حديث الجمعة: فتوى في إزالة مكبّرات الصوت من المساجد
هذه رسالة مفتوحة إلى سماحة مفتي الديار التونسية، وقد علمنا أن الفتوى في الإسلام هي الرأي إجابة عمّا يُسأل عنه، وأن الرأي حرّ في دين القيـّمة حيث المجتهد عن حسن نية، ولو أخطأ، أفضل عند الله من المقلّد ولو حسنت نيّته؛ وما أدراك بفساد نيته فلم يشعر!
مشروعية الفتوى :
سماحة السيد المفتي حرسه الله، بما أن الاجتهاد يمنع الحنيفية المسلمة من التغرّب والاغتراب وقد حال الوضع إليه مع أهل داعش ممن يعتدّون بالتمسّك بحرف فقه أكل عليه الدهر وشرب؛
وبما أن العديد من مظاهر التديّن أصبحت من التجارة به وفيه، مطية نفاق ليس هو بالجديد، بما أنه ثبت القول أن الرسول الأكرم لو قام في زمن ليس ببعيد عن زمنه لما عرف دينه للبدع التي شابته ممن يدّعون أنهم منه؛ فممن ذكر ذلك الإمام الشاطبي؛
وبما أن من مظاهر هذا النفاق استعال مكبّرات الصوت بالمساجد، لا فقط للآذان بل وأيضا لبث تلاوات الذكر الحكيم الذي يمنع الدين التصرف فيه كما نفعل بالأغاني والطقطوفات؛
لهذا، أعرض على حضرتكم هذه الفتوى التي لي فيها أجر الاجتهاد لا محالة من الله، حتى وإن أخطأت، لحسن النية؛ فليكن من لدنك الأجر الثاني بالإصابة في جعلكم تتبنونها مصبغين عليها الصفة الرسمية التي يمنحها لكم مركزكم الرسمي في دواليب الدولة وسعة معرفتكم بالدين.
مشروع الفتوى :
لقد بلغ السيل الزبى من مسخ الدين باسم التقوى وليس هي إلا من تبليس إبليس. وهذا ثابت في استعمال مكبّرات الصوت، لا مراء في المداهنة التي يحملها إذ لا داعي لاستعمال مكبّرات الصوت اليوم بالمساجد نظرا لبث الآذان على موجات الأثير.
ثم إن من يحرص على الصلاة لا ينتظر الآذان للتأهب لارتياد المسجد، بل يبادر إليه حين اقتراب وقت الصلاة؛ لذا يكفي الصوت البشري لإقام الصلاة حسب ما درب عليه السلف الصالح.
أما بث الفرقان بمكبّرات الصوت، فهو الاستهتار الذي لا بعده استهتار بكلام العلي القدير الذي من واجب المؤمن عند تلاوته الإصغاء إليه بكامل جوارحه وترك كل ما عداه، علاوة على ضرورة التمعّن في معانية لثتويرها، ما يقتضي التركيز والتأمل؛ وبديهي أن لا يتم هذا إلا في رحاب مسجد أو مكان للتعبّد والقنوت أو للدراسة.
لذا، تقول الفتوى:
نص الفتوى :
نظرا لأنه ليس أفضل من التصرف البشري على طبيعته في كل كسب، والصوت البشري على طبيعته، دون هذا التضخيم الآلي بمكبّرات الصوت؛ فهو من البدع التي لا فائدة فيها إلا لغايات بشرية لا علاقة لها بأصل الإيمان،
ونظرا لأن الآذان هو الإعلام، وهذا لا ينعدم في زمننا، وليست مكبّرات الصوت أفضل الوسائل للإعلام بوقت الصلاة إذ يُبث الآذان بالإذاعة والتلفزة،
ونظرا لأن الآذان شرعا هو الإعلام بوقت الصلاة بكلمات معلومة مأثورة على صفة مخصوصة يحصل بها الإعلام لإقام الصلاة، وذا يتم بمجرد الصت البشري كما كانت الحال مع النبي الكريم وأتباعه، فهل نحن أفضل منهم؟
ونظرا لأن من معاني الترتيل للقرآن خفض الصوت بالقراءة زيادة في التمعّن من معانيها والاعتبار بها،
وبما أن المساجد أمكنة للسجود والتبتّل لله، ما يقتضي التذلّل والخشوع لله، ولا يكون ذلك إلا في سكونٍ لا لغظ ولا جلبة؛ وبالأخص بلا تبرّج إذ هو من أقبح الأشياء في التقوى وأبعدها عن الحق، بما أنها تظهر ما ستره أحسن أفضل، فإذا هو الرياء والمراءاة؛ وهذا أبعد ما يكون عن الدين الصحيح،
لذا، يتعيّن تطهير مساجدنا من مكبّرات الصوت التي لا تحترم الدين حقيقة، إضافة لتشويشها على الناس راحتهم، كما تقلق المؤمن الصادق المبتغي التفرّغ لدينه دون ضجيجٍ ولا هرجٍ، فليس في مكبّر الصوت إلا المرج للنيةّ الصادقة.
وبعد، لقد منع الله رسوله الجهر والمخافتة في صلاته وأمره ابتغاء بين ذلك سبيلا؛ هذا في الصلاة، فما بالك في ترتيل الذكر الحكيم؟ لنبتغ إذن الحسنى في تعاطينا مع ديننا فنكف عن الهزؤ به برفع الصوت فيه لغوا وتكبّرا بمضخّمات الصوت؛ فالمسلم لا يكسب التقوى مرحا، بل لإعطاء المثل الأسمى في مكارم الأخلاق والتواضع وحسن الآداب في كل شيء.
هذا ما يتوجّب على من حسنت نيّته في التمسّك بالعروة الوثقى لإسلامٍ يظلمه أهله بفهمٍ متزمتٍ ليس هو من الإيمان الصحيح، بل من رواسب الإسرائيليات. وكان الله في عون النزهاء في خدمة الدين القيّم خدمة الصادق الصدوق.
نشرت على موقع أنباء تونس