مصير الجزائر بين حقوق الشعب ومصالح الحكام
إنه لمفزع حقا ما نجده في إعلامنا من جعجة لا نرى لها طحنا، فكأننا لا زلنا في عصر الخطابة العربي الذي كانت الكلمة فيه كالسيف المهند؛ إلا أن صروف الدهر لم تبق لنا منها إلا السيف الذي تصدأ حده، ورطانة الكلمة الطنانة، فلا نفع في الحديد ولا في اللسان.
إن العربي لما كان يتكلم، كانت بلاغته في مقصده وفي معانيه؛ فأين هي في كلامنا وصحافتنا اليوم، عدا النزر القليل الذي، وإن سمح بإنقاذ ماء الوجه، لا ينقذ إعلامنا من السقوط إلى الحضيض ومعه فكرنا، وما لذلك من تداعيات وخيمة على واقعنا التعيس وعقلياتنا الأتعس.
كيف إذن لا نبكي حظنا حيال من واجبه السهر على النهوض به من أهل الفكر والقلم وهو في النواح يتفنن؟ حقا، لقد صدق الشاعر حين قال :
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا | فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
أليس الغرب يرعى مصالحه؟
لقد طالعتا الصحف بتصريح للصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان أقسم فيه على وجود « مخطط لتقسيم شمال إفريقيا وتفتيته» مبيّنا أن « الغرب يعمل ليل نهار لإذكاء نار الفتنة تحت مسميات عديدة ». وأضاف أن بعد سوريا، يأتي دور الجزائر، وأن المخططين لتفجير ثورة في الجزائر طلبوا خبرته فرفض لأنه « ضد تفتيت أي بلد عربي».
إن كلام الصحفي المرموق هذا من الحصافة والسذاجة بمكان في نفس الوقت. فإن كانت الحصافة في التنبه والتنبيه لما يجري حقا، فالسذاجة في تجاهل خاصية الحياة السياسية التي هي المناورات والجري وراء المصالح بكل الوسائل. فلم لا يسعى الغرب وراء مخطط تقسيم لشمال أفريقيا بعد الشرق وغيره؟ من هو بالنسبة للعرب حتى لا يسعى لمصالحه؟ أليست مصلحة القوي البقاء قويا وإضعاف خصمه حتى يجعله تابعا له؟ ألا يقول المثل أن أفضل السيادة في التفريق؟
وهل هذا بالجديد علينا وقد عرفنا الغرب وعركناه، فكان لنا ما كان منذ زمن سايسكس بيكو إلى الآن؟ ثم ماذا فعلنا ونفعل للتصدي لذلك ؟ هل هناك أية مؤامرة بدون سبب؟ وهل تنجح إذا لم يتوفر لها من يؤيدها من الداخل؟
أليس الأفضل الكلام عن السبب عوض الاكتفاء بالحديث عن المسبب؟ ألم يكن من الأجدى بيان طبيعة التربة الصالحة لمثل هذه المخططات والتدقيق في أفضل الوسائل لتصبح غير موافقة للمؤامرات؟ هلا نصح عطوان من يحذّرهم من مغبة التقسيم بتفاديه بأفضل السلاح، ألا وهو العمل على عدم تواجد التيرب المهيج للمطامع الخارجية؟
عن أي جزائز نتكلّم؟
ثم عن أي جزائر يتكلم ؟ هل هي جزائر الشعب أم جزائر الساسة؟ فعندما يندد الصحافي البارع بمخططات التقسيم، أليس ذلك لأن هناك من الشعب من لا يلقى حظه في الوضع الحالى مما يجعله يطالب بحقوقه بكل الوسائل بما فيها أتعسها، أي القبول أن يأتيه بها البعيد الأجنبي حين لا يجدها عند القريب الجزائرى؟
أليس أفضل درع لأي مطمع أجنبي في التفاف الشعب حول ساسته؟ هل هذا متوفر لدينا؟ أليس في الشعب الجزائري المستهدف للتقسيم من يعتبر السلطة القائمة عدوا له؛ كما هي تعتبره بالمثل؟ فلعل هذا وذاك لا يرى مانعا في هذه الحال من حصول الأسوأ : تقسيم البلاد لافتكاك حقوقه أو لتوحيدها حفاظا على امتيازاته؟
وكيف لا يحصل هذه عند الواحد الذي لا يعتبر ساسته إلا مجرد سلطة متسلطة ناهبة لحقوقه؛ وعند الآخر الذي لا يعتبر الشعب إلا مطية للتحكم فيه وفي أرضه، فلا حقوق له ولا حريات؟
وبعد، هل ما نعيشه من مؤمرات بالجديد حقا من الزواية الوطنية المحضة؟ ألم يعمل الاحتلال الفرنسي على التفريق بين أصياف الشعب، وخاصة العرب والبربر، فنجح إلى حد كبير في سياسته بإشاعة عدة أكاذيب منها عدم احترام الأمازيغ للإسلام نظرا لتحررهم من القوالب القديمة، لا من روح الإسلام الثورية، بل باسمها؟
أليس الأمازيغ يعانون اليوم من نفس النزعة الخسيسة في هضم حقوقهم، إلا أنها تأتي من أبناء وطنهم العرب الذين يتعالون عليهم فيحتقرونهم، خاصة في صحة فهمهم لدين الإسلام؟
لهذا، كيف لا يأتي التشدد بتشدد على الأقل مماثل بين أبناء الوطن الواحد الذي لم يعد بهذا واحدا؟ فكما قال طرفة الشاعر: ظلم ذوي القربى أشد مضاضة| على المرء من وقع الحسام المهند!
حال الواقع الجزائري
إن واقع الشعب الجزائري لهو كحال كل الشعوب العربية في مرارته، إذ هي مقهورة، لا حقوق لها؛ فما الذي يمنعها من عدم التحرج، إذا سنحت الفرصة، في الترحيب بتصرفاتٍ تأتي من الخارج، غربيةكانت أو شرقية من شأنها تمتيعها بما ينقصها من حقوق؟ أليس في التدخّل الخارجي شيء من الأمل للبعض في حريات مفقودة باستهدافه الساسة الذين يقهرونه؟
على هذه الشاكلة كانت الحال بتونس عندما سعت الولايات المتحدة للتخلص من النظام القديم وفرض نظام جديد أكثر ملاءمة لمصالحها مع صبغة سياسية أزيد تحررا؛ ولو أنها لا تفي بما فيه الكفاية بحاجة الشعب للانعتاق تماما نظرا لنزعة النظام الجديد الإسلاموية.
نعم، أصبحت حال الشعب التونسي تعيسة على المستوى الأمني والإقتصادي والإجتماعي، إلا أنه حقق استحقاقا كبيرا على المستوى الإعلامي يؤشر بتحقيقه آجلا لفتوحات أهم وأفضل من أجل التحرر من ربقة نظام القهر الذي يريد التسلط عليه في زمن لم يعد ذلك ممكنا، لأنه زمن الجماهير الهادرة.
لقد عرفت الجزائر سابقا ما تعيشه اليوم تونس، خاصة من انحلال أمني وخطر سلفي داهم، إلا أن هذا زاد من قبضة السلطة على البلاد، فأفحشت في تقزيم الشعب وحقوقه وحرياته. لذا، كيف يتنازل هذا الأخير عما من واجب الساسة ضمانه له، لأن علة وجودها وما يجعل حكمها مشروعا هو نظريا ضمان حقوق الشعب وحرياته؟ فإذا انتفى الواجب انتفت ضرورة الحقوق وما معها من امتيازات!
إن الحكام بالجزائر، شأنهم شأن كل الحكام بالعالم، وبالعالم العربى خاصة، يتسمكون بسدة الحكم لما فيه من امتيازات ومصالح. إلا أن غيرهم في الدول المتطورة مضطرون للأخذ بعين الاعتبار قوانين ومنظومة تخضع البلاد لها؛ ولا بد أن تفرض مثله هذه القوانين نفسها ببقية بلاد العالم إذ أصبح عمارة كوكبية؛ فإما أن يتم ذلك عن قناعة وخيار أو يقع فرضه فرضا. هذا من المتحتمات!
أما في الفرضية الثانية التي هي الأوفر حظا للوقوع، فيتم ذلك لا لمصالح البلاد ولا مباشرة لمصالح شعبها، بل لأجل مصالح من يسعى لأجلها وباسمها من الدول الأجنبية. بذلك يخسر ساسة البلاد الحكم ويخسرون البلاد، التي لعل شعبها لا يخسر كل شيء ولا كله، إلا من لم يكن مهضوما حقه في السابق تحت ظل الحكم المنهار تحت ضربات الإمبريالية العالمية.
في الجزائر، علاوة على غالبية أهل الإسلام الذين لا حقوق لهم ولا حريات، هناك طبعا الأمازيغ المقهورين في هويتهم وحقهم المشروع للحياة في بلد هو أولا وقبل كل شيء بلدهم الأصلي قبل غيرهم.
فلمّا يهيمن منطق الغنيمة بين الساسة والشعب، كيف يمكن منع أن يأتي من هو أقوى من الحاكم لجعله بنفسه غنيمة؟ عندها، هل يكون موقف الغنيمة القديمة الانتصار لمن كان يتصرف معها كغنيمة أم لمن يحررها، ولو ظاهريا، من وضعية الغنيمة؟ أليس عندها ينطبق قول شاعر تونس الشابي في فلسفة الثعبان المقدس :
لا عدل إلا إذا تعادلت القوى | وتصادم الإرهاب بالإرهاب
إننا لو تصرّفنا في كلام صاحب إرادة الحياة، لأمكن لنا القول أنه لا تدخل أجبي إذا تناغمت مصالح الشعب والسلط، ففيها أفضل الرد على الإمبريالية. ولكن أين نحن من هذا؟
ولا شك أن حال الأمازيغ بالجزائر اليوم تلخص أفضل تلخيص الواقع المرير للبلاد مما يجعلها غنيمة للأطماع الإمبريالية رغم توفر كل ما يمكّنها من الحفاظ على استقلالها وكرامة شعبها.
حق الأمازيغ المهضوم
إن الأمازيغي كما هو معلوم الرجل الحر؛ وليس هناك غرابة ألا يقبل الحر الإهانة، فهو لا يستكين لها بالمرة. هذه الحقيقة يعرفها أيضا العربي حق المعرفة، بل ويقرّها حق قدرها، لأن العربي أيضا ممن يتعلق بحريته كاملة غير منقوصة، حتى وإن بالغ فيها وغالى.
والحال نفسها بالنسبة للمسلم الحق، لأنه لا إسلام بدون ثورة على كل وضع يتحجر، وهي عقلية أساسا على كل ما يمكن أن يثور عليه المؤمن حتى يكون حرا لا تسليم له إلا لخالقه. فلا كنيسة في الإسلام ولا كهنة. لذا، ليس الشيوخ ولا المرجعيات الفقهية من الإسلام، بل ذلك مما رسب إليه من الإسرائيليات التي حنّطت روح الإسلام الأصيلة، روحه الثورية؛ فما أدراك بأصحاب السلطة؟
إن السلط الحالية بالجزائر، على اختلافها منذ الاستقلال، لم تغير شيئا كبيرا من هضمها لحق الأمازيغي؛ بل نراها تهيّج الشعب لتستغل التباغض الذي ينمّيه البعض بين العربي المسلم والأمازيغي المسلم بينما هما لا يختلفان في خاصياتهما الأساسية.
إن الأمازيغ، تماما كعرب بلاد المغرب وكل العرب ببلاد العرب، من المستعربين، بما أنهم أخذوا لغتهم عن العرب القادمين إلى بلادهم كما أخذها هؤلاء عن العرب العاربة؛ ذلك لأن العرب الأصليين هم العرب البائدة؛ فلم يبق اليوم من العرب إلا المستعربة.
ثم لا يخفى على أحد الدور الهام الذي لعبه الأمازيغ في نشر حضارة الإسلام بالمغرب وخارج حدود المغرب؛ فلولاهم لما رسخت لقرون طويلة قدم الإسلام بالقارة الأوروبية. ولعله لا فائدة في التذكير هنا بهذا الدور الكبار لأجداد البربر وقد استوفي الموضوع علاّمة العرب الأكبر ابن خلدون.
يكفينا فقط، لمن خانته الذاكرة، الإلماع إلى أن طارق بن زياد فاتح الأندلس من البربر وأن جيوشه كانت أساسا من أبناء المغرب الأصليين من الأمازيغ. كما يكفينا التذكير أن الإسلام، لما هرم بالأندلس، وجد نفسا متجددا وشبابا جديدا من الروح البربرية مكنته من الدوام وإطالة العمر رغم القدر المحتوم لكل حضارة تبلغ منتهاها. كذلك كان الشأن ببلاد المغرب التي توحدت زمنا تحت إمرةٍ أمازيغية.
إذن، ليس من النزاهة العلمية الحديث عن النزعة البربرية للانقسام التي ما كانت إلا نزعة التحرر والتطلع للاستقلال، وهذه ميزة العصر. مع العلم أن هذا لا يمنع الاتحاد والعصبية وقيام الامبراطوريات؛ فذلك ما كان عندما لم يتعمد العرب تضييق مفهومهم للدين الإسلامي. فهو ليس بدين العرب لوحدهم، إنما هو دين البشرية قاطبة؛ وما من شك أن للأمازيغ في هذا المصير الكوني الأيادي الفضلى.
الأمازيغية مستقبل الإسلام المغربي
إن الأمازيغ، بحكم اختلاف لغتهم، هم إحدى أقليات العالم الإسلامي، بل هم أكبر الجماعات اللغوية غير العربية في الوطن العربي كله مع الأكراد. وبما أن اللغة هي عامل فاعل في الحضارة والثقافة خاصة، فمن شأن اختلافها لا التباين الحضاري، بل الإثراء، لأن المختلف اليوم هو الذي يثري المؤتلف ويقويه.
فنظرا لأن البربر حضاريًا وثقافيًا مختلفون داخل المجتمع العربي الإسلامي، فهم هذا الآخر الذي يأتي بالدفع من الداخل ليحي ما مات فينا مع تراكمات تاريخ ثري هو اليوم شديد المرض لشدة ما رسب في ديننا دون غربلة لانعدام المحرك النقدي الفاعل من الداخل بعد ركود الحضارة العربية الإسلامية.
فزمن ما بعد الحداثة الراهن يقتضي تجدد الإسلام، خاصة وأنه لا زال متأثرا بما شابه من إسرائليات تغلغلت إليه في آخر فترة حداثته التي سبقت الحداثة الغربية (التي أسميها الحداثة التراجعية)، وهي إلى الآن به، تربط دين الإسلام بقاطرة الحداثة الغربية فيتشبث بها العديد منا، وقد ذهلوا عن الحقيقة المرة، ألا وهي أن حضارة الغرب هي بعد آفلة ببزوغ حقبة ما بعد الحداثة. ولا شك أن ما زاد في حال التردّي هذه التزمت السلفي الذي يغذيه الغرب لحاجة في نفس يعقوب.
رغم ذلك، ففي الإسلام السلاح الفتاك لهبة حضارية تتمثل في الصوفية، وهي أفضل الإسلام؛ ونحن نعلم جذوعها البربرية بالمغرب. في مثل هذا المخزون الحضاري والثراء التليد ما يكوّن تعدد الثقافات وتنوعها الشيء الذي من شأنه ضمان مستقبل أي ثقافة. ولا يكون هذا إلا بالتلاحم بين مختلف مكونات الشعب الجزائري حول ما يؤلف بينهم.
إن الخطأ كل الخطأ اليوم هو في عدم استغلال ما بين العربي والأمازيغي من تجانس لا يزيده تباينهما إلا قوة؛ ولا شك أنها تزداد لحمة بعودة تكوم من طرف الجميع إلى فهم أصيل للدين وقراءة ما بعد حداثية للإسلام.
فهي التي من شأنها أن تعيد للإسلام ما يميّزه من تقديس للحريات، كل الحريات، ونفي لكل الوساطات بين الله وعبده؛ فلا تسليم إلا لله في أمور الدين حتى يكون الإسلام (وأنا أكتبه إ-سلام) هذا السلام المنشود الذي كان ويبقى رغم أنف كل من ادعى الأخذ بتعاليمه وهو ينسفها نفسا كأشد أعدائه.
أي جزائر غدا؟
إن مستقبل الجزائر، بله كل البلاد العربية الإسلامية، لم يعد ممكنا على الشاكلة الحالية؛ فإما تعترف السلط بحقوق كل العشب كاملة غير منقوصة أو تخسر الحكم والبلاد. هذا ما تفرضه القراءة الواقعية لمجريات الأمور في عالمنا اليوم.
فليس الربيع العربي إلا هذا التقسيم الجديد للعالم باسم حقوق الشعوب، كما كان الحال قبل وبعد الحرب العالمية الثانية؛ لذا، وجب السعي حثيثا في اتجاه هذه الحقوق من طرف الساسة الحاليين في البلاد العربية إذا ابتغوا الحفاظ على مناصبهم. فهم بذلك يجعلون أنفسهم في اتجاه التاريخ ليحصلوا، على الأقل، على الرضاء من شعوبهم عوض رضاء أو غضب من يسعى في العالم حسب هواه ومصالحه الآنية كما هي القاعدة في البشرية منذ الأزل.
ولا شك أن مجابهة مخططات التقسيم التي تتهدد الجزائر وغيرها من بلاد العرب والإسلام لا تكون بالتصدي لها من طرف الساسة فقط مع تواصل ظلمهم وتسلطهم على الشعب أو جانب هام منه. إن أفضل التصدي للإرهاب الإمبريالي يكون أولا بخلق اللحمة بين الحكام ورعاياهم حتى يكونوا صفا واحدا كالبنيان المرصوص؛ ولا شك أن هذا لا يتم إلا بإبطال كل ما ينقص من حريات الشعب وحقوقه. ذلك أنه، في حالة انعدام الحريات والحقوق، لا يفتأ الشعب، من ناحية، في السعي لأجل حقه في العيش حرا كريما؛ ومن ناحية أخرى، يبقى هذه الغنيمة السهلة لكل من يريد الاصطياد في الماء الحكر.
لقد حان الوقت إذن لإبطال كل ما بقي من عهد الاحتلال والعسكر في قوانين الجزائر التي تتجنى على حق الشعب في الحياة بحرية دون أي تسلط بغيض من أكابر البلاد. إن المخططات الإمبريالية التي تنوي تقسيم البلاد لتدق نواقيس الخطر لإعلان ساعة التأهب لمقاومة الإرهاب الإمبريالي بإرهاب مقدس يتمثل في وحدة صماء بين الشعب وحكامه تبدأ بإقرار قوانين جريئة تبطل كل ما يمس بالحريات الشخصية في الجزائر.
مقاومة التدخل الأجنبي في كل بلاد لا حقوق لشعبها ولا حريات تقتضي إبطال القوانين المخزية التي تحد منها؛ وهي خاصة، بالنسبة للجزائريين، تلك التي تدّعي مرجعية إسلامية باطلة، بينما لا أخلاق إسلامية فيها.
ولا شك، ونحن في رمضان، أم من هذه القوانين هذه التي تحرّم حق الجزائري في الإفطار علنا، تماما كما يدعو له الأمازيغ على حقٍ وبينةٍ وأخذٍ صحيح أصيل بالدين القيم لا دين الإسرائيليات.
نعم، إن مثل هذه القراءة للإسلام تخالف ما يراه العديد من المسلمين، ممن يأخذ بالرسم ويتجاهل روح النص ولبه. وحري بنا أن نعلم أنها ترعى الإرهاب الذهني في رؤوس هؤلاء، جاعلة منهم الطابور الخامس لمخططات التقسيم للبلاد، إذ هي أفضل التشجيع للإمبريالية بتكوينه له التربة الصالحة ليفقّص فيفرّخ.
وإن الإمبريالية المترصدة اليوم بالجزائر تنشأ أيضا وتترعرع بما تجده من تعاطفٍ لدى الحاضنة الشعبية التي فيها الكثير ممن لا يعرف من دينه إلا اللمم، فينحى باللائمة على الدولة وممثليها لما يرى عندهم من كبت لحرياته وحقوقه. كما هي في الظلم الصارخ للأمازيغ الذي بيّنا.
لهذا نرى هذه الأطراف من الشعب، الجاهلة لدينها ولكنها العارفة حق المعرفة لحقوقها في الحياة الكريمة، تنجذب للعمل الإرهابي الإمبريالي، لا لشيء إلا لأنها تجد فيه الرد اللازم للعنف السلطوي ولفهم للدين، معتقدة غلطا أنه الصحيح عند الإرهابيين لا لشيء إلا لأنه يجابه منظومة سياسية متسلطة قامعة لحريات الشعب.
لا جرم، إن الحاجة لماسة لنا في الجزائر، بل وفي كل البلاد العربية الإسلامية، للتصدي للإرهاب الغربي بإرهاب مضاد يكون فكريا من شأنه تقويض كل ما فسد في قراءتنا لديننا وتصرفاتنا السياسية والأخلاقية بعضنا مع بعضنا. ذلك هو الدواء الناجع لمخططات التقسيم الدنيئة، إذ هي يعالج لا فقط ظواهرها ومسبباتها، بل يقضى أيضا عليها في الأذهان، بتجفيف منابعها خاصة.
ذلك لأن الشعب لا يُقهر إذا كانت له حقوقه وحرياته كاملة لا منقوصة؛ فهو عندها يحرص على الدفاع عنها والحفاظ عليها؛ فتكون حال الشعب الذي يسعى لأجل حرياته، كما كانت حال الجزائر كلها أيام حرب الإستقلال.
لقد كان الشعب الجزائري، ولا شك أن له أن يكون كذلك من جديد، كما قال شاعر تونس المبدع الآخر، ابن هانيء. فقد قال، ونحن نتصرف في كلامه بتوجيهه للشعب الجزائري وكل شعب يتوق للحرية والانعتاق من ربقة أي ظلم، داخليا كان أو خارجيا :
ما شئت لا ماشاءت الأقدار | فاحكم فأنت الواحد القهار !
نشرت في جزءين على موقع نفحة
الجزء الثاني بعنوان : الأمازيغية مستقبل الإسلام المغاربي