حديث الجمعة: المساواة في الإرث تتم الآن أو لا تتم أبدا
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة تنظم عدة جمعيات مناصرة لحق المرأة في المساواة في الإرث تظاهرة يوم السبت العاشر من الشهر. وليس هذا مما يكفي في قضية أصبحت السلط تتلاعب بها لتعدد المصالح السياسية والأيديولوجية المتضاربة.
لذا، إذا أرادت هذه الجمعيات تحقيق المساواة في الإرث، فعليها عدم الاكتفاء بالتظاهر، بل لتحرص على عرض مشروع قانون توافقي من شأنه أن يتم عرضه على مجلس النواب دون تأخير ثم التصويت عليه في أقرب الآجال، أي الآن قبل الانتخابات البلدية. ذلك أن هذا الحق، إذا لم يتم الحصول عليه الآن، لن يقع ذلك أبدا للأسف؛ فلننتبه إلى هذا الخطر المحدق ونفصل القضية الآن قبل فوات الأوان!
ضرورة رفض مناورات السلطة:
الجميع يعلم أن رئيس الحزب الإسلامي، وهو الذي يحظى بمساندة الغرب في تحالفه الإستراتيجي الرأسمالي مع الإسلام المتزمت، هو الفاطق الناطق في أمور الدين بالبلاد؛ وقد التزم الصمت بخصوص مقترح رئيس الجمهورية بخصوص تحقيق المساواة. والكل يعلم أن رئيس الجمهوية بقي حريصا على عدم اتخاذ أي قرار هام دون استشارة مسبقة لحليفه الإسلامي للحصول على موافقته.
لذا، رأيناه لا يتصرف مثل ما فعل بورقيبة، أي بقوة القانون، بل بتكوين لجنة لم تتنه بعد من مناقشاتها وكأن الأمر يقتضي كل هذا الوقت؛ ونحن نعلم أن اللجان مهمته دفن الملفات الحارقة. فهاهي لجنة بلحاج حميدة تؤجل تقديم تقريرها بعد الانتخابات بينما تقتضي الحال التعجيل به وتقديم مشروع قانون للتصويت عليه في أقرب وقت. ذلك أن الانتخابات، دون أدنى شك، سترفع إلى سدة الحكم في البلديات والجهات حزب النهضة مما سيزيد في إضعاف الدولة وحالها بعد مزرية. فهل بإمكانها فرض ما لم تقدر عليه اليوم وهي في أقضل حال؟
إنه ليتوجّب تحقيق المساواة في الإرث الآن بدون لأي أو خنوع لمناورات السلطة؛ فإما القناعة حاصلة في أن هذا مما حان تحقيقه، ولا داعى للتأخير، وإما هي مناورة جديدة لمنع هذا الإصلاح؛ فليكن ذلك واضحا دون خزعبلات! لذا، ليس من صالح المطالبين بتحقيق المساواة قبول المزاعم في أن الوقت غير مناسب، إذ كل وقت مناسب لتحقيق العدالة وتطبيق الدستور. فلا بد من تحقيق المساواة الآن، وإلا فهذا الإصلاح لن يتم ما دام الحزب الإسلامي في السلطة؛ ونحن نعلم أنه ينوي المحافظة عليها!
عرض مشروع قانون والتصويت عليه عاجلا:
لئن كان في التظاهر فائدة لحمل السلط على الكف عن المناورة والشروع فعلا في تحقيق المطلوب الذي هو مو واجبها المتأكد، فإنه لا يكفي اليوم للمطالبة بالحق، بل لا بد من فرضه والسعي لتحقيقه باستعمال جميع الوسائل الممكنة. فإضافة للتظاهر، لا بد أن يكون ذلك حول مشروع قانون توافقي من شأنه أن يتم عرضه على مجلس نواب الشعب والتصويت عليه عاجلا. هذا، مع العلم أن الدستور يسمح لعشرة نواب فقط في عرض مشاريع القوانين؛ فهلا نجد هذا العدد بين المساندين لحق المرأة المشروع في المساواة في الإرث؟
إن تظاهرة يوم السبت، حتى تنجح تماما، عليها أن تكون مناسبة لعرض نص يقر بحق المساواة ويبيّن طريقة تحقيقه حالا مع التأكيد على أنه يحترم الدين علاوة على الدستور. ذلك أن هذا الأخير يفرض بنفسه ضرورة احترام أهم مبادىء الإسلام، أي العدل والإنصاف، وهي من مقاصد الدين، إذ احترام روح القرآن يعلو بلا منازع مجرد احترام حرفه.
تحقيق المساواة في الإرث إذن هو من مقاصد الإسلام القطعية، فليس هناك نصا قطعيا في الغرض، إذ هو يتنزل في مقصد عدلي أتى متناغما مع روح الإسلام في العدل وفي التدرّج بإحكامه حتى تكون صالحة لزمنها أولا، ولكل زمان ومكان أيضا. وهذا ما يفرض إتمام الثورة التي أتى بها الفرقان في تمكين المرأة من نصف حق الرجل في الميراث بينما لم يكن لها أي حق في زمن ذكوري بحت. أما اليوم، فلها نفس حق الرجل إذ العدل الإسلامي يقتضيه وتفرضه مقاصده.
أما تعلة النص القرآني، فاحترامه يتم باحترام روحه ومقصده مع حرفه، بل وقبله، وإلا نسفنا من الأساس ما يميّز الإسلام من إناسة وعقلانية إضافة للعدل والإنصاف. فهل نقطع اليوم الأيادي وقد جاء فيها نص صريح؟ كفانا ظلما للناس وتشويها للدين الحنيف!
مشروع قانون توافقي:
هذا مشروع كنت عرضته منذ مدة أعيد بسطه هنا إذ من شأنه، لصبغته التوافقية، أن يكون النص الذي يمكن عرضه دون تردد على مجلس النواب والتصويت عليه بأغلبية مريحة مع تحقيق المساواة حالا. فليعرضه المتظاهرون والمتظاهرات غدا، أو ليعرضوا مشرع قانون مماثل في اعتداله دون التضحية بلب القضية، وهي اليوم في تحقيق المساواة دون تأخير.
مشروع قانون في المساواة في الإرث بين الجنسين
اعتمادا على التأكيد الدستوري للمساواة التامة بين المواطنين،
واعتبارا للدور السني للمرأة في المجتمع التونسي وحقها في المساواة مع الرجل،
ونظرا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي شرّفت المرأة فأعلت من شأنها في نطاق توجّه مرحلي تقدمي جاء متناغما مع وجهة التاريخ والمنظومة العالمية للقيم الإنسانية؛
فإن مجلس نواب الشعب يقرر :
لمدة سنوات عشر ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ يقع رفع تطبيق القاعدة الحالية التي تمنح للوارث الذكر مثل حظ الأنثيين، وذلك كما ورد بالباب التاسع من مجلة الأحوال الشخصية.
خلال هذه العشرية، عدا حالة الرفض الثابت من المرأة الوارثة، فإنه يقع تمكين المرأة مثل حظ الذكر في الإرث ليعادل نصيب الأنثى نصيب الذكر الوارث.
وفي نهاية فترة العشر سنوات من تطبيق هذا القانون يقع إقراره نهائيا أو إبطاله بعد تقييم مستفيض لتطبيقه خلال المدة المعنية.
تتم دراسة التقييم من طرف مجلس نواب الشعب قبل نهاية عشرية التطبيق لهذا القانون حتى يقع إثباته نهائيا أو إبطاله.
نشرت على موقع أنباء تونس