّ الأزمن؛ على أن فهمها من شأنه التغيّر والتبدّل حسب تطوّر الذهن البشري ونمّوه المطّرد. فهل لعقل الطفل فهم ما يفرض نفسه على عقل االبالغ؟ وهل حجّية عقل هذا الأخير في مستوى ما يتأتّى للعبد مع التقدّم في السن ومن التجارب؟ وهل يبقى حال السيخ الحكيم على نباهته مع تردّيه إلى أردل العمر؟ 
هذا ما لا يفقهه أصحاب التزمت في فهم الدين والتعامل مع روحه السنية، حتى من فيهم ممن اعترف بأهمية العقل، كأهل المذهب الظاهري، وبالأخص أعلاهم قدرا: ابن حزم . فلئن أعلى الفقيه الأندلسي من قيمة العقل، فقد أقاله تماما في نفس الوقت من حقل النص الديني. وذا أدّى إلى أنّه وأصحاب مذهبه حجّروا الحرف القرآني وأقاموه وثنية جديدة. 
كان هذا في حقبة زمنية تميّزت بتغوّل الحديث وأهله، الشيء الذي أدّى بأصحاب الرأي، ومنهم طبعا زعيم المذهب الحنفي نفسه، بتنسيب اعتقادهم في ضرورة، بل وحتمية، الاعتماد على الرأي في فهم القرآن للدفاع عن أنفسهم من تهمة الزندقة. فقد اضطروا بالقبول بمرجعية السنة والأحاديث، والدفاع عن أبي حنيفة بالتأكيد على صفته الأولى كمحدّث وصاحب حديث.
ذلك أن المرجعية الحديثية، إثر الانقلاب السياسي الذي أتى به الخليفة العبّاسي المتوكل، وبالأخص الاجتهاد الفقهي للمذهب الشافعي (الذي نتحدّث عنه لاحقا)، فرضت نفسها بقوّة رغم ما شابها من اختلاق وكذب إلى حد شنيع. فقد أصبحت صناعة الحديث مع توالى الأزمن تجارة مربحة، الشيء الذي أوجد مدوّنة حديثية فيها الصحيح القليل والكثير المدلّس الكاذب. وهذه الحالة من التجلّيات الأولى لمرض الإسلام الذي نعاني منه إلى اليوم بما أنه أصبحت للسنة القداسة المماثلة للقرآن كما ذكرناه في يومية الأمس ونفصّله في يومياتنا.
وإنه لمرض فتّاك بما أنّه يسمح لحديث غير صحيح، لا فحسب الكذب على الرسول وعلى الدين ومقاصده، بل وأيضا الاعتماد عليه لنسخ القرآن وذلك لصفته المستحدثة كوحي من الله بمنزلة القرآن. 
المثال الأسنى على ذلك طبعا، وهو من أشهرها، إدخال الرجم لأجل الزنا في المدوّنة الحديثية وفرضه في الإسلام، بينما لا أثر للرجم في القرآن الذي ألغى هذه العادة السيئة المتواجدة في الكتابات التي سبقته من باب تصحيحه الإناسي لها. 
لقد حمل هذا العمل الارتدادي الشنيع أهل الإسلام الأوائل لنسف روح التسامح الإسلامية كما أقرها القرآن المكّى وذلك بالعمل الحثيث على اختراع أحاديث ونسبتها للرسول أو لصحابته، أو حتى للتابعين المشاهير. ولتصحيح مثل ذا الاعتداء على قدسية النص القرآني في العديد من المواضع اختلقوا آلية النسخ وسمحوا للحديث بنسخ القرآن قائلين مثلا إن آية الرجم من القرآن الذي تُلي ونُسخ نصه على أن حكمه بقي فلم يُنسخ بتقرير وإثبات من السنّة لا نقاش فيه.

اليوم 4
الاثنين 27 أفريل 2020


لا رجم في الإسلام، إذ لا رجم في القرآن؛ هذه هي الحقيقة التي يجب العودة إليها بعد أن غيّبها مرض الإسلام من أذهان أهل هذا الدين وضيعها في إيمان الإسلام الأصيل. حدث ذلك مع إقرار الفقهاء للصفة القدسية للحديث، بل والسنّة بتمامها، بمثابة قدسية القرآن، ونظرا لطغيان الحديث مع تقدّم الزمن ونبذ الرأي وتكفير أصحابه. وذا جعل همّ الفقهاء السعي الحثيث للتوفيق بين الأحاديث التي سيناقض بعضها البعض أحيانا دون الاهتمام بمحتواها ولا إعمال العقل فيه. فحتى آلية الإسناد وما تبعها من جرح و تعديل لم تكن لتهتم ضرورة بمنطوق النص لقدسيّته المفترضة كوحي منزّل من الله على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى رغم صفته البشرية الثابتة التي لا يشك فيها أحد. 
وكما ذكرنا بعد، فالمثل الأقصى في الغرض هو إقرار الرجم في الإسلام، لذا نبّين بعجالة كيف تمّت صياغة هذه الكذبة في الإسلام، إذ لا رجم في القرآن، ما مكّن من مخالفة القرآن بواسطة السقيم و المنحول من الأحاديث. فالرجم في الإسلام لهو من أفظع ما تمّت الإساءة به لهذا الدين الذي أتى بإصلاحات لما فسد في ما قبله من تعاليم الله، أي هنا الرجم الذي يمثّل بحق فلسفة موت اصطبغت بها العديد من تعاليم العهد الأول اليهودي واختفت في العهد الثاني المسيحي، ناهيك في الإسلام الذي هو بمثابة العهد الأخير. 
فقد بيّن القرآن أنه دين فلسفة الحياة التي نجدها حتّى في القصاص إذ فيه حياة لا موت، كما بيّنت ذلك الآية 179 من سورة البقرة. إلا أن فهم هذا لا يتوفّر إلا لأولي الألباب ممن لم ينبذ ما يميّز ابن آدم عن الحيوان، أي عقله واستعماله للاستفادة منه في إحياء الموات فيه وحوله.
وقد اعترف بعض الفقهاء، مثل السيوطي، ما في لفظ الرجم نفسه من شناعة علاوة على فعله، إلى حدّ أن تلاوته نُسخت في القرآن. 
هذا ما قرّ عليه رأي المتمسّكين بإدخال هذا الحدّ التوراتي للزنى في الإسلام رغم انعدام وجوده بالفرقان. فالنص القرآني المتعلّق بحدّ الزنى، ما كان يُعدّ من أخطر الجرائم في ذلك العصر، يُبقي الباب مفتوحا للعفو والمغفرة بقول الله أنه يجعل سبيلا (النساء، الأية 16). وعوض أن يأخذ أهل الحديث بمقصد التسامح الواضح في استعمال كلمة السبيل، فقد فهموا العكس وبخلاف المعنى اللغوي للكلمة، إضافة لقصد الشارع، فجعلوا من السبيل عقوبة أشدّ إذ مرّوا من مجرّد عقاب المائة جلدة إلى القتل رجما بالحجارة. 
تمّ العمل بهذا الحكم القاسي، بل والفاحش القساوة والناسخ للقرآن، حسب حديث كان من الأحرى والمنطقي عدم الاعتماد عليه وذلك حسب تقنية الإسناد نفسها لأهل الحديث لأنه من الآحاد؛ علما وأن البخاري امتنع عن تخريج هذا الحديث في صحيحه. بل وقد ضعّفه بعض الفقهاء، ومنهم الطبري، لا فقط لما فيه من وهي الإسناد، بل وأيضا لمضمونه إذ يتعارض مع أحاديث أخرى رُويت عن الرسول. 
هذا يُبيّن إلى ما وصل إليه من حدّة الصراع في ذلك العصر بين الآخذين بالقرآن أوّلا، أي ما سمّي بالقرآنيين، ومن جعل قرآنه ما رُوي من الحديث من السنّيين. ولم أصبح هذا ممكنا إلا بعد الانقلاب الفكري الذي أتى به الإمام الشافعي الذي اعتبر حديث الرجم مثلا منزّلا تماما كالقرآن.

اليوم 5
الثلاثاء 28 أفريل 2020

في بداية الإسلام، لم يكن للحديث النبوي مع الوحي المكانة التي أصبحت له، أي أن القرآن بقي لوحده الوحي الإلاهي حتى أتى زمن أصبحت للحديث فيه قداسة الوحي، بل اعتبر أيضا تنزيلا، تماما مثل الفرقان. علما وأن هذا التمشي بدأ مع الحديث القدسي، ثم عمّ كل الحديث بل والسنة كلها، أي ما قال الرسول وما فعل.
تمّ هذا بالأخص، على مستوى المذاهب، مع الإمام الشافعي؛ فلئن كان أبو حنيفة النعمان، إمام أهل العراق، يعتدّ بالرأي والعقل في تأويل الفرقان، فمالك بن أنس، وقد مثّل مدرسة الحديث والنقل المناهضة، لم يكن يرفض تماما اللجوء إلى الرأي أيضا، فكان يعمل به في نطاق ما تُعت بهامش من الحرية، كاستعماله إضافة للقياس والإجماع، الاستصلاح أو المصالح المرسلة، المرادف للاستحسان الحنفي، وخاصة عمل أهل المدينة وهو من أهم ما امتازت به المالكية. بذلك، بقي مفتوحا مع إمام المدينة باب الرأي والقول به في تثوير معاني الدين إلى أن تمّ إحكام غلقه من طرف الشافعي.
لقد كرّس هذا الأخير سلطة السنّة بأتمّ معنى الكلمة، فارضا بذلك في الإسلام منطق جديد محدث، أو بدعة، إذا استعملنا المنطق الفقهي، وهي أنه لا يجوز لغير النص الديني في كتاب الله أن يتكلّم في الفقه، فإن غاب وجب السكوت. وبما أنّا علمنا منذ محنة على بن أبي طالب أن النص القرآني لا يتكلّم، فكان من الواجب للخروج من هذا المأزق بإعطاء صفة الكتاب لحديث الرسول أيضا والذي سيندمج شيئا فشيئا مع نص القرآن ليصبح مثله وحيا منزّلا. طبعا، لم يختصّ بهذا الحديث القدسي فقط الذي كان التمهيد للأمر الجديد، بل طال كل ما يُروى عن رسول الإسلام أو بالأحرى يُنسب له من القول وأيضا الفعل، سواء أتى منه أو قبل به ولم يرفضه.
بذلك أتى الشافعي في رسالته المشهورة بالسنّة أصلا إضافيا للكتاب، أي القرآن، ضاربا صفحا بالمعنى اللغوي المعتاد للكتاب، رغم أنه جعل اللغة معيارا للفقه. فبما أنّه قدّم الكتاب على أنّه حكمة الله، تسنّى له القول بترادف هذه الحكمة مع حكمة رسوله المُوصى له بها من طرف ربّه لبيانها، مع اصطفائه لهذا وعصمته في الإدلاء بها من كل صفة بشرية هي فيه لا محالة، لكن لغير ذلك من أمور الدنيا.
هكذا أصبحت للسنّة، بداية من الشافعي، حجّية إلاهية موازية لحجية القرآن كما بيّنته الرسالة وكتاب الأمّ؛ وقد اعتبر أهل الإسلام أنّ رسالة الشافعي، حسب مقولة الفخر الرازي، تقوم في أصول الفقه مقام منطق أرسطو في الفلسفة.
هذه المعادلة التي أتى بها الشافعي في المرجعية والحجية للكتاب كحكمة، أي القرآن، والحكمة النبوية وهي السنّة، قولا وعملا، ستجعل المدوّنة الحديثية منذ ذلك الزمن تنمو باطراد منقطع النظير إلى حد تراكم أحاديث مما تم انتحاله على الرسول أو أصحابه، فيها الغث والسمين والمتناقض، بل أحيانا ما يرفضه العقل. ولعل من الأسباب والنتائج في نفس الوقت لهذه الظاهرة القبول بمشرورعية الكذب في الدين باعتبار أن الغاية الأخلاقية، أو ما اعتُبر أخلاقا، أصبحت تبرّر الوسيلة الدنيئة مع فك الارتباط الوثيق الذي كان في بدايات الإسلام بين الأخلاق والإيمان. ذلك لأن السنة ستصبح سلاحا فتاكا بين أبدى كل المتعادين سواء سياسيا أو دينيا.
وهكذا إذن أصبح الإيمان وحده، خاصة ما ظهر منه للأعين، ولو كان نفاقا، ضمانة الإسلام حتّى وإن كان نتيجة لتصرّفات لاأخلاقية. وسنسوق أمثلة لهذه النزعة المتصلّفة والكلبية في الإسلام المرضي الذي فرض نفسه منذ ذلك الوقت فصاعدا على عقول الفقهاء وعامة المسلمين كتلك الأحاديث في الذباب الذي يسقط في إناء به سائل أوالماء الذي تقع فيه نجاسة أو حديث بئر بُضاعة المشهور.
لذلك قلنا ونقول بضرورة إعادة أخلقة الأخلاق في إسلامنا المريض حسب ما كانت عليه الحال عند ظهور الذكر الأوّل بمكّة؛ وهذا يعني اليوم خاصة الإسلام السياسي لأن الفرقان في نفس الوقت دين وسياسة بما أنه دين ودنيا، فهلا عدنا إلى الأخلاق الإسلامية السامية في السياسة، وبالأخص في سياسة الإسلام ؟ سنعود لاحقا للموضوع.

اليوم 6
الأربعاء 29 أفريل 2020

هذه أمثلة، نذكرها بعجالة، من أحاديث غريبة كوّنت ما سُمّى عند الفقهاء مختلف ومشكل الحديث، وطرحت السؤال المحيّرعن مدى نسخ البعض لبعضها للتضاد الذي بينها أو، عموما، مع ما ثبت في الإسلام من قيم. مع الملاحظة أنه لأجل مثلها وأغرب منها ستظهر في الإسلام عند أهل السنّة مؤلفات عدّة لتأويلها وطرح مشكلها والتوفيق بين المتناقض فيها ومحاولة التوليف بين المختلف منها. كان هذا رغم وجود العلم المعياري لفرز الأحاديث، وذلك لأن همّ آلية الجرح والتعديل للرواة هي أساسا للتثبّت في صحة سلسلة الإسناد لا في صحة المتن ومعقوليته أو عقلانيته. فمبدأ قدسية الأحاديث الذي فرض نفسه على عقول الفقهاء منذ الشافعي غيّب ذلك عن وعيهم ووعي الناس عامة من شدّة ما جعلهم لا يجرؤون على الكلام في ما تضمّنته تلك الأحاديث. أليست هي بمثابة القرآن المنزّل؟
أما بالنسبة لحديث الذباب يسقط في إناء فيه سائل، فقد ذُكر عن الرسول أنه قال : «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فاملقوه (أي أغمسوه) فإن في أحد جناحيه سمّا وفي الآخر شفاء، وإنه يقدّم السمّ ويؤخر الشفاء». وقد اعتبر المدافعون عن صحّة الحديث ومنهم، في القرن الهجري الثالث، ابن قتيبة الدينوري الذي عاصر المعتزلة وردّ على طعنهم في العديد من الأحاديث في كتابه «تأويل مختلف الحديث» الذي يُعدّ من أهم الكتب التي حفظت لنا تراث المعتزلة الذي ضاع ولم يصلنا. ويؤكد ابن قتيبة، الذي يضيف أن الحديث رُوي بصيغ أخرى في نفس الاتجاه، أي أن في أحد جناحي الذباب سم وفي الآخر شفاء، أن من لم يؤمن بهذا الحديث وبأمثاله «فإنه منسلخ عن الإسلام» إذ «من كذّب ببعض ما جاء به رسول الله (ص) كمن كذّب به كلّه».
وأمّا حديث الماء تقع فيه نجاسة، وبالأخص ما رُوي بخصوص بئر بُضاعة، وهي بئر كان يتوضأ منها الرسول، فقد قيل له أنه يلقى فيها ما يُلقى من النتن إذ أن الناس تطرح فيها النجاسة كمحائض النساء والعِذَر (أي الجلد التي تقطع من الفروج عند الختان) والجيف من لحم الكلاب، فكان جوابه «إنّ الماء طهور لا ينجسه شيء».
يقول ابن سلامة الطحاوي بصحة الحديث في معرض دفاعه عنه وعن ومختلف رواياته، ومنها التي تبيّن أن الرسول كان أيضا يشرب من هذه البئر، ويضيف أيضا أنه وبقية رواياته لا يتعارض ما الأحاديث الأخرى المروية عن الرسول والتي فيها النهي المكرّر عن الاغتسال أو الشرب من الماء الدائم أو الراكد إذا تنجّس بالبول مثلا.
على أنه لا يفعل هذا مثل غيره من الذين سعوا لتبرير ذلك بأن تعلّلوا بأن الماء الجاري لا ينجس معتبيرين أن البئر كانت في الحقيقة طريقا للماء خلافا لما كانت عليه حقا. فالطحاوي يبرّر صحة الحديث بتأويل طريف يأتي به كمخرج للمعضلة وهوأ ن موضوع الحديث ليس في النجاسة التي في البئر حين كلام الرسول، لأنها أُخرجت بعد منه عند كلامه؛ بذلك فهو يخمّن أن الحديث كان في نجاسة لعلها كانت في البئر في زمن سبق ذلك الزمن. وهكذا بقرر صاحب كتاب «بيان مشكل الحديث» أن حديث بئر بُضاعة في الماء الذي لا ينجس لا يخص إلا ماء البئر بعد إخراج النجاسة منها.
مثل هذا التعليل المبتكر غير غريب عن تلك الفترة التي كثرت فيها أمثاله من التبريرات النزوية أو الكيفية. والاي تذهب أحيانا إلى حد الزدعاء بنقص كلمة في الروايات كان من شأنها قلب معاني الأحاديث رأسا على عقب. ولال غرابة في ذلك إذ تذكرنا أن الطحاوي أدرك الثلث الأول من القرن الرابع الهجري وهو الزمن الذي تعدّدت فيه مثل هذه الأحاديث الغريبة، لذا تنوّعت تأويلاتها بما هو أغرب منها.
هكذا إذن عوض رفض الأحاديث التي لا شك فى أنها مكذوبة على الرسول رفض الفقهاء الشك فيها مع الإساءة دون أي يشعروا بمصداقية رسول الإسلام في الوقت ذاته الذي اعتقدوا فيه أنهم يحترمونه بتقديس كل الأحاديث التي اعتبروه قائلها. وسنعرض في اليومية الموالية لحديث آخر من مثل السابقين يفرض نفسه اليوم في زمن المرض الذي نعاني منه، أي الحديث المشهور في العدوى.

اليوم 7
الخميس 30 أفريل 2020

في حديث العدوى، دُوّنت روايات متناقضة، أهمّها قول الرسول «لا عدوى ولا طيرة» وقوله «فُرّ من المجذوم فرارك من الأسد». ولنفي التعارض قيل إن العدوى لها أيضا معنى تغيّر الرائحة كعدوى الجذام التي لا تعني إلا الرائحة الكريهة. بذلك لا خلاف بين الحديثين، إذ الفرار ليس من العدوى بل من الرائحة.
بديهي أن هذا المخرج الطريف من بعض الأئمة لا يجيب تماما على وجود العدوى خاصة مع رواية أحاديث أخرى في الفرار من الطاعون الذي لا شك في عدواه. علما وأن العدوى وثبوتها ما كان غريبا عن أهل الإسلام، وقد قال به العديد من مشاهير الأطباء المسلمين حتّى في القرن الثالث، زمن أوج الصراع حول تناقض الأحاديث، أمثال ابن ماسويه وابن المجوسي، ناهيك عن العلاّمة ابن سينا في القرن الموالي.
ولعل ما قاله أحد أعلام القرن التاسع (ابن حجر العسقلاني) يلّخص إشكالية العدوى والتنصّل من تعارض هذه الأحاديث. فبما أن كليهما في الصحيح، لا مناص من افتراض صحّتهما رغم ظاهر التعارض؛ بل لا مجال مبدئيا لتعارضهما. لهذا، يقول صاحب «نزهة النظر في توضيح نخبة الفِكَر في مصطلح أهل الأثر»: «هذه الأمراض لا تُعدي بطبعها، لكن الله سبحانه وتعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه. والأولى في الجمع بينهما أن يُقال إن نفيه للعدوى باق على عمومه، وقد صحّ قوله (ص): لا يُعدي شيء شيئا. وأمّا الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سدّ الذرائع لئلا يتّفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله ابتداء، لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحّة العدوى، فيقع في الحرج، فأمر بتجنبه حسما للمادة».
طبعا، بالإمكان القول أن هذا التخريج يعود إلى قرون خلت، وبالتالي له صفة عقلية ذلك الزمن؛ إلاّ أنه في الواقع لا يختلف عمّا يقوله العديد من مسلمي هذا الزمن في نكران العدوى اعتمادا على الحديث النبوي. بل هناك من أهل الذكر اليوم من يذهب به تقديسه للحديث النبوي إلى حدّ الطعن في صحّة النظريات الطبّية في حال تعارضها مع مضمون ما يُروي عن الرسول أيّا كان متن الحديث.
فعبد الرزاق عفيفي مثلا، الذي شغل منصبا دينيا تشريعيا هاما، إذ كان حتّى وفاته نائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بمصر، لا يتردّد في القول في كتابه «شبهات حول السنّة» أن هؤلاء الذي يردّون حديث الذباب بدعوى غير المعقولية أو لشبهة تناقضه مع غيره إنّما هم «جماعة ممن اقتنعوا بالطب وبالنظريات الطبية ووثقوا بعقول الأطباء ثقة أعظم وأقوى من ثقتهم بتشريع الله وبما صحّ عن رسول الله». ذلك أن الرسول إذ تحدّث مثلا عن القوّة الشفائية للذباب أو عن انعدام العدوى لم يفعل ذلك «تخمينا من عند نفسه»، بل «تكلّم بهذا عن طريق الوحي من الله. ويجب على الإنسان أن يثق بوحي الله جلّ شأنه أعظم من ثقته بنظريات الأطباء».
ولا فائدة في ذكري أمثلة أخرى عمن يغالى في موقفه الرافض في هذا الاتجاه، وهم كثر للأسف، أعماهم مرض الإسلام عن تبيّن ما يضرّ به مما يعتقدون فيه الدفاع عنه.
الأمثلة التي سقنا تبيّن إلى أيّ مدى تدنّت المنظومة الفقهية ما جعلها تؤسس لدين أصبح افتراضيا في أذهان الناس، لا يرون فيه إلا ما اعتقدوه وراثة، هذه النظرة الهلامية التي فيها الكثير من غض النظر عمّا في هذا الفقه الذي يأخذون به أو يقبلونه رغم متناقضاته المسيئة أشد الإساءة للدين ولإيمانهم. فهو فقه في حالة بوار في الزمن الحاضر رغم كونه من أفضل ما وصلت إليه عقول أهله في عصرهم؛ فهو يؤسس على الأقل لرهاب التناقض والاختلاف وفصام حقيقي في الإيمان، بله للإرهاب المعنوي والمادي. وإنّه لمرض فتّاك يتحتّم إنقاذ ديننا السمح منه، ما يقتضي إعادة تثوير معانيه بالاجتهاد مجدّدا لأجل فقه لعصرنا، يكون نتاج تفتّق ذهن أبناء الزمن الراهن بالعودة للصحيح من الدين لا الاكتفاء بالنقل عمّا بقي لنا من السلف وقد فسد أي فساد. فهل من دوام لغير الله؟