Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 20 avril 2012

Un monde postmoderne 2

تونس قِبلتنا وقُبلتنا أو تونس ما بعد الحداثة


  كم من أبناء تونس البررة تغنوا ببلدهم الحبيب! ولو اكتفينا غالبا بفرحات حشاد والشابي، فنحن لا ننسى تلك الجموع الغفيرة التي يختلج بقلبها حب بلدها، من أبسط مواطن أمي إلى أبدع فنان، لأن حب تونس الجميلة يسري في دماء أبنائها كالهواء الذي يتنفسونه بالرغم من تفتحهم الأكيد على العالم الرحب، لأن وطنية التونسي ليست متعصبة البتة، فهي لا تتجاهل أن مصير البشر واحد في القرية الكونية التي آل إليها مصير هذا العالم.
    ومن هؤلاء المبدعين، نكتفي اليوم بالإشارة إلى أحدهم باستعارة عنوان إحدى قصائده المهداة إلى مدينة صفاقس لعنونة هذه التحية لتونس؛ إنه الشاعر والأديب الموهوب محمد بن جماعة.
   أليس في عبارته هذه الوحيدة «قبلتي»، مرة بكسر القاف ومرة بضمها، إضافة إلى الإشارة الخفية لبلاغة لغتنا العربية، روعة ما بعدها روعة بما يتجسّد من تناغم بليغ في تعبير رائق بين ما يميّز التونسي من أخلاقية إسلامية ترمز إليها تلك الكلمة المرادفة للجهة التي يُصلّى نحوها (القِبلة)، ومن تعلق إرادته العصية للتمتع بحياته في جميع صورها، وخاصة ذلك الجانب البشري الأساسي ألا وهو الغزلي والجنسي، الذي تشير إليه نفس الكلمة المرادفة هذه المرّة للثمة (القُبلة).
    إن تونس الثورة اليوم هي تونس ما بعد الحداثة، هذا البلد الذي تتّحد فيه قوى الشباب المتعطش للحريات، كل الحريات، وهو يمثل روح البلاد الثائرة، التواقة للأفضل اعتمادا على إرادة الحياة التي تميّزها، وقوى المجتمع الأخرى، المتأصلة في جذورها العربية الإسلامية.
    إن تونس التي يبنيها اليوم أبناؤها الأبرار لهي تونس الجميلة الخالدة عبر العصور بنزعتها للتسامح والتفتح، والتي لا ترفض باسم التزمت أيا كانت صبغته، دينية أو مدنية، الميزة الأساسية لعصر ما بعد الحداثة الذي نعيشه وهي خاصية المجون، ولكن ليس ذلك المجون بمعناه الأخلاقي المبتذل، بل بالمعنى السامي والذي خلده الأدب العربي تحت اسم الظرف.
    فعلم الإجتماع الفهيم Sociologie compréhensive يؤكد اليوم على أن هذا الزمن لهو وقت قصف وعربدة أو ديونيسي، إشارة إلى الإله الإغريقي الذي يمثل اللهو والعبث والنزعات الخمرية والشهوانية، ولكن ليس يعني ذلك بالضرورة الخلاعة والتحرر من الدين والأخلاق، بل يعني أساسا العودة إلى مُثُل المحبة والعشق، بما فيها الحب الإلاهي والعشق الصوفي. فهذا العصر ينفي مشاعر البغض والكراهية والرهبة لأجل أسمى إحساس في الإنسان، ألا وهو إحساس الحب والعشق، بدءا بالطبيعة والمحيط _ ويرمز إلى ذلك التعبير الجديد Ecosophie _ إلى البشر بعضهم لبعض حسب قانون الأخوة Loi des frères.
    فهلا استيقظ سياسيو هذا البلد من سباتهم العميق الذي يجعلهم لا يشعرون بخبطهم وراء مصالحهم الضيقة، فيهذون بترهات زمن الحداثة الذي ولى وانقضى، مما يجعل ديدنهم العودة ببلدنا إلى الوراء؟
    إن مستقبل تونس ليتلألأ في عيون شبابها وشعبها الكادح نهار مساء! فلينظر الساسة إلى وجوههم وليستوحوا كلامهم وأعمالهم مما سيقرأونه على سحنة الشعب الكادح! إنهم ليقرأون : نريد الصراحة، كل الصراحة منكم! والحرية، كل الحرية لنا! والعدالة ولا شيء غير العدالة للجميع!
    بذلك تكون سياستكم، سواء أكنتم على سدة الحكم أو بعيدا عنها، قُبلةً حنونا على وجنة تونس الجميلة التي تصبح عندها، ولا شك، قِبلة العالم أجمع لأجل الأنموذج الراقي الذي تختزله حاليا جميع قواها للعمل السياسي ما بعد الحداثي.
    إن الحقبة التي تعيشها بلادنا لجد واعدة ونتائجها ستكون إيجابية وفي وقت قياسي إذا تكاتفت كل الجهود لإنجاح هذه الفترة العصيبة وذلك بتجاوزٍٍٍ زعماء كل الأحزاب لمصالحهم الحزبية ووضع نصب أعينهم مصلحة البلاد العليا وتقعيد هذه المصلحة على أساسين هامين هما :
              أولا : الوفاء لمبادىء وقيم دين تتعلق غالبية الشعب بها، ولكنه دين مابعد حداثي يتمحور كله حول عنصرين هامين، يشكلان لب لبابه، ألا وهما كونية تعاليمه وعلميتها. وبذلك فهو ثقافة وحضارة قبل أن يكون مجرد شعائر. فالمسلم التونسي مسلم سواء تعاطى شعائر الإسلام أو تبنى ثقافته، لأن الشعائر لا تخص إلا علاقته بإلاهه، ولله وحده القرار الأول والأخير في مثل هذا الإيمان الثقافي المتجرد عن الشعائرية، مع التزامه بباقي مبادىء الدين الثقافية، ألا وهي تلك التي يختزلها الحديث الصحيح : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده!
                ثانيا : الوفاء لتعطش الشعب للتمتع بحرياته كاملة في زمن خاصيته الكبرى، كما قلت، أنه ديونيسي Dionysiaque أي فيه تُحترم الذات البشرية بأجمعها، أي بنورها المتأتي من سمو نفسها، وبظلماتها الكامنة في طبيعة البشر المادية، إذ آبن آدم أدم وروح، مادة ونفس، وذلك دون أي حيف أو تسلط أو تحجيم لتطلعها نحو التطور والرقي إلى ما هو أفضل والذي يكون إما بالطبيعة والتأمل الفلسفي أو بالتريض والتزام الأخلاقيات التي جاءت بها الديانات، وخاصة الإسلام، لإتمام مكارم الأخلاق.
     ولعل النزعة الأكثر اعتبارا اليوم في عصر ما بعد الحداثة _ لاختزالها حرية الفرد وسماحة ديننا الذي يكرس عدم الإكراه في شيء رغم أنف السلفية المتزمتة _ هي تلك المبنية على التجربة، وحتى على الخطإ،لأن النجاح الحق الذي يمثل أفضل الثمار لهو المبني على المحاولة والتجربة التان لا تستنقصان العثرات ولا ترفضان الأخطاء لفوائدها الجمة.
   ويجدر التذكير لمن ينسى من رجالات الحكم والفكر عندنا، والنسيان من خاصية البشر، أن الأزمات ليست إلا فترات انتقال من حالة إلى حالة. فالأزمة التي تعيشها اليوم تونس هي أزمة إيجابية، لأنها تمثل مخاضا لتونس الجديدة، تونس الحريات، البلد الرائد في زمن ما بعد الحداثة.
     فلتكن تونس قِبلتنا وقُبلتنا، ولتكن أعز مشاعرنا وأحاسيسنا علينا خير زاد سياسي واجتماعي نضعه على ذمة هذا البلد للرقي إلى الأفضل، ولم لا حتى يكون قدوة للبلاد الأخرى في حقبة تاريخية يستوي فيها الجميع، لأن الكل فيها غني وله كلمته نظرا لما يزخر به ماضيه من ثراء وحاضره من تطلع للأحسن وإرادة صادقة لمصلحة البشرية العليا.