حديث الجمعة: سيادة الرئيس راشد الغنوشي؟
هل لنا أن ندعو من الآن راشد الغنوشي سيادة الرئيس؟ فبعد أن تسمّى بالشيخ ثم الأستاذ، هوذا يطمح في هذا اللقب الجديد. لقد بات من الواضح أن الخطوة الموالية لحزب النهضة هي الدخول لقصر قرطاج بعد أن اعترف الحزب بأنه يستعد لدعم ترشح رئيسه لتمثيله في الرئاسية المقبلة، سواء وقعت في السنة القادمة أو بعد حين، وهو الأرجح.
لا شك إذن أن الخطوة الموالية في استراتيجية راشد الغنوشي ستكون رئاسة الجمهورية؛ ولا داعي للاستغراب في ذلك أو استنكاره، بما أن الرجل يتزعم حزبا من أبجديات السياسة أن يتنافس على الحكم. ثم إنه الحزب الحاكم، وهو الذي راهن ويراهن عليه الغرب لأجل رعاية مصالحه بتونس. فلم لا يدخل قصر قرطاج السيد راشد الغنوشي وقد دخله من قبل أتعس منه أخلاقا وسياسة؟
إن المشكل، إن وُجد، ليس في شخص السيد راشد الغنوشي، بل في سياسته أو ما يمكن أن تكون؛ وهذا بيت القصيد. ذلك أننا، في الحقيقة، مع حزب النهضة حيال ما يُسمّى بالفرنسية «الفندق الإسباني» أو كما يقال في بعض ربوع تونسنا الجميلة، وبخاصة في صفاقس، «فندق بوشميلة»، أي الذي يدخله كل من هب ودب، يختلط فيه الحابل بالنابل، فتسمع به الجعجعة ولا ترى الطحن.
الفندق الإسباني لحزب النهضة:
لا شك أن ما يحسب لحزب النهضة براعته في التمويه، إذ هو يمتهن السياسة حسب المعروف فيها من الزمن الغابر، أي ضرورة الخداع؛ وهذا لا يضير أهل السياسة القديمة حتى ممن يأخذ فيهم بالأخلاق، لأن الخداع في الحرب مسموح به في الإسلام الذي يبقى مرجعية الحزب المبدئية. إلا أن السياسة اليوم ليست حربا إلا عند الساسة الآخذين بها حسب ذاك النمط الذي بار، إذ لم يعد صالحا وقد أكل عليه الدهر وشرب. فالسياسة اليوم هي الأخلاق أولا Poléthique؛ فهي الائتلاف الضروري والحقيقي مع تعاليم الإسلام التي تقتضي الصدق في القول، ولو على النفس، والإخلاص في الكسب دون المداهنة ولا النفاق.
للأسف، هذا ما يعمل به حزب النهضة مباشرة أو بصفة غير مباشرة. في الحالة الأولى، نجد فيه مثلا من يناصر تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، كالسيد لطفي زيتون الذي ذهب إلى حد المطالبة بإبطال تجريم المثلية وتحليل الزطلة؛ أو محرزية العبيدي التي شجعت صناعة الخمر. لكن أين مشاريع القوانين في الغرض، أو حتى مجرد المطالبة بإلغاء المناشير التي تطبق في هذه الميادين؟ فرغم أن حزب النهضة هو الحاكم للبلاد، يمتنع عن تمرير الآراء الجريئة إلى أفعال بمشاريع قوانين، وكأن لا نواب له. أما الصفة غير المباشرة، فحدّث ولا حرج؛ لأن حزب النهضة يواصل المرواغة بالقول أنه لا يريد إثارة ردة فعل في الشعب، بينما الشعب في غالبيته مستعدّ لجميع الحريات بدون استثناء؛ ثم هو يحرّك أقليات متزمّتة للتظاهر والفوضى، في حين يكفي النهضة أن تقول لها اسكت لتسكت ولا تتحرّك، إذ هي من توابع الحزب وزوابعه. منها ما يسمّى بحزب التحرير، حزب الأسر الذهني وقيود التبعية للفكر الهجين، بما أنه لم يتحر ر بعد من التزمت الذي لا هدف له إلا هدم صرح الإسلام المنيع.
مثل هذا الاحتيال من حزب النهضة، وهو من مخلفات سنوات الجمر، لا يمكن له أن يدوم بعد أن صعد إلى سدة الحكم، وخاصة إذا رغب السيد الغنوشي دخول قرطاج. فعليه أن يبرهن بأفعالٍ صدق مقولاته، وإلا فسيجد في طريقه من يفضح هذه الألاعيب، لأن الكلام بدون فعل لهو من أتعس الخزعبلات. على الرئيس المرتقب إذن قبل الإعلان عن ترشحه رسميا التدليل أنه خرج من فندقه الإسباني، أو فندق بوشميلة التونسي، لرحاب الديمقراطية النزيهة التي ليست هي إلا الحقوق والحريات في الميادين الحساسة المسكوت عنها غالبا .
الخروج من الفندق قبل الانتخابات:
الخروج من فندق بوشميلة السياسي أو الفندق الإسباني للنهضة يقتضي أن يقدّم حزب النهضة عاجلا مشاريع قوانين لمجلس نواب الشعب في تلك المواضيع المحرّمة، إذ هي الفارقة في الحياة اليومية وذهن الناس، وذلك لصفته كحزب الأوفر عددا من النواب؛ عليه أيضا وخاصة السهر على تمرير هذه القوانين. فهذا مشروع لجنة المساواة والحريات الفردية، هلا عرضه حالا للتصويت عليه دون تأخير؟ ثم إن هناك مشاريع قوانين تم اقتراحها على مكتب المبادرات التشريعية للنهضة بالبرلمان* وأعيد اقتراح البعض منها هنا** للتعجيل بتحقيق المساواة في الإرث وإبطال تجريم المثلية، فليتمّ عرضها سريعا على مجلس نواب الشعب إن كانت نية الحزب صادقة!
لا بد من الكف عن المراوغة والجرأة على المطالبة، لا فقط بإقرار ما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة من فتوحات في الحقوق، بل الذهاب أبعد من ذلك وباسم الإسلام. ذلك أنه من المؤسف أن التقرير، عدا حالة المساواة في الإرث، لا يعتمد الإسلام للتدليل على أحقّية الشعب التونسي في الحقوق والحريات التي يطالب بها، وكأنه يقوم بهذا ضدا على الإسلام باسم ما يفرضه عليه الغرب، فيدعم ما يردّده البعض من أنه ليس إلا إفرازا للإكراهات الغربية. هذا، وقد علمنا أنه لا يمكن اعتماد أي حق وحرية بتونس إلا باسم الإسلام، بما أن الدستور يحيل إليه؛ إضافة لتعلق الشعب بدينه. فكل ذاك ممكن وفي كل الحقوق والحريات التي عرض لها التقرير، بما فيها تلك التي تردد فيها، مثل مشروعية المثلية، أو التي لم يتكلم عنها، مثل الحق في الجسد؛ إنها كلّها مضمونة إسلاميا، وقد تم التدليل على ذلك؛ إلا أنه من المؤسف حقّا أن التقرير لم يحل إلى الدراسات في الغرض؛ وهو مما يعيبه عليه من ينتقده فيرفضه جهلا بدينه.
فلإن كان هناك نقد للتقرير، يكون لا محالة لعدم الذهاب إلى أقصى مدى في التدليل على اتساع الإسلام للحريات. لذا، هذه مسؤولية النهضة اليوم، إذ حان الوقت لتحقيق كل الحريات الفردية والحقوق الإناسية على أرض تونس باسم الإسلام بعد أن تم بعد التدليل على مشروعية ذلك وإمكانيته. ليأذن إذن الأستاذ الغنوشي بذلك كفاتحة لرغبته دخول قرطاج؛ وإلا فلن ينجح في ما يحلم به، إذ سيقف ضده كل بنات وأبناء تونس الجريحة اليوم لأجل حرمانها من حقوقها وحرياتها. فتونس الجريحة ستقف عندها في طريقه للرئاسة؛ وكما يعلم السيد الغنوشي، ليس هناك أخطر من جريحٍ يطالب بحقه في الحياة. فهذه حال تونس المكلومة اليوم، لا من دكتاتورية العهد البائد فقط، بل من دكتاتورية جديدة هي أفضع، لأنها أعتى من السابقة ما دامت تعتمد قوانينها لتضيف إليها قوانين باسم الدين ما قال الله بها بتاتا.
* مشروعا قانون لمكتب المبادرات التشريعية للنهضة
** حديث الجمعة: مشروع قانون المساواة في الإرث وإبطال تجريم المثلية المفروض عرضه حالا على البرلمان
هل لنا أن ندعو من الآن راشد الغنوشي سيادة الرئيس؟ فبعد أن تسمّى بالشيخ ثم الأستاذ، هوذا يطمح في هذا اللقب الجديد. لقد بات من الواضح أن الخطوة الموالية لحزب النهضة هي الدخول لقصر قرطاج بعد أن اعترف الحزب بأنه يستعد لدعم ترشح رئيسه لتمثيله في الرئاسية المقبلة، سواء وقعت في السنة القادمة أو بعد حين، وهو الأرجح.
لا شك إذن أن الخطوة الموالية في استراتيجية راشد الغنوشي ستكون رئاسة الجمهورية؛ ولا داعي للاستغراب في ذلك أو استنكاره، بما أن الرجل يتزعم حزبا من أبجديات السياسة أن يتنافس على الحكم. ثم إنه الحزب الحاكم، وهو الذي راهن ويراهن عليه الغرب لأجل رعاية مصالحه بتونس. فلم لا يدخل قصر قرطاج السيد راشد الغنوشي وقد دخله من قبل أتعس منه أخلاقا وسياسة؟
إن المشكل، إن وُجد، ليس في شخص السيد راشد الغنوشي، بل في سياسته أو ما يمكن أن تكون؛ وهذا بيت القصيد. ذلك أننا، في الحقيقة، مع حزب النهضة حيال ما يُسمّى بالفرنسية «الفندق الإسباني» أو كما يقال في بعض ربوع تونسنا الجميلة، وبخاصة في صفاقس، «فندق بوشميلة»، أي الذي يدخله كل من هب ودب، يختلط فيه الحابل بالنابل، فتسمع به الجعجعة ولا ترى الطحن.
الفندق الإسباني لحزب النهضة:
لا شك أن ما يحسب لحزب النهضة براعته في التمويه، إذ هو يمتهن السياسة حسب المعروف فيها من الزمن الغابر، أي ضرورة الخداع؛ وهذا لا يضير أهل السياسة القديمة حتى ممن يأخذ فيهم بالأخلاق، لأن الخداع في الحرب مسموح به في الإسلام الذي يبقى مرجعية الحزب المبدئية. إلا أن السياسة اليوم ليست حربا إلا عند الساسة الآخذين بها حسب ذاك النمط الذي بار، إذ لم يعد صالحا وقد أكل عليه الدهر وشرب. فالسياسة اليوم هي الأخلاق أولا Poléthique؛ فهي الائتلاف الضروري والحقيقي مع تعاليم الإسلام التي تقتضي الصدق في القول، ولو على النفس، والإخلاص في الكسب دون المداهنة ولا النفاق.
للأسف، هذا ما يعمل به حزب النهضة مباشرة أو بصفة غير مباشرة. في الحالة الأولى، نجد فيه مثلا من يناصر تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، كالسيد لطفي زيتون الذي ذهب إلى حد المطالبة بإبطال تجريم المثلية وتحليل الزطلة؛ أو محرزية العبيدي التي شجعت صناعة الخمر. لكن أين مشاريع القوانين في الغرض، أو حتى مجرد المطالبة بإلغاء المناشير التي تطبق في هذه الميادين؟ فرغم أن حزب النهضة هو الحاكم للبلاد، يمتنع عن تمرير الآراء الجريئة إلى أفعال بمشاريع قوانين، وكأن لا نواب له. أما الصفة غير المباشرة، فحدّث ولا حرج؛ لأن حزب النهضة يواصل المرواغة بالقول أنه لا يريد إثارة ردة فعل في الشعب، بينما الشعب في غالبيته مستعدّ لجميع الحريات بدون استثناء؛ ثم هو يحرّك أقليات متزمّتة للتظاهر والفوضى، في حين يكفي النهضة أن تقول لها اسكت لتسكت ولا تتحرّك، إذ هي من توابع الحزب وزوابعه. منها ما يسمّى بحزب التحرير، حزب الأسر الذهني وقيود التبعية للفكر الهجين، بما أنه لم يتحر ر بعد من التزمت الذي لا هدف له إلا هدم صرح الإسلام المنيع.
مثل هذا الاحتيال من حزب النهضة، وهو من مخلفات سنوات الجمر، لا يمكن له أن يدوم بعد أن صعد إلى سدة الحكم، وخاصة إذا رغب السيد الغنوشي دخول قرطاج. فعليه أن يبرهن بأفعالٍ صدق مقولاته، وإلا فسيجد في طريقه من يفضح هذه الألاعيب، لأن الكلام بدون فعل لهو من أتعس الخزعبلات. على الرئيس المرتقب إذن قبل الإعلان عن ترشحه رسميا التدليل أنه خرج من فندقه الإسباني، أو فندق بوشميلة التونسي، لرحاب الديمقراطية النزيهة التي ليست هي إلا الحقوق والحريات في الميادين الحساسة المسكوت عنها غالبا .
الخروج من الفندق قبل الانتخابات:
الخروج من فندق بوشميلة السياسي أو الفندق الإسباني للنهضة يقتضي أن يقدّم حزب النهضة عاجلا مشاريع قوانين لمجلس نواب الشعب في تلك المواضيع المحرّمة، إذ هي الفارقة في الحياة اليومية وذهن الناس، وذلك لصفته كحزب الأوفر عددا من النواب؛ عليه أيضا وخاصة السهر على تمرير هذه القوانين. فهذا مشروع لجنة المساواة والحريات الفردية، هلا عرضه حالا للتصويت عليه دون تأخير؟ ثم إن هناك مشاريع قوانين تم اقتراحها على مكتب المبادرات التشريعية للنهضة بالبرلمان* وأعيد اقتراح البعض منها هنا** للتعجيل بتحقيق المساواة في الإرث وإبطال تجريم المثلية، فليتمّ عرضها سريعا على مجلس نواب الشعب إن كانت نية الحزب صادقة!
لا بد من الكف عن المراوغة والجرأة على المطالبة، لا فقط بإقرار ما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة من فتوحات في الحقوق، بل الذهاب أبعد من ذلك وباسم الإسلام. ذلك أنه من المؤسف أن التقرير، عدا حالة المساواة في الإرث، لا يعتمد الإسلام للتدليل على أحقّية الشعب التونسي في الحقوق والحريات التي يطالب بها، وكأنه يقوم بهذا ضدا على الإسلام باسم ما يفرضه عليه الغرب، فيدعم ما يردّده البعض من أنه ليس إلا إفرازا للإكراهات الغربية. هذا، وقد علمنا أنه لا يمكن اعتماد أي حق وحرية بتونس إلا باسم الإسلام، بما أن الدستور يحيل إليه؛ إضافة لتعلق الشعب بدينه. فكل ذاك ممكن وفي كل الحقوق والحريات التي عرض لها التقرير، بما فيها تلك التي تردد فيها، مثل مشروعية المثلية، أو التي لم يتكلم عنها، مثل الحق في الجسد؛ إنها كلّها مضمونة إسلاميا، وقد تم التدليل على ذلك؛ إلا أنه من المؤسف حقّا أن التقرير لم يحل إلى الدراسات في الغرض؛ وهو مما يعيبه عليه من ينتقده فيرفضه جهلا بدينه.
فلإن كان هناك نقد للتقرير، يكون لا محالة لعدم الذهاب إلى أقصى مدى في التدليل على اتساع الإسلام للحريات. لذا، هذه مسؤولية النهضة اليوم، إذ حان الوقت لتحقيق كل الحريات الفردية والحقوق الإناسية على أرض تونس باسم الإسلام بعد أن تم بعد التدليل على مشروعية ذلك وإمكانيته. ليأذن إذن الأستاذ الغنوشي بذلك كفاتحة لرغبته دخول قرطاج؛ وإلا فلن ينجح في ما يحلم به، إذ سيقف ضده كل بنات وأبناء تونس الجريحة اليوم لأجل حرمانها من حقوقها وحرياتها. فتونس الجريحة ستقف عندها في طريقه للرئاسة؛ وكما يعلم السيد الغنوشي، ليس هناك أخطر من جريحٍ يطالب بحقه في الحياة. فهذه حال تونس المكلومة اليوم، لا من دكتاتورية العهد البائد فقط، بل من دكتاتورية جديدة هي أفضع، لأنها أعتى من السابقة ما دامت تعتمد قوانينها لتضيف إليها قوانين باسم الدين ما قال الله بها بتاتا.
* مشروعا قانون لمكتب المبادرات التشريعية للنهضة
** حديث الجمعة: مشروع قانون المساواة في الإرث وإبطال تجريم المثلية المفروض عرضه حالا على البرلمان
نشر على موقع أنباء تونس