عبد
الفتاح مورو والنهضة أو المخاض العسير
للنشأة الإسلامية المستأنفة
تكررت
الاعتداءات على الشيخ عبد الفتاح مورو
وهو الوجه النير للنهضة، ولكن ذلك لم يحرك
في حزبه إلا بضع شعرات، وكأن الأمر هين
رغم علو قدر الشيخ ورفعة كعبه وهو من مؤسسي
الحزب، بل وممن يُعول عليه لكسب رهان
الدوام بالحكم، وحتى مجرد البقاء كحزب
فاعل في هذه البلاد.
إن
الشعب ينتظر من النهضة ما كلّفها به من
إغاثة للحريات العامة بهذه البلاد، كل
الحريات بدون استثناء.
فهي
تحتضر والشعب لا يزال ينتظر، والنهضة لا
تحرك ساكنا إلا نادرا وتحت الضغط والتهديد،
إذ هاجسها الأوحد عدم إثارة المتزمتين
في صفوفها بدعوى الخوف من الفرقة والفتنة
الحزبية.
إلا
أن الأوان حان لتختار النهضة طريقها :
إما
أن تسلك طريق السلامة، وهي الوحيدة السالكة
للدوام بالحكم لإخراج الإسلام من البوتقة
التي زجه فيها الأعداء من الخارج طبعا،
ولكن أيضا من الداخل، هؤلاء الذين يتبجحون
بنصرته وهم يهدمونه من الأساس.
وإما
أن تواصل سياستها الحالية، وهي في المضي
خطوة إلى الأمام والرجوع عشرا إلى الوراء،
وما تلك بسياسة إلا عند من أسلم نفسه
لطاغوت الدكترة والتسلط والإفساد في
الأرض، يمتهنها للتمويه والمغالطة.
لقد
قلنا وكررنا صراحة، مثيرين بذلك حفيظة
البعض ممن يشاطرونا الأخذ بمباديء
الديمقراطية الحقة وحقوق الإنسان، أن
وجود النهضة اليوم في الحكم من شأنه إفادة
البلاد أكثر من الإضرار بها.
إلا
أن ذلك لا يكون إلا إذا توخت النهضة حقا
السبيل الوحيدة التي من شأنها خدمة الصالح
العام، وهي في المحافظة على الحرية التي
افتكها الشعب بساعده وتدعيمها حقا، مع
العمل على رعاية التسامح والتصافي بهذا
البلد أخذا في ذلك بخير ما في ديننا من
مباديء تحض على المحبة والتوادد وترفض
العنف والبغض والكراهية.
إلا
أن كلامنا هذا كان ولا يزال عند النهضة
في النافخات زمرا!
فحتى
متى وإلى متي يواصل حزب الشيخ الغنوشي
سياسة من سبقه في الحكم ومن يبتغى أخذ
مكانه لإعادتها في هذه البلاد وهي سياسة
الكذب والتدجيل ولغة الحطب، وكل ذلك لعدم
التشاكس مع من لم يعد يفقه شيئا من دينه
وضل عنه، إذ جعله مطية لكل ما في نفسه من
حقد وكراهية للآخر وكأن الإسلام لم يأت
رحمة للعالمين؟
فالنهضة
تكتفي باستغلال الصورة المشرقة للشيخ
عبد الفاتح مورو لتلميع سحنتها والتقليل
من مساؤيء أفعال من يشين للدين؛ وهي لا
تجرأ على أن تجعل من سماحة فكره ووسع صدره
مثالا تسير على هديه في الحكم، رغم أنه
السياسي المحنك والديّن الفقيه.
والشيخ
مورو اليوم لهو أفضل من بقدرته إنقاذ
النهضة من متاهات سياستها الحالية، فهو
بحق عذيقها المرجب وجذيلها المحكك؛ فلماذا
تكتفي باستغلاله كما تفعل دون تفعيل كل
ما يحمله من محاسن الآسلام الصوفي الذي
لا غناء للإسلام عنه اليوم لسد الطريق
أما السلفية الظلامية؟ فالصوفية هي بحق،
في يوم الناس هذا، سلفية الحقائق بلا
منازع.
إن
رحابة صدر الشيخ مورو وسماحة تعاليم
الإسلام كما زرعتها فيه الصوفية تجعله
يقبل بالدور الثانوي الذي تفرضه عليه
سياسة النهضة الحالية، إذ رغم صفته الرسمية
كنائب رئيس للحزب، ليس له الوزن السياسي
الفاعل للتأثير على توجهات الحزب
الاستراتيجية مما تسمح له به مؤهلاته
العريضة ومعرفته الواسعة للواقع التونسي.
ونحن
نذكر النسبة المزرية التي حصل عليها عندما
ترشح لمجلس الشوري صاحب الحل والعقد
بالحزب.
فماذا
نري؟ هوذا مثل هذا المعلم الكبير للإسلام،
ذلك العلم الذي على رأسه نار، يُتّهم
بالكفر من طرف من علم النزر القليل من
الدين وجهل الكثير، وبالخصوص روح الدين
الإسلامي وتعاليمه السمحة؛ بل وهناك من
يذهب به الجهل حتى إلى إهدار دمه !
فأي
إسلام هذا؟ بل وكيف تسكت النهضة عنه فلا
تقطع كل صلة مع تيار مثله سيؤدي بها حتما
إلى القطيعة مع الشعب، لأن الشعب في معظمه
شعب متسامح لا يؤمن إلا بأخلاقيات الحب
والتعاطف، لا الكراهية الدموية.
وهو
يكن من العطف الشيء الكثير للشيخ الصوفي.
إن
الأمور ثابتة ثبوت ذكاء في ربيعة النهار؛
فمثل هذه الشناعة البشعة صادرة عن التيار
الإسلامي الظلامي، وليست هي من عناصر
تُحسب عليه، غريبة عنه، للإضرار بالإسلام.
نعم،
هناك العديد من مثل هذه العناصر التي همها
الاصطياد في الماء العكر؛ إلا أنه لا يكفي
الاشارة لوجودها للتنصل من المسؤولية في
غض النظر عما تفعله العناصر الإسلامية
المتزمتة التي ثبت تورطها في التحريض على
الشر ونشر الفتنة بين أبناء هذا الشعب
بدءا بمن يتكلم غلطا باسم الإسلام الحق
الذي يبقى، رغم أنفها، إسلام التسامح
والمحبة والغفران.
فهذا
التيار الجاهلي في التيار الإسلامي موجود
داخل الدار النهضوية وعلى مشارف بيتها،
والصلة وثيقة بين البعض من أعضائه وبين
أهل الدار من أشراف النهضة؛ ولعل الحال
اليوم تذكّرنا بالفتنة الكبرى وما جرى
للخليفة الثالث من جراء استقالة الحس
السياسي عن مسؤوليته في الدفاع، لا عن
المشروعية بما فيها الدينية فقط، بل وأيضا
بأخلاقية الإسلام كلها.
فكأننا
اليوم بصدد العودة إلى المفهوم القديم
لعصبية الجاهلية في ضرورة نصرة العربي
لأخيه ظالما كان أو مظلوما، رغم أن الرسول
الأكرم بيّن أن النصرة في حال الظلم هي
العمل الجاهد على العودة بالأخ الظالم
إلى الجادة وكف يده عن الإساءة.
فما
تفعل النهضة، يا تري؟ إنها، أولا، لا تنصر
أخاها المظلوم عبد الفتاح مورو؛ ثم هي،
ثانيا، تواصل نصرة الظالم من أهل الإسلام
الظلامي بالسكوت عن مفاسده بعد أن وضح
لها أن لا مجال لهدايته إلى السبيل السوي،
بينما العدل والإنصاف يُوجب منعه من مواصة
الإفساد في الأرض.
فكأن
التاريخ يعيد نفسه اليوم، إذ ها نحن أمام
هذا المسلم الحق، الشيخ عبد الفتاح مورو،
وهو يُتهم في دينه من طرف المارقين عنه
كما كان الأمر تماما البارحة حين رمى
الخوارج بالكفر الخليفة الرابع علي بن
أبي طالب.
إن
سلفية شوارع تونس، سلفية الأكاذيب هذه،
لهي حرورية اليوم، وعلى النهضة أن تأخذ
الأمر بقوة فتجابه الأمربصرامة وقبل فوات
الأوان، لأن في ذلك إضاعة، لا للدين فقط،
بل وأيضا إضاعة لهذه البلاد، علاوة على
التفريط في الحكم وكل أحلام النهضة لخدمة
الدين والبلاد خير خدمة.
فلتكن
النهضة، ولمّا يبقي في الوقت من المتسع
إلا القليل، ذلك الناصر الحقيقي للإسلام
بهذه الربوع، ولتنصر الشيخ مورو وتجعل
من تعاليم الصوفية التي يحملها منارة
تستضيء بها في الظلمات التي تحيط بها،
ظلمات من يهذي اليوم بإسلام ممسوخ ظلامي
جاهلي أجهل!
فلعلها
بذلك تنجح في إحياء النشأة المستأنفة
للإسلام الذي هو دوما ثورة على القديم،
وقد أكد الرسول الكريم على أن لدينه رجال
يجددون تعاليمه ويرفعون كل ما تحجر من
معالمه على رأس كل مائة سنة.
فليكن
هذا المصلح من صفوف النهضة وذلك بأن تأخذ
من صوفية الحقائق التي هي بين حناياه،
فربما قوض الله له أن يكون من هؤلاء الأبدال
الذين لا ينعدم منهم واحد لخير البشرية
جمعاء في كل زمن، وبخاصة في الأزمنة
المظلمة كهذه التي نعيشها.
إن
النشأة للإسلام التنويري لهي مستأنفة
اليوم على أرض تونس الجميلة أحب من شغف
حقا بهذه البلاد وكل ما فيها من عبقرية
أو كره فتعامى عن كل ذلك ونزع به غروره
وحقده على البشرية إلى مغاور الذات
الإنسانية بما فيها من مساويء، فلم يقدر
على تجاوزها بتعاطيه ما حث ويحث عليه
ديننا، ألا وهو جهاد النفس، ذلك الجهاد
الكبار.
لقد
أفرز الإنقلاب الشعبي التونسي في زمن
مابعد الحداثة ما من شأنه تفعيل هذه النشأة
الثورية المستدامة لإسلام تنويري هو
الإسلام ما بعد الحداثي، وقدّر للنهضة
أن تلعب الدور الفاعل لإنجاح مثل هذه
الثورة العالمية.
إلا
أن النهضة لا تزال في فترة المخاض وعليها،
إذا أرادت الوصول للغرض ووضع مولودها
المرتقب في أحسن الظروف، أن تسهر على صحة
الجنين وتحافظ عليها من كل المخاطر،
أبسطها كالوحم وأخطرها كالإجهاض.
ولاشك
أن الشيخ عبد الفتاح مورو هو لنفاس النهضة
كالفيلسوف سقراط للفكر النير، يسهر على
حسن نمو الجنين في البطن ويضمن الولادة
الناجحة.
وقد
حان الأوان لأن تكلف النهضة فيلسوفها
برعاية مخاضها العسير حتى نسعد في تونس
رسميا بولادة الإسلام المابعد حداثي
المنتظر.
وسيكون
ذلك منها دون أدنى شك، بعد الاعتداء الجديد
التي تعرض له الشيخ الجليل، أفضل الرد
على حقد الحاقدين عليه وتضليل المضّلين
لحسن قراءته للإسلام وصحتها.
فهل
تفعل النهضة ذلك؟ أقول نعم إن حسنت نية
الحزب في العمل حقيقة على إرساء الإسلام
الحق بهذه البلاد.
وطبعا،
إذا كان الخبر اليقين عند جهينة، فغدا
أيضا لناظره لقريب!
نشرت المقالة على موقع نواة