أي عيد للمرأة هو؟ وهل يكون عيد تونس كلّها؟
ليس من المستبعد ألا يأتي عيد المرأة هذه السنة بما يشفي الغليل، كما هي العادة في السنوات الماضية، نتيجة ما لم يعد صالحا في البلاد، هذا الدجل السياسوي المهيمن رغم أن زمنه مرّ، فلا ينطلي زخرف الكلام على شعبٍ زاد وعيا منذ تحرر من ربقة الديكتاتية الذهنية.
إلا أن هذه الديكتاتورية لا زالت قائمة عند الساسة، إذ البلاد تحكمها نخب بقوانين الماضي، بما فيها قوانين الاحتلال لا العهد البائد فقط. وهي اليوم دكتاتوريتان، تلك التي ظن الشعب أنه أطاح بها، والنخب التي أتت للتحالف مع نخب العهد البائد لتفرض دكتاتورية معنوية باسم دين تتاجر به بدون حياء.
رغم وعد رئيس الجمهورية السنة الفارطة، لا نعتقد أن يتم تحقيق المساواة هذه السنة بصفة قطعية؛ فنحن نعلم قيمة الوعود في السياسة التي لا تُلزم إلا من يعتقد فيها من ذوي النيات الساذجة. نبيّن في ما يلي ما يجعلنا نرى هذا الرأي، مع الأمل الصادق في أن نكون أخطأنا التقدير، فيكون عيد المرأة بحق عيدا لتونس كلّها.
قرار في قالب مناورة :
لقد علمنا أن قضية الحقوق والحريات، وخاصة منها حقوق المرأة وحرياتها، ليست عند رئيس الجمهورية بالأهمية التي كانت لها عند من يدّعي الانتماء إلى فكره، الزعيم بورقيبة. فلو كانت الحال تلك، لسارع في تحقيق المساواة مند دخوله قصر قرطاج؛ وها هو في نهاية سنوات حكمه لا يفتأ يتردّد؛ بل لعل عزمه المناورة كما عهد ذلك، وكما يفرضه عليه تعاطيه للسياسة حسب الفهم «الأنطيكة» للسياسة، أي القديم، كما يقول الحس الشعبي، تلك «البوليتيك» التي لم تتخلص بعد منها الأذهان عند الساسة بتونس.
ولا شك أن برمجة تحرّك المجتمع المدني لمساندة تقرير لجنة الحقوق الفردية والمساواة ليوم الاثنين مساء، أي بعد انقضاء كل شي، يدلّ على شيء من هذا القبيل. ما يعني أن المساواة لن تتحقق فعلا وفعليا هذه السنة رغم الوعد الرئاسي؛ بل ستأتي في قالب هذا التمشي بخطوات العجوز التي يحسنها رئيس الجمهورية، كأن يطلب من الحكومة عرض مشروع في المساواة لا غير تستمدّه من بين ما عرضته لجنة بشرى بلحاج حميدة؛ وهذا طبعا سيأخذ وقتا؛ أو الوعد بعرض مشروع في الغرض من ثنايا التقرير دون التقيّد بزمن.
إنه من المعلوم أن التظاهرات تأتي إما للتأثير على القرار السياسي فتكون قبله أو للتماهي معه لدعمه، عندها فقط تكون بعده. وبما أننا في هذه الحالة الثانية، فلعلنا نكون أخطأنا الظن وتكون للرئيس الجرأة على عرض المجلة التي اقترحتها اللجنة على البرلمان برمّتها. فهذا من شأنه أن يسعد الناس، فيحتفلون به؛ إلا أنه لا يبعد، رغم ذلك، عن مجرّد المناورة السابقة الذكر، إذ من شأن مناقشة المجلة أن يأخذ الوقت الطويل، ما يعني إرجاء تحقيق المساواة وبقية الحقوق إلى السنة الموالية؛ وهذا ما يأمله حزب النهضة ورئيسه، حليف الرئيس الحميم.
خطأ اللجنة الأصلي :
لا شك أن ما يدعم هذا الفهم أن الجمعيات المتظاهرة مساء يوم الإثنين أغلبها من دعاة اللائكية، وممن يسانده الغرب الذي، كما نعلم، يدعم أيضا الحزب الإسلامي ويراهن عليه في خدمة مصالحه المركنتيلية بالبلاد التونسية؛ فقد تحالف معه فأتى به إلى الحكم؛ ومن بنود التحالف ألا يقع المس بالمنظومة القانونية الجائرة.
لذلك ليس من المستبعد أن يكون الغرب بصدد مغالطة المنظمات التي يساندها ماديا ومعنويا، دافعا إياها للقبول بالنزر القليل ترضية لحلفائه الإسلامويين. لهذا، يدفعهم على المغالاة في اللائكية عوض التجذر في الواقع التونسي، كما يقتضيه الدستور، وذلك باستعمال الدين، كما يفعل المتزمتون، إلا أنه لا يكون بالمتاجرة به كهؤلاء، بل لخدمة الحقوق والحريات، لا نسفا لها.
لا جرم، إن من صالح الغرب أن يبقى الإسلام على حاله اليوم من التأخر والظلامية؛ وهو يستعمل في ذلك النخب التونسية ممن احتل عقولهم أو ممن احتلت عقولهم الداعشية لتنفيذ خطط إمبريالية ما بعد الحداثة. لذا، شجّع أعضاء لجنة الحريات الفردية والمساواة على ألا يتعرّض تقريرها إلى ما كان مفروضا منه ولا محيد عنه، أي التدليل على أن كل ما اقترحته من حقوق وحريات لا يخالف الدين، بل يطبقه حسب مقاصده.
بهذا الخطأ الأصلي لعملها، سهّلت اللجنة المهمّة على أعداء التقرير للتنديد به. فلو انتهجت في كل التقرير ما قامت به بالنسبة للمساواة في الإرث، مبيّنة أن الإسلام يذهب إلى أبعد من ذلك، لألجمت كل من يجرؤ اليوم على القول أن عمل اللجنة يهدد الدين، وفصول المجلة التي يقترحها مخالفة للدستور الذي يحيل للإسلام، هادمة للأسرة ومعادية للهوية. لو فعلت ذلك لكان بالإمكان، وبالدليل القاطع، تبيان أن كل الحقوق والحريات الواردة في مجلة االلجنة تدعم الأسرة والدين، إذ تخرجهما من الفهم الممسوخ الذي هما عليه، مانعة النفاق فيهما، مشجّعة على النية الحسنة، وهي أساس الإيمان الصحيح.
رغم وعد رئيس الجمهورية السنة الفارطة، لا نعتقد أن يتم تحقيق المساواة هذه السنة بصفة قطعية؛ فنحن نعلم قيمة الوعود في السياسة التي لا تُلزم إلا من يعتقد فيها من ذوي النيات الساذجة. نبيّن في ما يلي ما يجعلنا نرى هذا الرأي، مع الأمل الصادق في أن نكون أخطأنا التقدير، فيكون عيد المرأة بحق عيدا لتونس كلّها.
قرار في قالب مناورة :
لقد علمنا أن قضية الحقوق والحريات، وخاصة منها حقوق المرأة وحرياتها، ليست عند رئيس الجمهورية بالأهمية التي كانت لها عند من يدّعي الانتماء إلى فكره، الزعيم بورقيبة. فلو كانت الحال تلك، لسارع في تحقيق المساواة مند دخوله قصر قرطاج؛ وها هو في نهاية سنوات حكمه لا يفتأ يتردّد؛ بل لعل عزمه المناورة كما عهد ذلك، وكما يفرضه عليه تعاطيه للسياسة حسب الفهم «الأنطيكة» للسياسة، أي القديم، كما يقول الحس الشعبي، تلك «البوليتيك» التي لم تتخلص بعد منها الأذهان عند الساسة بتونس.
ولا شك أن برمجة تحرّك المجتمع المدني لمساندة تقرير لجنة الحقوق الفردية والمساواة ليوم الاثنين مساء، أي بعد انقضاء كل شي، يدلّ على شيء من هذا القبيل. ما يعني أن المساواة لن تتحقق فعلا وفعليا هذه السنة رغم الوعد الرئاسي؛ بل ستأتي في قالب هذا التمشي بخطوات العجوز التي يحسنها رئيس الجمهورية، كأن يطلب من الحكومة عرض مشروع في المساواة لا غير تستمدّه من بين ما عرضته لجنة بشرى بلحاج حميدة؛ وهذا طبعا سيأخذ وقتا؛ أو الوعد بعرض مشروع في الغرض من ثنايا التقرير دون التقيّد بزمن.
إنه من المعلوم أن التظاهرات تأتي إما للتأثير على القرار السياسي فتكون قبله أو للتماهي معه لدعمه، عندها فقط تكون بعده. وبما أننا في هذه الحالة الثانية، فلعلنا نكون أخطأنا الظن وتكون للرئيس الجرأة على عرض المجلة التي اقترحتها اللجنة على البرلمان برمّتها. فهذا من شأنه أن يسعد الناس، فيحتفلون به؛ إلا أنه لا يبعد، رغم ذلك، عن مجرّد المناورة السابقة الذكر، إذ من شأن مناقشة المجلة أن يأخذ الوقت الطويل، ما يعني إرجاء تحقيق المساواة وبقية الحقوق إلى السنة الموالية؛ وهذا ما يأمله حزب النهضة ورئيسه، حليف الرئيس الحميم.
خطأ اللجنة الأصلي :
لا شك أن ما يدعم هذا الفهم أن الجمعيات المتظاهرة مساء يوم الإثنين أغلبها من دعاة اللائكية، وممن يسانده الغرب الذي، كما نعلم، يدعم أيضا الحزب الإسلامي ويراهن عليه في خدمة مصالحه المركنتيلية بالبلاد التونسية؛ فقد تحالف معه فأتى به إلى الحكم؛ ومن بنود التحالف ألا يقع المس بالمنظومة القانونية الجائرة.
لذلك ليس من المستبعد أن يكون الغرب بصدد مغالطة المنظمات التي يساندها ماديا ومعنويا، دافعا إياها للقبول بالنزر القليل ترضية لحلفائه الإسلامويين. لهذا، يدفعهم على المغالاة في اللائكية عوض التجذر في الواقع التونسي، كما يقتضيه الدستور، وذلك باستعمال الدين، كما يفعل المتزمتون، إلا أنه لا يكون بالمتاجرة به كهؤلاء، بل لخدمة الحقوق والحريات، لا نسفا لها.
لا جرم، إن من صالح الغرب أن يبقى الإسلام على حاله اليوم من التأخر والظلامية؛ وهو يستعمل في ذلك النخب التونسية ممن احتل عقولهم أو ممن احتلت عقولهم الداعشية لتنفيذ خطط إمبريالية ما بعد الحداثة. لذا، شجّع أعضاء لجنة الحريات الفردية والمساواة على ألا يتعرّض تقريرها إلى ما كان مفروضا منه ولا محيد عنه، أي التدليل على أن كل ما اقترحته من حقوق وحريات لا يخالف الدين، بل يطبقه حسب مقاصده.
بهذا الخطأ الأصلي لعملها، سهّلت اللجنة المهمّة على أعداء التقرير للتنديد به. فلو انتهجت في كل التقرير ما قامت به بالنسبة للمساواة في الإرث، مبيّنة أن الإسلام يذهب إلى أبعد من ذلك، لألجمت كل من يجرؤ اليوم على القول أن عمل اللجنة يهدد الدين، وفصول المجلة التي يقترحها مخالفة للدستور الذي يحيل للإسلام، هادمة للأسرة ومعادية للهوية. لو فعلت ذلك لكان بالإمكان، وبالدليل القاطع، تبيان أن كل الحقوق والحريات الواردة في مجلة االلجنة تدعم الأسرة والدين، إذ تخرجهما من الفهم الممسوخ الذي هما عليه، مانعة النفاق فيهما، مشجّعة على النية الحسنة، وهي أساس الإيمان الصحيح.
نشرت على موقع أنباء تونس