حديث الجمعة: كيف لحزب تحيا تونس أن يمثّل حقّا الحلم والأمل للتونسيين؟
لئن ابتغى حزب رئيس الحكومة حقا تمثيل حلم التونسيين وأملهم في غد أفضل، فمن المتحتّم أن يجسّده بالفعل الحاسم، لا مجرّد الكلام؛ وخاصة الجرأة في القرار العادل. وفي دولة القانون، لا يكون هذا إلا بالشروع في إبطال القوانين الجائرة، بدءا بالمناشير الباطلة، خاصة ما يهم الحريات في رمضان.
في اختتام فعاليات المؤتمر التأسيسي لحزب «تحيا تونس»، قال أمينه العام، سليم العزابي، إن المشروع السياسي الذي يمثله حزبه يعتبر حلما للتونسيين و أملا في النهوض بالبلاد واخراجها من أزمتها الحالية، مؤكدا أن تونس لا زالت تعيش أزمات عديدة، سياسية واقتصادية واجتماعية وخاصة قيمية. كما بيّن أن الطبقة السياسية الراهنة لم تع بعد خطورة المرحلة، إذ تكتفي بالجدل العقيم في التفاهات والعنف اللفظي والجسدي الرافض للآخر المختلف، مستشهدا في ذلك بما عاناه ويعانيه رئيس الحكومة، زعيم الحزب الجديد. فقد استهدف، حتى من أطراف من عائلته السياسية، لعداء شديد مستدام لا لشيء إلا لأجل سعيه لخدمة مصالح البلاد دون الخضوع لأجندات الأحزاب، ولمحاربة الفساد والدفاع بحق عن التونسي الزوالي وحقّه في الكرامة، وهي في تمام حرياته.
هذا، وقد أكد يوسف الشاهد بنفسه، في كلمته في المؤتمر، أن تونس تعاني من الشعبويين والفوضويين، وأن واقعها المعيش اليومي يفرض ما قام ويقوم به من إصلاحات؛ لهذا يعتقد صادقا أن حزبه الجديد الذي يجد فيه القوة لمواصلة نضاله، يمثل بحق ما يحلم به التونسيون ويأملونه لأجل غد أفضل، أي دولة فيها حقوقهم وحرياتهم محترمة في كل مجالات حياتهم اليومية بلا استثناء.
بلا مرية، هذا الكلام الجميل يفرض البدء بدون تأخير فيما لم يُفعل إلى الآن، ألا وهو الإصلاح التشريعي، وأيضا فهمنا الخاطىء للدين الذي جعلنا منه نقمة لا رحمة على العالمين. فهلاّ شرع المسؤول الأول عن الحزب الجديد في هذا المتحتّم منذ شهر الصيام وهو على الأبواب؟ خاصة وأن أمينه العام بيّن، في حديث إذاعي غداة الولادة الرسمية لحزبه، أنه لا يخشى تهديدات حزب النهضة - الآخذ بالمرجعية الإسلامية المتزمّتة - بإسقاط الحكومة، إذ همّها الاستقرار في البلاد وإتمام البناء الدستوري. فأي أفضل البناء والدعم لدولة القانون من إبطال النصوص غير القانونية وعلى رأسها المناشير المخزية؟
الواقع المعيش للتونسي
إن هذا الإصلاح التشريعي ليمثّل الفعل السياسي الأساسي اليوم الذي يفرضه الفهم الصحيح لدولة القانون، بل وللدين أيضا. فهو يتقمّص، إسلاميا، ما يُسمّى بالكسب النزيه. وبما أننا نستعد لرمضان، فلنقلها بكل صراحة لرئيس الحكومة: هذا لا يكون إلا بقرار جريء لقول كلمة السواء، مفعّلا للنية الصادقة التي لا نشك فيها عنده، في ميدان المسكوت عنه عادة مما يفسد الدين والدنيا، طامسا أفضل ما فيهما، أي العدل واحترام الحقوق والحريات.
ومن البديهي أنه لا عدل إلا بإبطال القوانين الجائرة، وقبلها المناشير المخزية، أي شبه القوانين الباطلة التي تعتمدها السلط لقمع حقوق الناس وحرياتهم الشخصية، مثل المنشور المانع لأبسطها في رمضان، أي حرية الأكل والشرب علنا. فهذا من صلاحيات رئيس الحكومة إذا توفّرت حقا عنده الرغبة في ذلك، إذ ليس لأحد منعه من إبطال تلك النصوص الإدارية الناقضة لما أقره الدستور صراحة. فليبدأ إذن دون تأخير بإلغاء الخزي القانوني الموسوم باسم «منشور مزالي» احتراما لدولة القانون! فهي في علوية الحقوق والحريات على كل ما عداها، خاصة بما يتعلل البعض كذبا من تعلّقها بالمقدّس، بينما لا مقدّس إلا حريات الشعب!
الواقع المخزي للقانون
لئن صدقت نيّة رئيس الحكومة، فلا مناص من أن يجعل من شهر الصيام هذه السنة رمضان الأخذ بالعفو، أي الفضل من أخلاق الناس، ما لا يجهدهم في التعرض للغير والغلظة على من لا يصوم. فالعفو في الإسلام، وهو مناط الآية 199 من سورة الأعراف، حيث يحث الله رسوله عليه، هو أمر الناس بالمعروف الصحيح، لا ما أصبحنا نعتقده معروفا بينما هو من المنكر، أي الإكراه في دين جاء رحمة لا نقمة على العالمين.
يقول الله في محكم كتابه لنبيه الأكرم: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»! هذا يعني الأمر لنبيّه بالأعراض عن الجاهلين ممن يعتدون على حريات الناس بمفهوم متهافت للدين. وبما أن هذا هو ما يأمر به الدين، فكيف تسمح الدولة، وواجبها احترامه، لمن ادّعى الإيمان فرض فهمه الخاطىء على من يعتقده جاهلا بدينه ممن لا يصوم رمضان أو يجاهر بالإفطار، بينما ليس هذا إلا حقه المضمون في دين الحقوق والحريات، دين القيّمة؟
ففي الإسلام الصحيح، الله يرى كل شيء ولا يستحي أن يرى عبده لا يطيعه، لأنه العبد الحر الذي لا يسلم أمره إلا لخالقه؛ والله يسمح له بعدم الصوم إذا كان لا يطيقه، كما يسمح له بالكفارة في ذلك بإطعام الجائع وإكساء المسكين. ثم إن الله، حتى مع انعدام السبب الجائز للإفطار، لا يعقاب ضرورة عبده، بما أنه رحمان رحيم، فيترك له الفرصة للإنابة حين الاقتناع بفوائد الصيام. هذا ما يفعله الله في حكمته اللدنية؛ وهذه هي آداب الإسلام التي ضيعناها، حتى أصبح هذه الغربة الداعشية التي نعيشها؛ فهلا انتهينا عن مسخ ديننا وظلم الناس باسم احترام كاذب كذوب للحنيفية المسلمة؟
ولنذكّر كل الذين يعتقدون التعلّق بالدين وهم ينسفون أفضل ما فيه، خاصة الجهلة ممن يدّعونه مرجعيتهم السياسية، أنهم ليسوا إلا أشباه أحبار وقساوسة، اعتقدوا معرفة دينهم وغابت عنهم روحه ومقاصده، ناسين أو متناسين أن لا إكليروس في دين القيّمة ولا كنيسة ولا بيعة. تلك حال من يريد مثلا فرض الصوم بالقوة في الإسلام، أو منع بيع أو شرب الخمرة في شهر الصوم أو أيام الجمعة، بينما ثبت أنه دين الحقوق والحريات بلا منازع، لا إيمان فيه إلا عن قناعة، لا إكراه، إذ هو أساسا النيّة الخالصة لله دون مراءاة!
نشرت على موقع أنباء تونس