تتوالى جُمُعات الحراك بكامل التراب الجزائري من أجل حقوق الشعب وحرياته؛ ما أنقص رمضان من وتيرتها، بل زادها تدعيما. فشعب المليون شهيد لهو اليوم بحق شعب المليونية الأسبوعية لأجل كل الحقوق والحريات، وليس رمضان إلا شهر التقوى الفضيلة؛ ولا أفضل من تقوى الصدق في القول والإخلاص في العمل!
17 مايو: المطالبة بكل الحريات
إنّه الكسب الإسلامي الحقيقي الذي مناطه حرية العبد في دين الحنيفية المسلمة، بما أنّها ملّة الحقوق والحريات؛ لهذا يُسلم المسلم أمره كاملا لله ولا لأحد غيره؛ فهو الحر المتمتّع بحقوقه كلّها، إذ يضمن له خالقه حرياته كاملة غير منقوصة.
هذا دين وديدن الجزائري الذي يتظاهر اليوم شيبا وشبابا بشوارع وأنهج مدن وقرى الأراضي الجزائرية، سواء كان متديّنا صائما أم لا، لأن الإسلام ليس مجرد شعائر، إنما هو ثقافة أولا. فما يميّز الملّة الإسلامية عن غيرها من ملل أهل الكتاب ونحله أنه في نفس الوقت إيمان عقائدي شعائري وسياسة للدنيا وللمعاملات البشرية.
ذاك ما اختص به الإسلام عند ظهوره، فأتى بالحضارة الكونية التي عرفناها. كما أن نسيان هذه الميزة المكينة ونكرانها هو الذي أدّى بدين الإسلام إلى الغربة التي أصبح عليها، تلك الجاهلية الداعشية المقيتة، أي رهبنة لا روحانيات فيها، إسلام دعي لا علاقة له بالروح الإسلامية الحقة ومقاصد دين محمد التي هي العدل والنية الصادقة.
لذا، فإن الجماهير الجزائرية اليوم، وهي تتظاهر لأجل حقوقها وحرياتها في يوم الجمعة 17 مايو، لحري بها أن تنتصر لحق المثليين لأول مرّة بالجزائر وفي أرض الإسلام في هذا اليوم الذي هو في نفس الوقت وعالميا يوم مناهضة كراهة المثلية. فهل هناك قضية أدعى من هذه لتثمين التعلق الصادق للجزائريين بحقوقهم وحرياتهم؟ يكون هذا بمشاركتهم العالم أجمع في تنديده بالإجرام الذي يتعرض له بعض خلق الله الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ميولاتهم الجنسية. فالله هو الذي خلق المثلي كما هو؛ وهل من رادّ لقضاء الله في خلقه وإرادته العليا في طباعهم وفطرتهم؟
حق الجنس المثلي في الإسلام
إن الجنس المثلي طبيعي في بعض البشر، شائع في الطبيعة، ولم يحرمه دين القيّمة كما أخطأ الفقهاء الاعتقاد عند تأويلهم لآيات القرآن بخصوص قوم لوط. هذه القصص تروي عقاب الله للقوم لامتهانهم الحرابة كلهم لا لشيوع المثلية أو اللواط في بعضهم؛ فلو كانوا في جملتهم أهل لواطة لما كوّنوا قوما. وبما أنهم لم يكونوا كلهم من اللواطيين، فكيف يعذب الله شعبا بأجمعه لما كان في قلّة قليلة ومما هو من الفطرة؟ أليس الله غير ظلاّم للعبيد؟
ليس في القرآن أي كلام في اللواط، من قبيل الحكم، عدا القصص التي أساء الفقهاء فهمها، ثم اعتمدوها لخلق جريمة اللواط لا كما هي، إذ لا حكم في الفقه الإسلامي انطلاقا من القصص، بل بالقياس على حكم قرآني في الزنا؛ وما أبعد الزنا عن اللواط! لقد فعلوا ذلك لتأثرهم بالحكم الرادع للواط في الكتاب المقدس، اعتمدوه كمرجع عوضا عن المرجع الوحيد في الإسلام، ألا وهو القرآن؛ ولا غرابة في ذلك إذ كان أغلبهم من الموالي، أي ممن كان متخيله ولاوعيه متأثرا باليهومسيحية.
ومن المفيد أيضا التذكير هنا أنه لا حديث صح عن الرسول في الغرض، إذ كل ما يُروى عنه من المنحول؛ وكفانا دليلا على ذلك انعدام أي حديث في اللواط عند البخاري ومسلم؛ فهل يُعقل هذا فيما عُدّ أفحش الفواحش؟
المسلمون المناهضون للمثليين باسم الدين الإسلامي ليظلمون الأبرياء تماما كما يظلمون دينهم بفهم غير صحيح، بينما الإسلام كان سبّاقا للاعتراف بحقوق المثليين قبل الجمعيات المنافحة اليوم عنهم. فمن تغنّى أكثر من أهل الإسلام بالجنس المثلي، ما سُمّي بالمذكّرات؟
هلاّ استغل إذًا الشعب الجزائري جمعة 17 مايو هذه السنة ليجعل من يوم مناهضة كراهة المثلية، في أفضل الأشهر الهجرية، جُمعة ردّ الاعتبار لدين الإسلام وإعطائه حق قدره! لينتصر الحراك الجزائري لأجل الحقوق والحريات، في يوم النضال العالمي ضد رهاب المثلية، لحق الأبرياء بوطنهم وخارجه في العيش بكل حرية حياتهم الجنسية كغيرهم!
17 مايو: لننتصر للمثلية وللإسلام!
المثلي اليوم هو الرمز المثالي للآخر المختلف المحروم من حقوقه باسم فهم غير صحيح للدين؛ لذا، فالقبول به والدعوة للاحتفاء بيومه العالمي هو، بدون أدنى شك، أفضل الدعم لكل من يناضل لأجل حقوقه على أرض الجزائر.
فهذه البلاد المطالبة بحقوق شعبها كاملة لا يجوز لها غض النظر عن المطالبة المشروعة للقبول بحقوق المثلي المرفوضة فيها بكذبة دينية؛ وهي عندها تأتي بالدليل الدامغ على تعلّقها الصادق دون كذب بحريات الناس وحقوقهم.
وإنه من الممكن جعل هذا اليوم الفرصة السانحة للانتصار للإسلام وقد طالته محاولات التشويه من كل حدب وصوب؛ يكون هذا الاقتران في التنديد بكراهة المثلية والإسلام من خلال التذكير بمأساة إحسان الجرفي، هذا الشاب المغاربي من جنسية بلجيكية وأصول مغربية الذي لقى حتفه في 22 أبريل 2012 لا لشي إلا لأنه كان مسلما مثليا.
لقد اعتادت بلجيكا، البلد الثاني للفتى المغربي، إحياء ذكراه منذ سنوات في هذا اليوم بالذات بإطلاق اسمه عليه؛ فلم لا يقع استيراد هذا اليوم بالأراضي المغاربية انطلاقا من هذه السنة؟ أليس أهل الإسلام أولى بتحية روح هذا المسلم المثلي المثالي؟ ثم من هو أفضل اليوم من الجماهير الجزائرية على أرضها الثائرة لكرامتها للاحتفال في هذه الجمعة 17 مايو 2019 بيوم إحسان الجرفي ضد كراهة المثلية والإسلام؟ ليكن هذا ولأول مّرة في نطاق الحراك الجزائري لأجل حقوق الشعب وحرياته، كل الشعب بجميع شرائحه، وكل حرياته دون استثناء، إذ لا تجزئة في قضية الحريات حين تصدق النية!