هل يستحق القضاء حقا الاستقلال الذي يطالب به ؟
ختم كما كان متوقعا رئيس الجمهورية القانون الأساسي المتعلّق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء رغم المعارضة المستميتة التي يلقاها من طرف القضاة ممثلين في جمعيتهم.
ولعله من الحقيقة القول أن هذه المعارضة رغم مشروعيتها المبدئية تتعارض مع المشروعية التي أخذ بها الرئيس بختمه قانونا صادق عليه كافة أعضاء مجلس نواب الشعب من كل الكتل والحساسيات السياسية، فهذه هي المشروعية التي يجب أن تعلو بقية المشروعيات ما دامت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين أحالت القانون الأساسي على الرئيس رغم «عدم حصول الأغلبيّة المطلقة» لاتخاذ أي قرار في الغرض.
الرئيس احترم المشروعية السياسية
لئن تنصلت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين من مسؤولياتها القانونية، فقد عهدت للرئيس مسؤولية الحرص على السهر على احترام الدستور.
ولا شك أن من مسؤوليات الرئيس ضرورة الإسراع في تركيز المؤسسات الدستورية استكمالا للمسار الديمقراطي الذي يشكّل المجلس الأعلى للقضاء أحد ركائزه الأساسية إذ هو الضامن لحسن سير القضاء واحترام استقلاله.
نعم، في احترام الدستور، هناك أيضا ضرورة ضمان استقلالية السلطة القضائية عن باقي السلط، وهذا ما لم يتحقق حسب البعض من الخبراء وحسب جمعية القضاة. إلا أن عددا آخر غير هيّن من الخبراء يرى أيضا أن القانون يحقق القدر الضروري من الاستقلالية للقضاة في إدارة شأنهم وتنظيم عملهم .
ولا شك أن هذا الرأي الأخير هو الأصح إذ السياسة الفهيمة تقتضي عدم المغالاة في أي شي، خاصة في الأمور القانونية، إذ يقول المثل المعروف أن التزمت في العدل ظلم !
القضاة لا يحترمون الدستور
وبعد، هل استحق القضاة حقا استقلالهم التام وقد دلّلوا في العديد من القضايا انحيازهم عن الدستور وامتناعهم عن تطبيقه، مثلما هو الحال في القضايا الأخيرة المخرية في ميدان الحريات الخصوصية التي يضمنها الدستور وتمنعها قوانين أصبحت باطلة.
ورغم ذلك رزينا القضاء يعمل بها فلا يمتنع عن تطبيقها منتهكا الدستور الذي يطالب اليوم باحترامه.
فلو كانت نية القضاة سليمة، لامتنوعوا عن تطبيق القوانين التي أصبحت باطلة بمقتضى الدستور، كتلك التي تجرّم المثلية أو تعاطي القنب الهندي أو الخمرة مثلا لأن الدستور يضمن الحرية الخصوصية. عندها يكون القضاة قد استحقوا ستقلالهم، ولكان لهم أن ينتقدوا عدم احترام السلط السياسسة للدستور بكل مشروعية.
ذلك لأن واجب احترام الدستور، وإن أهم السلطة السياسية، فهو يهم أكثر السلطة القضائية التي من واجبها قبل غيرها ألا تكيل بمكيالين كما تفعل، إذ ذلك مما لا تمنعه السياسة طالما لم تكن سياسة أخلاقية. ولا شك أن هذا مما لا يوجد لا في بلادنا ولا في الديمقراطيات العريقة.
فليسعى القضاء على استحقاق استقلاله حقا وحقيقة بالتزام احترام الدستور في كل بنوده، خاصة إزاء القرانين المخزية التي أبطلها، وعندها يمكنه المطالبة بنفس الشيء من طرف الساسة؛ أما أن يخرق الدستور بنفسه ثم يطالب غيره باحترامه، فهذا من الخور ولا كذب !
نشرت على موقع أنباء تونس