Mon manifeste d'amour au peuple 2/3
 




Mon manifeste d'amour au peuple 3/3


I-SLAM : ISLAM POSTMODERNE








Accès direct à l'ensemble des articles منفذ مباشر إلى مجموع المقالات
(Voir ci-bas انظر بالأسفل)
Site optimisé pour Chrome

vendredi 9 octobre 2020

L’imagination au pouvoir 6

في المرور من الإعدام إلى تنمية الروحانيات (2)


بعد الجزء الأول الذي بينا فيه أن عقوبة الإعدام لا تحترم الإسلام بقدر ما هي تشوّه تعاليمه، إذ قبض الروح عوض الله تعالى يمكن أن يُعد من الكفر به، هذه المقالة الثانية في الغرض وهي تدعو لتعويض أروقة الموت في انتظار تنفيذ الإعدام بأماكن يمكن للإسلام أن يجعل منها أروقة للروحانيات وذلك في نطاق مواكبة وتسريع توبة المجرمين والعمل على أن تكون صادقة من خلال العودة للدين في سماحته وروعة تعاليمه الإناسية.  
بذلك نبيّن حقّا أن الإسلام دعوة مغفرة ورحمة أساسا، وهما لب لبابه، فكيف نتسمك بحرف من نصه جاء متناغما مع متطلبات عصر طغت فيه نزعة القصاص ونترك روح الدين السَنيّة وهي تمجّد الله الغفور الرحيم؟ ثم إن الإسلام سلام، وأعظم ما يمثله هو الأخذ بما يدعو الله إليه من ترك القصاص له وحده ممن يسيء من البشر للبشر، حتى وإن أمعن في ذلك وأسرف؛ هذا خاصة في عصر أصبحت فيه عقوبة الإعدام من أبشع مظاهر توحش الدول، حيث هي أبدا السلاح الفتاك بين أيدي المتغطرسين من الحكام. وكما سبق أن قلنا، بعد هذا وقبل كل شيء، هل يقبض الأرواح غير الله؟ متى كان قتل الناس باسم العدل والله الذي هو أعدل الناس ترك لهم إلى آخر رمق فيهم حق التوبة والإنابة للتكفير عن ذنوبهم، بما فيها أبشعها وأعظمها شناعة؟
نعم، لم يمنع الله قط عبده من المطالبة بحقه في الثأر زمن كانت السن بالسن، والعين بالعين؛ ولكن هل الجروحات قصاص في كل وقت وزمان؟ هل ملك اليمين لهذا الزمن أو قطع اليد مثلا؟ إننا بإبقاء عقوبة الإعدام بمنظومتنا القضائية، حتى وإن لم نعمل بها، لنفعل فعل ذلك المتكبر الكافر بالله الذي قال لنبي الله :«أنا أحيُ وأميتُ»؛ فهل نتطاول نحن مثله على الله، وهو وحده الذي يحي ويميت، فتنمادى في عوارنا وجهلنا أن عقوبة الإعدام هي من أخص خصائص الله تعالى؟ ذلك لأن الحياة مقدّسة، فلا يجوز المساس بحق الحياة لأي سبب، وإلا تجاوز العبد حدّه وتطاول على خالقه، خاصة وقد تغيرت الأذهان وعاد حق القصاص إلى الله لتغيّر حالة المجتمع وعقليته، فأصبح منع عقوبة الإعدام المؤشر الكبار على نموّ هذه الذهنية وأخذ العبد بأسباب الحضارة والديمقراطية مع التعلق بروحانيته.
الحقيقة التي لا يجب تجاهلها اليوم هي أن العديد من الناس في بلاد الإسلام يمانعون في رفع عقوبة الإعدام، رغم أن منع هذه العقوبة من المؤشرات على التطور الديمقراطي، وذلك لاعتقادهم أن هذا يخالف الدين الإسلامي وأخلاقياته؛ وهذا مدار الموقف الرئاسي بتونس. وهو من الخطأ الفاحش لأنه يجعل من دين الرحمة الذي هو إسلامنا دين النقمة وطغيان العقاب على التوبة والغفران. فالإسلام جاء رحمة للناس ودعا إليها؛ لذا، حدّد الحالات التي تقتضي عقوبة الإعدام تحديدا متشددا، داعيا دوما إلى العفو والمغفرة لأصحاب الحق في القصاص. ولا شك في أن النزعة الأساسية في دين الإسلام هي الدعوة إلى العفو والمغفرة رغم تأكيده على القصاص وحق الأخذ به. فذلك من باب تأقلم ديننا مع طباع البشر وما كان عاديا في المجتمع الذي ظهر فيه، حيث كانت قاعدة السن بالسن وحق القصاص لا محيد عنهما في ذلك الزمان كما بينّآ أعلاه. ورغم أن العصر كان عصر ظلمة من حيث قيم المحبة والرحمة، فلقد جاء الإسلام داعيا إليها، حاثا على الإتيان بها دون تردد، مثيبا عليها، مؤكدا على الجزاء العظيم الذي ينجر لمن يرحم فيعفو ويتنازل عن حقه في الثأر. وقد حان الوقت لبلد يدّعي التمسك بتعاليم دينه مثل تونس أن يواصل مثل هذه التنمية لأجل التسامح والمغفرة في الإسلام  بأن يفرضها قانونا حتى يدرّب الناس عليها.  
ذلك لأن انتهاج سبيل العفو هو من الجهاد الأكبر الذي يدعو له الإسلام، أي جهاد النفس الأمّارة بالسوء؛ وأي مجاهدة أعتى من مجاهدة النفس ونوازعها، خاصة تلك التي تدفع بنا للانتقام ممن أساء إلينا عوض محاولة ترويضها على قبول الإساءة والرد عليها بالحسنة؟ وأي حسنة أكبر من العفو عمّن أتى بالإساءة العظمى، ألا وهي قتل النفس؟ بل لعلها أفضل ما يأتيه الإنسان في محاولة العمل بما يدعوه إليه الله من التشبّه به في العفو والمغفرة عند المقدرة ونبذ كل ما فيه من نوازع تأخذ به بعيدا كل البعد عن العواطف النبيلة والأحاسيس الطيّبة. فهل هناك أعظم من العفو على الظالم من طرف المظلوم صاحب الحق في القصاص؟ وهل هناك من طرف هذا المظلوم أكبر الدليل على استحقاقه الثواب الجزيل لصفاء نفسه وتعاليه على كل ما اختصت به النفس البشرية من وضاعة بتصرّفه كما علّمه ربه، أي بالتدليل على أنه يتمرّن بحقٍّ على أن يكون رحمانا رحيما كخالقه؟
لا شك أن مثل هذا التصرف من المؤمن، الذي يتنازل عن حقه في الانتقام لأجل التمسك أكثر وأشد بقيم دينه، لهو أفضل التدليل على تشبّعه بأخلاقية الإسلام العالية وسماحة حكمته ونبل تصريفه لعلاقة البشر بعضهم ببعض. هذا من ناحية المظلوم؛ أما من ناحية الظالم لنفسه ولغيره، فالعفو من شأنه أن يهز فيه هزة تجعل ضميره يستيقظ من غفلته ويفيق من غفوته، فيعترف بفظاعة ذنبه ويتوب إلى ربه ويعتذر إلى من أذنب في حقه وأساء إليه. أفليس العفو هنا مظنة لإعادة المذنب إلى حضيرة الإسلام التي تركها بفعله الشنيع والتي لا فرصة ولا حــظ له في العودة إليها بدون البقاء على قيد الحياة للتوبة؛ وبابها على الدوام لا يغلق في ديننا؟ ولعله لا يتوب ويمضي على عنجهيته؛ هل نسارع عندها في قتله وتنفيذ القصاص فيه فنسدي إليه بهذا خير خدمة بأن نمكنه من الفرار من وخز الضمير، وهو بحق من عذاب الجحيم عندما يستيقظ؟ وما من شك أن الموت أهون من عذاب الضمير الحي!
لا شك أيضا أن مثل هذا العذاب يكون أشد وقعا على المذنب إذا عملنا على إفاقة السريرة النائمة فيه وإحياء الذمة الميّتة عنده بمساعدة هذا المذنب على رياضة النفس والعمل على تزكيتها بالعودة إلى ديننا الحنيف وتعاليمه. فنحن عندما ندعو إلى منع عقوبة الإعدام ببلاد الإسلام ننصح في نفس الوقت بأن تنقلب أروقة الموت، التي ينتظر فيها المحكوم عليهم بالإعدام الخلاص من عذاب الانتظار أو ربما استفاقة الشعور، إلى أروقة للروحانيات تتكفل الدولة فيها بإعطاء المحكوم عليهم بالسجن المؤبد الغذاء الروحي الذي ينقصهم وكان سببا في ما أقدموا عليه، وذلك مما من شأنه أن يعود بهم إلى ظلال إسلامنا الوارفة وروحانيته النبيلة.
هكذا نعمل بما أوصانا به ديننا من الحث على الحسنى والتشجيع على انتهاج محجة الدين القيم بالاغتراف من منابعه التي لا تفنى. وأن يكون ذلك مع من فقد كل شيء في الدنيا بعمله الشنيع لهو من الجهاد في سبيل الله، إذ نسهر بهذا على ألا يفقد إمكانية التوبة، أي أفضل ما من شأنه أن يعيد له الاعتبار باسترجاع إنسانيته. بهذا، يستحق عفو من أساء إليه وعفو ربّه؛ وفي نفس الوقت، يصير من جديد آدميا؛ كل ذلك بفضل ديننا، دين الرحمة والغفران.
 وبهذه الصفة، بفضل منعنا لعقوبة الإعدام، نكون في مصاف الدول المتحضرة التي تحجرّ مثل هذه العقوبة، ونبيّن في الآن نفسه أننا أوفياء لديننا في دعوته إلى مكارم الأخلاق والعمل دوما على ابتغاء المعروف والحسنى على الدوام. فهل في ذلك أفضل من التدليل على أننا نعمل لتلك الغاية سواء بالعفو والمغفرة عندما نُظلم، مع قدرتنا على استيفاء حقنا، وبمجاهدة النفس أو المساعدة على ذلك لإحياء الضمير والمرور من وخزه إلى تزكية النفس بالعودة إلى السبيل القويم، سبيل الحنيفية المسلمة؟
إنها لتذكرة لمن يمانع خطأ من ساستنا في إبطال عقوبة الإعدام بالمغرب الإسلامي وبتونس خاصة؛ فهم بذلك لا يخدمون حقا الإسلام ودعوته، بل يتصرّفون تماما على عكس ما دعا إليه وحث عليه ديننا. فلتكن هذه المقالة والسابقة تذكرة لمن يذّكر من أولى الألباب!